وعند دوّار الشعر لامس فن المذكرات أدب الطريق
بقلم : د. نضير الخزرجي
لكل امرئ في هذه الدنيا شأن هو بالغه، نرى فيه ما لا يرى، ويرى في نفسه ما لا نراه، ويرى فينا ما لا نرى في أنفسنا، لا فرق في الأمر بين ذكر وأنثى، كبير وصغير، عالم ومتعلم، شريف ووضيع، قائد ومقود، مقلَّد ومقلِّد، حر وعبد، فلكل نظرته إلى الحياة، ولكل تجاربه قصرت أقطار دوائرها او طالت، وكل امرئ يرى في تجاربه عبرة له أو لغيره، ولا تقتصر دائرة الإعتبار على تجارب الكبير والعظيم والمشهور، فللفقير تجاربه وللغني تجاربه، للعالم تجاربه وللجاهل تجاربه، للرجل تجاربه وللمرأة تجاربها، وعندما تخرج التجارب من عنق زجاجة الذات إلى الفضاء المفتوح صارت متاحة لكل من يطلع عليها سماعا أو قراءة، وقبل ذلك من رآها عيانا، وقد اعتاد أرباب القلم ورجال السياسة والإقتصاد والإجتماع وأمثالهم أن يستخدموا أدوات الكتابة ومصل المال في نشر تجاربهم على الملأ وسرد ذكرياتهم، ولا يملك الآخر الحيلة في النشر فلا قلم يساعده ولا جيب يعينه، ولكن الروائي والقاص هو خير من يلتقط مشاهد حياة مثل هؤلاء فيقدمها للقراء أو المشاهدين عبر رواية أو قصة طويلة أو قصيرة، ولهذا اشتهر كتاب القصة أنهم يجلسون في المقاهي ويدورون في الحواري والتجمعات الشعبية يقتنصون قصص الناس ودواخل حياتهم ليصيغونها في قصة أو رواية.
قد تبدو المقارنة بين صاحب القلم أو المال وبين المعدم من القوتين، واضحة وتكون الغلبة في عرض التجارب في أغلب الأحيان للطبقة الأولى، ولكن الروائي أو القاص وهو يستعرض تجارب الناس قد يفوق صاحب المذكرات، عندما يعجز الثاني عن استخدام فن الأدب والبلاغة وينجح الثاني، فتصبح المذكرات أسيرة المكتبات وفي حدود ضيقة في حين تأخذ القصة أو الرواية في النشر مدى وإذا ما تحولت الى تمثيلية أو مسلسل أو فيلم أخذت من المدى أبعده، وقد أدرك أصحاب المذكرات أهمية الأدب والبلاغة فيلجأ بعضهم أو الكثير منها إلى الأدباء لتحريرها وتشذيبها وتزيينها بأنواع محاسن الكلام وبلاغته.
ولكن تبقى لمذكرات أصحاب الشأن من عالم أو سياسي أو تربوي أو رجل مال وأعمال أو مثقف خصوصيتها ومرجعيتها عند التدوين أو الإستشهاد بها والرجوع إليها، لقراءة الواقع بكل خصوصياته في تلك المرحلة وبيان معالمه، وحيث يرى الناس من الواقع ظاهره فإنّ المذكرات تكشف عن تفاصيله ودقائقه ولهذا كانت محل اعتماد الباحثين، على إنه لا يعدم في المقام وجود مذكرات يحاول فيها أصحابها حرف الحقائق وصرفها عن مسارها الصحيح، والقارئ الحاذق يستطيع تلمس الصواب من الخطأ، ومع هذا فإن هذا التدليس يعطي للقارئ فرصة مناسبة للغوص في الحقائق وكشفه الأكاذيب.
ولأول مرة نظمًا
ولطالما جاءت المذكرات نثرا، لأنها الأقرب إلى القارئ بمختلف مشاربه وثقافاته هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن معظم أصحاب المذكرات وإن كانوا أصحاب قلم هم ليسوا من الناظمين أو الشعراء، وحتى الشعراء إذا أراد أحدهم أن يقيد حياته وتجاربه في مذكرات فإنه يسجلها نثرا، ونستطيع من خلال بعض قصائده أن نقف على بعض المشاهد والمذكرات بعد تحليل البيت صدره وعجزه، ولكن أن تأتي المذكرات كلها شعرا فهذا مما لم أره مع إقراري بقلة الباع والسباحة في خلجان البحور الخليلية.
هذه الحقيقة لمستها لأول مرة في ديوان “مركب الألفين من شذى القرنين” للأديب والمحقق الشيخ محمد صادق محمد الكرباسي، الذي عرفه القراء باحثا ومحققا وبخاصة في مجال النهضة الحسينية عبر موسوعته الفريدة “دائرة المعارف الحسينية” في أكثر من تسعمائة مجلد، وفقيها ثاقبا عبر موسوعته الفقهية “الشريعة” في نحو ألف عنوان وكراس، ولكن الديوان الصادر حديثا (2019م) في جزئه الأول عن بيت العلم للنابهين في بيروت في 335 صفحة من القطع الوزيري، يكشف عن شاعرية الكرباسي الذي ترجم صفحات حياته وتجاربه عبر أرجوزته، وقد أطلق عليها “مركب الألفين” ابتداءً لاعتقاده أن المذكرات النظمية ستكون في نحو ألفي بيت، ولكن الطريق بين منزله ومقر عمله الذي كان يقطعه كل يوم ذهابا وإيابا وهو ينظم الشعر ازدحمت فيه الأبيات حتى وصلت نحو ستة آلاف بيت، وبتعبير الشاعر الجزائري الدكتور عبد العزيز شبين الذي قدّم للديوان وعلّق عليه: (كثيرون هم الأدباء والشعراء الذين كتبُوا سِيَرَ حياتهم، ودبَّجوها نثْراً في كتُبٍ قرأها النَّاسُ، ولم أر أو أقرأ إلى يوم الخّلقِ هذا سيرةً ذاتيَّةً كتبها صاحِبُها شعراً سوى سيرةِ شاعرنا الكرباسيِّ، الذي تفرَّد بهذا العمل الشِّعريِّ الملحميِّ، إذا تمعَّنت فيه وجدته شريطاً مُسَجَّلاً منَ الذِّكريات، صِيغت بِأسلوبٍ شعريٍّ متماسكٍ رتيبٍ، ذي إيقاع سَلِسٍ صافٍ يجري مجرى الماء الزُّلال، فلا تُحسُّ به ثُقلاً، أو تُدرك فيه لحناً، فإذا كان أبو العتاهية وحيد عصره في الأراجيز، فإنَّ شاعِرَنا قَدْ بَلَغ شأوه في عصرنا هذا، فالكرباسيُّ شاعرُ عصره، ونسيج وَحْدِهِ، اجْتَّمَعت في شخصيَّته مواهبُ عدّةٌ، لمع بها في الكثير من الفنون كالفقه والأصول والتفسير والرّياضيات والفكر والفلسفة والآداب)، وبتعبير الأديب اللبناني الأستاذ عبد الحسن الدهيني وهو يخط مقدمة الناشر: (لم يتناه إلينا أنَّ شاعرًا كتب سيرة حياته شعرًا، وإن حصل ذلك فربما انحصر الأمر بفترة من حياتهم تميّزت بميزة معينة أو حادثة ما كسفر أو زواج أو مرض كان له أثره في حياتهم، فارتأوا تخليده شعرًا).
إذن هي ملحمة وأرجوزة شعرية يجد فيها القارئ تفاصيل دقيقة من حياة الكرباسي وتعامله مع مجريات الحياة وتقلباتها، كيف كان وكيف أصبح وما بينهما من محطات فيها الفرح وفيها الترح، فيها البؤس والعناء والنصب، فيها المغامرة والمقامرة بالروح لتجاوز الإعتقال أو الخطف أو الإغتيال، فيها الهجرات القسرية والتنقل ما بين العراق وإيران والشام والمملكة المتحدة، فيها السفر الطوعي أو خائفا يترقب، فيها الحياة الأسرية والحياة الزوجية وعالم الأولاد، فيها عالم الدراسة والتتلمذ والتدريس، فيها رحلات العمل في أوروبا وشبه القارة الهندية، فيها عالم الفقر والعوز والعمل اليدوي ما لا يناسب مقام العلماء من أجل أن لا يمد للحقوق الشرعية يدًا، فيها المعاناة مع الأقربين الذين مد لهم سفرة فهشّموا المملحة، فيها العفو عمن أساؤوا إليه، فيها الكثير من التجارب والعظات لمن يروم تجنب سلوك طريق الشبهات.
من قبل المهد إلى اللحد
إختار الناظم في بيان سيرته فصولا عشرة هي عبارة عن محطات قضاها في هذا البلد أو ذاك، أسماها بالجاهلية، وفي كل محطة مجموعة حوادث كان هو عنوانها، ومن سطورها نقرأ الآخرين من علماء وأساتذة وقادة سياسيين ومراجع تقليد، ورؤساء أحزاب، وأفراد أسرته، والعاملين معه، وقد سبق الفصول تمهيد وتلتها الخاتمة، جاء الفصْل الأول الذي بدأه بالجاهليَّة الأولى في العراق وأول موضوع فيه الأجداد إلى آخر الجاهليَة الأولى، ويبقى داخل الفصل الثاني في العراق بدءًا من ولادته ونشأته ودراسته وزواجه حتى ولادة نجله علاء، وينتقل في الفصل الثالث إلى محطة إيران والهجرة القسرية إليها من العراق، ومنها إلى دمشق، وفي الفصل الرابع يقف عند محطة لبنان وجملة المشاريع والأنشطة، وإلى جنب لبنان محطة سوريا في الفصل الخامس وعلاقته مع العلويين الموحدين والمشاريع، ليعود في الفصل السادس إلى لبنان والحرب الأهلية وتداعياتها، وسفره إلى باريس ولقاء قائد الثورة الإسلامية في إيران السيد روح الله الموسوي الخميني (1902- 1989م)، ودور حزب البعث العراقي في لبنان وإغتيال المفكر الإسلامي في بيروت السيد حسن بن مهدي الشيرازي يوم 2/5/1980م الذي كان في طريقه لحضور مهرجان تأبين المرجع الديني السيد محمد باقر الصدر الذي أعدمه نظام صدام حسين مع شقيقته العلوية بنت الهدى يوم 9/4/1980م، ويتحول في الفصل السابع للحديث عن مواصلة المشاريع العلمية في سوريا، وتستمر المحطة الثامنة في لبنان وما فيها من مخاطر الإغتيال والتهديد بالخطف بسبب نشاطاته العلمية والثقافية والسياسية، لينتقل مكرها في الفصل التاسع الى المملكة المتحدة والإقامة في لندن.
وحيث ينتهي الجزء الأول في جانب من محطة المملكة المتحدة، فإن الجزء الثاني الآتي يستمر فيه صاحب المذكرات إطلاعنا عبر أرجوزته بما جرى ويتوقف كثيرا عند المحطة العاشرة التي هي محطة حصد ثمار التجارب السابقة من تعلم وتعليم والإستقلال بالعمل، وحيث كان السرد النظمي للذاكرة فريدا من نوعه، ستكون خاتمة الجزء الثاني من “مركب الألفين” فريدة من نوعها، وبتعبير الدكتور شّبِّين: (ثمّ الختامُ وفيه ذكر من عجائب سيرته التي لم يُكتب مثلُها على هذا النَّمط من الأسلوب حتىَّ عند دانتي في الكوميديا الإلهيّة، ولا في رسالة الغفران للمَعَرِّي، حيث بدأ ختام سيرته بالاحتضار، التشييع، الغسل، الكفن، الصلاة، الدفن، المراسم، البرزخ، المحشر، الحساب، الصِّراط، الجنَّة، ثُمَّ حفلةُ التَكريم التي تقام له إحياءً له ولأعماله، هذا الإبداع والتَّجديد الموضوعاتي في تناوله للأحداث عبر سيرته الذاتية فريد في بابه، لم يُسبق إليه فيما أعلمه عن السّير الذاتية أو الملاحم التي أنشئت في موضوعه)، وزاد صاحب السيرة على ذلك أن حفر له في الباحة الخلفية للمركز الحسيني للدراسات بلندن قبرًا إن شاء ذووه دفنه ورفيقة دربه وأم عياله فيه أو نقل جثمانه الى كربلاء المقدسة.
محطات أدب الطريق
اعتاد الأديب الكرباسي ولسنوات طوال أن يقطع المسافة بين المنزل ومكتب الموسوعة الحسينية (المركز الحسيني للدراسات) ماشيا، فمركبته في رحلة الذهاب والإياب التي تأخذ منه نحو 40 دقيقة كل يوم هي قدماه، وبطاقة الصعود في مركبة رقم 11 هي الورقة والقلم ينظم بهما من القوافي ألوانا ومن البحور أمواجا، حتى تعدَّت مما نظمه العشرين ديوانا، ومنها ديوان “مركب الألفين”، وهذا النظم في واقعه يدخل في إطار “أدب الطريق”، فكلما دعك الشيخ أبو علاء الكرباسي مصباح علاء الدين الشعري وهو الطريق إلى المكتب قبل شروق الشمس والعودة إلى البيت قبل غروب الشمس، خرج منه الملاك شاخصا بين أنامله يصوب شراع القوافي حيث يريد.
وذكرياته التي نسجها على منوال النظم هي من نتاج ذلك الدعك، على أن الذكريات منسوجة من قبل على منوال النثر في مجلدين كبيرين منضدين، ترك الفقيه الكرباسي نشرها لما بعد الحياة الدنيا، وقد جاء الديوان على بحر الرجز المسدس (مستفعلن × 6) دون زحافات، كما اعتمد الشاعر (تاريخ الجُمَّل) في أرشفة تاريخ كل قصيدة، وهو فن من فنون النظم يقل من يجيدها من الشعراء ويخطأ فيه من اشتهر به، وألحق بالألفين “شذى القرنين” نسبة إلى القرنين الرابع عشر والخامس عشر الهجريين وما يقابلهما من قرن نهاية الألفين الثانية وقرن بداية الألفية الثالثة الميلاديين.
وضم الجزء الأول من الديوان 112 قصيدة في 2373 بيتا حيث استهل الشاعر بالساعة صفر، وختمها بقصيدة عن إنشاء “مركز كربلاء للدراسات والبحوث” سنة 1995م حيث كنت مقرر اجتماعات التأسيس وجلساته ومحرر ومعد كتاب “دراسات حول كربلاء ودورها الحضاري” الذي هو حصيلة 34 دراسة قدمت للمؤتمر الدولي الذي عقده مركز كربلاء في لندن يومي 30 و31 آذار مارس 1996م، وصدر سنة 1998م.
ومن التمهيد يدخل على الجاهلية الأولى للفترة (1366- 1391هـ)، وهي تغطي “من النشأة إلى الهجرة الأولى، العراق- إيران”، أي كامل الفصل الثاني حيث القصائد التالية: الولادة والنشأة، سفرةُ الحج، ذكريات، البساطة، كرم الضيافة، تسلية الأطفال، الشقيقة، الشيخ والمُلَّة، السفر إلى ايران، الإلتحاق بمدرسة السبط، أجواء الدراسة، تأسيس مدرسة الإمام الصادق، الإلتحاق بالحوزة، ثورة 14 تموز، لا راحة في الحياة، العلوم القديمة، نشاطات، جراح عام الثمانين، ثورة 14 رمضان، الحرس القومي، ظهور صدَّام، الحرق هو العاقبة، ضعف الحكم، محاولات العشائر وتخوف المرجعية، حكومة البعث، السفر إلى الشام، كربلاء والنجف، الزواج، بطش البعث، ولادة علاء.
وفي الفترة (1391- 1416هـ) تبدأ الجاهلية الثانية “من إيران إلى المملكة المتحدة: إيران، لبنان، سوريا، قبرص، بريطانيا”، ضمت بقية الفصول، حيث نقرأ في الفصل الثالث (في إيران) القصائد التالية: الهجرة إلى ايران، الدراسة في طهران، طغيان الشاه، الهجرة إلى قم، سفرة إلى الداخل، سفرة إلى بيروت، في الشام، في طهران، رفقة الهجرة، الوداع، في دمشق.
ونقرأ في الفصل الرابع (في لبنان) القصائد التالية: في بيروت، بشرى الولادة، المشاريع والأنشطة.
وتأتي ذكريات الفصل الخامس (في سوريا) عبر قصيدتين هما: العلويّون، سوريا الملجأ.
وحين يستذكر الشاعر أحواله في لبنان كما جاء في (الفصل السادس) يأخذنا نحو التالي: إلى مصر، سفرات إلى إيران، طاغية العراق، الحرب الأهلية، العامليون والشاه، إلى بلاد العالم، إلى الديار المقدَّسة، إلى تركيا، الصدر والشيرازي، إلى الأردن، نظام إيران، محنة الغُربة ، نظام أفغانستان، السفير المتعجرف، المؤسسات والمنشآت، نهايات العمل المشترك، إلى باريس، إقتحام السفارة، مرض الوالد ورحيله، مصيدة بغداد، النجاة من الطغاة، أربعون الوالد، العودة إلى بيروت، عرفات وثورة إيران، رحيل العمِّ، طغيان البعث، إغتيال الشيرازي.
ويعود الشاعر بذكرياته ثانية في (الفصل السابع) إلى سوريا ونقرأ التالي: إلى الشام، العودة إلى الشام، إلى الكويت، العودة من الكويت، اليوم الموعود، مشروع التمويل، مشروع التعليم، البدء بالعمل.
ثم يعود الشاعر مرة أخرى في (الفصل الثامن) إلى لبنان ويخبرنا بذكرياته عن: طُغاة السعودية، إلى باكستان، إلى الهند، الضغوط، إلى قبرص، الفوضى والغدر.
وبين أجواء الشام وجزيرة الضباب ياخذنا الكرباسي في (الفصل التاسع) إلى المملكة المتحدة ويخبرنا عن: لندن الخيار، أجواء لندن والسكنى، الغرب والغُربة، إغراءات، محاولات، الحياة، فجر لندن، الفراغ القاتل، الإعتزال في المهجر، كرامة حسينية، انطلاقة الموسوعة، ولادة زهراء، أرمينيَّة أسلمت، عناية حسينية، ندوة عن العراق، فراق الوالدة، المركز الحسيني، أميركية أسلمت، ولادة حسين، ومركز كربلاء.
ولا ينتهي الفصل التاسع بالقصيدة الأخيرة، وإنما أنهى بها الناظم الجزء الأول، وتأتي البقية تباعا في الأجزاء القادمة.
لقد حملت الذكريات في رحمها الكثير من تجارب الناظم، ولا تخلو قصيدة من بيت فيه حكمة وعبرة، من ذلك قوله من قصيدة بعنوان “في دمشق .. سنة 1393هـ”:
هذه هي الدنيا فلا عزٌّ يَدُمْ لا رفقةٌ في قولها صدقٌ يَتُمْ
أو قوله من قصيدة بعنوان: “ثورة 14 رمضان .. سنة 1382هـ”:
هذا هو الذل الذي فيه النَّدَمْ خيرُ الورى مَن يتقي حمل الذِّمَمْ
أو قوله عن دخوله عش الزوجية سنة 1389هـ بعنوان: “الزواج”:
ليس الهوى حبًّا وإن شاء الزمَنْ فاحرز من الإيقاع في صعب الفتَنْ
أو قوله عن “رفقة الهجرة” للفترة (1392- 1393هـ):
الدينُ صنوٌ العقل يا مَن حَبَّذا فَهْمًا دقيقًا يرعَوي مَن نَفَّذا
أو قوله عن “المشاريع والأنشطة” في سنة 1393هـ:
كُن للمعالي طالبا مهما صَعُبْ فالمرءُ لا يَرقى إذا ريبٌ وَقَبْ
في الواقع تمثل هذه المذكرات خزينا من المعلومات عن الفترة الزمنية التي عاشها الناظم والحوادث التي جرت في العراق وإيران وسوريا ولبنان وفلسطين والخليج، من إنقلابات عسكرية وثورات شعبية، فضلا عن حوادث جمة نقرأ تفاصيلها عبر نوافذ الأبيات مستطلعين صدورها وأعجازها وهي تموج في بحر الرجز متنقلة على سلم قافية إلى أخرى، ولا أزيد عما ختم به الشاعر الجزائري الدكتور عبد العزيز شبين تقديمه: (هنيئاً للشِّعر والإنسانيَّة بالكرباسيِّ شاعراً وإنْسَاناً دوَّنَ مَلْحمةَ الأفراحِ والأحزانِ في أدب الطريقِ ديواناً، نقرأ فيه سيرةَ مبدعٍ فنَّانٍ، قالتْ له المشيئةُ كن فكانَ).
الرأي الآخر للدراسات- لندن