السعودية تقود سياسة المحاور العربية وتحول دون عودة التضامن القومي

 

اتخذت العلاقات العربية – العربية شكلاً جديداً خلال العقد الأخير، خاصة بعد دخول العالم العربي مرحلة ما يسمى “الربيع العربي” التي خرج منها تحالفات جديدة لا تزال حتى اللحظة طور التشكّل من حيث شكل وطبيعة التفاعلات والتحالفات وموازين القوى النسبية بين مختلف الدول العربية، ولاسيما الكبيرة منها والتي تملك تأثيراً حقيقياً على أرض الواقع.

بعد “الربيع العربي” مرّت الدول العربية بمخاضٍ جديد فرض عليها تحالفات جديدة، نظراً لاختلاف المصالح والرؤى والإيديولوجيات، إذ حاولت بعض الدول فرض سياستها ومسارها السياسي وتطلعاتها على غيرها من الدول، وسعت دول أخرى لتغيير النظام في دول جارة، وهذا الأمر تسبّب بخروج بعض الدول عن تحالفاتها القديمة والتعاون مع دول إقليمية للخروج من الأزمات التي فرضت عليها.

تحالفات جديدة

وكانت “الحرب اليمنية والسورية والعراقية وحصار قطر” من أبرز الأحداث السياسية التي كان لها دور في تشكيل التحالفات الجديدة، حيث شكّلت ست دول عربية تحالفاً جديداً فيما بينها وهي ” السعودية، والإمارات، والبحرين، والكويت، والأردن، ومصر”، بينما وجدنا قطر التي تم حصارها من قبل الدول الآنفة الذكر ما عدا الكويت، تغرّد خارج الحضن الخليجي وتذهب نحو تركيا التي تربطها بها علاقات استراتيجية وهذا ساهم أيضاً بتقربها من إيران التي مدّت يد العون لها عندما تمّت محاصرتها، وبالرغم من جميع المحاولات التي قادتها السعودية لإخضاع “قطر” لسياسة المملكة، إلا أن جميع محاولاتها باءت بالفشل حتى أن محاولات الكويت بإصلاح ذات البين باءت بالفشل ولا تزال الأطراف متخاصمة فيما بينها وكأن موضوع الحصار أصبح أمراً طبيعياً لجميع الأطراف، على اعتبار أن “قطر” لم تتأثر به بالشكل الذي كانت تبحث عنه السعودية بل على العكس زاد من قوتها ومناعتها وجعلها تحظى بعلاقات دبلوماسية عميقة مع الشرق والغرب، خاصة وأنها لم تبدأ الصراع السياسي مع الرياض.

سلطنة عمان

أما سلطنة عمان التي حاولت الحفاظ على هدوء دبلوماسيتها وحيادتها، أجبرتها السعودية أيضاً على الخروج من الحلف الخليجي أو حلف الدول الستة الآنفة الذكر، وذلك لأن الرياض بالتعاون مع أبو ظبي لم تحسنا معاملة جارتهما الخليجية، بل على العكس تماماً حاولا الضغط عليها لإجبارها على الخروج عن دبلوماسيتها، وذلك عبر “ملف اليمن” حيث دأبت كلا الدولتين على افتعال أزمات مع السلطنة من خلال محافظة المهرة اليمنية المعروفة بعلاقاتها المميزة مع السلطنة بحكم الحدود المشتركة وذهاب اليمنيين للعمل في السلطنة وغيرها من العلاقات الأسرية، وحاولت كل من الإمارات والسعودية شراء ولاءات قبائل تلك المحافظة وإخراجها من الحضن العماني، ولكن ذلك لم يحصل حتى اللحظة بسبب رفض سكان المحافظة للوجود السعودي والإماراتي هناك، لكون الاثنين كان لهما اليد الكبرى في تدمير اليمن وتجويع سكانه وتعذيبهم في السجون، ومن هنا تأزمت العلاقات مع السلطنة وابتعد السلطان قابوس عن تحالفاته القديمة، وبدأ بتعزيز علاقاته مع دول أخرى، وفتح باب التطبيع مع كيان الاحتلال، واستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعدة وزراء لامتصاص تحريض الرياض وأبو ظبي ضده وتثبيت قدمه في المنطقة، وحماية نفسه من التغييرات والتحولات التي يشهدها الشرق الأوسط.

المغرب

المغرب حلّق خارج سياسة السعودية أيضاً، حيث دخلت العلاقات المغربية السعودية مرحلة جديدة عنوانها البارز الغموض، والشك، وذلك على خلفية استدعاء الرباط سفيرها في الرياض، وتداول أنباء عن تجميد المغرب مشاركته في التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن.

وعلى ما يبدو، فإن الخلافات المغربية – السعودية بدأت تخرج إلى العلن، وذلك بعدما بقي التوتر في العلاقات بين المملكتين صامتاً لفترة طويلة.

ومع أن الرباط أرجعت استدعاء سفيرها من الرياض إلى قيام قناة “العربية” التلفزيونية ببث تقرير مصوّر يخالف الموقف المغربي من قضية الصحراء الغربية، إلا أن العلاقات بين المغرب والسعودية مرّت خلال الفترة الماضية بسلسلة من المواقف المتباينة.

سوريا

السعودية والإمارات ومن يتبعها من دول أخطأت الحسابات أيضاً في سوريا، حيث كانت تعمل على إسقاط النظام السوري بكل الطرق المتاحة ومع ذلك فشلت محاولاتها، وها هي اليوم تحاول تباعاً تطبيع العلاقات مع سوريا ونظامها، وأعادت الإمارات افتتاح سفارتها في دمشق وكذلك فعلت البحرين، فيما قام الرئيس السوداني، عمر البشير، بزيارة لدمشق، التقى فيها الرئيس السوري بشار الأسد، في زيارة هي الأولى لزعيم عربي للبلاد منذ اندلاع الأزمة السورية، أما الأردن فقد أعاد العلاقات التجارية مع دمشق وبدأ بالتحضير لإعادة العلاقات الدبلوماسية.

كانت هناك محاولات من قبل بعض الدول العربية لفرض تطلعاتها على دمشق وإجبارها على التنازل عن المقاومة وقطع علاقاتها مع طهران، إذ تعدّ إيران فاعلاً رئيسياً في الأزمة السورية، فهي داعم أساسي مساند للنظام السوري بقيادة الرئيس الاسد من جهة، وحليف قوي لروسيا في الأزمة السورية من جهة أخرى.

الآن يحاول تحالف الدول الست إبعاد النظام السوري عن تحالفه مع إيران، إلا أن الحكومة السورية قالت مراراً إن العلاقة مع طهران علاقة استراتيجية لا يمكن المساس بها.

العراق

في العراق كان الأمر مشابهاً ولكن بطرق مختلفة، وحتى اللحظة هناك محاولات لجرّ العراق إلى حضن تحالف الدول الست وذلك عبر الحرب الناعمة وإطلاق قنوات تديرها السعودية نحو الشعب العراقي، ولكن وعي العراقيين أكبر من أي محاولة لاختراق هذا الشعب الذي ذاق مرارة الدمار والخراب والجماعات الإرهابية المنظمة.

“إسرائيل”

على الجانب الآخر، تهدف تل أبيب إلى نشر الفوضى، وتسعير النزعة المذهبية والقومية في المنطقة عموماً – والعراق خصوصاً، فتعمل على تشجيع النزعات الانفصالية القومية والدينية حتى تتمكن من إعلان يهودية الدولة وحل القضية الفلسطينية على حساب الدول التي ستنشأ، والتي ستكون مشغولة بالصراعات البينية التي ستنشأ بينها، ما يسمح لإسرائيل بالتحوّل إلى ضابط إيقاع صراعات المنطقة بما يحقق مصلحة تل أبيب في السيطرة على مقدرات المنطقة وثرواتها، ويتمم مشروع (تيودور هرتزل) الذي يهدف إلى تحقيق السيطرة على المناطق الزراعية الخصبة في جنوب سوريا والجزيرة العراقية والسورية، ولذلك فهي تؤيد انفصال كردستان العراق، أيضاً هناك مفاوضات قائمة بالفعل بين تركيا وإقليم كردستان العراق تتسق مع بعضها البعض نوعاً ما.

الأزمة اليمنية كان لها تأثيرها أيضاً، اذ نتج عنها تحالفات جديدة وتزعزعت تحالفات سابقة نتيجة هذه الحرب، حيث انسحب من التحالف الذي قادته السعودية لشنّ حرب ضد اليمنيين عدة دول منها المغرب وقطر والسودان ودول إقليمية أخرى، ولم تنجح السعودية حتى اللحظة بإخضاع الشعب اليمني أو الوصول إلى أي نتيجة هناك.

من هنا تجد الأمة العربية نفسها اليوم أمام خيارات مصيرية تستهدف للمرة الأولى الشعوب والحكّام معاً ولا تستثني أحداً، وما يجري اليوم سيكون نقطة تحوّل تاريخية في العلاقات وسيضع الأسس التي ستقوم عليها المرحلة المقبلة، وسيضع الشعوب أمام اختبار يظهر من خلاله مدى وعيهم ومدى إدراكهم لأهمية المرحلة المقبلة وكيف يمكن أن يكون لهم تأثير فاعل فيها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى