على هامش معرض النشر والكتاب بالدار البيضاء
كتب عبده حقي
إختتمت أول أمس الأحد 17 فبراير/شباط 2019 الدورة الخامسة والعشرين من المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء . وقد أسعفني الحظ حتى لا أقول الاستحقاق المتواضع لحضور فعاليات هذه الدورة بدعوة كريمة من وزارة الثقافة للمشاركة في ندوة “القراءة من الورقي إلى الرقمي” بمعية الدكتور سعيد يقطين والدكتورة نزهة بلخياط وتسيير الندوة من طرف الدكتورة بشرى زكاغ .
ويصعب علي بهذه المناسبة أن أضع تقييما شاملا لهذه الدورة من خلال تفاعلي مع فعالياتها في يوم واحد فهذا شأن قد يجدر القيام به رواد المعرض من كتاب وناشرين الذين دأبوا على الحضور على الأقل خلال العشرية الأخيرة لكونهم راكموا تصورات متباينة عن الإنجازات والإخفاقات أيضا التي حققتها الدورات السابقة وبصماتها الناتئة في ربع قرن من تاريخ المعرض .
شاركت إذن في هذه الدورة وأنا مأخوذ بمستواها الرفيع في التنظيم والتنسيق وهندسة الفضاءات الثقافية التفاعلية من منصات خاصة بدور النشر أو قاعات خاصة بالندوات على الرغم من مساحاتها الضيقة التي لم تتعدى عشرات من الأمتار فهي قد إستطاعت أن تستقطب جمهورا نوعيا ونخبويا مهتما بمحاور الندوات على غرار قاعة “إبن رشد” التي نظمت بها ندوة “القراءة من الورقي إلى الرقمي” والتي تابعها جمهور غفير ضاقت به جنبات القاعة حتى لا أقول الغرفة .
وأعتقد أن الحصيلة وبشكل عام كانت إيجابية مقارنة مع الدورات السابقة كما جاء في بلاغ وزارة الثقافة والاتصال حيث سجلت الدورة رقما هاما على مستوى الزوار وصل إلى ما يربو عن نصف مليون زائر 560.000 من مختلف الأعمار، مسجلة بذلك زيادة بنسبة 62 % مقارنة مع سنة 2017. . وشارك في المعرض أكثر من 720 عارضا مباشرا وغير مباشر، يمثلون 42 بلدا، قدموا رصيدا وثائقيا جاوز 128.000عنوان، تمثل نسبة الصادر منها خلال السنوات الثلاث الأخيرة 30 %.و بلغ عدد فقرات البرنامج ما يناهز1077 نشاطا، موزعا مابين 473 ندوة ومائدة مستديرة، و 320 توقيعا لكتاب، و 280 نشاطا للطفل، و أربعة معارض موضوعاتية .
هذه بشكل عام هي بعض أرقام الحصيلة التي تجعلنا إلى حد ما نبدي ارتياحنا وقناعتنا النسبية على أن واقع القراءة وعلاقتها النشر في المغرب تمضي قدما لترتقي ببلادنا وإن كانت بخطوات بطيئة إلى مدارج الدول التي أسست لتقليد معارض النشر والكتاب منذ عشرات السنين حيث مثلا ستنظم بفرنسا هذا العام الدورة التاسعة والثلاثين لمعرض الكتاب بباريس.
ويقينا أن الجهة الوصية على تنظيم معرض الدار البيضاء بجميع أطرافها وفاعليها الأساسيين سواء كانوا في الواجهة أو في الكواليس قد شرعوا في التفكير في الدورة السادسة والعشرين غداة إسدال الستار على هذه الدورة الحالية . ما يعني أن هذه الجهة الوصية مطالبة برسم خطة طريق لأهداف معينة ودقيقة لتجاوز أرقام الحصيلة الحالية ضمن السياسة العامة للحكومة من أجل جعل المعرض الدولي للنشر والكتاب القادم في مستوى تطلعات المجتمع والمؤسسات الثقافية والمجتمع المدني للارتقاء بدور القراءة في تشكيل وعي حداثي ينهض على قيم المواطنة الناجعة والارتقاء أيضا بصناعة الكتاب والأسانيد الرقمية الجديدة للقراءة . ولا يمكن تحقيق هذه الأهداف سوى بفتح أوراش دورية بين كل المهتمين بصناعة الكتاب والقراءة من ناشرين وكتاب ومكتبات وجمعيات ..إلخ
هذا إذن هو تصوري العام لماضي ومستقبل المعرض الدولي للكتاب والنشر لكن هل يمكن أن يكون للقراءة طعم وذائقة ما إذا كنا نطوف مرافق المعرض بأمعاء فارغة وبطون تتضور من الجوع لأنه ليس بمقدورنا أن ندخل خيمة المقصف التي نصبت هناك لاغتصاب جيوب الزوار عندما تصير جرعة فنجان قهوة بنفس سعر مجلة ثقافية مفيدة وباذخة وسعر وجبة غذاء بنفس سعر كتاب وازن وقنينة ماء بنفس سعر جريدتين . أدعو بهذه المناسبة الجهات المسؤولة عن تنظيم المعرض إلى إنقاذ سمعته في هذا الجانب من بعض هؤلاء المتعهدين الجشعين الذين يجعلون جمهور الزوار يسأم من تطوافه بحثا عن مضغة يسد بها رمقه مما قد يدفعه إلى ذلك الاختيار الوجودي الصعب بين من هو الأولى غذاء الروح أم غذاء البدن .