محمد حسنين هيكل في الذكرى الثالثة لرحيله

ثلاثة أعوام مرت على رحيل عميد الصحافة والإعلام العربي الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل  الذي تعلمت  وتتلمذت  على يديه أجيال وأجيال من الصحفيين وتأثروا به  .

هذاالأستاذ يعتبر أسطورة الإعلام العربي، وسيد من أجاد لغة الضاد، وأحد أهم عشرة كتاب على مستوى العالم، وفقاً لما اعلنت عنه مراكز الاستطلاع  في الغرب وأمريكا  ، وكان أي حديث أو مقال له كفيلا بتحريك الشارع العربي سواء من يؤيد أو من يعارض ، ومن تابع ردود الفعل على أحاديثه الأخيرة مع الإعلامية لميس الحديدي تحت عنوان “مصر أين والى أين ” ، وقبلها حديثه الذي امتد سنوات لقناة الجزيرة القطرية تحت عنوانها مع هيكل  تجربة حياة، يعرف كم أثارت تلك الأحاديث من ردود الفعل داخل وخارج مصر، خاصة كلما تحدث الأستاذ عن صنم  من الأصنام التي صنعها لنا الاستعمار لتحكمنا باسمه ونيابة عنه .

ويحسب للأستاذ الكبير رحمه الله دوره في الحفاظ على ذاكرتنا القومية ، ونشر ثقافة الوعي القومي في ظل حرب الأفكار الممنهجة التي تتعرض لها أمتنا العربية منذ وجود الكيان الصهيوني اللقيط، وزادت وتيرتها بعد الرحيل المفجع للزعيم جمال عبد الناصر، ولعل التاريخ وحده  سوف ينصف هذا الكاتب العملاق حيث كانت كلمة منه تحرك بحيرتنا السياسية العربية الراكدة بل الآسنة .

ولعل الأستاذ أراد في حديثه الأخير للجزيرة و  CBC  وغيرهما أن يثير هذا الجدل وأن يحرك هذه البحيرة، ويعيد الذاكرة لمن فقدها وما أكثر الذين تاهت بوصلتهم وفقدوا ذاكرتهم في امتنا العربية في هذه الظروف الصعبة التي لا تسر صديقا .

غير ان لنا على الأستاذ مأخذاً كبيراً، حيث أنه من وقف لجانب السادات  في انقلابه يوم 15 أيار مايو 1971م ، بل كان هو بثقله المهندس لذلك الانقلاب الذي أطاح بكل رجال الزعيم جمال عبد الناصر الذين  قاوموا انحراف السادات، وكانوا محقين وعارضهم هيكل بوقوفه مع السادات وكان مخطئا .

وبرر الأستاذ فيما بعد موقفه بالقول أنه كان مع الشرعية  وأنه تمنى – وكان يعرف كل نقاط الضعف في السادات- أن يغيره وقار المسئولية،  وفي ذهنه الرئيس الأمريكي هاردي ترومان الذي كان شخصية باهتة وهو نائب للرئيس روزفلت  ، وعندما ترشح ونجح سجل له التاريخ الأمريكي بأنه من أعظم قادته، رغم جرائمه بحق الشعب الياباني في هورشيما ونجازاكي  .

يدعي بعض الحاقدين والحاسدين للأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل بأنه صنيعة السلطة وقربه من الزعيم جمال عبد الناصر وحتى السادات لغاية نهاية حرب أكتوبر، وهذا الكلام  تكذبه الحقائق على ارض الواقع، فقد كان الأستاذ اسما لامعا  تغلب على من سبقوه من أساتذته، ويكفي أن نذكر بأنه من غطى معركة العلمين  وأحداث فلسطين طيلة النكبة عام 1948م ، كما غطى الحرب في شبه الجزيرة الكورية، وكذلك غطى ثورة مصدق في إيران والانقلاب الرجعي عليها الذي قادته المخابرات الأمريكية  بعميلهم الشاه محمد بهلوي، وكتب عن ذلك أول كتاب في حياته، بعنوان (إيران  فوق البركان) .

وهذا كله قبل ثورة يوليو  ومعرفته بزعيمها جمال عبد الناصر  وبعملية حسابية ندرك ان هذا الأستاذ عاش قريبا من سلطة ثورة 23 يوليو عشرين عاما، 17 منها قرب الزعيم جمال عبد الناصر و3 قرب أنور السادات .

اما بعد ذلك فقد امضى41 عاما في اختلاف وتصادم مع السلطة، وقدم خلالها أغزر إنتاجه من الكتب والمقالات واللقاءات  .

ورغم المنع الذي تعرض له، والحصار وحتى السجن وتطاول الأقزام عليه، الا انه تحدى كل ذلك، وقدم الأستاذ للأمة العربية وللإنسانية خلاصة تجربته، ونال شهرة فاقت الاولين والآخرين من اساطين الصحافة والاعلام .

ولا زلنا نذكر آخر كلماته للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي التقى به عدة مرات، وفي آخر لقاء له  قال حرفيا ( على الرئيس السيسي أن يعلن ثورة على نظامه)

نتذكر الأستاذ الذي لا يغيب عن البال والذكر، وأعتقد أنا الفقير لله أن للأستاذ هيكل دينا في أعناق كل أحرار وحرائر الأمة ومثقفيها، ولولاه وذاكرته العبقرية لكنا اليوم نقرأ تاريخ مصر القريب كما كتبه أولاد “كلب ديفيد”  .

لقد كان الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل أسطورة تمشي على الأرض ، وما ابلغ الكاتب البريطاني المعروف  روبرات فيسك عندما قال عن الأستاذ قبل أكثر من عقدين من الزمن( عندما كان في السلطة كانت الناس تنتظر ماذا سيكتب وماذا سيقول ، وعندما خرج من السلطة أصبح الناس يفكرون بماذا يفكر) .

رحم الله الأستاذ  الكبير محمد حسنين هيكل فقد كان وسيبقى مدرسة عظيمة لكل مثقفي الأمة وأحرارها .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى