المفكر “كولن ويلسون” في كتابه المثير للجدل: ما بعد الحياة

بقلم : مهند النابلسي

*يقول ديكنز “اذا لم تعجبك حياتك فيمكنك أن تغيرها”، وقال ديكارت “أنا افكر اذن انا موجود”!

*أما كولن ويلسون فيقول في كتابه “ما بعد الحياة”: …ان استحواذ الشطر اليسر من الدماغ على الحاضر وعلى الوجود، يجعلنا محصورين في عالم من الأشياء الكثيرة والمباشرة وربما التفاهة احيانا، كما لو اننا محاطون بحائط رقيق من الزجاج العازل للصوت، وبينما نسترخي في داخل الشطر الأيمن من المخ، تتزحزح الحوائط الزجاجية الرقيقة ببصمت، حيث نجد انفسنا فجاة على اتصال بالعالم الحقيقين ثم تختفي عادة التسارع اليومي، وتتوقف الساعة عن الدق المستمر، ويحل محلها شعور بالطواف اللازماني…

*لعل أكثر العوامل أهمية في البحوث الانسانية هو الاعتراف بأننا نمتلك كبشر كل انواع القوى التي لا ندركها بوعينا، بدءا من التخاطر والتسلط الروحي، وانتهاء بالظهور النوراني والمعرفة المسبقة بالمستقبل، ولقد اعترفت كل الأديان بأنها من نتاج ما يسمى “التطور الروحاني”.

*حيث تعتبر الكائنات البشرية بانها المخلوقات الوحيدة التي تقضي حوالي ال90% من وقتها في احلام عن عالمنا تراودها داخل رؤوسها (أشك بصحة الرقم كما ورد في الكتاب!)…فنحن “ذاتيون” للغاية وتكمن مشكلتنا الرئيسية في التعلم موضوعيا بكيفية تحقيق ما يسمى “بالوعي الموضوعي”.

*ويلسون يتحدث في كتابه اللافت عن الاحساس الغامر بنفاذ البصيرة في فهم الغاز الكون، لكنه لا يقدم دلائل ملموسة لوجود حياة حقيقية بعد الموت، ويتحدث عن افرازات هرمون “انكيفالين”(الذي يفرز مواد طبيعية مخدرة داخل المخ البشري).

*فما علينا الا ان نمشي في الهواء الطلق خارجا في صباح يوم مشرق “معتدل الحرارة” لتجربة الشعور المفاجىء بأن الحياة بهيجة وممتعة بلا حدود، شرط أن ننسى مشاكلنا وننغمس في التأمل والتفاؤل، وان نتجاهل أننا مأسورين في عالم يومي مادي متطلب وضاغط، وأن نشطح احيانا في تخوم الفن والأدب، لتحقيق اغراضنا الروحية، تاركين متطلباتنا المادية، فكما يقول “دوستوفسكي” في يومياته:”هناك فكرة رفيعة واحدة على الأرض، وهي مفهوم خلود الروح الانسانية، وكل ما عداها من افكار عميقة يعيش بها الانسان هي مجرد امتداد لهذا المفهوم”!

*حينما اواجه بعض التحديات المفاجئة والأخطار، فانها تقوض حيويتي، حيث يتدفق اثرها الادرينالين الى مجاري الدم وتنخفض ثقتي لعدة درجات…

*فالضيق يدعو الى انطلاقة الدوافع الهدامة، وذلك هو السبب في ان احدى المشاكل الرئيسية للحضارة الغربية في الربع الأخير من القرن العشرين يكمن في تفشي الجرائم بلا دوافع حقيقية سوى العنصرية والطائفية والحقد والكراهية والرغبة بالانتقام والقتل الجماعي وربما لأسباب شخصية تافهة كالتخلص من الملل والاحباط وفقدان الهدف والمغزى…وصولا للهيمنة والرغبة بالتفوق وسباق التسلح، فهل اختلف الوضع بعد مضي عقدين من القرن الحادي والعشرين؟ بل تأصلت المشاكل أكثر واحتدت مع انتصار الشعبوية واليمين المتطرف العنصري وتغول الرأسمالية النيوليبرالية والصهيونية ووصول زعماء شعبويين مستبدين “غير متوازنين” لسدة الحكم هنا وهناك، وبلا ضوابط اخلاقية وتوازن سلوكي مع فقر المشاعر الانسانية، كما تم استغلال الطائفية والدين والثروات الهائلة لأقصى الحدود، مع افتقار العالم للزعامات الكاريزمية المتوازنة والقوية وذات الرؤيا الاستراتيجية الاستبصارية العميقة للعالم والسياسة والمستقبل…

*لقد نجح الانسان عموما في زيادة حريته وتعزيز ابداعه لدرجة كبيرة خلال قرون محدودة، حيث كان ابتكار الرواية في القرن الثامن عشر من اكثر الأحداث أثرا ايجابيا في تاريخ البشرية، ولكن بالمقابل فهل تدفق الابداع الأدبيي والشعري والقصصي ثم الروائي تحديدا ساعد بتعميم الحس الذائقي للبشر عموما في مختلف مناحي الحياة، ام انه اقتصر على النخبة المثقفة وعزز كثيرا من “النرجسية” الاستعراضية البغيضة والسعي التنافسي الحميم في “بازار الجوائز” المتكاثر وقنص الشهرة وادعاء الابداع؟!

*لقد حدثت ثورات في مختلف المجالات بلا تحديد (وبالتأكيد فما يسمى “ثورة الربيع العربي” ليست منها)، ومنها الثورة المعرفية وثورة الروبوتات والانترنت والهاتف الخلوي ووسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات الاعلامية والترفيهية كما حدثت تطورات كبيرة في مجال الصناعة والخدمات وغزو الفضاء…الخ، وبدت بعض هذه التغييرات حتمية وذات أبعاد وتداعيات ايجابية بمعظمها حيث حولت عالمنا لقرية صغيرة تفاعلية، ومع ذلك فما زال البعض يغط في سبات مزمن عميق، حيث هيمنت الأفكار التقليدية والرجعية والسلفية والاسطورية والطوباوية على فكر الكثيرين (كعامة ودهماء ومثقفين أدعياء او أنصاف مثقفين) وأحدثت اعاقة مرعبة في نهضة الأفراد والشعوب وخاصة من سكان ما يسمى بالعالم الثالث، بل واستخدمت ادوات التقنية الحديثة لترويج أفكار بائدة ولتجنيد الأشخاص المتحمسين “المهووسين” …تماما مثل المراهق الذي بلغ طوله ستة اقدام، ويستسلم مع ذلك لمن هو في نصف حجمه وذكائه لأنه اعتاد ذلك وفقد ثقته بنفسه وأصبح مسيرا!

*الحقيقة أننا نلمح قوانا الخفية الحقيقية المسيطرة على الحاضر ولكنا لا نعيرها اهتماما، فقد نكون متورطين بعمل روتيني مسبب للضجر والاحباط والقهر، بينما تتسلل نغمات موسيقية جميلة الى مسامعنا فتمنحنا شعورا غامرا بالسعادة، وهذه اللحظات العابرة هي مؤشر بأننا أكثر حرية وقوة مما نظن، وبأن هذا الاحساس عامر وابداعي ومرتبط بوعينا الكوني… وقد يقودنا للارتياح الخالص والسعادة العابرة وتحمل معاناتنا كبشر من بؤس واقعنا، فالمفاجآت السارة تمنحنا نظرة شمولية وتفتح آفاق وعينا…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى