في عيد ميلادك – ابا خالد – نبشرك بميلاد “صقر دمشق”
بقلم : فهد الريماوي
ما اوسع الفرق بين ايام نعبرها واخرى تعبرنا.. بين اماكن نسكنها واخرى تسكننا.. بين اوقات نعيش فيها واخرى تعيش فينا .. بين اسماء وعناوين ومناسبات سرعان ما ننساها، واخرى دائمة الحضور في اعماق ذاكرتنا وخواطرنا.
يوم الخامس عشر من شهر كانون الثاني، يوم زاهر من ايام العرب، فقد اشرقت شمسه عام 1918 من الجهات الاربع، وانتشرت بشائره في البر والبحر، وانفتحت امامه دفاتر المجد وصفحات التاريخ.. ذلك لانه شهد مولد قائد العروبة وصانع الزمن النبيل والجليل، جمال عبدالناصر.
من على صهوة الريح، وسرج البرق، وهزيم الرعد، اطل “ابو خالد” في ذلك اليوم الاغر على امة عربية مثخنة بالجراح، ومثقلة بالازمات، وطاعنة في التخلف، ومجزأة الى كسور عشرية، ورازحة تحت نير مختلف صنوف الاستعمار.. فكان لها الوعد والسعد والبشير بحياة اخرى، ومستقبل مختلف، ونقلة نوعية تنتشلها من الحضيض الى الاعالي والذرى.
يكفي ذلك اليوم فخراً وشرفاً، انه قد انجب احد ابرز عظماء القرن العشرين، وزعماء الثورات الزلزالية العميقة الغور والتأثير، وخلفاء “السلف المكافح” من رجالات التاريخ العربي، ونجباء الاسماء الخمسة والافعال الخمسة وباقي فرائد لغة الضاد.
اجمل هدايانا “لابي خالد” في عيد ميلاده، بشرى انتصارات سوريا، وقرب اجهازها على عصابات الارهاب، وهزيمتها للمؤامرة العالمية الخبيثة التي انتحلت اسم “الربيع العربي”.. فليس لدينا ما يسر خاطر “ابي خالد” اكثر من هذه البشرى، نظراً لان سوريا احب بلاد العرب الى قلب هذا الفارس القومي الاصيل، الذي سبق ان وصفها بـ “قلب العروبة النابض”، واختار لها رايتها الخفاقة التي كانت اول استهدافات “ثوار” الخيانة والاخوان.
سوريا اليوم اعادت لنا درس السويس بالامس.. قيادة صنديدة، وثبات مبدئي، وجيش مقدام، وقتال من بيت الى بيت، ودبلوماسية عريقة استقطبت الكثير من الحلفاء والاصدقاء، وبوصلة سياسية ذكية اختارت الجانب الصائب من التاريخ، وتركت الجانب الخائب منه لقطعان الارهاب والمعارضة الكاذبة.
“بين طعن القنا وخفق البنود” – بتعبير المتنبي- وعلى مدى ثماني سنوات شرسات وداميات، ووسط اصعب الظروف والضغوط والتهديدات والتحديات، تعملقت فوق قمة قاسيون قامة قيادية عربية شامخة تنتمي الى الزمن الناصري الرشيد، وليس زمن الاعراب السفلة والرعيان الرعاديد.. قامة طلبت الشهادة فنالت اعلى اوسمة الريادة والقيادة.. تواصت بالحق والصبر فنالت اكاليل الغار والنصر.. اعتصمت بالعروبة والبعد القومي فنالت حب وتقدير ومؤازرة كل احرار العرب.
لكل امرئ من اسمه نصيب، وقد شكّل “الاسد بشار” انصع مثال على هذا القول، وخير المقال ما صدّقته الافعال.. فقد حمل هذا “الاسد” روحه على راحته طوال ثماني سنوات عصيبة، وتحمّل امانة المسؤولية الاولى عن الوطن السوري بكل شجاعة وشرف، وثبت بمثل ثبات جبل قاسيون في مواجهة زحوف الاعداء وصفوف المعارضين العملاء.. فما لانت قناته، ولا ارتعدت فرائصه، ولا اهتز مركز الخطورة في دماغه، ولا فقد ثقته بنفسه وشعبه وجيشه وامته، رغم حلكة الظلام، واختلال موازين القوى، وتقاطر قطعان الارهاب من كل حدب وصوب، وتكاثر الغادرين والمتآمرين من حكام العرب والعالم الذين توهموا ان سقوط نظامه امر محتوم ومحسوم و..محسوب بالايام او الاسابيع او الشهور فقط لا غير.
برؤية عبقرية، راهن هذا “الاسد” على اصالة شعبه، وبسالة جيشه، ووفاء اصدقائه وحلفائه في ايران وروسيا وحزب الله (ألا ان حزب الله هم الغالبون).. وها هي الاعوام الثمانية الماضية تثبت بُعد نظره، وسلامة بوصلته، وعمق بصيرته، وصدق مراهناته الداخلية والخارجية، فيما باء المعارضون التعساء بغضب من الرب والشعب، وبخذلان مبين من اسيادهم وداعميهم ومحرضيهم على الاثم والخيانة والارهاب.
لقد تحالف هذا “الاسد” مع المستقبل، وتعاهد مع الدول والقوى والتجمعات الناهضة والصاعدة والمتصالحة مع التاريخ.. فشتان بين روسيا والصين وايران ودول البريكس السائرة بثقة وثبات على دروب الصواب، وبين امريكا وبريطانيا وفرنسا واسرائيل المثقلة بالازمات، والغارقة في الانقسامات، والموغلة في الانحدار والتدهور والتقهقر والتخاصم مع حركة التاريخ.
كل الذين تآمروا على سوريا ارتد كيدهم الى نحورهم، وثبت بالفعل ان “سوريا الله حاميها”.. فقد غاب اوباما الذي توقع سقوط الاسد خلال ثلاثة اشهر، ورسبت الست هيلاري مرشحته “الاخوانية” في الانتخابات الرئاسية.. وتوارى المرزوقي خزياً وخجلاً من مآلات مشروعه الثوري جداً في “جهاد المناكحة”.. ثم اختفى “الحمدان” القطريان خلف ستائر الاهمال والنسيان.. كما غار في داهية مرسي العياط، “صديق بيريز الوفي”، وصاحب صيحة “لبيك يا سوريا”.. فيما اندثر كل من سعود وبندر وابن نايف ورابعهم عادل الجبير الذي تمادى في النباح بسقوط “الاسد” سلماً او حرباً.
سيدي ابا خالد.. نبشرك – وانت الخالد في جنان الرحمن – ان بطلاً من ذريتك العربية يستعد لاحياء الناصرية، ويعتزم اعادة الاعتبار للرؤى والمبادئ القومية، ويخطط لاعمار سوريا ضمن مشروع نهضوي عربي شامل، رداً على حال الخراب العربي الراهن.. خصوصاً وقد ثبت بملموس الواقع، وفي ضوء درس السويس، ان هذه الامة الواحدة تنهض معاً او تركع جميعاً، رغم كل خلاف او اختلاف بين اقطارها.
نبشرك – سيدي ابا خالد – ان السلالة الاموية لم تنقطع من بلاد الشام، فبعد ان انجبت في الماضي “صقر قريش”، ها قد انجبت في الحاضر “صقر دمشق”.. مع الفارق في ان الصقر الاول قد اضطر للمغادرة الى اقاصي الاندلس، فيما صمد الصقر الثاني على ضفاف بردى، وارغم شذاذ الاخوان والارهاب والمعارضة الزائفة على الرحيل.
كم كان بودنا ان نبشرك – ايها الماثل دائماً في البال – بمواقف وفروسيات الجالس على عرش مصر، والمفوض تاريخياً بقيادة القافلة العربية من المحيط الى الخليج.. ولكنه سار – بكل اسف – على دروب السادات المقتول، وحشر مصر العظيمة في زاوية ضيقة وغير لائقة، وسخّر كامل “اعضائه التنازلية” لحساب الهيمنة الصهيونية على سماء سيناء، والاطماع السعودية في اقتطاع جزيرتي تيران وصنافير، قبل تقطيع جثة المغدور جمال خاشقجي !!
وسلام عليك – يا ابا خالد – يوم ولدت، ويوم رحلت، ويوم تركت فينا من يُنعش الآمال كلما ذبلت، ويشحذ العزائم كلما وهنت، ويوحد الصفوف كلما تفرّقت، ويجدد شباب الامة كلما هرمت، ويخوض غمار المستقبل بعقل راجح وقلب جسور.