عن المطالعة الإضافية وماضيها التليد وحاضرها البائس

بقلم: فازع جبر دراوشة / نابلس

 من هم من جيلي وبعده بقليل وقبله بكثير يذكرون هذه العناوين جيدا، والتي أسرد بعضا منها على سبيل المثال لا الحصر: “من روائع حضارتنا” للأستاذ مصطفى السباعي، “إلى ولدي” للأستاذ أحمد أمين، “عبقرية الصدّيق” و”عبقرية عمر” للأستاذ عباس محمود العقاد، و”الرسالة الخالدة” للأستاذ عبد الرحمن عزام، وغيرها.

كانت العناوين أعلاه، بما تحمله من تنوير ومعلومات ومعارف ولغة وقيم وتوجهات، مقررات على الطلبة في المرحلة الثانوية، وكانت تضم الصف الثانوي الأول (العاشر الأساسي حاليا) والصف الثانوي الثاني (الثانوي الأول حاليا) والصف الثانوي الثالث (الثانوي الثاني حاليا أو التوجيهي قبل فترة أو الانجاز حاليا) .

كانت آلية درسها كما جرى معي ومع أبناء صفي على الأقل أن المعلم الموكل إليه تدريس هذه المقررات يقوم بندبنا بادئ العام لشرائها من المكتبات إذ لم تكن توفرها السلطة المسؤولة وقتذاك مع سائر المقررات المدرسية، وبعد شرائها, يتم تحديد حصة أسبوعيا وأحيانا كل عشرة أيام أو كل أسبوعين كحد أقصى يتم فيها توضيح الكتاب والتعريف به ومؤلِّفه ومنهجه في تأليفه بشكل مبسط وواضح لنا. وبعدها, يتم نقاش عدد من الصفحات التي يفترض أننا قرأناها في البيوت ولم يكن من يقرأ عددا كبيرا.

وكان بعض المعلمين ينفذ اختبارات كتابية في القراءات المحددة، ومنهم معلمي الفاضل عبد الرحيم محمد حسين قاطوني أبو عدنان المحترم، والذي درسنا اللغة العربية سنوات عديدة وتولى تدريس كتاب “إلى ولدي ” للأستاذ احمد أمين يوم كنا في الصف الثانوي الأول (العاشر الأساسي حاليا) وذلك قبل أربعين عاما بالتمام والكمال رغبة منه تحفيزنا على القراءة الموسعة بكتاب القراءة الإضافية هذا, وما زلت احتفظ بأوراق امتحانات جلست لتقديمها بهذه المادة وغيرها.

كان هذا أيام الاحتلال الصهيوني المباشر لجزء غال من موطني (ما يسمى بالضفة الغربية), وأتساءل اليوم كيف سمح الاحتلال الصهيوني بتدريس مثل تلك الكتب في مدارس وطني!! تلك الكتب التي ساهمت في التكوين الثقافي وطنيا وقوميا وإسلاميا لشخصيات من كان متنبها من التلاميذ.

أنهيت المرحلة الثانوية وسافرت للدراسة خارج الوطن، وعدت لاحقا لأجد أن تلك الكتب في القراءة الإضافية يتم تجاهلها واعترى الفتور الاهتمام بها حتى تلاشت، وكنت أتمنى أن تقوم وزارة التربية والتعليم في وطني يوم استلمت زمام التعليم في فلسطيننا بإحياء هذا النهج الذي كان ولكن لم يحصل ذلك حتى تاريخه أدناه.

هذا النهج له من الفوائد ما لا يحصى بيسر، ومن تلكم الفوائد:

  1. تزويد الجيل بثقافة رصينة تعتمد على حسن اختيار المقررات في المطالعة الإضافية.
  2. تزويد الجيل بكمٍّ معرفي بمواضيع شتى لمؤلفين مرموقين ومجيدين.
  3. تجويد لغة النشء القومية، وهي اللغة العربية دون الحاجة لهدر ساعات طويلة في تعلم قواعد جافة بطرق غير مريحة للجميع, بل يكون الاعتماد على سياقات وصياغات أدبية راقية.

4.ترسيخ نهج القراءة البيتية لمختارات يحددها المدرس لتناقش في اللقاء الآتي، وهو كما يعلم كثير من المتنورين النهج المفترض في التدريس الجامعي، ولاسيما التعليم العالي. (مع أن التعليم العالي في معظم الجامعات العربية, انحدر انحدارا يدنو من درك التعليم العادي من أساسي أو ثانوي جراء قلة تمكن معلمي التعليم الجامعي عموما).

  1. زرع فكرة الانطلاق في القراءة لدى الناشئة لما هو أبعد من الكتاب المقرر.
  2. تحبيب الجيل بعالم الكتب والتأليف والمؤلفين ودور النشر ومناهج التأليف والكتابة.
  3. زرع فكرة النقد الأدبي لدى الناشئة بالطلب منهم التعبير عن آرائهم بحرية ودون قمع وإبداء الرأي فيما يقرؤون.
  4. بعث حراك أدبي يتجلى في تنافس المثقفين والمتنورين في اختيار مقررات رائعة لتكون مفروضة في القراءة أو المطالعة الإضافية, تلك المقررات التي ينبغي تحديثها كل ثلاثة أو أربعة أعوام.
  5. تعويد الناشئين على تلخيص ما يقرؤون الأمر الذي ينمي ملكة الكتابة لديهم، وأنعم بذلك من مَلَكَة!
  6. بث روح التنافس الشريف البناء لدى جمهرة الناشئين من خلال عقد مسابقات أوائل المطالعين.
  7. إعداد جيل قارئ ومثقف ومتنور يكون جيل التحرير لفلسطين وأخواتها إن أحسن استثمار ما تقدم وغيره من معالم النظام التعليمي.

لكل ما أتقدم أدعو ولاة الأمر التعليمي والتربوي في موطني لإحياء نهج القراءة الإضافية مشكورين.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى