قراءة في كتاب ماهر الصراف “فلسفة بيولوجية الجسد”
بقلم : مهند النابلسي
*يستهل د.الصراف كتابه القيم بمقولة: “كل فكر انساني يبتغي النجاح لابد وأن ينطلق عبر الفسيولوجيا”، ثم يحاول بايجاز وسلاسة وشغف “علمي” جاذب ان يثبت ذلك عبر 132 صفحة من القطع الصغير:
*…وان لم تصل معاملتهم لمستوى السجين الشهير، الذي ربط بقضبان حديدية لمدة 14 عاما ، منعته من النوم على جنبه!
*حتى ان نوعا من ما يسمى “الجنس الرؤيوي”، وكذلك حاسة السمع فالاذن تعشق قبل العين احيانا…ثم تأمل اللباس الجلدي للكائن من فوق رأسه لخمص قدميه، فالغدد الهرمونية كلها، والتركيبة العصبية الناقلة للحس، والآمرة بالرعشة العصبية، اضافة لحاستي الذوق والشم، رغما عن العطور، ألم يرسل نابليون رسالة لزوجته قبل عودته من الحرب يقول فيها “سأصلك بعد ثلاثة ايام، لا تستحمي!!”، ثم لا ننسى المخيال الفني والسينمائي والأدبي، حيث تجمع المؤسسات أرباحا طائلة من الواقع الجنسي الحياتي الحالي، والأمثلة عديدة تشمل مواد التجميل وصناعة الملابس والموضة، وصولا لأساليب الوقاية من الحمل وعمليات التجميل…الخ. وبهذا الطرح الصريح يتماثل فكر د.ماهر مع اطروحات فرويد الذي ينسب الكثير من السلوكيات والابداعات والصناعات للجنس!
*هناك قاعة كبيرة في مدينة “افيسوس” اليونانية، وقد بني على محيط جدرانها مراحيض متوالية، حيث كان السكان يمارسون التغوط جماعة، ليتمكنوا من التحدث والتسامر أثناء انجاز وظيفة جسدية طبيعية!
*فمصطلح العورة ظهر كحماية للاخر من قرف الفضلات أكثر منه منعا للآخرين من رؤية هذه الأعضاء الوظيفية.
*وبالمقابل لا نجد أي عقاب يذكر لابنتي “لوط” اللتان مارستا زنا المحارم وخداع الأب!
*فالرجال في مجتمع “اونيدا” قرب نيويورك من القرن التاسع عشر، كانوا عكس الاستمناء يمارسون الجنس مع النساء دون ان ينتهوا بالقذف، ناشدين انهاء الاغتراب بالتصاق الأجساد وحسب.
*فالغيريون يرفضون المثلية، واللوطيون يحاربون السحاقيات، وكل من اللوطيين والسحاقيات يعادون بشدة ثنائيي الجنسية!
*انه كما ينتج الدماغ العقل، فان استخدام العقل، يعمل على تشكيل الدماغ. كما ان ممارسة التأمل، تزيد في حجم الفص الأمامي، المسؤول عن الفكر والشخصية، في حين ان اللوزة المسؤولة عن الخوف تضمر، حيث يميلون الى السكينة والتصالح مع الذات وانحسار الخوف.
*أدى استئصال غدة “الحصين” من مريض كان يعاني من صرع شديد، لفقدان الذاكرة لأكثر من دقيقة او دقيقتين بحيث لا يتذكر المريض شيئا بعد مرورهما، كما لوحظ ان الخلايا العصبية المتخصصة لأصابع اليد اليسرى للاعبي الكمان، تتضخم وتاخذ قسطا اكبر من الخلايا لدى الشخص العادي. كما ينمو “الحصين” لسائقي تاكسيات لندن، اللذين عليهم حفظ خارطة لندن بالتفصيل الممل.
*تقسم أمراض الدماغ لأربعة فصائل رئيسية، منها الاكتئاب ويعالج بعقار “البرسوك”، والخوف ويعالج بالسيرتونين، والانفصام وعلاجه بطىء، اما الخرف والزهايمر فما زالت البحوث تسعى لعلاجه ولو بصعوبة.
*انه “داوكنز”: العالم الذي اشتهر بمقولته عن “أنانية الجينات”، التي لا تعي انانيتها وديمومتها فهي تبقى أبدا، وحتى يبقى الكائن الحي على قيد الحياة، فعلى جيناته ان تزوده بالأنزيمات اللازمة كالانسولين وعصارات المعدة…وغيرها.
*أما اوائل المهاجرين من افريقيا، فقد عانوا من نقص فيتامين “دي”، وتكسرت عظامهم ولم ينجو منهم الا من فتح لون جلده!
*ثم يجىء الاسترالي “بيتر سنجر” اخصائي الأخلاق الطبية، فيقدم تصريحا مغايرا مفاده انه حتى بعد الشهر الأول للولادة فلن يكون الطفل قادرا على الادراك، وبالتالي فهو ليس شخصا!
*فنحن اليوم مثلا في أقسام أطفال الأنابيب، نمارس ادخال قضيب زجاج في شرج رجل مشلول، حتى نستطيع اثارة اعصاب الشرج للانتصاب والقذف، علما بأن الوعي الجمعي يستنكر هذه العملية!
*يكمن الخيار في صعوبة التبرع بالأعضاء للمرضى المحتاجين بدلا من ترك الأعضاء البشرية لدود الأرض…
*في الستينات كان الاوروبيون يهزأون من نسائنا لقيامهن بارضاع ابنائهن علانية، والآن اقتبسوا تلك العادة الحميدة واعتبروها ملك لهم.
*بدأت الحياة في وسط المياه قبل ما يقارب مليار ونصف عام، ثم تعقدت وتطورت لاحقا باتجاهين: غزو الفضاء ونمو الأثداء!
*ثم يصل الدكتور الصراف لمجاز فلسفي معبر يتخطى فيه سؤال داروين “من أين أتينا؟”، لمواجهة سؤال أصعب وهو “الى أين نحن ذاهبون”؟، ولقد وجدت تسلية فكرية بقراءة هذا الكتاب الصغير بالغ الايجاز والتركيز والادهاش، وبدا لي وكأن الدكتور الصراف يتماهى بابداع مع منهجية وغرائبية كولن ولسون بكتابه “ما وراء الحياة”، الذي سبق أن لخصته وكتبت عنه.