تداعيات الإنسحاب الأمريكي على المشهدالسياسي السوري

تعرضت سورية لحرب كونية مدمرة منذ سنة 2011،لكن الجيش العربي السوري وحلفائه قاوموا بقوة التنظيمات الإرهابية والتكفيرية الممولة والمسلحة والمهربة من قبل الدول الغربية،وعلى رأسها أمريكا،والمملكة السعودية،وقطر،وتركيا،لكن الدولة الوطنية السورية  التي قاومت هذا الهجوم الغربي الذي كان يستهدف تقسيم سورية،مزّقت المشاريع الاستعمارية الغربية والانفصالية،وانتصرت  في النهاية بفضل الدعم الحقيقي الذي تلقته من جانب الحلفاء التاريخيين لسورية،وهم:روسيا وإيران وحزب الله.

كانت الولايات المتحدةالأمريكية في عهد إدارةأوباما،وشركاءها الإقليميين بمن فيهم تركيا والسعودية،والإمارات،وقطر،والكيان الصهيوني،اتخذوا قرارا بتزويد التنظيمات الإرهابية بالأسلحة والخدمات اللوجستية والعمليات التدريبية والمقرات.وقد وقع أوباما على وثيقة رئاسية دعا بها الاستخبارات المركزية الأمريكية للعمل مع السعودية لإسقاط الحكومة السورية،وعمد إلى دعم التنظيمات المتطرفة.فقد باتت الأهداف من العمليات في سورية واضحة تتمثل بتنصيب حكومة موالية لتركيا والسعودية تعارض روسيا وتخرج القوات الإيرانية من سورية.ويبدو أن كل من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وتركيا والسعودية يحملون ذات التوجه.

وبعد الفشل الذريع لهذا المخطط الأمريكي-الصهيونى-الخليجي-التركي، بشأن إسقاط الدولة الوطنية السورية،جاء قرارالرئيس دونالد ترامب المتعلق بالانسحاب الأمريكي من الأراضي السورية،ليشكل حديث الساعة في منطقة الشرق الأوسط برمتها،في الفترة الأخيرة،لا سيما أنّ الحديث أصبح مُنْصَبًا على “مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من سورية”،على الرغم من اعتبارواشنطن أخيراً أن “لا جدول زمنياً للانسحاب” .

ومع ذلك لا يزال إعلان الانسحاب الأمريكي من سورية يُلقي بظلاله على تحركات مختلف القوى صاحبة المصالح،في مناطق شرقي الفرات،علمًا أنّ المسؤولين الأمريكيين مانفكوا يوضحون لحلفاء واشنطن،أن الانسحاب الأمريكي من سورية لن تكون له أضرار،على اعتبار أن تنظيم “داعش” قد تم القضاء عليه تقريباً.وفي مقابل ذلك هناك تصميم الجيش العربي السوري على تحرير شرق الفرات بشكل قطعي حيث أنه قرار استراتيجي حاله كحال أي منطقة قد حرّرها من رجس الارهاب الاخواني الوهابي ومشغليه.

أمريكا تعوض غيابها عن سورية بقواعد عسكرية خارجية

في الاستراتيجية الأمريكية الخاصة بالشرق الأوسط،لا يعني انسحاب القوات الأمريكية من سورية غياب دورها وانتهاء سياساتها تماماً، أولاً بسبب وجود قوات وقواعد عسكرية لها في المنطقة، إن كان في العراق أو تركيا أو غيرهما، وثانياً لأن الدور السياسي الأمريكي لا يعتمد حصراً على الوجود العسكري المباشر، وثالثاً لأن الولايات المتحدة تعمل على استدامة سياساتها وتحقيق أهدافها من خلال حلفائها وأصدقائها، بدءاً من قوات سورية الديمقراطية، مروراً بتركيا، وليس انتهاءً بالتحالف الدولي لمحاربة داعش، فضلاً عن بعض الدول العربية والكيان الصهيوني.

الجماعات الإرهابية جميعها هُزمت ولكن داعميها لايزالون يجندون لها المرتزقة استعداداً لمعارك أخرى في مكان آخر غير سورية وخاصة أن السيناتور الجمهوري ليدنسي غراهام أكّد أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعاد تقويم خططه بشأن الانسحاب الفوري من سورية، وعدم التخلي عمن اسماهم (الحلفاء الأكراد).

وفي الوقت ذاته،لا يزال قرارالولايات المتحدة بسحب القوات الأمريكية من سورية، يطرح العديد من التساؤلات حول سيناريوهات ما بعد المغادرة، وكيف تُبقي واشنطن نفوذها وسيطرتها في منطقة الشرق الأوسط.فضمن هذا السياق،يرى بعض المحللين في منطقة الشرق الأوسط، أن الانسحاب الأمريكي من سورية سيتم وفق خطة أعدتها واشنطن سلفا، ومرتبطة بدور عراقي مستقبلي في الأزمة السورية، وتؤكد حاجة الولايات المتحدة الماسة لتركيا والعراق، في تحقيق الانتشار التكاملي.و ترتكز هذه الخطةعلى انسحاب أمريكا من سورية،ركونا إلى عدمية وجودها الشرعي،بعد الانتهاء من محاربة تنظيم الدولة”داعش”، والاتجاه نحو استخدام الملفات السياسية، كعمليتي إعادة الإعمار واللاجئين،كورقة ضغط ضد روسيا،للحدّ من النفوذ الإيراني الذي يهدد الأمن الصهيوني والخليج، حسب وجهة  النظر الأمريكية.وتقتضي هذه الخطة بمنح القوات المحلية شرقي الفرات،أي قوات سورية الديمقراطية”قسد” فرصة تأسيس مجالس محلية إدارية، كي تتمكن من تأسيس سورية  ذات العلاقات المتوازنة مع القوى المتنافسة التي تتقاسمها جغرافيًا واقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا.

فهذا الانتشار التكاملي يقوم على استيعاب بيشمركة المجلس الوطني الكردي المنافس ل”وحدات حماية الشعب” الكردية ،والحركات العربية والتركمانية والسريانية داخل قوات “قسد”، لتأسيس مجال إدارة وإنشائها قواعد على طول الحدود مع تركيا،ويمنحهادورًا متوازنًا في الإقليم يخدم مصالحها ومصالح الولايات المتحدةالأمريكية قدر الإمكان،لا سيما أنّ هذه الخطة توفر على الولايات المتحدة تكاليف مادية وعسكرية وبشرية، في ما يتعلق بهدفها القائم على منع ظهور مسببات جديدة لنشوء تنظيم “داعش”،والإبقاء على نفوذها في شرقي الفرات، ونهب الثروات النفطية والغازية السورية ،وبالتالي التحكم بمسارات مواجهة النفوذ الإيراني.

ويبدو أن الجنرالات الامريكيين يطالبون ترامب بقوة ألا تنسحب أمريكا من سورية قبل أن تحقق أهدافها،والعنوان الذريعة “يجب هزيمة داعش”، مع أن هذه الذريعة كانت من أجل ضرب الدولة السورية وإسقاطها، والجميع يعرف أنه لولا تدخل أمريكا في سورية لكانت داعش قد قضي عليها تماماً، وسرقتها لها هدف أيضاً يصب في مصلحة الكيان الصهيوني ومطامعها التوسعية التي اصطدمت بردع محور المقاومة ولكن مصالح أمريكا التي تتلطى وراء ما يسمى الامن القومي الاميركي لنهب موارد الدول.

الميليشيات الكردية وراء عرقلة التفاهمات الأمريكية التركية

وفيما كانت زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي،جون بولتون،إلى تركيا،التي وصلها يوم الإثنين الماضي قادمًا إليها من الكيان الصهيوني تستهدف لقاء المسؤولين الأتراك لبحث ملفات عديدة،أبرزها مستقبل شرق الفرات،والانسحاب الأمريكي من سورية وموعده، إضافة إلى توضيح تفاصيل قتال تنظيم “داعش”،فضلاً عن مصير السلاح الأمريكي المقدّم للوحدات الكردية،وملف حزب “العمال الكردستاني”، وتطبيق خارطة الطريق حول مدينة منبج ،وصفقتي شراء تركيا صواريخ “باتريوت” ومقاتلات “إف 35″، والعلاقات التجارية المشتركة،إذ إن الوفد الأمريكي ضم رئيس هيئة الأركان المشتركة جوزيف دانفورد، ومبعوث التحالف الدولي جيمس جيفري،غير أن هذه الزرياة إلى أنقرة،أثارت المزيد من الجدل حول قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قواته من سورية، مع طرح بولتون شرطين  قبل الانسحاب،هما ضرورة حماية المقاتلين الأكراد الموالين لواشنطن،والقضاء نهائياً على تنظيم “داعش”،ما دفع الأكراد إلى طلب توضيحات، مقابل نفي تركيا اتهامها باستهداف الأكراد.

فقد أثارت التصريحات التي أدلى بها مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون بشأن حماية الأكراد في سورية ردود فعل حادة ،لا سيما من جانب أنقرة التي أكدت أن “ادعاءات استهداف تركيا للأكراد أمر لا يتقبله العقل “.وفي مسرحية الرفض التركي للشروط الأمريكية وبعد وصول جون بولتون إلى أنقرة للقاء المسؤولين الأتراك،أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان،عن رفضه تصريحات بولتون، معتبرا أن الأخير”ارتكب خطأ فادحا في تصريحاته بشأن سورية،ولن نستطيع تقديم تنازلات في مجال مكافحة الإرهاب”، وسط أنباء عن رفض أردوغان استقبال بولتون،ما دفعه إلى مغادرة تركيا بعد عقد جلسة مع المتحدث باسم رئاسة النظام التركي ابراهيم قالن، يوم الثلاثاء 8كانون الثاني الجاري.

وفي جديد الردود الغاضبة التي تسجل تباعا،أعلنت “رابطة المستقلين الكرد السوريين” عن استنكارها لما جاء على لسان المسؤول الأمريكي. فقد شدّدت الرابطة في بيان أصدرته يوم الثلاثاء الماضي على رفضها “ربط مصير ثلاثة  ملايين كردي سوري بحفنة من الإرهابيين في حزب العمال الكردستاني”.وأضافت: “نستنكر هذا التصريح الصادر من دولة عظمى تدعي أنها تدافع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، وتسلح في الوقت ذاته مليشيا الاتحاد الديمقراطي، وقوات سورية الديمقراطية،التي ارتكبت جرائم بحق الكرد والعرب”.وأردفت الرابطة: “نرفض هذه التصريحات كونها لا تعبر عن الحقيقة والواقع، ونذكر الولايات المتحدة بأنه لولا وجود السلاح بيد هذه المليشيات لم تتمكن من ارتكاب جرائم بحق السوريين”.واعتبرت أن الولايات المتحدة إن كانت حريصة على أمن وسلام الكرد السوريين، فعليها نزع أسلحة هذه المليشيات.

من جانبه، أكد عضو الائتلاف عن المجلس الوطني الكردي في سورية، شلال كدو، على ضرورة الفصل بين الشعب الكردي بسورية وبين حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي.وقال لـصحيفة “عربي21”: “إن مسألة ربط مصير كل أكراد سورية بهذا الحزب أمر خطأ، لأن هذا الحزب هو فرع سوري لحزب العمال الكردستاني الذي هو على عداء مع أنقرة، ونرفض أن تتحول سوريا لساحة تصفية حسابات”.

بدوره، شدّد القيادي الكردي البارز في “قوات سورية الديموقراطية” (قسد)، ريدور خليل، في مقابلة لوكالة “فرانس برس” على أن “لا مفرّ من التوصل إلى حلّ مع دمشق،إزاء مستقبل الإدارة الذاتية الكردي”.وأضاف أنّ”هذا الاتفاق يجب أن يشمل بقاء المقاتلين الأكراد في مناطقهم، مع إمكانية انضوائهم في صفوف الجيش السوري”.وأشار خليل إلى “مفاوضات مستمرة مع الحكومة للتوصل إلى صيغة نهائية لإدارة شؤون مدينة منبج”، مضيفاً أنه “في حال التوصل إلى حلّ واقعي يحفظ حقوق أهلها،فبإمكاننا تعميم تجربة منبج على باقي المناطق شرق الفرات”، في إشارة إلى مناطق سيطرة “قسد” في محافظة دير الزور.

ويخوض الأكراد منذ الصيف مفاوضات مع دمشق التي تؤكد نيتها استعادة السيطرة على كل أراضيها، بما فيها المناطق الكردية.وتحدث خليل عن “بوادر إيجابية” في هذه المفاوضات، موضحاً أن دخول الجيش السوري إلى الحدود الشمالية مع تركيا ليس مستبعدًا، لأنّنا ننتمي إلى الجغرافيا السورية،لكن الأمور ما زالت بحاجة إلى ترتيبات معينة تتعلق بكيفية الحكم في هذه المناطق”.وتابع “لدينا نقاط خلاف مع الحكومة المركزية تحتاج إلى مفاوضات بدعم دولي لتسهيل التوصل إلى حلول مشتركة”،مرحّباً بإمكانية أن “تلعب روسيا دور الدولة الضامنة، كونها دولة عظمى ومؤثرة في القرار السياسي في سورية”. وقال إنّ “الأكراد يرفضون انسحاب مقاتليهم من مناطقهم”، موضحاً أنه “ربما تتغير مهام هذه القوات، لكننا لن ننسحب من أرضنا، ويجب أن يكون لها موقع دستوري، سواء أن تكون جزءاً من الجيش الوطني السوري أو إيجاد صيغة أخرى تتناسب مع موقعها وحجمها وتأثيرها”. وأصرّ الأكراد كذلك، وفق خليل، على ضرورة وضع “دستور جديد يضمن المحافظة على حقوق جميع المواطنين، وأن تكون للقوميات والإثنيات حقوق دستورية مضمونة، وفي مقدمها حقوق الشعب الكردي”، لكنه أشار إلى “قواسم مشتركة” مع دمشق، أبرزها “وحدة سورية وسيادتها على كافة حدودها”، إضافة إلى كون “الثروات (الطبيعية) ملك الشعب السوري”، والاتفاق “على مكافحة الفكر الإسلامي السياسي”.

3-الاقتتال بين جبهة النصرة و بقية الفصائل الجهادية

فبينما يجول مسؤولوالبيت الأبيض على حلفاء واشنطن،لترتيب ما سموه”انسحاب منسق بدقة” للقوات الامريكية المحتلة من سورية،تتسارع مجريات الاقتتال الداخلي بين التنظيمات الإرهابية والتكفيرية في أرياف حلب وإدلب وحماة،الذي يعكس نوعاً من خلافات اوسع وأشمل تتعلق بشروخ كبيرة قد أصابت الدول الداعمة للتنظيمات الإرهابية.فقد تمكنت ما تسمى “هيئة تحرير الشام” الإرهابية (التي تُعتبر جبهة النصرة عامودها الفقري) من إنهاء سيطرة “حركة نور الدين الزنكي” على أبرز معاقلها السابقة في ريف حلب الغربي، وخسرت في المقابل بعض النقاط الأقل أهمية في ريف إدلب الجنوبي،في حين أكدت معلومات بأن حركة “نور الدين الزنكي” الإرهابية حلّت نفسها،ومسلحيها يهربون إلى عفرين والأراضي التركية، بعدالهزيمة العسكرية التي تعرضت لها في معقلها الأساسي بريف حلب الغربي،على يد”هيئة تحرير الشام “التي سيطرت على المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة حركة”نور الدين الزنكي”،لكن الثابت هو أن مستقبلاً غامضاً ينتظر هذا الفصيل إمّا باتجاه الحلِّ أو الاندماج مع فصيل آخر، على نحو مشابه لما حصل مع “حركة حزم” قبل ثلاثة أعوام، وقبلها “جبهة ثوار سورية” إثر صدامهما مع “جبهة النصرة” في ذلك الحين.

و”كتائب نور الدين زنكي” فصيل سوري مسلح تأسس في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2011، بعيد اندلاع الاحتجاجات السورية،كان يتمركز في مدينة حلب وريفها، ويجمع بين العملين العسكري والمدني.ومرت الحركة بالعديد من التحولات،وكانت من أكثر الفصائل التي جربت الاندماج والانشقاق مع وعن فصائل وتجمعات أخرى، إذ انضمت إلى “لواء التوحيد” بعيد تشكيله في الثامن عشر من يوليو/ تموز 2012،ثم انسحبت منه مع نهاية عام 2012.وانضمّت إلى”تجمّع ألوية فاستقم كما أُمرت”،وهنا أضافت كلمة “الإسلامية” إلى اسمها،ثمّ انسحبت من التجمع في يونيو/حزيران 2013 ،لتعود الى اسمها الأول وتنضم إلى”جيش المجاهدين” الذي تشكل لمحاربة تنظيم “داعش” مطلع عام 2014، قبل أن تنخرط لاحقاً مع “جبهة النصرة” ثم تنشق عنها في سبتمبر/أيلول 2017،لتنضم أخيرًا إلى “الجبهة الوطنية للتحرير” مطلع أغسطس/آب العام2018.و كانت حركة “نورالدين الزنكي”،من أوائل الفصائل المسلحة حصولا على السلاح،وتحديدا صواريخ “بي جي إم ـ 71 تاو” المضادة للدبابات، ما جعلها الأكثر تسليحاً في مدينة حلب، وقيل إنها تلقت دعما أميركيا.

وشاركت كتائب الزنكي في معارك كثيرة ضد قوات الجيش العربي السوري ، أبرزها اقتحام مقر كتيبة الهندسة في خان العسل واقتحام حي الراشدين غربي مدينة حلب.وكانت أول فصيل معارض يدخل حي صلاح الدين بعد معارك شرسة مع قوات الجيش السوري في يوليو/تموز 2012، إضافة إلى مواجهات عديدة في كل من حوّر وسرمدا والراعي وعنتان وطريق الكاستيلو.

أما نظام أردوغان الذي يراهن على تنظيماته الإرهابية في المنطقة نراه يسارع لحشد فصائل “الجيش الوطني” الإرهابية العاملة تحت إمرته في محيط مدينة منبج،لتعيد رسم خرائط النفوذ بين “هيئة تحرير الشام” و”الجبهة الوطنية للتحرير” بالنا،بعد جولات سابقة مماثلة بين الطرفين وإن بأسماء مختلفة تخللها صراع على “الإدارات المدنية”،أدارته في معظمه أنقرة.
وتسعى لإدارة الصراع وفق أجنداتها حيث لم تغب عن المعارك الحالية.

وكان لافتاً خلال الأيام القليلة الماضية غياب أي تصريحات رسمية تركية في شأن تطورات هذا الاقتتال الداخلي بين الفصائل الإرهابية،إلى جانب تهميش أخباره في وسائل الإعلام التركية الرسمية،والمقربة من السلطات.وكان موقف “الجبهة الوطنية للتحرير”،أكبر تجمّع عسكري للمعارضة السورية الموالي لتركيا شمال غربي سورية، تجاه “حركة الزنكي”وهي جزء من هذا التجمّع،محيّراً،فالجبهة لم تساند الحركة بشكل فعال وتركتها لمصيرها أمام”هيئة تحرير الشام” التي وضعت ثقلها العسكري في الاشتباكات التي جعلت منها القوة الأكبر في شمال غربي سورية.

فقد أصبحت “هيئة تحرير الشام” تسيطرعلى جانب كبير من الطريق الدولي الذي يربط مدينة حلب بالساحل السوري،وعلى الطريق الذي يربط شمال سورية بجنوبها،واللذين كان من المفترض فتحهما وفق اتفاق سوتشي،الذي أُعلن في 17 سبتمبر/أيلول 2018،وتم بموجبه إنشاء منطقة آمنة في محيط إدلب بين مناطق الجيش العربي السوري والمعارضة بحدود تتراوح بين 15 و20 كيلومتراً،خالية من السلاح الثقيل.ومن المرجح أن تواصل “تحرير الشام” محاولات السيطرة على كل مدن وبلدات ريف إدلب الجنوبي لفرض سيطرة شبه مطلقة على الطريقين الدوليين،وهو ما قد يدفع المنطقة برمتها إلى صراع جديد،خصوصاً أنه من الواضح أن المجتمع الدولي لن يقبل بسياسة الأمر الواقع التي تحاول الهيئة فرضها.

وفي ضوء سعي”هيئة تحرير الشام” السيطرةعلى شمال غربي سورية،يرى المراقبون أن هناك جولة جديدة من الاقتتال الداخلي سينشب بين هذه الفصائل الإرهابية للسيطرة أولاً على معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.ومن الواضح أن القضاء”السهل والسريع”على “حركة الزنكي” غربي حلب،فتح شهية “هيئة تحرير الشام”لابتلاع فصائل أخرى،إذ أكدت مصادر أنّ الهيئة تريد القضاء على فصيل “صقور الشام” في جبل الزاوية في ريف إدلب، مشيرة إلى أن مفاوضات بدأت بين الطرفين،لم تكلل بالنجاح،إذ رفض الفصيل مطالب الهيئة بحل نفسه. ويسيطر “صقور الشام”، وهو من أقدم فصائل الإرهابية المسلحة في شمال غربي سورية على العديد من قرى جبل الزاوية، وهو من أشد المعادين لمشروع “هيئة تحرير الشام” الهادف إلى الهيمنة على محافظة إدلب بشكل كامل.

التقارب بين سورية و البلدان العربية

من الواضح أنّ عودة سورية إلى احتلال مقعدها من جديد  في جامعة الدول العربية،باتت  مسألة وقت،بعد أن أعادت دول عربية تمثيلها الدبلوماسي في دمشق فعلا، بينما فضلت أخرى انتظار قرارمن “الجامعة”،فيما قالت أخرى إنها لم تقطع علاقاتها مع سورية من الأصل.
كل الدول العربية سوف تعيد علاقاتها مع دمشق،ومن أعادها حاليًا أعادها بالاتفاق مع دول أكبر،والدولة الوطنية السورية موجودة أصلاً بالأمم المتحدة والمؤسسات الدولية.

وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة قررت فتح سفاراتها في دمشق، والتحقت بها مملكة البحرين، فيما فضلت الكويت انتظار قرار من جامعة الدول العربية.وقال وزير الخارجية الأردني إن بلاده لم تقطع علاقتها بسورية طيلة سنوات الأزمة، كما صدرت التصريحات ذاتها عن وزير الخارجية اللبناني،جبران باسيل، فيما زار الرئيس السوداني،عمر البشير،العاصمة دمشق مؤخرًا.ولم يصدر عن المملكة العربية السعودية، التي دعمت المعارضة السورية، عسكريًاوسياسيًا،أي موقف رسمي حتى الآن.

ومن المفترض أن يجتمع،الأربعاء المقبل، مندوبو جامعة الدول العربية،وتقول وسائل إعلام أن أبرز ما سيناقشه الاجتماع عودة سورية لمقعدها في “الجامعة”.وقال موقع “الأهرام العربي” إنّ الاجتماع كان من المفترض أن يناقش عودة سورية إلى الجامعة العربية،أو على الأقل عودة السفراء العرب إلى دمشق،وافتتاح السفارات،على غرار ما قامت به الإمارات والبحرين.
ونقل الموقع عن مصادر خاصة، لم يسمها،إنّ العرب منقسمون بين مجموعتين،الأولى ترغب بحضور الرئيس بشار الأسد القمة الاقتصادية القادمة التي ستعقد في بيروت يوم19و20 كانون الثاني الجاري،والقمة العربية المقبلة في تونس في نهاية شهرآذار/مارس المقبل،والثانية تفضل تأجيل حضوره لحين تقرير مصير مقعده في قمة تونس.

خاتمة:

الدول الغربية وعلى رأسها الإمبريالية الأمريكية امتهنت العدوان على سورية خدمة لمصالحها الاستعمارية،كما أنّ تركيا لا تزال تجاهربما يغذي أهوائها العثمانية على امتداد الشمال، بينما تعتلي واشنطن سلّم الازدواجية بشأن قرار الانسحاب من سورية بعد طمأنة شركاء الإرهاب.فلا مبادئ نظيفة ولا أخلاق ترتكز عليها كل تلك الدول سوى ما يربطها ببعض الأدوار الوظيفية التي قد تمليها أمريكا على أدواتها سواء التركية أم تلك الانفصالية وحتى الإرهابية،في حين يبقى الثابت هوالدولة الوطنية السورية ،وعمودها الفقري المتمثل في الجيش العربي السوري،المصمم على دخول إدلب،والعودةإلى شرق الفرات ،لبسط السيادةالوطنيةعلى كامل أراضي الجمهورية العربية السورية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى