تحفظ اردني على اقتراح تركي بانشاء اكاديمية مشتركة لتأهيل الائمة والوعاظ

تحاول تركيا إقناع الأردن السماح لها بإنشاء أكاديمية لتدريب وتأهيل وعاظ وأئمة أتراك باللغة العربية على أراضيه، بيد أن عمّان تبدو حذرة في التعاطي مع الطلب بالنظر لوعيها بالدوافع الخفية خلف هذا المسعى الجديد القديم.

وتتطلع تركيا لمزيد من تعزيز العلاقات مع الأردن بالنظر لموقعه الجيوستراتيجي، فضلا عن سياسة قيادته المرنة، في ظل وجود صد عربي متزايد تجاهها بسبب أجندتها المكشوفة في إعادة وضع يدها على المنطقة مسكونة في ذلك بهاجس “إحياء الخلافة” في ثوب جديد.

وترى أنقرة أن الأردن قد يشكل أرضية أو جبهة متقدمة للدفع باستراتيجيتها الناعمة قدما في المنطقة، في مقابل ذلك تبدو عمان متحفظة في ظل إدراكها طبيعة النوايا التركية.

ولئن كانت المملكة تحرص على علاقة جيدة بها في إطار سياسة تنويع الشركاء الإقليميين، فهي في الآن ذاته تبقي على مسافة معها.

وهذا ما يفسر وفق محللين الموقف الأردني المتحفظ حيال السماح لتركيا بإنشاء أكاديمية تعنى بتدريب وتأهيل الوعاظ والأئمة الأتراك وتعزيز قدراتهم في اللغة العربية.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد طرح خلال زيارة للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وعقيلته الملكة رانيا العبدالله لإسطنبول في فبراير الماضي، تأسيس أكاديمية للوعاظ والأئمة الأتراك في المملكة، بيد أن العاهل الأردني تجنب تقديم أي تعهد حيال هذا الأمر.

وهذا الطلب ليس بجديد، فقد سبق وأن طرح أردوغان خلال لقائه مع الملك عبدالله الثاني في أغسطس/ اب2017، بأن تقوم الجامعات الأردنية بتعليم الأئمة والوعاظ الأتراك اللغة العربية، أسوة بما يتلقاه الطلاب الأتراك فيها.

وجدّد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في مقال له باللغة العربية خص به صحيفة “الغد” الأردنية العام الماضي هذا العرض. ويأتي هذا الإصرار التركي اللافت بالنظر لدور الأئمة والوعاظ الأتراك في استراتيجية تركيا الرامية للتغلغل في المجتمعات المسلمة والغربية على حد السواء.

يُذكر أن الرئيس التركي، وغالبية مسؤولي وكوادر حزب العدالة والتنمية الحاكم هم من خريجي مدارس “الأئمة والخطباء”، التي شهدت بحسب لغة الأرقام طفرة في عهد الحزب ذي التوجه الإسلامي.

وإلى جانب عملية إعادة تشكيل المجتمع التركي بما يتلاءم وتوجهات حزب العدالة والتنمية عبر تلك المدارس الدينية، تعمل أنقرة، منذ صعود الحزب إلى الحكم، على التغلغل في النسيج المجتمعي للدول الغربية والمسلمة عبر تأطير المئات من الأئمة والوعاظ.

ويريد النظام التركي اليوم تلقين كوادر جديدة من الأئمة اللغة العربية حتى يسهل عليه مخاطبة خاصة الجاليات العربية في الدول الأوروبية الذين يعدون بالملايين، واستقطابهم لتبني مشروعه السياسي في المنطقة، والذي لم يعد المسؤولون الأتراك يخفونه أو يتحفظون عليه.

وصرح مؤخرا وزير الداخلية التركي سليمان صويلو في كلمة له أمام أنصار حزب العدالة والتنمية في محافظة ديار بكر بمناسبة الاستعدادات للانتخابات المحلية “نحن أبناء حضارة عظيمة، نحن دمشق وحلب وكركوك والقدس ونحن مكة والمدينة”.

وقبل ذلك قال الرئيس التركي في رسالة بمناسبة السنة الميلادية 2019 “سندافع عن حقوق القدس ودمشق وبغداد والقاهرة وطرابلس وسراييفو والقرم”، وكان أردوغان قد صرح في أكتوبر الماضي خلال لقاء جمعه بقيادات دينية أن “تركيا الدولة الوحيدة القادرة على قيادة العالم الإسلامي”.

ويقول مراقبون إن الخطر التركي على الدول العربية لا يقل شأنا عن التهديد الإيراني، بل قد يكون العكس، ذلك أنه أمام انسداد أفق نشر التشيع في العالم العربي، تراهن إيران على القوة الخشنة، عبر وكلائها من الجماعات المسلحة في المنطقة، في مقابل ذلك تملك تركيا من أدوات القوة الناعمة الشيء الكثير للتغلغل الصامت دون أن تخلف أثارا ظاهرة، سواء عبر المدارس الدينية أو الغزو الثقافي عبر المسلسلات التي تلقى رواجا كبيرا في المجتمعات العربية، فضلا عن الجمعيات الخيرية التي باتت منتشرة في العديد من دول المنطقة.

وكشف تقرير حكومي أن تركيا تملك حاليا نحو 60 مكتبا في 58 بلدا لتقديم المساعدات الإنسانية، ويشير التقرير إلى أن عدد المشاريع والأنشطة التي قامت بها تركيا في الخارج، في الفترة من 2003 إلى 2017، تجاوزت 20 ألف مشروع في 160 دولة، بمعدل ألفي مشروع سنويا، وذلك مقارنةً بـ2000 فقط بين عامي 1992 و2002، قبل تولي حزب العدالة والتنمية الحكم.

ويرى خبراء أن التعاطي العربي في مواجهة الحرب الناعمة التي تشنها تركيا يشوبه الكثير من القصور، وأنه حان الوقت اليوم لاتخاذ المسألة كإحدى الأولويات في سياق جهود مواجهة التهديدات التي تتربص بالأمن القومي العربي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى