القومية العربية تقود مُواجهة الثورة المُضادة
بقلم : زهير أندراوس/ فلسطين
من نوافل القول إنّ الأمّة العربيّة تمُرّ في أدكن وأصعب فترة، الشرذمة باتت سيّدة الموقف، الوطن العربيّ أصبح ممزقًا ومُفتتًا سياسيًا واجتماعيًا ودينيًا ومذهبيًا، ولا نُبالغ البتّة إذا جزمنا بأنّ الدول العربيّة من المحيط إلى الخليج أصبحت مُستباحة من قبل الاستعمار وموبقاته وزبانيته، في مُحاولةٍ مفضوحةٍ وجليّةٍ لاستدخال الهزيمة، والإمعان في إذلال هذه الأمّة، والمؤسف أنّ الأدوات العربيّة التابعة بالمُطلق للإمبرياليّة والصهيونيّة تقوم بأداء دورها على أحسن وجه، من أجل تحطيم العزائم، ومُصادرة حلم الناطقين بالضاد للحاق بركب الحضارة. علاوة على ذلك، فإنّ الاستعمار الخبيث تمكّن، للأسف الشديد، من إدخال مصطلحاتٍ جديدةٍ إلى المُعجم العربيّ، وأضفى على القضيّة الطائفيّة بُعدًا مذهبيًا، الأمر الذي أدّى إلى تهشيم المجتمع العربيّ، وتمزيق نسيجه الاجتماعيّ، وأصبحت “لسان الضاد يجمعنا وبلاد العرب أوطاني”، شعارات رنانّة نتغنّى فيها على الأطلال، ولا وجود لها على أرض الواقع، وعليه يُطرح في هذا السياق السؤال التالي: هل نرفع الراية البيضاء ونستسلم؟ أمْ أنّه يتحتّم علينا، شحذ الهمم وعصف الذهن وتضافر الجهود، من أجل منع الانحدار أكثر فأكثر.
***
لا يوجد لدينا أدنى شك بأنّ هذه الحالة العربيّة التي وصلت إلى الدرك الأسفل، تدفع المواطن العاديّ إلى حالةٍ من الإحباط الشديد، وهو الذي يتعرّض على مدار الساعة إلى حملة غسيل دماغ من الفضائيات المأجورة، التي تعمل على تسميم عقله، وإقناعه بدونيته، مقابل الغربيّ المتنوّر، والمواطن العربيّ العاديّ، لا يملك الوسائل الدفاعيّة، في وقت تُجيّر الإمبرياليّة والصهيونيّة، العقول العربيّة، أوْ دعنا نُسّميهم بـ”المثقفين الجدد”، الذين يعملون جهارًا نهارًا لتمرير الروايات الكاذبة والتحليلات الزائفة خدمةً لأجندات الغرب ودولة الاحتلال، ومن هنا نقول إنّ لينين كان صادقًا عندما أطلق مقولته “ﺇﻥّ ﺍﻟﻤﺜﻘﻔﻴن هم ﺃﻗدر ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﻴﺎﻧﺔ، ﻷنّهم ﺃﻗدر ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻠﻰ تبريرها”. وإزّاء هذه الهجمة الشرسة من قبل الإمبرياليّة ووكلائها، يقف الإنسان العربيّ حائرًا ومتردّدًا، ذلك أنّ العدوّ الخارجيّ أنشأ حلفًا مع الأعداء الداخليين لإقناع الناطق بالضاد أننّا أمّة مأزومة ومهزومة ومهزوزة، تبحث عن رغيف الخبز، والفقر يُجبر الإنسان على القيام بأعمال تتنافى مع قوانين المجتمع، ويتحوّل من حيث يدري أوْ لا يدري إلى مجرمٍ، عوضًا عن التحوّل إلى فدائيّ يُدافع عن مصير أمتّه وبناء مستقبلها.
***
إذن السؤال: هل علينا الاستسلام من دون خوض الحرب؟ أمْ يتحتّم على كلّ عربيّ شريف أنْ يُناضِل من موقعه لأجل هذه الأمّة التي قدّمت الكثير للإنسانيّة في غابر العصور؟ بطبيعة الحال، لا بُدّ من استنهاض القوى التقدميّة واليساريّة والقوميّة والوطنيّة والشيوعيّة وحتى الإسلاميّة في الوطن العربيّ، وعلى الرغم من التباين في الاجتهادات والاختلاف في المواقف بين هذه التيّارات، إلا أنّه يُمكن إيجاد القاسم المشترك الأعظم وهو مصلحة الأمّة العربيّة وسُبُل تحريرها من الأنظمة المستبدّة، المتحالفة مع الإمبرياليّة والصهيونيّة، فالأمّة العربيّة تملك القُدُرات والطاقات والخامات لإعلان الثورة المضادّة ضدّ قوى الرجعيّة العربيّة، التي تتساوق مصالحها مع بلد الشياطين الجُدد، أمريكا وربيبتها إسرائيل، وربّما، ونُشدد على مفردة ربّما، لكي نُوضح بأنّ ما كان يُطلق عليه الربيع العربيّ يجب أنْ يتحوّل إلى كيدٍ مرتدٍ، خصوصًا أنّه كشف المستور وأسقط القناعَ عن القناعِ عن العديد من القوى التي كانت تتشدّق بالقوميّة العربيّة، وباتت في هذه الأيام أحجار في طاولة نرد دول الخليج العربيّ، لصرف أنظارهم عن العدو الحقيقيّ، وإيران أكبر مثالٍ على ذلك. فهذه المجموعة تُحاول بأسلوبٍ ناعمٍ إقناعنا بأنّ العدو المُرعِب هو طهران وليس الصهيونيّة والإمبرياليّة، وحرف المسار بهذه الطريقة الصفيقة يؤدّي إلى فقدان البوصلة، فعوضًا عن التمسّك بتحرير فلسطين المغتصبة منذ أكثر من 70 عامًا، نرى أنّ هذه القوى، تعمل بشكلٍ مكثّفٍ لشدّ الأنظار نحو إيران “الشيعيّة”! وتهويل الخطر الداهم من الـ”فرس″، وهذه النظريّة تجذب قطاعات لا يُمكن التقليل منها، كمًّا ونوعًا، أيْ أننّا أصبحنا ننظر إلى إيران بمنظار العدو، تمامًا كما تنظر إليها إسرائيل. كما أنّ حزب الله، الذي مرغّ أنف دولة الاحتلال، أمسى مُستهدفًا وأعلن مجلس التعاون الخليجيّ والجامعة العربيّة عنه تنظيمًا إرهابيًا.
***
لا بُدّ من التأكيد على أنّ الوحدة العربيّة ليست حلمًا، أوْ رغبةً عارضةً أوْ اضطرارًا لمُواجهة خطرٍ ما تزول أسباب الوحدة مع زواله، وإنمّا الوحدة ضرورة وحتميّة وواقع، حيث أننّا أمّة عربيّة مُكتملة التكوين القوميّ، وما يؤثر في قطرٍ عربيٍّ يؤثر في كلّ شبرٍ وعلى كلّ شبلٍ من الأمّة، وهذا الفهم واليقين يعطى ميزةً للناصريّ أنّه يبحث ويُفكّر ويطرح حلولاً من منطلقٍ قوميٍّ لا إقليميٍّ، كما أنّ المنطلق القوميّ إلى الوحدة العربيّة موقف مُناقِض تمامًا للمنطلق الإقليميّ من حيث المضمون الفكريّ والسمة العقائديّة والسلوك الحركيّ، وعليه كان القبول بالتدّخلات الأجنبية في قطرٍ عربيٍّ ورفضه في قطرٍ آخر هو سلوك إقليميٍّ بحت، والقبول بالتفريط بأيّ ذرّة ترابٍ من أرض الوطن خيانة، فالأرض ليست ملك جيل، وإنمّا هي تاريخ وميراث وحاضر ومستقبل أجيال، وفلسطين هي جزء من كامل التراب العربيّ، وكلّ شبرٍ في فلسطين شهد ملحمةً نضاليّةً وارتوى ترابه بدماء شهدائها، وعليه، فإنّ التفريط بهذه الثوابت هو أكثر من الخيانة العظمى بكثير، ذلك أنّه لا يوجد على هذه البسيطة مَنْ هو مُخوّل للتنازل عن أيّ حقٍ من حقوق الشعب الفلسطينيّ، وفي مقدّمتها حقّ العودة، الذي نصّت عليه الشرعيّة الدوليّة، والذي لا يسقط بالتقادم، فالعودة أهّم من الدولة.
***
لسنا بحاجةٍ إلى العواطف، بلْ إلى دراسة الأمور بشكلٍّ علميٍّ وعمليٍّ، والانتقال من لعب الطاولة إلى لعب الشطرنج، كما أننّا نُحذّر من أشباه اليساريين العرب، أوْ مثقفي النيو-لبرالية، الذين يُجيّشون ويُجيّرون كلّ طاقاتهم لتكريس حالة الذلّ والهوان التي تنهش جسد الأمّة العربيّة، في محاولةٍ بائسةٍ لخلق العربيّ الجديد، هذا العربيّ، الذي يتحوّل إلى أداةٍ طيّعةٍ بأيدي الاستعمار وزبانيته، ويُسلّم بدونيته وفوقيّة الغرب. إنّ العربيّ الجديد المطلوب، هو الإنسان الاشتراكيّ الذي اشتغل عليه جيفارا، وليس الإنسان الصهيونيّ الذي اشتغل عليه بن غوريون، وورثته الشرعيين وغيرُ الشرعيين من عرب وأعراب ومُستعربين.