أقلّ الناس علماً وثقافة أكثرهم تعصّباً وتخلّفاً

التعصّب بشتّى صنوفه وانعطافاته أساسه الجهل والتخلّف الثقافي والحضاري، والتعصّب الديني هو اسوأ وأخطر أنواعه وأكثرها ضررا للفرد والمجتمع. ولهذا لا يمكن أن يكون المثقّف متعصّبا دينيا إلا إذا أراد استغلال تعصّبه لتحقيق أهداف شخصية أو سياسية أو حزبية الخ.لأن التعصب يتعارض مع القيم الأخلاقية الإنسانية، ومع الايمان بالمساواة بين الناس.

قد يكون المثقف متدينا، أو علمانيا، أو شكّاكا، أو لا أدريا، أو ملحدا وهذا حق له، ولا يتعارض مع مشاعره الإنسانيّة الجمعيّة النبيلة الراقية التي ترفض التعصب وتتجاوز الأنا والمنافع الشخصية، وتفرض عليه احترام قيم وعادات وتقاليد الذين يخالفونه الرأي والاستماع لوجهات نظرهم بتفهم وأدب، وتعزّز معرفته بحدوده العقلية والادراكية وقناعاته بأن التعصّب عدوّ الحقيقة ولا يوصل إلى معرفتها، ولا ينصر قضيّتها، وإن القضايا ذات الأسباب العادلة هي التي تنتصر.

اما المتعصّب الجاهل فإنه لا يدرك محدوديّة تفكيره، ويعتقد أنه مركز الكون، وعبقري زمانه، ودائما على حق، وافكاره المشتتة حقائق مطلقة، ويلجأ إلى العادات والتقاليد والإطار الثقافي العام لمجتمعه لإضفاء الشرعية الاجتماعية على تصرفاته وتزمّته، ويسرف في استخدام الدين لتبرير مواقفه وجهله، ولا يستطيع كسر حلقة الجهل والتخلف التي يعيش فيها، ويتّسم بضحالة ثقافته وفقر تجربته المجتمعية والإنسانية؛ ولهذا فانه يحكم على الأشياء بأسلوب عاطفي نزق سطحي متسرّع لا علاقة له بالتفكير العلمي القائم على إعمال العقل والبحث العلمي، ويميل إلى التعميم الغير منطقي، وإلى تبسيط القضايا الكبرى لعدم قدرته على فهمها والخوض في تفاصيلها وجزئياتها.

ولهذا يمكن القول ببساطة أن التعصب الديني القائم على الجهل، والذي يستغل لأهداف اجتماعية أو سياسية يتعارض مع العقل والمنطق. وإذا ازداد عدد المتعصّبين دينيا في مجتمع ما، فان هذا المجتمع سيواجه مشاكل كبرى قد تعطّل قدرات مواطنيه، وتعيق حركة تقدّمه وازدهاره، وتثير فيه النعرات الطائفيّة والمذهبيّة والفوضى والرعب، وتدمّر نسيجه الاجتماعي لأن المتعصّبين دينيا لا يرون إلا أنفسهم، ولا يحرصون إلا على مكاسبهم الشخصيّة، ومصالح مؤيديهم وأحزابهم وجماعاتهم ومن يتفقون معهم في الراي والأهداف، ولا يدركون معنى الوطن وأهميّة الشراكة فيه، ويرفضون ويحاولون إقصاء كل من يختلف عنهم في الدين أو المذهب أو الفكر، وقد يتجاوزون كل الأعراف والقوانين لأنهم يعتقدون أنهم هم أصحاب الحقيقة المطلقة والمدافعين عنها، وغيرهم على ضلال!

ما حدث في الوطن العربي منذ ظهور موجة التديّن في بداية السبعينيات من القرن الماضي التي أنتجت القاعدة وداعش وعشرات الأحزاب الدينيّة، وأدّت إلى انهيارات وانقسامات وخلافات لا نهاية لها الحقت بمجتمعنا ضررا بالغا يدل دلالة واضحة على أن التعصب الديني هو ابن الجهل الشرعي، وإنه يقود إلى الخراب والدمار واستمرار التسلّط والديكتاتورية والإرهاب الفكري.

ولهذا حرص الحكام العرب على استخدام التعصب الديني المسيّس الذي لا علاقة له بجوهر الدين لتجهيلنا وتضليلنا واطالة أعمار انظمتهم التسلطية الفاسدة المتهالكة، ونجحوا في ذلك نجاحا باهرا يشكرهم عليه أعداء امتنا. إننا نحترق الآن بنيران تعصّبنا الديني وجهلنا وتخلّفنا. لقد أعمى التعصّب والجهل أبصارنا، وغيّب عقولنا، ودمّر أوطاننا و” صرنا فرجة العالم” كما قال الكوميدي السوري ” غوار الطوشة ؟؟”

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى