خطر تراجع حافزية التجنيد في الجيش الإسرائيلي

يُعتبر الجيش الإسرائيلي المؤسسة الأهم، والتي تحظى بالإجماع الأكبر اسرائيلياً، ويُمكن فهم ذلك في إطار ما تحيياه “إسرائيل” من تحديات أمنية منذ نشأتها إلى اليوم، ساهمت تلك التحديات بهذه المركزية الكبيرة للمؤسسة العسكرية، والتي تحظى بالثقة الأكبر في أوساط الجمهور الإسرائيلي، وساهمت بتخريج الكثيرين من رحمها إلى رأس السلطة التنفيذية.

مؤخراً باتت تشهد المؤسسة العسكرية الكثير من النقد، في ظل ما يُعرف بعزوف الشباب الإسرائيلي عن القبول في التجنيد للوحدات القتالية البرية، وكذلك سلاح المدرعات، وهناك من حمّل المسؤولية لقائد الجيش جابي آيزنكوت، وطالبه بالإستقالة، مثلما جاء على لسان الراب شموئيل الياهو، عضو لجنة “الرابنوت المركزية” (اهرون، 2018).

يُحاول هذا التقرير الوقوف على مدى انتشار هذه الظاهرة في أوساط الشباب الإسرائيلي، محاولاً تحليل أسبابها، إلى جانب تقديم مجموعة الانعكاسات السلبية لذلك على المؤسسة العسكرية، المجتمع والفكرة الصهيونية بشكل عام.

  تراجع الرغبة في التجنيد بالأرقام

وفق المعطيات فإنّ التراجع المستمر في الحافزية للتجنيد للجيش الإسرائيلي، آخذة في التوسع والانتشار، حيث تُسجل في كل عام، ارتفاعاً بالمقارنة مع العام الذي سبقه، حيث أنّ اتساع رقعة نزول حافزية للتجنيد، بات أمراً، لا يُمكن للمؤسسة العسكرية اخفاءه بالمطلق.

ومن خلال تتبع الأرقام التالية، من الممكن الإضاءة على هذا التراجع، فوفق معطيات الجيش، في العام 2013، فإنّ 29.7% من الجنود المهيأين للتجنيد القتالي، عبروا عن عدم رغبتهم المشاركة في الوحدات القتالية، فيما كانت النسبة 26.6% في العام 2012 (زيتون، 2013)، إلّا أنّ الجيش قلل في تلك الفترة من خطورة الأرقام، مُشيراً إلى أنّ الأرقام المذكورة طبيعية (زيتون، 2013).

هذه الأرقام، والتي اعتبرها الجيش في حينه، ليست مدعاة للقلق، لم تتوقف عند هذا الحد، بل وصلت إلى أرقام، باتت باعثاً للقلق عند الجيش، وأيضاً مطالبين بالعمل على تغييرها، حيث ارتفعت نسبة الرافضين للمشاركة في الوحدات القتالية الى 33%، صيف العام 2014 (يهوشع، 2017)، هذا في ظل اتهامات للجيش، بأنّه لم يكشف الارقام الحقيقية.

ومن خلال تفصيل أكبر للأرقام، ولجنوح الشباب عن قبول العمل في الوحدات القتالية، كجفعاتي وجولاني، وهما من أهم الوحدات القتالية في الجيش، فقد تم الكشف مؤخراً، عن أرقام أكثر خطورة بالنسبة للجيش، حيث تنافس على كل موقع فارغ في وحدة جولاني، فقط 3.8 من الشباب، فيما كانت النسبة قبل ذلك بسنوات، 6 متنافسين على كل شاغر (ليمور، 2017)، فيما سجل التنافس للدخول في وحدات السلاح الجوي ارتفاعاً، 8 اشخاص لكل شاغر (ليمور، 2017).

والأرقام أكثر خطراً، عند التطرق لسلاح المدرعات، والتي سُجن بسبب الرفض في دخولها العشرات من الجنود، وتُشير الأرقام إلى أنّ النقص في هذه الوحدات يتم ملئها من قبل غير المسجلين للخدمة بها، حيث نسبة الراغبين في ملئ الشواغر كانت أقل من الشواغر نفسها (ليمور، 2017)، حتى أنّ الاستطلاع كشف، تفضيل الأهالي خدمة ابناءهم في الوحدة 8200 (يهوشع، 2017)، وهي وحدة السايبر الاسرائيلية.

هذه الأرقام هي الأدنى منذ عقد من الزمن، فبعد أن كان نسبة اللذين لا يفضلون الوحدات القتالية في العام 2010 فقط 20%، ارتفعت الى حدود 33% (فيستوخ، 2017)، أي أنّ الرقعة في اتساع، الأمر الذي يُشير بشكل واضح، إلى نزول الحافزية القتالية للجندي الإسرائيلي، في الوحدات القتالية البرية، وسلاح المدرعات، والتي فيها يواجه الجندي خطر القتل، والتعرض للمخاطر.

 أسباب تراجع القابلية للتجنيد

تتنوع الأسباب التي تقف وراء تراجع حافزية الجنود لقبول التجنيد في الوحدات القتالية، فما بين ظروف اجتماعية واقتصادية، وتراجع اسطورة المقاتل، وتحميل المتدينين رئيس هيئة الأركان ذلك، فإنّ شريحة واسعة، تُحمّل المتدينين ومحاولات فرض التديين على الجيش، أحد أهم العوامل لتراجع الاقبال على الوحدات القتالية.

البروفيسور اودي ليبال، الباحث في علاقات الجيش والمجتمع، أشار إلى أنّ تراجع الحافزية مرتبط، بتراجع التضامن العام في المجتمع الإسرائيلي، حيث باتت أسئلة من يتجند؟، في أي ظروف؟، ولماذا؟، تُشير بوضوح إلى تفضيل الفرد نفسه على المصلحة العامة (ليبال، 2017)، أي أنّ الفرديّة، والتي هي موجة عالمية رافقت العولمة، باتت مركب أساس في مجتمع، يتعرض لمخاطر أمنية، من المفروض أن تُلزمه التضامن والوحدة.

المحلل العسكري الكبير روني دانييل، أشار إلى أنّ هذه الموجة المقلقة من التراجع مرتبطة بأمرين، الأول، التمييز لصالح الجنود المتدينين، واللذين ينالون اجازات تصل لأربعة أضعاف المجند غير المتدين (دانييل، 2017)، والثاني، هو النظرة للجيش، على أنّه مؤسسة اقتصادية، يدفع المجند للتساؤل ماذا سأستفيد من الجيش؟، على عكس الأجيال الأولى التي كانت تطرح التساؤل، كيف بإمكاني افادة جيشي ومجتمعي (دانييل، 2017)، أيّ أنّ هناك تغيّر كبير في القيم، والنظرة الداخلية لطبيعة الجيش، وتحوله لمؤسسة يسعى الفرد للاستفادة منها، وليس افادتها.

الأبعد من ذلك، هناك من ربط التراجع في الحافزية، إلى فقدان الروح، تراجع الإيمان في صدق الطريق، حيث باتت محبة الأرض، مصطلح سياسي أكثر منه قيمي (سيجال، 2017)، كما باتت تُفتقد الروح حتى في جوانب الأسطورة، وكبار وعظماء الشعب، اللذين بتنا نفتقد وجودهم وفق ايتامار، في المنظومة القيمية والتعليمية (سيجال، 2017)، الأمر الذي حوّل الجيش، لمنظومة تفتقد اسطورة وتاريخ، وبالتالي تفتقد إلى الروح.

اللواء السابق جرشون هكوهين، أشار إلى أنّ وجود فئات لا تخدم داخل الجيش، في اشارة للمتدينين الحريديم وبعض الفئات الأخرى، ساهم في انتشار ظاهرة عدم وجود تحمّل متساوٍ للأعباء، الأمر الذي انعكس على الكثيرين، لرفضهم الوحدات القتالية والتجنيد ككل، من منطلق عدم وجود مساواة (هكوهين، 2017)، مطالبين، بشراكة الجميع في تحمّل أعباء الدولة، أو ترك الموضوع اختيارياً للجميع، وبالتالي تحوّل الجيش إلى جيش مهني أجير، وليس جيش الأمّة والدولة كما يروق ل”إسرائيل” تسميته.

أسباب أخرى داخلية تم نقاشها اسرائيلياً، تعكس سبب التراجع في الرغبة للتجنيد وتحديداً للوحدات القتالية، مرتبط بالظروف الاقتصادية، وما يتعرض له بعض أفراد الجيش من معاملة داخل تلك الوحدات، حيث تُشير دراسات الجيش، إلى أنّ الجيل الشاب المتجند للجيش، يُفكر في المستقبل، وتحديداً في جانبه المهني والاقتصادي، الأمر الذي يدفعه للبحث عن وحدات تكنولوجية، توفر له عمل مستقبلي في مجالات الهايتك “الصناعات المتقدمة” (مائير، 2017)، في ظل أنّها باتت حلم أي شاب، وأفضل عمل من الممكن أن يعمله الشاب الإسرائيلي.

وهذا ما ناقشه معهد دراسات الأمن القومي في العام 2015، حيث كان الجانب الاقتصادي حاضراً في منظومة التجنيد للجيش، بشقيه الاجباري، والاختياري النظامي، حيث وجدت الدراسة المُقدمة في كتاب مطوّل، أنّ مظاهر عدم الرضى الاقتصادي باتت حاضرة لدى المنضمين للجيش، وبات هناك شعور، بأنّ الجيش يتجه نحو تحوّله لمهنة، غير مجدية (ايلرن و شيفر، 2015)، الأمر الذي يدفع باتجاه هرب الكثيرين من الجيش.

إلى جانب ذلك، فقد أشارت دراسات، أنّ تراجع الحافزية لدى فئة النساء مرتبط، من جانب بعدم نيلهن المساواة، بالتوازي مع ارتفاع ظاهرة التحرش الجنسي خلال السنوات الأخيرة، إلى أرقام كبيرة، فبعد أن كانت واحدة من كل ثمان مجندات تعرضن للتحرش في العام 2014 (كريمينالي، 2017)، ارتفعت النسبة في العام 2017، إلى واحدة من كل ست نساء (كوهين، 2017)، إلى جانب تعبير 60% منهن عن وجودهن في جوّ يُهيئ للتحرش الجنسي (كوهين، 2017).

سبب داخلي آخر مرتبط بالتمييز الحاصل داخل الجيش، ما بين الشرقيين والغربيين، وهما المكونان الأساسيان للمجتمع الإسرائيلي، وتم اعتبار هذه المظاهر أحد أهم أسباب نزول الحافزية للتجنيد (شاخر، 2017)، في ظل مظاهر الاعتداء، والمظاهر العنصرية كرفض الغربيين تناول الطعام مع الشرقيين، إلى جانب الفرز المتعمّد بين الجانبين من قبل بعض الضباط.

ومن بين أبرز الأسباب التي يُسوّق لها داخلياً، هي ارتفاع ظاهرة التدين في الجيش الإسرائيلي، في ظل إقبال المتدينين الصهاينة عليه، حيث ارتفعت نسبهم بشكل كبير في العقدين الأخيرين، الأمر الذي بات يُظهر الجيش على أنّه جيش ديني (هكوهين ج.، 2018)، رغم أنّ نسبة المتدينين في المجتمع لا تتجاوز ال 20%، 10% منهم فقط وهم القوميين الصهاينة، يقبلون الانضمام للجيش، فيما النصف الآخر وهم الحريديم يرفضون دخوله، لكنّ محاولة صبغ الجيش بالهوّية الدينية القومية، ساهم إلى وجود ردود فعل سلبية، لجيش كان يُنظر له على أنّه قومي (هكوهين ج.، 2018)، ليُعتبر تغيير الهوّية وفق ما يجري حالياً، أحد أهم أبرز اسباب تراجع الحافزية، لدى الليبراليين والعلمانيين (شيلا، 2017).

السبب الأخير، والذي من الممكن سياقه، ويمكن اعتباره الأهم في سياق عدم الرغبة في التجنيد البري، هو الخوف من التعرض للمخاطر، وقد أظهرت أعداد الرافضين في الخدمة في سلاح المدرعات ذلك، إلى جانب أنّ قضية الخوف من الموت، ليست بالأمر الجديد، حيث كشفت معطيات سابقة ذلك (دانيالي، 2011)، فعدم الاستعداد للتضحية بالنفس، بات سمة بارزة للكثيرين من الجيل الشاب (كوجان، 2018)، لذلك فضلوا الوحدات غير القتالية، على الوحدات التي فيها تعريض النفس للمخاطر.

انعكاسات ذلك، عسكريا ومجتمعياً

تراجع الحافزية للتجنيد، لها الكثير من الانعكاسات، السياسية، الأمنية وكذلك المجتمعية، حيث جاء هذا التراجع في ظل، الكثير من القضايا التي تأخذ حيّزاً واسعاً من النقاش، ومرتبطة بشكل كبير في المنظومة العسكرية، وتحديداً طبيعة الخدمة في الجيش.

فقدان الجيش لطابعه الوطني والقومي

أولى الانعكاسات والتي يخشاها الجمهور الإسرائيلي، قبل المؤسستين العسكرية والسياسية، هو أن يفقد الجيش الإسرائيلي، صفته التي نشأ عليها، بكونه جيش وطن، ممثل لكافة الشرائح اليهودية دون استثناء، وتُمثل التضحية الموجودة فيه، عبء المسؤولية المُلقى على كاهل المجتمع ككل، حيث نشأ الجيش، على أنّه الشريحة الاكبر التي تعكس، مشاركة الكُلّ في تحمّل الأعباء.

ففي الوقت الذي سنّت فيه “إسرائيل” من سنوات، ما يُعرف بقانون تحمّل الأعباء بالتساوي، عادت وأقرّت قانوناً يُعفي المتدينين الحريديم، من التجنيد، الأمر الذي بات يعكس، أنّ الجيش الإسرائيلي لا يُمثل كافة الشرائح، ولا يعكس المساواة داخل المجتمع (شومفلبي، 2015)، والتي تُطالب كافة الشرائح بضرورة، أن يتحمّل الجميع العبء بالتساوي.

حيث بات مصطلح، ليس جيش الشعب، والذي يُتداول منذ سنوات (كريمنتشر، 2014)، رائجاً في ظل التطورات المرافقة للجيش وطبيعة التجنيد، والعزوف عنه في السنوات الأخيرة، وفي ظل ما يحظى به الجيش من مكانة عالية، فإنّ غياب شرائح وازنه عنه، في ظل ارتفاع نسبتها من المجتمع بشكل متسارع، يوحي بأنّ الجيش، سيفقد طابعه كجيش شعب، ليصبح جيشاً لفئات محددة.

وهذا بدوره سينعكس على علاقة الجمهور بجيشه، ليس فحسب في الدولة العبرية، بل أيضاً على مستوى العلاقة مع يهود الخارج، واللذين باتت شريحة منهم يشعرون بغربتهم عن المشروع الصهيوني، من منطلقات فكرية باتت تترسخ، بأنّ المشروع بات يخدم فئة من اليهود دون الأخرى، وهذه أحد أركان الأزمة حالياً ما بين الدولة العبرية، ويهود الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً.

تحوّل الجيش لجيش ديني

قبل عدّة سنوات، كتب البروفيسور مردخاي كريمنتشر، بحثّاً مطوّلاً، تحت عنوان، جيش الشعب، أم جيش الرب؟، مشيراً أنّ ظاهرة تديين الجيش –فرض التدين على الجيش-باتت واضحة، وتتطلب وقوف جدّي من كافة فئات الشعب، حيث إنّ تحوّل الجيش لجيش الرب، سيكون خاضعاً للقيادات الدينية، وآراءها التشريعية، وستفقد الدولة مع مرور الزمن السيطرة عليه (كريمنتشر، 2014)، في ظل اشباعه بالمفاهيم الدينية، وأنّه يدافع عن الربّ، في وجه أعداء الربّ.

ظاهرة تديين الجيش، لا يُمكن تجاهلها، بل باتت حجراً أساس في النقاش في كل ما يتعلق بالجيش، في ظل ما يدور في هذه الأيام من منع الخدمة المشتركة بين الرجال والنساء، ومظاهر أخرى كفرض الطقوس الدينية على الجميع (هكوهين ج.، 2018)، إلّا أنّ المتدينين رغم سعيهم لقلب الجيش لديني، قد يكونون معفيين من تحمّل تُهمة ذلك، في ظل نزول الحافزية في التجنيد عند كل الفئات ما عدا المتدينين.

ففي الوقت الذي كانت فيه نسبة الضباط المتدينين عام 1995، فقط 5%، وهي نسبة أقل من حجم المتدينين القوميين في المجتمع، وصلت مؤخراً لحدود ال 40% (زولدان، 2016)، لذلك فإنّ ظاهرة تديين الجيش، وإن كان يسعى لها المتدينين، فإنّ كافة شرائح المجتمع تتحمل ذلك، بعزوفهم عن التجنيد وتحديداً للوحدات القتالية، الأمر الذي سيجعل الجيش مع مرور الوقت، يخضع لقيادته الدينية، أكثر من انصياعه لأوامر قيادته السياسية.

نزول نوعية الجندي المقاتل

أبرز التأثيرات التي باتت تنعكس على الجيش الإسرائيلي، هي نزول نوعية الجندي المقاتل، والذي خدم في الوحدات البريّة، أو سلاح المدرعات، حيث وفق المُعطيات أعلاه فإنّ الشباب الإسرائيلي المتعلّم، يفضل الذهاب للوحدات التكنولوجية (يهوشع، 2017)، الأمر الذي سيجعل الوحدات القتالية، ساحة الفئة غير المتعلمة والمثقفة في الجيش، وبالتالي الأقل جودة، وقدرة على تشريب المجتمع أهمية الجيش والقتال فيه.

المحلل العسكري عاموس هرائيل، أشار إلى أنّ الجيش الإسرائيلي تلقى صفعة كبيرة جدّا، ووفق هرائيل فإنّ تلك الصفعة تكمن في تراجع جودة الجندي المقاتل (هرائيل، 2017)، متسائلاً من أين سيتخرج رئيس هيئة الأركان المستقبلي؟ (هرائيل، 2017)، في ظل رفض غالبية المنتمين للوحدات التكنولوجية الانتقال للوحدات القتالية، وفي ظل النوعية الأقل جودة للوحدات القتالية، فإنّ القيادة القادمة ستكون أقل جودة هي الأخرى (هرائيل، 2017)، حيث أنّه من المعلوم أنّ قيادة الجيش، كانت الرافد الأبرز تاريخياً للساحة السياسية، والتي شهدت وجود العددي من رؤساء الوزراء اللذين شغلوا منصب رئيس هيئة اركان الجيش، كإسحاق رابين، ايهود باراك وغيرهما.

تحوّل الجيش، لجيش أجير

في ظل التراجع المستمر في الرغبة في التجنيد، فإنّ ذلك من الممكن أن يقود إلى تحوّل الجيش، إلى جيش أجير، بمعنى أن يتم فتح أبواب التجنيد للراغبين فقط في الانضمام للجيش، مقابل نيلهم راتباً شهرياً مناسباً، وبالتالي فقدان ما تم تأسيس الجيش عليه، بأنّه جيش الشعب، الذي من واجب الجميع الخدمة فيه.

وهناك من طالب بذلك مجتمعيّاً، حتى أنّ تلك المطالبات، خرجت منها رائحة عنصرية، كرفع شعار، ابني ليس مضطراً للخدمة مع المهاجرين من اثيوبيا (ايرتس، 2016)، ومن طالب بذلك اعتقد أنّ الجيش المهني، سيكون أكثر جدوى، وأقلّ تكلفة على خزينة الدولة، والتي تُنفق أموال باهظة على طريقة الخدمة الاجبارية (ايرتس، 2016).

إلّا أنّ ذلك وفق الكثيرين سيكون له انعكاسات سلبية كبيرة على الدولة العبرية، التي تعاني من وجود تحديات أمنية مستمرة، تجعلها تحت طائلة الحرب في أي لحظة، وسيؤدي إلى تراجع في القوّة التي تمتلكها “إسرائيل”، من حيث القوّة الجوّية، وسلاح البحرية، وكذلك تراجع في كمية الجنود التي تحتاجها الدولة (هنكين، 2016)، فلا يمكن مقارنة “إسرائيل” بدول كالنرويج والسويد، وغيرها ممن لا تتعرض لمخاطر مستمرة (هنكين، 2016)، الأمر الذي يتطلب بقاء الأوضاع على حالها، فمهما كان التقدم التكنولوجي كبير، فإنّ الجندي على الأرض، يبقى العامل الأهم في أي حرب.

خاتمة

 ظاهرة رفض التجنيد، باتت تأخذ مساحات واسعة من النقاش، وفي قراءته لها، أشار معهد دراسات الأمن القومي، وهو أهم مراكز الأبحاث الإسرائيلية، وعلى لسان أبرز باحثيه أنّ ظاهرة تراجع حافزية التجنيد خطيرة، ولكنّ علاج هذه الظاهرة لن يكون بيد الجيش وحده، بل من خلال مجتمعٍ يحافظ على قيم الجيش وقيمته، وبتشريب الجيل الشاب أنّ هذه المؤسسة هي الضامن الأساسي لمستقبلهم في ظل عظم التحديات الأمنية واستمراريتها (سيموني و بيلر، 2018).

تراجع الحافزية للتجنيد بات يؤثر بشكل واضح على رضى المجتمع الصهيوني عن جيشه، وإن كان لا زال يحظى بنسب مرتفعة بالمقارنة مع المؤسسات الأخرى، لكنّه لم يعد بقرة “إسرائيل” المقدسة التي يصعب المساس بها، بل بات ينال نقداً متصاعداً من قبل الجمهور الإسرائيلي.

لعلّ التكنولوجيا المتطورة، تُخفي وجود عيوبِ الجيش الذي يُصنف نفسه على أنّه الأقوى في المنطقة، ولكنّ الحروب الأخيرة، وأمام تنظيمات ليست بمستوى دولة، كحرب لبنان أمام حزب الله في العام 2006، وأمام حماس في غزة في العام 2014، كشفت أنّ الحرب تحتاج روح قتالية كبيرة، ونوعية مقاتل من الطراز الأول، وأولى من يجب أن يتخلى بهما، هو المقاتل على الأرض، سواءً في سلاح البر أو المدرعات.

ما يُمكن اجماله أنّ “إسرائيل” تُعاني من أزمات داخلية كبيرة، وإن كانت تل أبيب لا زالت إلى الآن ذات قُدرة في التعامل معها، فإنّ الفضل في ذلك ليس بفعل قدراتها، بل بفعل الدعم الكبير خارجيا، والترهل الإقليمي الكبير، والأيام ستكشف كم أنّ هذه الأزمات التي من بينها تراجع جيشها، بات يحفر في جدار قوّتها وقدرتها على الصمود.

* مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى