الحــرس القــومــي القصـة الحقيقيــة

بقلم : صلاح المختار

الحرس القومي تعرض للكثير من التشويه المتعمد من عدة اطراف عراقية وعربية واقليمية ودولية ولاسباب مختلفة ، وكل هذه الاطراف استغلت اخطاء وقعت وحاولت جعلها هي جوهر اعمال الحرس القومي رغم انها كانت اعمالا فرعية وليست جوهرية في تلك المرحلة ، فهل حان وقت تصحيح الاخطاء في الروايات المنشورة او المتداولة ؟ نعم لقد حان الوقت لان هناك حملات واضحة منظمة ومدروسة لكتابة تاريخ العراق الحديث بطريقة لاتختلف عن طريقة كتابة تاريخه عموما من قبل المستشرقين والغربيين والصهاينة ومن اعتمد عليهم في اعداد ما كتبه وهي طريقة التشويه والطمس المتعمدين .

كاتب هذا المقال احد افراد الحرس القومي وبقي فيه حتى حله بعد انقلاب عسكري دموي كان الحرس القومي هدفه الظاهري بينما كان الهدف الحقيقي هو هو اسقاط نظام البعث والذي لم يمضي على قيامه اكثر من تسعة اشهر فاسقط وسط حملات تشويه له واخرى معادية ارادت مسبقا شيطنة البعث ومنع تواصل بقاءه في الحكم خشية من تحقيق الاستقرار ومن ثم تطبيق اهدافه المرسومة منذ عقود .

1- لماذا شكل الحرس القومي ؟ بعد ثورة 14 تموز عام 1958 نفذت خطة مشتركة قام بها الديكتاتور عبدالكريم قاسم الذي مثل تيارا شعوبيا اقليميا معاديا للقومية العربية ، والحزب الشيوعي العراقي للانفراد بالحكم واقصاء التيار القومي العربي الذي كان طرفا اساسيا في الثورة ،وبالفعل حشد الحزب الشيوعي كل طاقاته لاجل شيطنة التيار القومي المؤلف وقتها من البعثيين والناصريين وعزله بالقوة ، وهكذا شكلت فصيلة مسلحة اطلقت عليها تسمية المقاومة الشعبية ضمت الشيوعيين ومن كان مواليا لقاسم واخذت تهاجم البعث وعبدالناصر وتستفز التيار القومي رافضة الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة التي تشكلت من اندماج مصر وسوريا في عام 1958 بينما كان التيار القومي يدعو للانضمام للجمهورية العربية المتحدة بصفتها تجسيد للحلم العربي الاغلى حتى ذلك الوقت .

وعندما اشتد التنافس والصراع بين التيارين القومي والشعوبي – الشيوعي ووصل ذروته بتنظيم ما سمي ( قطار السلام ) في عام 1959 الذي حمل الاف الناس من جنوب ووسط العراق وذهب بهم الى الموصل التي كانت وقتها قلعة للقومية العربية للاحتفال هناك بالسلام تحت شعارات الحزب الشيوعي الاستفزازية !!! وبالفعل ما ان وصل القطار حتى نزل منه الالاف واخذوا يتظاهرون في شوارع الموصل هاتفين ضد البعث وناصر ويشتمون الاهالي ويعتدون على الناس وكان ذلك متوقعا لان نصائح عديدة قدمت لقاسم بمنع قطارالسلام من الذهاب للموصل لتجنب كارثة كبيرة لكن قاسم لم يصغي ودعم خطة الاحتفالات في الموصل .

ولم يتحمل اهل الموصل ولا الحامية العسكرية فيها العدوانات على اهالي الموصل وعلى التيار القومي والتي تميزت باستباحة كل شيء فوقعت انتفاضة المرحوم العقيد عبدالوهاب الشواف وكان احد الضباط الاحرار الرافضة للعدوانات لكن قاسم امر بقصف الحامية العسكرية فقتل الشواف وباشر الشيوعيين بهجمات منسقة ضد الاهالي قتلا واعتقالا ومورست وحشية غريبة على العراق حتى ذلك الوقت منها سحل الجثث ولعل ابرزها سحل الشابة حفصة العمري بعد قتلها وتعليق جثتها في عمود نور لعدة ايام .

هذه الحالة العنفية التي سادت اجبرت البعث على اعداد خلايا من مناضليه مهمتها حماية المناطق من عدوانات الحزب الشيوعي ،واذكر اننا كنا نقوم بالحراسات فوق سطوح الابنية لمراقبة دخول وخروج افراد المقاومة الشعبية الذين كانوا يأتون من خارج مناطقنا للقيام بالعدوان والاستفزاز . وحينما قرر البعث اسقاط ديكتاتوية قاسم كانت الفكرة السائدة فيه هي ان معركة اسقاط النظام معركة حياة او موت فقاسم ومعه الحزب الشيوعي سوف يمارسان اقسى اشكال العنف ضد اي محاولة للتغيير لذلك كان يجب الاستعداد التام لتلك المواجهة الشرسة فنظمت العناصر التي كانت تحمي المناطق في لجان سرية اعدت اعدادا بسيطا للقتال وتعلمت كيفية استخدام المسدس والرشاش. هذه هي خلفية تأسيس الحرس القومي .

2- عندما تقرر يوم اسقاط قاسم كان الحرس القومي جاهزا ففي ليلة السابع على الثامن من شباط عام 1963 ابلغت المجاميع الحزبية ومن اختير للحرس القومي منها بحضور اجتماعات في الخامسة صباحا وكان ذلك لافتا للنظر اذ لم يسبق ان دعينا لحضور اجتماع حزبي عند الفجر ولهذا توقعنا ان هناك حدثا كبيرا سيقع خصوصا وان اغلب الرفاق لم يبلغوا بوجود ساعة صفر وجرى التبليغ قبلها بساعات فقط.

3- كان واجب الحرس القومي هو اكمال دور الجيش ففي حين قام العسكر بالسيطرة على المعسكرات والمطارات فان الحرس القومي قام بالسيطرة على مراكز الشرطة المهمة ووضع اليد على اسلحتها وتولى مهمة شل قادة نظام قاسم العسكريين ومنعهم من الالتحاق بوحداتهم العسكرية ،واخيرا مواجهة المقاومة المسلحة المتوقعة من الحزب الشيوعي. وبالفعل امن الحرس القومي الطرق لمرور الدبابات والقوات المسلحة الثائرة في طريقها الى وزارة الدفاع حيث مقر الديكتاتور والقى القبض على قادة في الجيش خطرين مثل قائد القوة الجوية جلال الاوقاتي الذي قاوم الحرس القومي الذي طوق منزله وقتل اثناء المواجهة ، بينما اشتبكت قوات الحرس القومي مع التظاهرات المسلحة التي نظمها الحزب الشيوعي ودعا فيها الى احباط ما اسماه المؤامرة الاستعمارية ونجح في اغتيال عدد من البعثيين .

4- بعد نجاح الثورة يوم 8-2-1963 سلح الحرس القومي برشاشات بورسعيد التي ارسلت من مصر العربية وعينت له قيادة عامة ترأسها المرحوم العقيد منذر الونداوي الذي كان اول من قصف وزراة الدفاع واعطى قصفة اشارة البدء لبث البيان رقم واحد في الساعة التاسعة صباحا ، ولكن هنا اخذت تظهر المشاكل فالحرس القومي تدريبه بسيط جدا وتضخم عدديا لدرجة اصبح قوة كبيرة فعالة لو دربت ونظمت بصورة صحيحة ،وكلف بمهمة منع الردة بواسطة الجيش لان الجيش كان مرتبا بطريقة تخدم قاسم ولم يكن ممكنا منع الانقلابات على نظام البعث الفتي من دون وجود قوة مسلحة شعبية.

5- وقبل ان تكتمل عملية اعداد الحرس القومي بصورة سليمة ومنضبطة اخذت التطورات تترى بصورة مربكة جدا فالصراع مع الحزب الشيوعي استمر وحصلت محاولة انقلابية في معسكر الرشيد تم قمعها ،ومن جهة اخرى اخذ المرحوم جمال عبدالناصر يعمل على ابعاد البعثيين وتوترت العلاقات مع مصر ومع التيار الناصري فوجد الحرس القومي نفسة وسط صراعات معقدة وشائكة وخطيرة وهو التنظيم الفتي الذي لا تجارب له ! وزادت الاوضاع سوء بحصول انشقاق داخل الحزب احدهما دعم الحرس القومي واعتمد عليه في مواجهة تيار اعتمد على الجيش وعلى الناصريين في الجيش ولكن الشعار الرئيس كان ( ضبط ) الحرس القومي ثم الغاءه ،وتحت هذ الشعار حصلت انقلاب 18 -11-1963 بعد 9 اشهر من استلام البعث للحكم !

6- ولكي تبرر العدوانات التي ارتكبت ضد البعث ومنها الانقلاب العسكري عليه واعدام مناضلين منه ، بولغ باخطاء الحرس القومي . نعم لقد مارس الحرس دور القامع لكل من حاول اسقاط النظام الجديد او تهديده وهذا واجبه طبعا ولكنه لم يعتقل احد لاصلة له بالصراعات وكان القسط الاكبر من عنف الحرس موجها ضد الحزب الشيوعي لانه حمل السلاح وقتل العديد من البعثيين ، فتضاعفت مشاعر الانتقام منه والتي ولدت مع قيامه بدور المصفي دمويا للبعثيين وبقية التيار القومي قبل استلام البعث للسلطة . فالمواجهة الاساسية كانت بين الحرس القومي والحزب الشيوعي وكانت قاسية مارس فيها الطرفان كافة اشكال العنف . ولو نظرنا لتلك الاحداث الان لامكننا ادراك ان الحرس القومي كان يقاتل دفاعا عن وضع ساهم في اقامته ولو ان الوضع انتهى فان الحرس وافراده وكل البعثيين سوف يتعرضون لتصفيات جسدية شاملة وهو ما جعل رد افعال الحرس والبعثيين دفاعية في المقاوم الاول هدفها المحافظة على وجودهم في السلطة .

بعد هذا العرض هل يمكن القول بان الحرس القومي قام باعمال غريبة على تلك المرحلة وما ساد فيها ؟ وهل انفرد باستخدام العنف ضد من حاولوا اسقاط نظام البعث ؟ والسؤال الاخر هو من بدأ بممارسة العنف والقتل والسحل والاعتقالات الجماعية ؟ بالتأكيد انه لم يكن البعث لان ذلك بدا في عام 1958 ولم يكن البعث في السلطة بعد وكانت السلطة بيد قاسم والحزب الشيوعي .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى