هل انتهت “اللعبة” بالجزائر وسقطت عروض “انصاف الحلول” وآن للرئيس بوتفليقة الرحيل من سدة الحكم الى دفتر التاريخ ؟؟

امس وفي أوسع تظاهرة شهدتها الجزائر منذ انطلاق الحراك الشعبي، جدّد المتظاهرون في جمعتهم الرابعة، الأولى بعد إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مرحلة انتقالية، رفضهم بقاءه في الرئاسة، بالطريقة التي أقرها في رسالته الأخيرة، والتي أعلن فيها إلغاء الانتخابات والاستمرار في الحكم إلى غاية تنظيم انتخابات مبكرة لا يكون مرشحاً فيها. مئات الآلاف نزلوا إلى الشوارع أمس، بعدما اعتبروا ما ورد من قرارات في رسالة الرئيس تحايلاً على مطلبهم رحيله.
وبعيداً عن شعار «لا للعهدة الخامسة»، رفعوا شعارات أوضح هذه المرة، تطلب من بوتفليقة الرحيل فور نهاية ولايته في 16 نيسان/ أبريل المقبل، وعبّروا عن ذلك بهتاف صيغ بالدارجة الجزائرية يقول: «متزيدش دقيقة يا بوتفليقة»، مستمرين في صنع مشاهد استثنائية في الشوارع، وخاصة في العاصمة، بفضل تمسكهم بالإطار السلمي، والحضور اللافت للعائلات في المسيرات التي تحولت إلى ما يشبه كرنفالاً سياسياً شعبياً، فيما ابتعدت السلطات تماماً عن أسلوب القمع، كما دأبت منذ بدء التظاهرات.
يزيد الإصرار الشعبي على رحيل بوتفليقة فوراً، من متاعب السلطة، التي جرّبت كل الأوراق الممكنة لإعادة المتظاهرين إلى منازلهم خلال الأسابيع الماضية، من دون أن تنجح. ولم يبق أمام الرئيس، في هذه الحالة، سوى الاستقالة من منصبه أو إعلان مغادرته الحكم فور نهاية ولايته بعد شهر، إلا أن هذا الخيار يبدو غير محسوم، بسبب المخاوف من أن يولّد فراغاً في المؤسسات يصعب تعويضه، كما يقول الموالون. أما المعارضون، فلا يرون بديلاً من تنحّي الرئيس من أجل تهدئة الشارع، ومن ثم التفكير في تسيير مرحلة انتقالية، عبر حكومة توافقية تحضر لتنظيم انتخابات حقيقية، تعيد لأول مرة الكلمة إلى الشعب ليختار رئيسه.
سيكون هذا الأسبوع حاسماً في معرفة رد فعل الرئيس ومحيطه، على مسيرات أمس الرافضة لاستمراره، وكذلك لتبيُّن موقف الجيش منها. لكن السلطة تواجه حالياً مأزقاً كبيراً بسبب عدم قدرتها حتى على تشكيل حكومة تحظى بشيء من التمثيل في الشارع، وهو ما يفسر هذا الانتظار الطويل لإعلان تشكيلتها، بعدما تم تعيين الوزير الأول الجديد نور الدين بدوي، ونائبه رمطان لعمامرة، الذي سيقود في الوقت نفسه حقيبة الخارجية.
ووفق مصادر مطلعة، يعود التأجيل إلى تعثر المشاورات، في ظلّ رفض العديد من الشخصيات الانضمام إلى الحكومة، نظراً الى حساسية الوضع الحالي. بناءً على ذلك، يُنتظر أن تتشكل الحكومة من شخصيات لم يسبق لها تحمل مسؤولية سياسية كبيرة، كنوع من تجديد الوجوه، لكن مع احتمال ضعيف بأن تنال ثقة الشارع، الذي يبدو أنه يرفض هذه الحكومة حتى قبل الإعلان عنها.
فقد ظهرت في مسيرات أمس شعارات تندد بتعيين الوزير الأول نور الدين بدوي، باعتباره كما وصفه بعض المتظاهرين، من المقربين من السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس ومستشاره الخاص، وصاحب النفوذ الواسع في فترة ما بعد مرض بوتفليقة. ويرفض قسم كبير من المعارضة أيضاً هذا التعيين، ويعتبره إشارة على نيات السلطة الخفية، على اعتبار أن بدوي كان وزيراً للداخلية، وسبق له الإشراف على العديد من الانتخابات التي يُتهم بتزويرها لمصلحة حزب الرئيس.
كما يُتهم بدوي، كذلك، بممارسة القمع ضد الأطباء والأساتذة والعمال الذين تظاهروا في الأشهر الماضية للمطالبة بتحسين ظروف عملهم، وتعرضوا لاعتداءات شديدة من قِبَل قوات الأمن، وهذا ما جعله اليوم مرفوضاً شعبياً.
ومما زاد في الشكوك حول قدرة الوزير الأول الجديد على تسيير المرحلة المقبلة، أنه لم يُوفّق في أول ظهور إعلامي له كوزير أول، فقد غرقت إجاباته في العموميات، ولم يردّ إطلاقاً على السؤال الملح المتعلق بمدى قانونية قرار بوتفليقة التمديد لنفسه ودستوريته.
واللافت أن رسائل الجزائريين لم تقتصر أمس على سلطات بلادهم في الداخل، بل تعدتها إلى الخارج أيضاً. حيث نددت بعض الشعارات التي حملها المتظاهرون، بشدة، بتدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في الشأن الجزائري، عندما طالب بأن تكون المرحلة الانتقالية في أقصر وقت ممكن، وطالبوه بأن يهتم بـ«ستراته الصفراء»، مثلما ظهر في شارع ديدوش مراد في قلب العاصمة الجزائرية.
كذلك، ظهرت شعارات عدة ترفض تكليف الأخضر الإبراهيمي، المبعوث الأممي السابق ووزير الخارجية بداية التسعينيات، بترؤس الندوة الوطنية التي اقترحتها رسالة بوتفليقة الأخيرة. وطالب المتظاهرون الإبراهيمي بالرحيل أيضاً، بعد دفاعه بقوة هذه الأيام على القنوات التلفزيونية عن خريطة طريق بوتفليقة.
وتثار مخاوف من أن يكون دور وزير الخارجية الجديد، رمطان لعمامرة، المعروف بعلاقاته القوية مع فرنسا وأميركا، وكذلك الإبراهيمي الذي لديه امتدادات في الخليج، الترويج خارجياً لبقاء بوتفليقة في الحكم، حتى مع رفض الجزائريين لهذا الخيار.
وكان بوتفليقة قد تراجع عن قراره الترشح لولاية جديدة يوم الاثنين الماضي بعد احتجاجات شعبية ضده. لكنه لم يعلن تنحيه على الفور، إذ يعتزم البقاء في السلطة لحين صياغة دستور جديد.
وقد رفض الجزائريون بسرعة هذا العرض وطالبوا الرئيس البالغ من العمر 82 عاما بالتنحي وتسليم السلطة لجيل شباب القادة ممن سيتمكنون من إتاحة وظائف والقضاء على الفساد.
وقال طبيب يدعى ماجد بن زيده (37 عاما) ”من يعتقد أننا تعبنا مخطئ. احتجاجاتنا مستمرة“. وأغلقت الشرطة الطرق المؤدية لمقر الحكومة والبرلمان.
وبدأ بوتفليقة يفقد حلفاءه بوتيرة متسارعة في الأيام القليلة الماضية بعد عودته من رحلة علاج في سويسرا.
وقال قيادي بارز في الحزب الحاكم خلال مقابلة مساء الخميس إن بوتفليقة أصبح ”تاريخا الآن“.
وتعد التصريحات التي أدلى بها حسين خلدون لقناة النهار التلفزيونية ليل الجمعة ضربة جديدة لبوتفليقة الذي كان يأمل في تهدئة الجزائريين بالتعهد باتخاذ خطوات لتغيير الساحة السياسية التي يهيمن عليها هو والمقربون منه منذ عقود.
وأصبح خلدون، وهو متحدث سابق باسم الحزب الحاكم، أحد أهم المسؤولين في الحزب الذي أعلن انشقاقه عن بوتفليقة. وقال إنه يتعين على الحزب أن يتطلع إلى المستقبل وأن يدعم أهداف المحتجين.
كما دعا أحد أبرز رجال الدين في الجزائر إلى التحلي بالصبر، وقال محمد عبد القادر حيدر في أحد مساجد العاصمة ”دعونا نتفاءل. تحتاج الجزائر لتخطي أزمتها“.
ونادرا ما يظهر بوتفليقة (82 عاما) علنا منذ إصابته بجلطة في عام 2013 ويقول المحتجون إنه لم يعد لائقا للحكم.
وقال رئيس الوزراء الجديد نور الدين بدوي يوم امس الاول الخميس إنه سيشكل حكومة مؤقتة من خبراء وآخرين للعمل على تحقيق تغيير سياسي وحث المعارضة على الانضمام للحوار.
ومن جانبه، قال وزير سابق على صلة بالمقربين من بوتفليقة لرويترز إن الرئيس قد لا يصمد نظرا لتزايد الضغوط عليه من كافة الطبقات الاجتماعية في الجزائر.
وقال الوزير الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن “اللعبة” قد انتهت، وإن بوتفليقة لا يملك خيارا سوى التنحي الآن.
ويقول الكثير من الجزائريين إن الرئيس وشخصيات أخرى من قدامى المحاربين في حرب الاستقلال ضد فرنسا بين عامي 1954 و1962 أهملوهم لعشرات السنين.
هذا وقد بقي الجيش، الذي عادة ما يلعب دورا سياسيا من وراء الكواليس، بمنأى عن بوتفليقة، وظل في ثكناته خلال الأزمة. ومن المتوقع أن يحتفظ الجيش بنفوذ قوي في كل السيناريوهات المحتملة.
وتجنبت الجزائر إلى حد بعيد الاضطرابات التي صاحبت انتفاضات الربيع العربي في 2011 التي أطاحت بزعماء عرب آخرين في الشرق الأوسط.
وتمكن بوتفليقة وحلفاؤه من تجنب وقوع اضطرابات كبرى وقتها إذ كان لدى الحكومة ما يكفي من السيولة من عائدات النفط لاحتواء الإحباط حيث مكنتها من تقديم قروض بفائدة منخفضة.
وينسب جزائريون من الجيل الأكبر سنا لبوتفليقة الفضل في إنهاء الحرب الأهلية بين قوات الأمن والإسلاميين في التسعينيات وتحمل الكثير من الجزائريين حكما قمعيا لفترة طويلة كثمن للحفاظ على الاستقرار.
لكن الجماهير فقدت صبرها في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وفشل الحزب الحاكم في نقل السلطة لجيل جديد على الرغم من تدهور الحالة الصحية للرئيس.