سهير القلماوي أديبة مصرية رائدة تحدّت التقاليد واقتحمت الجامعة مبكراً
شهدت قاعة “ثروت عكاشة” بالقاعة الرئيسية لـ معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الخمسين، ضمن نشاط الاحتفال بشخصيات المعرض والأحداث المئوية ندوة تحت عنوان “سهير القلماوي – ناقدة وأديبة”، شارك فيها كل من جابر عصفور وزير الثقافة المصري الأسبق، والناقدة والروائية سلوى بكر والكاتب يوسف القعيد.
وفي البداية قال جابر عصفور إن “سهير القلماوي كانت تمثل لي أمّا، كنتُ اعتبرها أمّا لي من ناحية التكوين العلمي، وكانت تعتبرني ابنا لها، وكانت تُدرّس لنا مواد النقد الأدبي، وقد تأثرت كثيرا بوجهة نظرها في نقد النصوص الأدبية من خلال الغوص في النصّ ودراسته دراسة مستفيضة حتى تستطيع الخروج بوجهة نظر ناقدة لهذا النص، وهو ما دفعني للتخصّص
في دراسة الموسيقى الشعرية، إلاّ أن الراحلة الكبيرة سهير القلماوي نصحتني أن هذا المجال يتطلّب جهدا كبيرا ودراسة خارج الجامعة، أي في معهد من المعاهد المتخصّصة، حتى اقتنعتُ بوجهة نظرها بعد أن نصحتني بعد ذلك بدراسة الصورة الشعرية وتحسين لغتي الإنكليزية في سبيل إتمام الدراسة في هذا المجال، ووعدتني بإرسالي للجامعة الأميركية لدراسة اللغة الإنكليزية”.
وأضاف “لقد كانت سهير القلماوي صارمة للغاية، ولا أستطيع أن أنكر أن هذه الصرامة هي من صنعت جابر عصفور، وكانت ترى أن أهم عمل للناقد الأدبي دراسة النص الأصلي جماليا، وهو ما اختلفت فيه سهير القلماوي عن باقي المدارس الأخرى في دراسة النص، والتي ترى أن دراسة النصوص تكون من خلال الطريقة المنهجية في الدراسة وليس من الناحية الجمالية، وقد أسست القلماوي هذا التيار الخاص بها والذي ما زال موجودا حتى الآن والمهتم بدراسة النصوص من الناحية الجمالية”.
إصرار على النجاح
لفت جابر عصفور إلى تكوين سهير القلماوي العلمي، حيث أن انضمامها إلى دراسة اللغة العربية بقسم اللغة العربية كان نموذجا ساطعا لمسيرة الفتيات في التعليم في مصر، حيث كانت الجامعة المصرية لا تسمح للبنات بدخول الجامعة، حيث كان أحمد لطفي السيد لا يستطيع مواجهة المجتمع بإدخال البنات للدراسة في الجامعة، وقد كانت هناك حالات فردية على نطاق محدود جدا من الفتيات يدخلن للدراسة في الجامعة، وكانت سهير القلماوي ترغب في أن تكون طبيبة وتدرس الطب في الجامعة بعد أن تعلّقت بهذا الأمر، حيث كانت تذهب لعيادة والدها وتعلّمت هناك مبادئ الطب والتمريض.
ولكن حينما أتمت تعليمها الثانوي وجاء موعد دخولها الجامعة لم يستطع والدها التقديم لها في الجامعة نظرا إلى حالة الحظر حول تعليم الفتيات في الجامعة في ذلك العصر، حتى نصحه أحد الأشخاص أن يذهب لعميد كلية الآداب في ذلك الزمن، وهو الراحل طه حسين عميد الأدب العربي، وذهبت معه سهير القلماوي، وقد ساهم إعجابها بشخصية طه حسين في تحويل مسارها لدخول الجامعة في كلية الآداب قسم اللغة العربية لتتلمذ على يد الراحل طه حسين.
وأشار عصفور إلى أنه حينما أتمت سهير القلماوي دراستها في كلية الآداب قسم اللغة العربية وحصولها على الليسانس، كانت لديها رغبة في استكمال دراستها والحصول على الماجستير والدكتوراه، إلاّ أنه لم يكن هناك في الجامعة مجالا لمناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه للمرأة بسبب إدعاءات أن صوت المرأة عورة، وقد ساعدها طه حسين كثيرا في الوصول لمبتغاها حينما طلب الحصول على قاعة بعيدة عن قاعات المحاضرات في الجامعة، وتمّ فيها مناقشة رسالة الماجستير لسهير القلماوي بسرية تامة، فلم يحضر المناقشة سوى سهير القلماوي والذين ناقشوا العمل، ولم يحضر في القاعة أيّ أحد، وحصلت على الماجستير والدكتوراه بعد ذلك بامتياز.
ولفت إلى أن القلماوي كان لديها وعي وإيمان أنها رغم كونها أنثى، إلاّ أنها لا تقلّ كفاءة عن الرجال، وقد كانت تؤمن أن المرأة مساوية للرجل ولا تقلّ جهدا عنه في العمل، وهو الأمر الذي دفعها للانخراط في الحياة العامة، والمشاركة في مجهودات الحركة النسائية على مستوى العالم العربي، وهو الأمر الذي دفع ثروت عكاشة حينما جاء وزيرا للثقافة أن يأتي بها رئيسة للهيئة العامة للكتاب.
وأوضح عصفور أن القلماوي تحمّست بشدة بعد توليها منصب رئيس الهيئة العامة للكتاب لفكرة إقامة معرض دولي للكتاب في مصر ينافس معرض فرانكفورت في ألمانيا، وعرضت الفكرة على وزير الثقافة آنذاك ثروت عكاشة الذي تحمّس لها وبذلك شُرع في العمل على إقامة أول معرض دولي للكتاب في القاهرة عام 1969 والذي خرج بصورة رائعة للغاية، كما فتحت الراحلة أفق النشر أمام الأدباء والكتّاب الشبان من جيل الستينات من القرن الماضي، والتي كان عصفور من بينهم، لنشر أعمالهم في الهيئة العامة للكتاب في فترة تولّيها رئاسة الهيئة.
رائدة نسائية
من جانبها أكدت الكاتبة والروائية سلوى بكر أن سهير القلماوي هي رائدة بكل المعايير والمقاييس، وهي من الجيل الأول الذي اقتحم الجامعة المصرية، وهذا بدعم رائدة نسائية أخرى، هي نبوية موسى، التي أسست مدارس ثانوية للبنات، وهي مدارس الأشراف للبنات لمنح شهادة البكالوريا، والتي تخرّج منها باكورة الفتيات المصريات اللاتي حصلن على شهادة البكالوريا وبعدها دخول الجامعة.
وأضافت “سهير القلماوي شخصية مقاتلة، فقد كانت ترغب في أن تثبت للعالم بأن المرأة قادرة على صناعة العالم، وقد تمكّنت من خلق نموذج للمرأة يتجاوز مستوى الشكل، والذي ظهر في إحدى روايات الكاتب الراحل إحسان عبدالقدوس تأثرا بشخصية القلماوي، والذي رسم صورة السيدة المثقفة على أنها السيدة ذات الشعر القصير الجادّة التي تدخن، وهو ما تحوّل في ما بعد إلى نموذج للسيدات المثقفات”.
وأشارت إلى أن كتابات سهير القلماوي لم تكشف عن أي خبرة حياتية لها، رغم أنها عاشت فترة لا تقل عن عامين ونصف العام في باريس، إلاّ أن هذه الخبرة الحياتية لم تتجلّ كتاباتها.
ساعدت في خروج جيل عظيم من النقّاد
ومن جانبه قال الكاتب الروائي يوسف القعيد “لن أنسى أنّ سهير القلماوي أوّل من قدمني في وقت لم يكن أحد يعرفني بعد أن قابلتها في إحدى الندوات بالإذاعة المصرية وقدّمت لها إحدى رواياتي، وهي رواية “أخبار عزبة المنيسى”، ربما ليكون لها الحظ في النشر، وهي في ذلك الوقت كانت في منصب رئيس الهيئة العامة للكتاب، وهنا تجلّت في لحظة قيمة الأديبة والناقدة القلماوي مع بصيرة المسؤولة الناجحة المساعدة لأجيال الشباب، وحينما ذهبت لها في مكتبها وجدتها قد قرأت الرواية وكتبت مقدمة لها من أروع ما كتب عن الرواية حتى الآن، وأمرت بطباعتها في الهيئة العامة للكاتب، وهذا هو حال الأساتذة”.