محمد عبد الوهاب موسيقار اتحف العرب بالحانه على مدى القرن العشرين/ فيديو
من المرجح ان يكون الموسيقار المصري الشهير محمد عدد الوهاب من مواليد 13 مارس/ اذار عام 1898، حسب ما قاله الأديب توفيق الحكيم المولود عام 1898، وكانت تربطهما صداقة متينة.
وحسب ما رواه عبد الوهاب في أحاديث صحفية عديدة، فإنه من مواليد حي باب الشعرية بالقاهرة، وبالتحديد في حارة برجوان، أو حارة الشعراني نسبة إلى مسجد الشعراني حيث عمل الأب عبد الوهاب عيسى إماما للمسجد، بعدما جاء من مسقط رأسه بأبو كبير بمحافظة الشرقية، لينجب عبد الوهاب خمسة أبناء: حسن، وعائشة، وزينب، ومحمد، وأحمد.
ومنذ طفولته سبب محمد المشاكل دوما لأسرته الهادئة، أولا بمرضه المبكر وهو لا زال طفلا ابن عامين، واعتقاد الأب أنه على وشك الموت، مما دعاه لاستخراج شهادة وفاة بالفعل باسم الطفل محمد عبد الوهاب، وحتى فراره المستمر من “الكتّاب” إلى ملاهي الأزبكية للاستماع إلى مطربيها، ثم العمل معهم لاحقا في فرقة “فوزي الجزايرلي”، حيث غنى عبد الوهاب بين الفواصل المسرحية أغنيات الشيخ سلامة حجازي وهو لا زال دون العاشرة.
هذه الفترة التي سبقت قيام الحرب العالمية الأولى، حيث انتشرت الملاهي لتسلية جنود الاحتلال الذين يملؤون برّ مصر، وكثرت معها الأغاني الخليعة التي تحمل إيحاءات جنسية أكثر مما تحمل طربا.
كل هذه الأمور جعلت الأسرة تخاف على الصبي الصغير المفتون بالغناء من انخراطه في هذا الوسط، لكنها لم تجد أمام إصراره غير أن تلحقه بفرقة “عبد الرحمن رشدي” حتى يمارس هوايته تحت إشرافهم، وكانت الفرقة تقدم عروضا مسرحية رفيعة مع فواصل غنائية بين الفصول ككل الفرق الأخرى، وهناك سمعه لأول مرة أمير الشعراء أحمد شوقي.
اللقاء مع أمير الشعراء
كانت مقابلة شوقي للفتى نكبة عليه، إذ اشتكى شوقي لحكمدار القاهرة مما رآه في الفرقة التي تشغل صبيا لم يبلغ بعد، مما دفع عبد الرحمن رشدي للاستغناء عن عبد الوهاب خشية غضب الشاعر الثري صاحب النفوذ الواسع.
لكن هذا كان الفصل الأول فحسب في علاقة شوقي بالفتى الصغير عبد الوهاب، وكانت سنوات قد مرت وكبر الصبي وبدأ دراسة الموسيقى في نادي الموسيقى الشرقي (معهد الموسيقى العربية لاحقا)، كما عمل مدرسا للأناشيد في مدرسة الخازندارة الابتدائية.
لكن عام 1924 شهد تحولا في حياته، عندما غنى “جددي يا نفس حظك” في حفلة أقامها نادي الموسيقى الشرقي في كازينو سان استيفانو بالإسكندرية، حيث سمعه شوقي مجددا، لكن هذه المرة كان مؤيدا وداعما للمغني الشاب.
وبدأ تردد عبد الوهاب على منزل شوقي يأخذ طابعا روتينيا، في حي المطرية أولا ثم الجيزة لاحقا عقب انتقاله إلى بيته الجديد الذي أطلق عليه “كرمة ابن هانئ”.
ويصف عبد الوهاب هذه السنوات التي لازم فيها أحمد شوقي بأنها شكّلت حياته بعد ذلك، فقد عمل شوقي على تثقيف المطرب النابغة، وثقل موهبته بالدعم المادي والمعنوي، وصحبه في رحلة إلى باريس، وعبّد له الطرق للوصول إلى حفلات الطبقة الأرستقراطية، وعرّفه على العائلة المالكة المصرية، والملك فيصل ملك السعودية حتى بات يعرف باسم “مطرب الملوك والأمراء”.
ونقل شوقي إلى عبد الوهاب تحفظه وهوسه الدائم بفكرة الخوف من المرض، والحرص الشديد على الصحة، بعد أن رأى في المطرب الجديد خير حافظا لأشعاره التي كان يخشى عليها من الاندثار بعد وفاته.
عالم السينما
السنوات التي تلت وفاة شوقي، شهدت انطلاقة محمد عبد الوهاب إلى آفاق أوسع، حيث لم يعد هو الملحن الذي جيء به ليتم عمل سيد درويش في مسرح منيرة المهدية بعد وفاته، لكنه أصبح من أهم مطربي القطر المصري، وأسهم تعرفه على رائد السينما المصرية المخرج محمد كريم في إقناعه بدخول عالم السينما ممثلا ومطربا وملحنا ومنتجا في سبعة أفلام، بدأها عام 1932 بفيلم “الوردة البيضاء”، وصولا إلى فيلم “لست ملاكا” عام 1946، ليعتزل بعدها التمثيل السينمائي إلا من ظهور بشخصه في أفلام “غزل البنات” عام 1949، و”منتهى الفرح” عام 1963.
خلال هذه الأعوام كان عبد الوهاب قد تزوج ثلاث مرات؛ الأولى من سيدة ثرية مجهولة، أخفى زواجه بها عشر سنوات حتى تم الانفصال، والثانية من السيدة “إقبال نصّار” التي أنجبت له أولاده: محمد، وأحمد، وعصمت، وعفت، وعائشة”، حتى وقع الطلاق بينهما عام 1958 ليتزوج للمرة الثالثة من السيدة السورية نهلة القدسي ويستقرا معا في منزله المطل على نيل القاهرة بحي الزمالك.
حتى وفاته في الرابع من مايو/أيار 1991 كان عبد الوهاب -الذي اعتزل الغناء في الحفلات وهو في قمة نجاحه- قدّم مئات الأغنيات لكل المطربين العرب من الأجيال المختلفة مثل: أم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وشادية، ووردة، ونجاة الصغيرة، وفيروز، وفايزة أحمد، وليلى مراد، وأسمهان، وصباح، ومحمد ثروت.
وكان عام 1989 شهد عودته للغناء منافسا أجيالا لم تعاصر مجده الأول بأغنية “من غير ليه” التي توفي بعدها وهو لا زال ملء السمع والبصر، وشيع في جنازة عسكرية تقدمها رئيس الجمهورية المصري وقتها.