كيفيّات تجلّي “السّياسيّ” في آثار الحرب على سورية .. و التّبادل الموضوعيّ والضّروريّ والنّهائيّ للأدوار

    ليس فقط ” أهْلُ مَكَّةَ  أدْرَى ب شِعابِها “، بل ” أهل الشام أدرى بـ شِعابِها و بـ شِعابِهِمْ “

  ■  صحيح أن الدول الإقليمية ترى مصالحها من منظور إقليمي ، و أن الدول العظمى ترى مصالحها من منظور كوني .. وهذا حقها .. ولكن من غير الصحيح أن تكون تلك المصالح على حساب الآخرين ، وخاصة من الأصدقاء.. فكيف بالشعوب الحية والقيادات التاريخية التي لا تقبل ولا تسمح إلا بالمصالح المشروعة المتبادلة !!

■  في محصّلة الانتصارات على الإرهاب ، سيكون من الطّبيعيّ عدم السماح بتسلّل رموز الإرهاب وسدنته إلى الدّولة السّوريّة و الحكومات السّوريّة و المجتمع السّوريّ الشّريف ، و ذلك في أيّة صيغة من صيغ ”السّياسيّ” ، سواء أكان في الحكم أو في الدّستور .

1▪ لا ينَفدُ تاريخ الأفكار و الأفعال السّياسيّة من الحاجة الماسّة إلى إعادةالنّظر بالمضامين و المدلولات التي يحتوي عليها ، طالما أنّ الأجيال المتوالية من العقول و الأفكار و الدّول و المنظومات الطّامحة إلى السّيطرة و السّيادة ، تتوالى على مرّ الأزمنة و الأحداث في تعاقب يستمرّ ما استمرّ الإنسانُ في الحدوث و التّوالد و التّكرار و محاولاته في الاستيلاء والُملكِ و المِلكيّة والاستعلاء و الاستحواز و الاستحواذ ، سواءٌ ما كان ذلك في التّفرّد و الفردانيّة أو في “المشروع” .

و في إلقائنا نظرة عامّة على تاريخ البشريّة ، لا يُمكننا أن نعزل ”السّبب” الذي يقوم وراء الفعل السّياسيّ عن الممارسة السّياسيّة نفسها ، و ذلك منذ نشأة الجماعات الأولى و التّجمّعات البشريّة المبكّرة ، و الذي أصبح ” التنظيم” مع فروض وجودها أمراً حيويّاً و بالغ الحاجة ، التي تعني الوجود المستقرّ للجماعة في توزيع العمل و تبادل المعطيات و المنتجات العامّة ، المادّيّة منها و الرمزيّة ، و هو ما جعل العالم النّاشئ و المستمرّ ، على مرّ حضارتنا هذه ، على الأقلّ ، عالماً يتبادل فيه الوضوح و الغموض الأدوار والمرتبات و الطّبائع و الدّرجات و الأفعال و الأقوال .

و بغضّ النّظر ، الآن ، عن العودة إلى كيفيّات تشكّل النّموذج المبسّط أو البسيط للدّولة ؛ حيث كنّا قد أشبعناه مراراً بالتّحليل النّظريّ التّاريخيّ على هذا المنبر ؛ فإنّ مجرّد البحث في شكل الدّولة المعاصر و دورها الاجتماعيّ والسّياسيّ و الثّقافيّ و الاقتصاديّ ، يُفضي بنا مباشرة إلى الوقوف على فكرة المبدأ ” السّياسيّ” بما هو ”عامل” عميق المدلول ، و يحتاج مِنّا إلى الوقوف على هذا ” العامل” النّوعيّ ، الذي يُعتبر الدّليل الأكبر و الوحيد على استمرار المجتمعات و الأفراد و الدّول ، و ذلك بقدر ما يضرب جذوره عميقاً في أساس وجودنا ، بجلبة أو بصمت ، و بمداورة أو بمباشرة ..

وهو ما يشكّل ، بالنّسبة إلى النّظريّة النّقديّة السّياسيّة ، شاغلاً معلناً أو مستتراً في النّشاطات الخاصّة و العامة ، و هو ما يعني ، على الأقلّ ، ضرورة النّظر إلى” السّياسيّ” بوصفه المحرّك الثّابت المنتج للتّطوّر و بأشكاله المختلفة ، سواءٌ منها التّغيير و التّقدّم و التّأثير بالقوّة أو العنف أو الثّقافة أو الإخضاع أو الخضوع .

2▪ يعتبر العامل أو المبدأ أو الشّاغل “ السّياسي” حالة من الحالات غير الملموسة وغير الخاضعة إلى ”قوانين” وضعيّة واضحة أو مباشرة ، و هو بالضّبط ما يجعل ضرورة البحث في كيفيّات سطوع و اتّساع طيف “ السّياسيّ” ، أمراً بالغ الأهمّيّة و الحاجة و الضّرورة و الصّعوبة أيضاً ، إذ لم يأخذ “ السّياسيّ” في تاريخه ، مطلقاً ، أيّ شكلٍ من أشكال النّصاعة التي تكفي العلاقة بين السّبب و النّتيجة ، الّلهمّ إلّا في أذهان الذين يريدون طمس عقول المفكّرين أو من يهوَونَ العيشَ في أدغال الأوهام و الإعلام .

و بالقدر ذاته الذي يجري به الحديث على ”السّياسة” و “السّياسيّ” ، فإنّ النّظرة المعرفيّة الّلازمة و الكافية لاستجلاء الدّلالات المختلفة في هذا الشأن ، هي في الحقيقة نظرة مختلَطة من الواقعيّة السّطحيّة و المجاز و المقاربات الفاشلة أو شبه الفاشلة ، في تحديد أطر مفهوم ”السّياسيّ” الذي غدا معه الغادي و الصّادي ، يتثاقف بالكلمات التي تشبه ”السّياسة” ، بينما هي ، في الواقع ، تقارب أشياءً أخرى شبيهة بها و لا تقع فيها ، على رغمَ حوَمَانِها حولها كمن يحوم حول الوغى و لا يقع فيه .

و يمكن للعقل الّنقديّ أن يجعل من فهم هذا الوضع وسيلة مباشرة و عمليّة و فعّالة في تنظيم الأفكار في تنظيمٍ حازم ، يعتمد خبرة خاصّة و تجربة خاضعة في نضوجها ، إلى التّفنيد الدّائب الذي يُميّز مُنفّذِيهِ بواقعيّتهم السّياسيّة التي تَلِجُ إلى الظّاهرة السّياسيّة ولوجاً ، يحتنكُ اكتناه أسرار أساليب الإبهام المقصودة أو مواطن الغموض الطّبيعيّة ، التي يُصادف أن يُعبّر فيه ” السّياسيّ” ، كخطاب في المدى ، عن ضروراته الموضوعيّة التي لا يُمكن شرحها في مناسبات نشاط البعد الّلازم للقول ، أو للصّمت الذي يُتيح كلّ منهما فرصة للمتعيّشين الإعلاميين ، من أجل ممارستهم سفسطات خطابهم القاصر و الذي يتساوى في ذلك توّجهه و توجيهه و اجتهاداته و ابتكاراته ، في لزومه رثائيّة تاريخيّة حقّت له دون أدنى منازع أو انتزاع ..

3▪ تتّصل آثار التّاريخ اتّصالاً متيناً بحيث تبدو في ذاتها قصّة متكاملة متساوقة ، و لو ظهرت للنّاظرين أو القارئين أو المحلّلين على أنّها منفصلة الأحداث فاقدة ترابطاتها الحقيقيّة .

وعلى كلّ وجه فإنّنا لا نستطيع سبر الأنساق الفكرّية السّياسيّة المعاصرة ، التي تمكّننا من فهم تجلّيات الظّاهرة السّياسيّة المعاصرة بكيفيّاتها العمليّة و النّظريّة ، ما لم ننقّبْ في تاريخ معطياتها التي علينا أن نقرأها كذلك .

و أعني أن نقرأها على أنّها حاملة ترابطاتها التي تظهر لنفسها كأسباب للظّاهرة ، فيما هي في الحقيقة استمراريّات متلازمة لأوضاع و أحوال تاريخّية اجتمعت عبر تراكماتها النّوعيّة الانتخابّية ، و التي يُعتبر أمر انتخابها المتّصل فعلاً إنسانيّاً خالصاً ، وفق ميل الكتلة النّوعيّة للشّروط التّاريخيّة و اختياراتها الموضوعيّة ، و لو أنّ هذا التّوصيف يبدو متناقضاً في المنطوق ، من حيِثُ أنّ الموضوعيّة تحرم خيارات الإنسان و تفصله عن الأهواء و الّرغبات ، لولا أنّ الموضوعيّة نفسها ليست خارج الشّرط الإنسانيّ ، و لو أنّها في الكثير من الأحوال تعمل على تسخير الإنسان و الجماعات و الأفكار تسخيراً صامتاً دون إمكانيّتنا ، كبشر ، على فهم موضوعة أنّ اختياراتنا نفسها إنّما هي أقدار موضوعيّة تبدّت لنا كابتكارات ذكائيّة ، بينما هي بعيدة عن هذه الأوهام التي يعيشها البشر كحقائق ، و ذلك بقدر فقدان الإنسان الاجتماعيّ – السّياسيّ قدرته على الامتثال للعدالة ، إن لم نقل بقدر اعتداءاته على هذه العدالة .

4▪ و في هذه المناسبة الفكريّة بالضّبط ، فقد امتاز تاريخنا ، في سورية ،على الأخصّ ، منذ آلاف السّنين ؛ و أعني منذ الحضارات الأولى في هذه المنطقة من العالم ، بصفتها كانت مركزاً لهذا العالم ؛ و تميّز بأنّه تاريخ تمزّق تطوّريّ و توزّع قهريّ و جبريّ لآثار هذه الحضارات المتعدّدة القديمة في المكان ، و انفراغ كمونها و توتّرها و زخمها الفكريّ و المادّي ، على نحو انتثاريّ جعل صورة هذا الانتثار صورة لأثر متمزّق أو ممزوق ، صادف أنّه بصمة جينيالوجيّة اجتماعيّة و سياسيّة ، و لهذا كان ( توينبي ) المؤرّخ البريطانيّ الكبير ، المعاصر ، على حقّ عندما قال في كتابه ” تاريخ البشريّة” ، إنّ التّطوّر الذي رافق الحضارات الأولى و “الانسياح” الدّيموغرافيّ السّياسيّ قد جعل ”المدنيّة السّوريّة” تبدأ مسيرتها ” المدنيّة” الحضاريّة في حالة من ”التّمزّق السّياسيّ” .   [  أرنولد توينبي – تاريخ البشريّة – ص( 170 و ما بعد) ] .

و مع هذه ”الانسياحات” جرى ما يُشبه التّأصيل المتراكم لاستقطابات ثقافّية نوعيّة ، لم تكن ، في الأصل ، قد قامت بانسجام تاريخيّ نظراً للتّنوّع الكمّيّ و النّوعيّ الحضاريّ في المكان ، على اعتبار المنطقة أصلاً مركزيّاً للثّقافة و السّياسة التّاريخيّتين .

و على المدى البعيد ، فقد تحجّرت تخوم الاستقطاب السّياسيّ في أنماط ونماذج وأنساق ، بشريّة و فكريّة ( ثقافيّة ) ، جعلت الّلحمة الاجتماعّية ضرباً من التّمنّي ، و هذا بالنّسبة إلى النّظم السّياسيّة المتوالية في التّاريخ ، حيث مايزال يُسمع ، إلى اليوم ، صدى هذا التّنوّع القادم من تمزّق ديناميّ معقّد وفعال ، و هو ما يُفسّر ، بالنّسبة إلينا ، الكثير من تعقيد ”الظّاهرة السّياسيّة” السّوريّة في محيطها القريب و في فضائها العالميّ أيضاً .

5▪ على هذا التّأسيس ، فإنّ القليلين من المشتغلين بالسّياسة الرّسميّة أو “المدنيّة” هم ممّن يستطيعون معالجة ”السّياسيّ” معالجة تاريخيّة و فكريّة ، تسمح بسبر الجينيالوجيا السّياسيّة للحدث ، بشكل عام ، و بخاصّة لهذه “الحرب” التي نعيشها و يعيشها معنا المنطقة و الإقليم و العالم ، و كلّ على طريقته في الدّور و التّفكير و المصلحة و الوظيفة .

لا يسمح المشهد الأخير للحرب ؛ و من دون الدّخول في تفاصيل و أسباب جمودها و مراوحتها المؤلمة و الدّاميّة ، و عذاباتها الحالّة و الوشيكة باستمرار ؛ بالتّهرّب من مسؤوليّة “النّظريّ” و “العمليّ” في البعد السّياسيّ ، في آثاره المعروفة للجميع ، و لا بدّ من الاعتراف بأنّ “الحرب” قد تجاوزت التّفكير السّياسيّ لأعتى ”المفكّرين” ، وقد وصلت إلى طريق شبه مسدود ، و بخاصّة عندما نتفهّم كيفيّات ارتباطات الحلول السّياسيّة المزعومة و الوافدة بالحلول العسكريّة على الأرض .

6▪ من خصائص تجلّيات ” السّياسيّ” ، في بعديه النّظريّ و العمليّ ، هو في كونه لا قانون له و لا قواعد رياضية ، حيث يجب أن ننسى هذه المظاهر الكاذبة لقوانين و هيئات و مؤسّسات “المجتمع الدّوليّ” ، من جهة أنّ ” السّياسيّ” ، وبكافة مظاهره ، هو وليد الّلحظة التّاريخيّة المشتملة ، دوماً ، على الجديد والمستجدّ ، هذا و لو أنّها لها ثوابتها و لكن تلك المتعلّقة بالقوّة و منطق العنف المباشر و غير المباشر ، الذي يتجلّى ما بين سحق البشر و الضّغوطات الممارسة على العيش إلى التّصريحات التي لا تبغي ما تقول .

في هذا المناخ الفكريّ لِـ”السّياسيّ” ، فإنّه من الطّبيعيّ أن يجري ، بالفعل المستتر ، توازع الأدوار و الوظائف و المواقف بين الأقوياء و الضّعفاء ، و هو ، غالباً ، بالأحرى ، نوع من التّوزيع القسريّ غير المعلن ، حتّى ما بين الشّركاء و الحلفاء أنفسهم ..

مع أنّ مصطلحات الحليف أو الشّريك ، إنّما هي مصطلحات من قبيل القاموس السّياسيّ نفسه ذلك الذي خُلِقَ في ظروف التّجربة التّاريخيّة التي جعلت منه قاموساً غير ملزم ، هذا إن لم نقل إنّه قاموس وهميّ .

7▪ يتّفق ( توينبي ) مع الرأي [  انظر ، المصدر أعلاه – ص( 451 ، و ما بعد) ] ، الذي يقول بأنّ الاندياح الحضاريّ قد تمّ من “بلاد الّشام” إلى ”شبه الجزيرة العربيّة” [  و هذا وفق المصطلحات الجغرافيّة الدّارجة  ] ، و ليس العكس ..

و هذا بالنّسبة إلينا ما يُفسّر تأصّل ”السّياسيّ” في عراقة المدنيّة العربيّة السّوريّة ، وهو ما يجعلنا نؤكد على الرأي ، الذي كثيراً ما ردّدناه على هذا المنبر ، من أنّ الخلافات العربّية في المنطقة هي خلافات جذرّية و جينيالوجيّة ، حيث انقسم ”العرب” مبكّراً منذ الحربين الكُبْرَيين الأعنف بين ” الرّومان” ( البيزنطيين ) ، وبين ”الفرس” ( السّاسانيين ) [ 572 – 591 م ] و [ 604 – 628 م ] ..

حيث كانت ”عاصمة العرب” المناهضين للرّوم ، في ( الحيرة – بالقرب من الكوفة اليوم ) ، مُنَاصِرَةً للفُرْس ، فيما كانت ”الأسرة العربيّة الغسّانيّة” في الجنوب السّوريّ ، مناصرة للرّوم ؛ و في أوقات السّلم بين ”الرّوم” و “الفرس” ، كانت التّجارة تنشط ما بين العرب المناصرين لأولئكَ أو هؤلاء .

يمكننا أن نشتقَّ من هذه الصّورة وجهاً لِ ”السّياسيّ” عند العرب و في المنطقة و في سورية بخاصّة ، و هو الوجه الماكر و المخادع السّياسيّ ، السّوريّ و العربيّ المشرقيّ بوجه عام ، و هو ما سوف يجعل ”السّياسيّ” المعاصر قابلاً للفهم على نحو أوضح و أفضل ممّا لو اتّبعنا الطّريقة الثّقافيّة الغثة في التّحليل .

و بدون تحفّظ فإنّنا نستطيع تصوّر الإوالّيات ( الميكانيزمات ) و الفاعليّات( الدّيناميّات ) التي تعمّمت بها هذه الأبعاد الأخلاقّية السّياسيّة في الأصقاع العربّية الأخرى ، مع الفتوحات الأموّية الأولى التي وصلت حتّى أوربّا من جهة الغرب و الشّمال الغربيّ ، و اجتاحت آسيا من الشّرق .

8▪ إذا دقّقنا النّظر قليلاً في الحرب السّوريّة المضارعة ، فإنّه من غير الصّعب قراءة ”السّياسيّ” المعاصر لنا في هذه الحرب في تجلّياته المختلفة ورهاناته التي لا تفاجئ العقل التّاريخيّ ، بقدر ما يبحث فيها هذا النّوع من العقل عن تطبيقات عمليّة لاستمرارّيات هذا التّاريخ ، أكثر من القول التّقليديّ بأنّ التّاريخَ يُكرّر نفسه .

إنّ تفسير الاستقطابات المسلّحة بأروماتها الّرئيسيّة ذات البعد التّاريخيّ ، ليست أكثر أو أقلّ من تجلّيات جينيالوجيّة في المعاصر ”السّياسيّ” الذي أخذ له ، و حسب ، أدوراً و وظائفَ جديدة ، كانت كامنة في المخادعات والمخاتلات في ما يُسمّونه ، بالعيش المشترك ، الاجتماعيّ أو الجمعيّ ، و الأخلاقيّ ، و السّياسيّ .

و على رغم أنّنا نطرق باباً جديداً و ندخل في بيئة حديثة لقراءة ”السّياسيّ” المعاصر في سورية في هذه السّنوات و ف يما هو مقبل من السّنوات ، إلّا أنّ الحقيقة التي يعزّ على الكثيرين من ”المتنوّرين” المزعومين و المثقّفين و الأكاديميين المزيّفين الاعتراف بها ، هي في أنّنا لم نكن يوماً ، بالفعل ، نعيش عيشاً مشتركاً ، بقدر ما كان هذا العيش مفخّخاً بنوايا الانقضاض المتبادل على الآخر في ما بين الأطراف و الفئات و الانفصاليّات الاجتماعّية والسّياسيّة التي لم تعرف يوماً ، في التّاريخ ، انسجاماً أصليّاً ..

وهذا ما يُفسّر تلك الاستحالة المزمنة حتى اليوم ، لقيام الدّولة القوميّة العربيّة ، مع توفّر جميع عناصر ”الأّمة” بيننا ، و كذلك ما يُفسّر الكثير من الأحقاد الّتاريخيّة التي غذّت هذه الحرب و جعلتها حرباً دوليّة ، مع عدم نسياننا أنّها حرب مفروضة من الخارج ، و لكن أيضاً مع وجوب اعترافنا بكيفيّات الاستثمار الخارجيّ لمجتمعنا الوهميّ ، و تعويل هذا الخارج على ثوابت تاريخيّة عدائيّة ضمنيّة ، عربيّة و إسلامّية ، داخليّة ، و متجذّرة في المكان .

و لعلّنا نخرج في قراءة هذا البعد التّاريخيّ لتجلّي “السّياسيّ” العربيّ و السّوريّ ، بنتائج مختلفة و ضروريّة ، من جهة أنّ اجتهادات معظم من أسهموا في الإحاطة بهذه الحرب ، إنّما كانوا على ضلال..

9▪ تمرّ المنطقة اليومَ بأفظع اختبار سياسيّ لها في لعبة الأدوار الدّامية التي اخترقت العقول بعد أن أهرقت الدّماء . غير أنّ نهايات الحروب المعاصرة هي بدايات لحروب من نوع آخر .

حين تطمئن الأطراف إلى أوضاعها تستهتر بالآخرين .. وهذا شأن أميركا وتركيا على ما يبدو ، و هذا أمر ليس غريبا في مثل هذه النّهايات المأساوية.. لتراجيديّات المكان لأنّه يجري على الملأ السّياسيّ العالميّ ، الذي يُفترض فيه استقطابات غير متجانسة و مستقلّة و متباينة ثنائيّة أو غير ذلك ، في هذه الأسطورة التي عاشتها سورية ، أسطورة الثّمن الباهظ في الدّفاع عن العالم..

إذْ لعلّ الأمر في الواقع التّحليليّ المباشر ، مع تردّد سيرورة النّهايات الضروريّة و السّليمة و الوحيدة في نتائج و آثار هذه الحرب ، يتجاوز هذا الواقع إلى ما هو أخطر من ذلك في استعجال الأطراف أو بعض الأطراف الذين يجمعهم مصير سياسيّ – استراتيجيّ واحد ، لقطف الثّمار غير النّاضجة ، بعد ، في صيغة الانتصارات النّهائيّة ، و هو ما يجعل ، أحيانا ، شركاء المصير يبتعدون قليلا عن السمت الصحيح نحو الغاية المشتركة ، بحيث تبدو الأمور لدى بعضهم ، أنها لم تّتخذ لها الصّيغة النّهائيّة من الوضوح و التّمايز و النّضوج ، هذا إن لم نقل إنّها لا تزال ، ناقصة و مهدِّدة و مهدَّدة في حقيقة عدم استقرارها ووهميّتها ، التي سوف تنعكس على جميع فرقاء المصير المشرّف ، و ليس على فريق واحد منهم فقط ..

و هو ما يعني أنّ النّتائج التي تتناهى إليها الحرب ، في حال عدم ارتقاء جميع الحلفاء والأصدقاء بأنفسهم ، قد تتّخذ لها مساراً مناقضاً تماماً للتّضحيات المبذولة في تاريخ هذه الحرب ، على كلّ صعيد و وجه ..

و هو ما يجعل الشّعوب التي تنتظر النّهايات المشرّفة و الصّادقة في ما بين أطراف المقاومة المباشرة للمشروع الإرهابيّ – الإمبرياليّ ، تُصاب بالخيبة السّياسيّة التّاريخيّة ، من أثر محاولات بعض الجهات الداخلية في ساحة الحلفاء والأصدقاء ، الدفع باتجاه انفراق أهداف الأطراف في مصالح محدودة و غير أكيدة و غير مستقرّة المعالم ، و توزّعها وتشتّتها في صياغات ضبابية لمفهوم اقتطاف ثمار نتائج الحرب وتضحياتها.

10▪ و في إطار ما نتحدّث فيه من تجلّيات “السّياسيّ” في آثار الحرب ، والأدوار المتوازعة في المقاومة و المواجهة ، فإنّ الذي يغلب على هذا التّجلّي هو عودة بروز خضوع المنطقة الإقليمّية بكاملها، مع امتداداتها الجيو سياسيّة ، إلى تقاليد الانمزاق و التّمزّق السّياسيّ التي حكمت تاريخ المكان ، و إحياءٌ محدود الأفق لهذه التّقاليد التي أخضعت المنطقة التّاريخيّة بصفاتها العربيّة الغابرة ، و انتقال عدوى المكان السّياسيّ التّاريخيّ إلى نظريّات السّياسة الاستراتيجّية الضّحلة المعاصرة ، مقابل التّطوّر المذهل للأدوات الاستعمارّية الإمبريالّية العالميّة و شركائها و حلفائها في المنطقة ( و تركيا مثال ) ، و قد تَخَفَّوا في عداد أصحاب الحقّ التّاريخيّ الذي على أطراف المقاومة النّظرإليهم بوصفهم أعداءً تاريخيين ، و ذلك مهما كانت لعبة المصالح محدودة الأفق ، تفرض قوانينها التي قد تودي بالتّحالفات و الشّراكات إلى مستوى يبتلع الجميع.

و في سورية ، ينظر الشعب السوري إلى هذا الأمر بوصفه حاملاً لمسؤوليّات تاريخيّة مترتّبة على الشّركاء والحلفاء ، متعلّقة بمستقبل تطوّر البشريّة في هذه المنطقة من العالم حاملة لواء حضارة عريقة في مواجهة حضارة إمبرياليّة قراصنيّة واغتصابيّة ، و ذلك قبل أن تُغوي أحدا شهوة تقاسم أوهام الانتصارات غير النّاجزة ، طالما بقيت آثار الحرب الظّالمة على المكان واضحة أو متخفيّة أو تستخدم لغة الشّراكة في مشروع الاختراق الكامل للانتصارات ، التي لم نصل إليها بعد في شكلها الّنهائيّ و الطّبيعيّ ، و أقلّه في عودة الخرائط الجغرافيّة إلى ماكانت عليه.. و في استعادة الخرائط السّياسيّة إلى أفضل ممّا كانت عليه و ذلك كثمن متواضع لما أَزْرَتْ به “الحرب” ، من أرواح و آمال..

صحيح أن الدول الإقليمية ترى مصالحها من منظور إقليمي ، و أن الدول العظمى ترى مصالحها من منظور كوني .. وهذا حقها ..  ولكن من غير الصحيح أن تكون تلك المصالح على حساب الآخرين ، وخاصة من الأصدقاء.. فكيف بالشعوب الحية والقيادات التاريخية التي لا تقبل ولا تسمح إلا بالمصالح المشروعة المتبادلة !!

11▪ لقد كرّرنا مراراً إنّ أهزل الأدوار الوظيفّية المستهلِكة للدّول والأشخاص ، كانت أن أنيطت في هذه الحرب بالتّركيّ الطّورانيّ ( أردوغان )..غير أنّ سير العمليّة السّياسيّة في ( أستانة ) و ) ( سوتشي ) قد منحه فرصة تاريخيّة سياسيّة نادرة في أن يتبوأ مركزاً خاصّاً إقليميّاً جديداً .

و إذا نظرنا إلى هذا الأمر فإنّ بإمكاننا أن نتفهّم ذلك على أنّه إنقاذ له من سقوطه الذي كان وشيكاً ، و هو ما أعاد إليه الاعتبار أميركيّاً من جديد ، نظراً لأهمّيّته الجديدة في تفخيخ ( أستانة ) و ( سوتشي ) معاً ، و على ملأ جميع المجتمعين هنا و هناك ، ممّا انعكس من جديد على تراجعات الموقف الأميركيّ المعلن في انسحاب القوات العسكريّة الأميريكّية الغازية من الأراضي السّوريّة ..

فهل لعبت التّقاطعات الإقليمّية أوّلاً و الدّوليّة ثانياً ، الهادفة لتحقيق مصالح ماليّة و اقتصادّية ، يجري أحيانا التّسويغ بها ، دورا في مهادنته غير المألوفة في الاعتداء على سيادة الدّولة الوطنيّة السّوريّة حينما اعتدي على الجغرافيا السّوريّة .. بحيث كان ولا زال يلعب دوراً خطراً و كبيراً في إعادة تموضع واقع التّماس السّوريّ – التّركيّ ، الاستراتيجيّ، في الحرب على سورية ..

و ( أردوغان ) كتركيّ طورانيّ لا يمكن لنا ، في سورية أن ننسى تاريخ اعتداءاته واعتداءات سابقيه على الجغرافيا السّوريّة ، منذ اغتصاب لوائنا السّليب في ( اسكندرون) مرورا بتشكيل حاضنة وقاعدة ومعسكر ومقر قيادة لعشرات آلاف الإرهابيين ، المستوردين والمحليين ، مرورا باصطناعه كيانات إرهابية ومحاولة تلبيسها أقنعة سياسية تفضح أكثر مما تستر من عوراتها ، وصولا إلى عصاباته الإرهابية التي سماها ” الجيش الحر !! ” .. و لماماته المأفونة التي يسميها ” جيش وطني !! ” .. و عمليات ” التتريك ” التي يقوم بها في المناطق السورية المختطفة .. وما زال مستمرا في عدوانه على سورية حتى اليوم..

إنّ تمدّده السّياسيّ الجديد و كذلك العسكري المعتدي على الأراضي السّوريّة ، قد فكّ رقبته من الحصار الاجتماعيّ و السّياسيّ الذي كان مضروباً حول عنقه في الدّاخل التّركيّ ، من قبل المعارضة الوطنيّة التّركيّة الأصيلة ، و من ثمّ أعاد إليه ، نسبيا ، الألق الأميركيّ مجدّداً و ألق ”الآخرين”.. أيضاًمن غير الأميركيين.

12▪ و هل نكون قد ابتعدنا عن الحقيقة الواقعيّة ، عندما نعتقد ، فكريّاً سياسيّاً ، أنّ خطط الحروب ، المسبّقة ، غالباً ما تنحرف عن سياقها السّياسيّ الأصليّ – و هو هنا الحرب ضدّ الإرهاب العالميّ – .. في كلّ فرصة سانحة لأطراف الحرب التّهويشيّين ، لحصد المزيد من التّفوّق السّياسيّ لخدمة مصالح ”قوميّة” و شخصيّة ، فيما يكون الإنجاز الجوهريّ لأهداف الحرب قد دخل باب التّمييع و المهادنات السّياسيّة ، التي تُكسب الأطراف غير الأساسّية في الحرب المزيد من القدرة على المساومة السّياسيّة ؛ في الوقت الذي يكون فيه المكان الأصليّ للحرب ، و هنا هو سورية ، ليس أول اهتمامات لعبة الأمم .

هكذا يُمكننا النّظر إلى خلخلة الأدوار الموضوعّية في الحرب الدولية على سورية ، حيث بدأ يتكاثر جمهور المشاهدين و المستهترين و البعيدين عن فوّهة النّيران ، فيما تحصد الحرب المزيد من أهدافها في الموت و الدّمار و الخراب و الحصار لأصحابها الأصليين !

13▪ لقد ضرب الشّعب العربي السّوريّ مثلاً تاريخيّاً بطوليا غير مسبوق في صبره الوطنيّ و تضحياته اليوميّة على مدار هذا العقد من الحرب ، متمثّلاً بأرواح أبطال الجيش العربيّ السّوريّ التي استرخصها في سبيل الدّفاع عن الذّات و الهويّة الوطنيّة ، و كذلك في سبيل الدّفاع عن الآخرين و عن العالم كّله في محاربة تغوّل هذا الوحش الإرهابيّ الذي كان يُهدّد العالم و مازال .

و في مقابل ذلك ليس من الواضح ، فيما إذا كان الآخرون قد تفهّموا ، بعدُ ، أنّ الشّعب السّوريّ الذي قدّم ما قدّم و ضحّى بما ضحّى و صبر على ما صبر .. لن يسمح لأحد في الدّنيا أن يُقرّر مصير وجوده أو ما تبقّى من وجوده و سيادته في دولته الوطنيّة ، و ذلك تحت أيّ طائل أو عنوان .

و في هذا المقام يمكن لنا أن نؤكّد أنّ الشّركاء و الحلفاء يعرفون جيدا بأن مصير الشّعب السّوريّ و حقوقه المقدّسة ، سواء في اختيار طريقة عيشه أوفي كتابة دستوره أو في تأليف حكوماته الوطنيّة ، ما كان ولن يكون إلا على النّحو الذي يراه الشعب السوري وقيادته الوطنية .. و ليس كما يراه أحدٌ غيره ، سواء كا ن ذلك الغير قادراً ، أو غير قادر ، على رؤية مسوّغات محرّمات السّوريين و شروط عيشهم كما يختارون هم فقط .

و ليس فقط ” أهل مكة ادرى ب شعابها ” بل ” أهل الشام أدرى ب شعابها و ب شعابهم ” .

14▪ إن إطالة أمد هذه الحرب ، مجددا ، تهدف ببساطة إلى جعل النّفَس الوطنيّ السّوريّ في بعده “السّياسيّ” و الاجتماعيّ ، ينقطع أخيراً ليقبل أيّ شكل من أشكال الحلول السّياسيّة المراهن عليها من قبل الثّورة المضادّة و حماتها والنّاظرين إليها من على بعد آمن ، بعد أن ” اطمأنّوا ” على النتائج الأهمّ في انتصارات السّوريين على الإرهاب و تضحياتهم الأسطورّية الجسام ..

غير أنّ الذي يتجاهلونه ، كلّهم أو بعضهم ، هو أنّ السّوريين الذين يعيشون هذه الحرب ، أصبحوا يعيشونها ، على أنّها قدر تاريخيّ و إلهيّ معاً ، و لن يسمحوا بالتّفريط بأيّ آثر أو نتيجة ، مهما كانت الأثمان ، دماء و أرواحاً وحرماناً و حصارا ودموعا و جوعّاً .

15▪ يُنتج واقع الحرب تجلّيات “السّياسيّ” الخاصّ بها ، موضوعيّاً ، و ذلك استكمالاً للدّور التّاريخيّ الذي فُرض على السّوريين بالقوّة و العنف الدّوليَّين .

و هكذا فإنّ مصير أيّ إخلال بعلاقة تكامل ”الدور” التاريخيّ مع البعد ”السّياسيّ” كنتيجة أخيرة للحرب ، هو فتح الجبهة العسكريّة السّوريّة فتحاً نهائيّاً ، لتدويل الموت و الدّمار الذي ذاقه السّوريّون على مدى هذه الحرب التي طالت و تطول .

و أمام هذه الإمكانّية الواقعيّة لفتح هذه الجبهة الشّاملة ، فسيكون سواءً ، ما سوف ينتج عنها .. مع عدم حدوثها ، بالنّسبة إلى السّوريين ..

غير أنّه لن يكون كذلك بالنّسبة إلى أي طرف آخر من أطراف هذا الصّراع الوجوديّ الذي يعملون جميعاً على درئه عنهم بالمناورة السّياسيّة على حساب صبر السوريين ، بالتّزامن مع محاولات هضم الحقوق الوطنيّة السّوريّة البديهيّة في الجغرافيا و السّياسة و السّيادة ، في آن معاً .

16▪ و في محصّلة الانتصارات على الإرهاب ، فسيكون من الطّبيعيّ عدم السماح بتسلّل رموز الإرهاب وسدنته إلى الدّولة السّوريّة و الحكومات السّوريّة و المجتمع السّوريّ الشّريف ، و ذلك في أيّة صيغة من صيغ ”السّياسيّ” سواء أكان في الحكم أو في الدّستور .

لقد تمرّس السّوريّون خلال هذه الحرب على وعي اجتماعيّ و سياسيّ لايمكن مقايضته بأيّ شكل من أشكال التّنازل أو المساومة على الحقوق ، التي تم تسديد ثمنها من أوجاع ملايين السوريين ومعاناتهم و من أرواح الشّهداء وآلام الجرحى .

هذا و لا يظننّ أحدٌ في العالم أنّه قادر على خداع السّوريين بقيادتهم السّياسيّة التّاريخيّة ذات الأصول و التّقاليد الرّاسخة على مدى أكثر من خمسين عاماً في نصف قرن ، كان حافلاً بالصّراعات ليساوي بالنّسبة إلى الآخرين قروناً عديدة في التّجربة و الخبرة السّياسيّتين الوطنيّتين .

17▪ و مع كلّ ذلك ، يبقى أن نقول إنّ تبادلاً أو توزيعاً ضروريّاً يجري في مثل هذه الحرب الإقليمّية – الدّوليّة غير المسبوقة تاريخيّاً ، من حيث أنّ “الدّور” بالذات أو ”الوظيفة” المكمّلة للدّور أو المستقلّة عنه ، يبدو كلّ منها بذاته على أنّه أحد التّجلّيات السّياسيّة لظاهرة هذه الحرب ، التي امتدت و اتّسعت واستمرّت و تعقّدت ، لتحوز جميع صفات و حقوق و شروط الظّاهرة التّاريخيّة التي تتعدّى الواقعة الطّارئة ، بحيث يصبح لها نظامها الخاصّ في إنتاج ”السّياسيّ” ، بما هو جوهر فعليّ مشروط بأسراره الخاصّة ، أو بما هو تمظهر للكثير من التّعبيرات التّاريخيّة الإقليميّة و الدّوليّة و العالميّة التي كانت خفيّة في الكمون و التّوتّر و الدّافع ، أو كانت مؤجّلة بحكم عدم نضوج شرطها العالميّ .

18▪ في هذه المحطّة من الكلام يمكن الآن ، فقط ، أن نتقدّم خطوة أخرى في القول ، إنّ تجلّي ”السّياسيّ” في العالم و التّاريخ إنّما يخضع إلى تطوّرات الظّاهرة نفسها و تعقيداتها و خصوصيّاتها و تفاصيلها التي تخترقها ، بموجب قانون الأثر العالميّ الواحد و الشّامل لبعض الظّواهر السّياسيّة ..

هذا و ليس هنالك من مثال أقرب إلى هذه الصّيغة العباريّة ، من الحرب على سوريّة ، و ذلك ليس بوصفها مدوّلة الأثر أو الآثار و النّتائج و حسب ، و لكن أيضاً بوصفها هزّت أركان العالم من الجانبين الاستراتيجيّ و الأمنيّ ، في وقت واحد ، كما أنّها قد تداخلت مع ظروف موضوعيّة كان العالم فيها متوتّراً ، دون اصطفافاتها الجديدة كنظام عالميّ جديد حقيقيّ هذه المرّة ، و ليس كما أشيع في الأدبيّات السّياسيّة الصّهيونيّة أو في الأدبيّات السّياسيّة الأميركّية المنفردة الرّغبة و الاتّجاه .

19▪ و من هذا تبدأ إشكاليّات الفهم و الاستيعاب السّياسيّ للتّجلّي المباشر و غير المباشر ، لشكل الأثر السّياسيّ في الخطاب السّياسيّ السّوريّ و الإقليميّ و الدّوليّ ، غير أنّ شرطاً مركزيّاً واحداً ، و ذلك مهما تعقّدت التّوقّعات ، لن يمكن الإخلال به ، و هو شرط نفاذ الرّؤية السّوريّة للخاتمة السّياسيّة لهذه الملحمة العالميّة ، و أعني به السّيادة السّوريّة التي ستنتظم أيّ قرار مهما كانت درجة تدويله بعيدة و عميقة ، خفيّة سرّيّة ، أو علنيّة و مُشهرة..

و كلّ هذا على اعتبار مركزيّة التّضحيات و مركزيّة الواجبات و الضّرورات المرتبطة بهذه التّضحيات ذات الصّفة السّورّية الخالصة.

20▪ و مهما عظمت أهداف “ الجميع ” في هذه الحرب لتحقيق انتصارات فعليّة أو وهميّة ، بتجاهل الدّور السّوريّ الجوهريّ و الفَضلويّ على جميع الطّامحين أو الطّامعين ، فإنّ ما لن يكون واقعيّاً أو عمليّاً – بل وما لن يجري السماح بمروره أو تمريره – إنّما هو أيّ مساس بالثّوابت الجغرافيّة و التّاريخيّة و الاجتماعّية و الدّيموغرافيّة و السّياسيّة السّوريّة ، و هي ذات الثّوابت التي تسلّحت بها سورية و جيشها الأسطوريّ و شعبها الصّامد و هويّتها العريقة وأسدها الشامخ ، في مواجهتهم للإرهاب العالميّ و الإقليميّ ، الأعرابيّ و ” الإسلاميّ ” ، و تحقيق الانتصارات الرّاسخة عليه .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى