اردوغان يشن هجمة مسعورة على السيسي ويستنكر تقارب دول الغرب مع نظامه

 

عاد التصعيد ليكون سيد الموقف بين تركيا ومصر بعد أن سادت “هدنة إعلامية” مطولة بينهما، دفعت البعض للاعتقاد بأن العلاقات بين الجانبين آخذة في التحسن خاصة بعد إقدام أنقرة الشهر الماضي على تسليم أحد المطلوبين المصريين للقاهرة.

وبدا منذ الوهلة الأولى أن التصعيد المستجد مرتبط بتنفيذ السلطات المصرية لقرار قضائي قضى بالإعدام بحق مدانين بتهمة اغتيال النائب العام المصري هشام بركات في العام 2015، بيد أن دوائر عربية اعتبرت أن الأمر يتجاوز ذلك لدوافع سياسية، خاصة وأن أنقرة من الدول التي ليس من حقها تقديم دروس في حقوق الإنسان بالنظر لسجلها القاتم على هذا المستوى.

واستغل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إعدام 9 أشخاص محسوبين على جماعة الإخوان في مصر، وشن هجوما ضاريا على النظام المصري. ورفض في مقابلة مع قناتي “سي إن إن- تورك” و”كانال دي”، العملية التي تمت الأسبوع الماضي، والتي وصفها بـ”الجريمة ضد الإنسانية”.

وقال أردوغان إن “نظام السيسي منذ تسلمه السلطة في مصر أعدم 42 شخصا كان آخرهم 9 شبان، وهذا لا يمكن قبوله”. وتساءل الرئيس التركي “أين الغرب من هذا؟ هل تسمعون صوت الغرب؟ وهل فعل أي شيء حيال هذا الأمر؟”.

وأضاف “جوابي لمن يسأل لماذا لا تقابل السيسي، أنا لا أقابل شخصا مثله على الإطلاق”، مستدركا بالقول “قبل كل شيء يتعين عليه إخراج كافة الناس (المعتقلين السياسيين) من السجون بعفو عام، وطالما لم يخل سبيلهم فلا يمكننا لقاء السيسي”.

وتقف القاهرة وأنقرة على طرفي نقيض منذ انهيار حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر في العام 2013، واتبعت الأولى الهدوء وسيلة في إدارة علاقاتها مع الثانية، وهي تراهن على برغماتية أردوغان التي قد تجبره على عدم الصدام معها، والتطلع إلى مصالح بلاده في غاز شرق البحر المتوسط، والتي تمكنت القاهرة من توظيفه اقتصاديا وسياسيا وأمنيا ضد أنقرة.

وأدى انشغال الرئيس التركي بهمومه في أراضي سوريا والعراق إلى تخفيف الانخراط في مشكلات جديدة مع مصر، لكنه لم يغير موقفه من نظامها، وعاد إلى خطابه السابق، عندما وجد تراجعا في علاقاته مع جهات غربية، مقابل تقدم مصري على جبهات قريبة منه.

وبدا الرئيس التركي في حواره التلفزيوني ممتعضا من التطور الحاصل في علاقات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والكثير من قيادات الدول الغربية والتحريض ضده، بعد دعوته حضور اجتماعات دولية والاحتفاء به، وآخرها مؤتمر ميونيخ للأمن، فضلا عن تطور صفقات الأسلحة والتنسيق والتعاون في الحرب على الإرهاب والهجرة غير الشرعية، بين القاهرة والكثير من العواصم الغربية.

وتزامنت انتقادات أردوغان مع استضافة مدينة شرم الشيخ المصرية، القمة العربية الأوروبية لأول مرة، وهي رسالة تنطوي على تقدير لدور النظام المصري، ورسالة على إمكانية صعوده، بينما لا يزال النظام التركي في مربع قاتم من المناورات، في ملفات إقليمية دقيقة.

وهاجم أردوغان الدول الغربية، وقال “تمد السجاد الأحمر للسيسي، وتتجاهل الإعدامات في مصر.. وعندما يتعلق الأمر بالأشخاص الموقوفين في تركيا، تصرخ بأعلى صوتها”.

وأصدرت وزارة الخارجية الأميركية امس الاول السبت بيانا عبرت فيه عن قلقها حيال قرار الادعاء التركي بتوجيه اتهامات ضد العشرات من القادة والناشطين في مجالات المجتمع المدني، وقالت “نحث تركيا على احترام حرياتهم وإطلاق سراح كل المحتجزين تعسفيا”.

وتتجاوز تصريحات أردوغان الهدف المباشر، والخاص بالدفاع التقليدي عن جماعة الإخوان في مصر، وتصل إلى محطة سياسية بعيدة، تتعلق بالدور التركي في منطقة الشرق الأوسط، حيث بدأت مصر تسحب جانبا منه لصالحها، من خلال نجاحها في تشييد علاقات متوازنة مع جهات إقليمية ودولية عدة، ما ينعكس سلبا على أنقرة وطموحاتها.

وقال محمد عبيدالله، الباحث التركي، المقيم في القاهرة، إن هناك دوائر غربية عدة رأت أردوغان حليفا لها عندما تبنى نموذجا يتمثل في الجمع بين الإسلام والديمقراطية في الداخل، واستخدام القوة الناعمة في الخارج، لكنها أخذت تتخلى عنه بعدما قضى على هذا النموذج، وتحول تدريجيا إلى عبء عليها.

وقد تطورت علاقات القاهرة بالإدارة الأميركية الحالية، في وقت تشهد فيه علاقات أنقرة مع واشنطن تراجعا كبيرا في عدد من الملفات الإقليمية، وتمكن السيسي من بناء شبكة من التعاون مع الكثير من الدول الغربية، بما جعل القضايا الحقوقية تبدو هامشية، وتفتح على استحياء من جانب المسؤولين، وتم تركها لمنظمات المجتمع المدني لتخفيف الوقع السياسي لها.

وضاعفت جماعة الإخوان الأيام الماضية من تركيزها على ملف حقوق الإنسان في مصر، وحاولت أن تتخذ من عملية إعدام 9 شباب ذريعة للضغط الغربي عليها.

ويرى أردوغان في جماعة الإخوان وأمثالها امتدادا طبيعيا له في الدول العربية، ويستخدمها كأداة لبسط سيطرته ونفوذه، ولا ينظر إلى الخلافة التي يحلم بها من منظور إسلامي وإنما كوسيلة للتوسع في الشرق الأوسط.

وأكد عبيدالله أن العلاقة مع الإسلاميين ليست أيديولوجية، كما يعتقد البعض، وإنما مصلحية، وإذا تعارضت حسابات أردوغان مع الإسلاميين فلن يتردد في التخلي عنهم، وتميل الكثير من التطورات إلى أنه سوف يضطر إلى التخلي عنهم لاحقا، بعد أن حشرته روسيا وحلفاؤها في الداخل التركي في زاوية ضيقة، خاصة في الأزمة السورية، والموقف من التنظيمات المتطرفة النشطة هناك.

وأشار إلى صعوبة تحسن العلاقات بين تركيا ومصر، في ظل وجود أردوغان المستغل لورقة الإخوان، وحتى لو تخلى عن الإسلاميين فإن العلاقات لن تعود إلى سابق عهدها، فقد حدث ترهل من الصعوبة معالجته.

وربط عودة العلاقات بعدم تدخل أردوغان في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وتجنب ضرب مصالح دول عربية كثيرة، والتوجه إلى شراكة متساوية بشفافية، وهذا التغير لن يحدث بسهولة في السياسة التركية، بعدما دمر أردوغان وجماعته علاقات أنقرة مع غالبية دول المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى