المفعول السحري “الانصات والاخلاص”!
بقلم : مهند النابلسي
يعاني الكثير من الناس من سوء التفاهم الناتج عن ضعف الانصات، وفي الادارة يلعب عنصر الانصات دورا بالغ الأهمية …وعلى المدير الناجح أن يبذل جهدا لتحسين مستوى انصاته لمستخدميه، وبالتالي تقبل اراءهم اذا كانت عملية ومنطقية
لقد تبين عمليا ان العمال والمستخدمين العاملين تحت امرة مدير يحسن الانصات، ينجزون العمل المطلوب بصورة منافسة عكس هؤلاء الذين يعملون تحت اشراف مدير لا ينصت، فالعمال الذين يعلمون بأن مديرهم ينصت لهم يفكرون بطريقة ابداعية ناقدة، كما يعطيهم ذلك شعورا حيويا بالثقة ، ويحفزهم لكي بستنبطوا أفكارا جديدة تساهم في تحسين العمل…
يعتبر الانصات فنا رفيعا من فنون الاتصالات الأساسية، وله مفعول سحري في مجال تطوير القدرات البشرية وتعميقها، وعند افتقاده يسود الملل والاحباط وينخفض مستوى الثقة بالنفس، فكلما شعر المرء بتجاهل أرائه كلما قلت رغبته بعرضها، كما يقل اخلاصه وتفانيه، وقد يتوقف عن التفكير النقدي البناء، وتفقر مخيلته، وقد يتبع ذلك تراجع واضح في امكانات التطوير المهني والشخصي …وقد شاهدت بام عيني الخيبة التي تضرب الأشخاص نتيجة لتجاهلهم في بعض الندوات، وهذا مؤشر لفشل ادارة الجلسات التي تعجز عن حصر كافة “رافعي ايديهم” بغرض النقاش!
ولا بد أن الانصات سيصبح تحديا كبيرا لدى المدير الذي يشعر أحيانا بضحالة الأراء المقدمة، الا أنه من المهم أن ينصت، فالانصات يشعر المستخدمين بأنهم يؤخذون على مأخذ الجد من قبل الادارة، وهو كفيل بأن يخلق مع الزمن نوعا من “الحكمة الجماعية ” التي تكفل بتجنب المزالق والمطبات الخطرة. وحتى يشعر الجميع بالمساهمة في اتخاذ القرار الصائب، يفضل تجنب صيغ الأوامر المباشرة من نمط: “افعل ذلك”! وبدلا منها يمكن ان تصاغ هذه العبارة كما يلي ” نشعر بأن الأقضل أن نفعل ذلك، ما رأيك ؟!” … لقد ثبت بأن الناس يقدمون أقصى طاقاتهم ويستمتعون بانجاز الأعمال عندما يشعرون بحرية اتخاذ القرار والتنفيذ والمسؤولية والتمكين، لذا فمن الضروري بناء اجواء احترام للأراء المختلفة التي تخلق وتثير الابداع والمخيلة. الانصات الجيد عنصر أساسي من عناصر الديموقراطية في الدول المتقدمة، كما أنه عنصر هام جدا في كافة مناحي الادارة الحديثة، ويتطلب الهدؤ والتحلي بالصبر، وهو يتطلب ايضا التخلي عن الغرور والأنانية واحتكار الصواب. وقد ثبت ان الانصات أصعب من الحديث لأنه يتطلب التركيز والتفكير والتحليل ، ويعتبر وسيلة تلقائبة للتعلم وتلقي الأفكار والاقتراحات بطريقة تفاعلية-بناءة .
“الاخلاص و الانصات ” في السياسة
هكذا نعود لموضوع الانصات الملازم دوما للتركيز ، فهو الذي يقودنا بالتأكيد لفهم خفايا الامور في كافة مناحي حياتنا ، ولقد صدق المثل العامي عندما وصف النقاش العاصف الحاد ( كما نلاحظ في برنامج الاتجاه المعاكس بمحطة الجزيرة الشهيرة) ب”حوار الطرشان”، حيث لا مجال لأن ينصت طرف لما يقوله الطرف الآخر، وانما استعراض احادي عصبي لوجهات النظر مدعوما بأدلة محضرة مسبقا وصخب وصوت مرتفع ومقاطعة مستمرة هوجاء، ولا ارى حقيقة ما المغزى الواقعي من برنامج كهذا، سوى اثارة الهيجان والتعصب والديموغاغية وتضييع الحقائق وارباك المشاهد، وربما بغرض توجيه المشاهدين خفية لتقبل وتبني وجهة نظر محددة بغض النظرعن صحتها!
يستخدم في التعبير (الانجليزي –الأمريكي) اصطلاح بدلالة لافتة وهو (Bottom-Line ) ويعني التقاط ” المغزى الأساسي” من اي طرح ، ويتطلب هذا تركيزا كبيرا وانصاتا لاستخراج المغزى ، وأظن ان معظم النخبة العربية لا تميل كثيرا للتركيز على هذا المفهوم، من هنا نلاحظ ان معظم حواراتنا ومناظراتنا “طافحة ” بالاحتقان والتشنج واحادية الطرح مثل “حوار الطرشان”! كما أنها تنسجم لحد ما مع الثقافة الدارجة التي تحتكر الصواب وتحتقر “الرأي الآخر” !
وما احوجنا في اجواء ما يسمى تداعيات “الربيع العربي الصاخبة “الخائبة” لتعلم كيفية تطبيق ما اسميه اصطلاحا ” متلازمة الاخلاص والانصات”، فالاخلاص يقودنا للصدق والالتزام والنزاهة وتكريس الطاقات والجهود لبناء نظم الحكم الجديدة المتفاعلة مع متطلبات الشعوب والجماهير، بديلا عن الوصاية والدكتاتورية والفساد والمحسوبية ونهب الثروات وقمع الخلق والعباد، كما أن الانصات هو الفن الرفيع الذي سيخلصنا من الفوضى والتخبط والعشوائية واللامبالاة، حيث سيسمح لكافة الأطراف المعنية مع اختلاف توجهاتها، لسماع كافة وجهات النظر بهدؤ وروية وتأمل وعمق وتفاعل، ربما للعمل معا للخروج بحلول “توافقية-منطقية –عملية” ترضي جميع الأطراف، وتعطي الفرصة للحاق بركب التطور والحضارة الانسانية، وقد يبدو كلامي للبعض تنظيرا مملا، ولكنه بالتأكيد سينجينا ويوصلنا لبر الامان بدل الخيبة والدمار.