لماذا مرة أخرى أدونيس؟  

بقلم : د. بهجت سليمان

{ المشكلة ليست في أدونيس الشّخص، بقدر ما هي في أدونيس الظّاهرة الثّقافيّة المزيّفة }

     1▪ ما يُضطرّ المرء إلى تكرار الأفكار هو واقع أّننا ، أو أغلبنا ، قد بنى ثقافته المعاصرة على أوهام و أصنام وأسماء قلّما كان منها من هو على مستوى الاهتمام الذي يسترعي انتباه العابرين . .

وبات الكثيرون منا أسرى ثقافة استشراقية أو تغريبية ، تقدم لنا السم في الدسم ، وتسوق لنا رموزا تجعل منها قامات ، ليس بسبب إبداعاتها الفكرية والثقافية والفنية ، بل بسبب قناعاتها ومواقفها السياسية البعيدة عن خدمة أوطانها الأصلية .

2▪ و من الصّعوبة أن يتوصّل الوعي المعاصر إلى مستويات من المسؤوليّة التّاريخيّة ، الثّقافيّة و السّياسيّة ، من دون أن يلحظ أهمّيّة تأثير الخرافات التي يمثّلها أشخاص بأنفسهم على إعادة تدوير الثّقافة الرّاكدة في المجتمعات التقليدية الخاملة ..

ففي مثل هذه المجتمعات ، كمجتمعنا ، يتألّف الوعي على أساس جملة من الزّيوف التّاريخيّة الّلاصقة بالوجدان الجمعيّ ، و التي تدخل فيها أسماء الأشخاص المتوّرمين وعيَ المثقّفين ، إلى جانب الأفكار الفارغة ، و لكنْ بخاصّة منها التي جعل منها العرف الّتبجّحيّ حالة من حالات الفولوكلور الُمتداول في حانات الظّواهر الاجتماعّية و الثّقافيّة و السّياسيّة التي تنتشر انتشاراً سرطانيّاً ، و على الأخّص في مثل ظروف الحرب التي نعيشها اليومَ ، حيث تخلو البيئة المعتدى عليها من النّماذج المحفّزة للمعاصَرة التي فيها ينزرع المستقبل بطريقته في الحضور .

3▪ يغدو الفعل الثّقافيّ في مثل هذه الظّروف مطلباً عفويّاً و تلقائيّاً من قبل الضّرورة ، و التي فيها تنشأ ازدحامات النّفاقات السّياسيّة التي تنظر إلى الواقع الدّامي بعين الاستثمار ، لكسب بعض فُتات المجد و الشّهرة و الظّهور ، و لو من منطلقات مستنقعيّة لا يخلو منها يوم واحد إلّا و قد أفرز فيه الظّرف سُمّاً جديداً و تجربة حديثة في محاولات لا تيأس ، فيما تكون أهدافها هي الإجهاز على ما تبّقى من القناعات الاجتماعّية الحاملة لمشروع البقاء و التّطوّر و التّطوير .

وهذا ، أوّلاً ، على صعيد المشاريع الطّنانة التي تطالعنا في كلّ يوم بجملة من السّخافات التي تعجز بذاتها عن تأكيد المؤكّد لولا أنّ لها دعاتها و سماسرتها المتوزّعين في أكثر من مفصل من مفاصل المجتمع و الدّولة في الثّقافة والسّياسة و أضراب هذه و تلك .

و أمّا ، ثانياً ، فعلى صعيد أصنام الأشخاص الذين يساهمون في ”فانتازّيات” و بهرجات السّياسة و الثّقافة المنخلعتين من كلّ جذر تاريخيّ أو اجتماعيّ . و هنا نحن يستوقفنا الشّخص كما يستوقفنا الموقف ، و كما تستوقفنا المناسبة و تستوقفنا الثّقافة الضّالة ، و ذلك في “عكاظات” المناسبات الكارثيّة التي غالباً ما كانت تحيط بتاريخنا المؤلّف ، في الغالب ، منها و قد تحوّلت ، مع أصحابها ، إلى ”صرعات” و استعراضيّات و استعراضات لها أهدافها المُبيّتة و التي تتلخّص جميعها بأنّها تجافي حاجات الوطن في شدّاته المستمرّة كما قد سجّل ويسجّل التّاريخ .

4▪ كان لهذه الحرب التي تطحننا أسبابٌ خارجيّة و موضوعيّة ، كما أسعفتها وسهلت مهمتها أسبابٌ داخليّة و محلّيّة و ذاتيّة ، لايمكن لنا تجاهلها ، معاً .. و ذلك من أجل تكريس خبرة التّجربة و تكديسها في مصنّفات الوعي الثّقافيّ الذي يتصف إجمالا عندنا ، بأنّه وعي سطحيّ لكثرة ما كانت فيه الأحكام على الأفكار و الأحداث و الأشخاص ، أحكاماً زائفة وعاطفيّة و فارغة و ليس لها أيّ تسويغ سوى ذلك العرف الثّقافيّ الذي لطالما رفع أفكاراً و أسماء و أشخاصاً ، بينما هم  من الحضيض يتمايزون .

5▪ و عندما نعمل على إعادة و استعادة مضامين تلك الظّاهرة التي لا يمكن شرحها ، إلّا بما تنطوي على وعي اجتماعيّ و ثقافيّ هابط ، فإنّما نفعل ذلك من باب المسؤوليّة التّاريخيّة التي يحتّمها علينا واجب الحكم الصّحيح في الحدود البرهانيّة المنطقيّة و الثّابتة ، متوخّين في ذلك حذف الضّلالات الثّقافيّة التي رأينا كيف ساهمت في هذه الحرب ، من غير أن نقول أنّها سبّبتْها في الأصل و الأساس .

6▪ و الصّغيرة أخت الكبيرة في البحث عن تفسير التّخلّف الاجتماعيّ و السّياسيّ ، إذ ليس الأمر موضعاً للانتقاء أو الاختيار أو الاستنساب في نقد الظّاهرات و الأشخاص الذين حوّلهم الوعي و الإدراك الهابطان ، إلى أصنام و محرّمات ( تابوهات) ، فاستغلّوا إيمان البلهاء بهم وراحوا يثرثرون بما لا يفهموه و يهرفون بما لا يعرفون ، كما يُقال .

و عندما نكون في مناسبة التّركيز على ظاهرة محدّدة ، فهذا لا يعني أنّ بقيّة الواقع هي حالة صحيحة أو صحيّة ، إذ لا يمكن في مناسبة كتابيّة واحدة قول كلّ شيء دفعة واحدة .

من الطّبيعيّ ، و هذا ما نفعله باستمرار على هذا المنبر ، أن تواجه أنفسنا بمعظم مشكلاتنا ، وفق الممكن و المتاح ، إلّا أنّ من الضّروريّ أيضاً أن نختار الظّاهرات الأكثر فتكاً بالوعي و الثّقافة و قناعات الأفراد و الجماعات ، بحثاً عن موقف نقديّ من تلك الظّواهر التي ما اجتمعت إلّا في تخلّف مجتمعنا و غبائه الثّقافيّ و السّياسيّ ..

و هذا ما راهن عليه أولئك الذين عملوا و يعملون على تخريب الأطر العاّمة و الجزئيّات المفصليّة ، التي تحيط بالوعي و تؤسّس له على نحو غير مرئيّ إلّا بالكاد أو بالنّسبة إلى الاختصاصيين بعلوم النّقد ، و هم الأقدر على تمييز المناسبة و مضمونها وتعرية الأشخاص المنتفخين على أورام سرطانّية و كتل كبيرة من فراغات الهواء و الكذب و النّفاق و الخواء .

7▪ و لا يهم الفعل النّظريّ النّقديّ الممارس بمسؤوليّة و شموليّة ، طريقة أو هواية أيّ من الأفراد و الأشخاص ، وذلك مهما كانت مطالباتهم معتبرة في سياقات اهتماماتنا بالشّأن العامّ ؛ على أنّنا ، ككتاب نقديين ، ربّما ندرك حاجة هؤلاء أو غيرهم أكثر ممّا هم يدركون حاجاتهم على الصّحيح و الأكيد ، إذ ليس كلّ فرد بقادر على تمييز الأمراض التي أوقعتنا في فخ هذه الحرب .

8▪و الغريب في رغبة البعض هو أنّه لم يرَ كيف فعلنا من على منبرنا هذا بالكثير من المشكلات والظّواهر الاجتماعّية و السّياسيّة و الثّقافيّة ، و ذلك إلى أن وصلنا إلى نقد بعض الظّواهر الفرديّة بصيغتها العموميّة ، وبقدر ما كان لها و لا يزال حضورها المزيّف في ساحات الفعل الأدبيّ و الثّقافيّ ، فإذا بذلك ”البعض” يعمل بكلّ انعدام للّياقة و الّلباقة على مصادرتنا من خلال مصادرة طريقتنا الشّخصيّة في اختيار المناسبة الواحدة وفق أولويّاتنا التي لم نطرحها على الاستفتاء “الفيسبوكي” أو الاقتراع الجماهيريّ أو الانتخاب الشّعبيّ ..

و نحن لطالما لم نقم بمصادرة رأي أحد من زوّار و ضيوف و أصدقاء صفحتنا ، هنا ، إذ نعطي لأنفسنا الحقّ كما نمنحه لغيرنا ، وهذا أضعف الإيمان على ما يُقال .

9▪وهنا سنكون في منتهى الصراحة ، ولن نجامل مريدي أدونيس ، كما جاملناهم سابقا ، حين ” بصمنا ” معهم بأن أدونيس يستحق ” نوبل ” أدبيا وثقافيا وفكريا .. مع أن الحقيقة هي غير ذلك ..

والمشكلة ليست في أدونيس الشّخص ، بقدر ما هي في أدونيس الظّاهرة الثّقافيّة المزيّفة التي تجاوزت حجمها في مخيّلة عشّاقه ، مع أنّني أكاد أجزم أنّهم لا يعرفون لماذا يبجّلونه ، و هو الذي لا يُصنّف ، في عداد الشّعراء و الأدباء الكبار – رغم الهالة التي أحاطه بها الغرب –  ، و من باب أَولى أنّه ليس كذلك أيضاً في عداد المفكّرين ؛ لا سيّما أنّنا لو سألنا أحدهم سؤالاً واحداً على أدونيس و مآثره المزعومة ، لعجزوا عن القول و لسقطوا ضحيّة الكلام المرسل الخالي من أّية سجيّة أدبيّة أو فكريّة تنسب إلى أدونيس .

و في كلّ حال ، فإنّ سؤالنا هذا ما يزال قائماً ، ولكنّنا ننتظر الأجوبة المعلّلة و المدعّمة بالأمثلة الخاّصة و العامّة ، تلك التي تشير و لو من بعيد إلى اعتباريّة أدونيس التي يدّعون ( وتلك الأجوبة التي ستكون مرفقة بسيل من الشتائم  والاتهامات من عشاقه ومريديه – لكيلا نقول قطيعه –  بحق كل من لا ينبهر به مثلهم .. )  .

10▪ و للمرّة الثّانية أو الثّالثة أو العاشرة ، فإنّ أدونيس ،  ليس ظاهرة ثقافيّة أو أدبيّة أو فكريّة أو سياسيّة ؛ إلّا بقدر ما حاول أن ينتحل أسلوب ( سان جون بيرس ) الشّاعر الفرنسيّ الشّهير ، فأخفق حتّى في تقليده في كتابة شعر النّثر أو ما يُسمّى بالشّعر المنثور .. وكان كتلة من المتناقضات ، تبدأ  بالإلحاد ، ولا تنتهي بالتبخير لأشهر رمزين تكفيريين في تاريخ الإسلام ، هما ( ابن تيمية ) و ( محمد بن عبد الوهاب ) .

من هو ، إذن ، أدونيس عندما يضعه تاريخ النّقد الأدبيّ أو الشّعريّ أو الجماليّ بعموم ، ناهيك عن السّؤال نفسه عندما نكون في حضرة الفكر أو الفكر السّياسيّ ، الذي حشر نفسه فيه فلم يكن له فيه أيّ أثر.. بل كان  !.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى