نحو مواجهة “أسرلة التعليم” بمدينة القدس المحتلة
مركز مسارات - إعداد رامي معين محسن
تعاني مدينة القدس المحتلة من انهيار شبه كامل في كافة قطاعاتها الحيوية، وفي مقدمتها التعليم، فمنذ احتلالها العام 1967، سعت حكومات الاحتلال المتعاقبة إلى انتهاج سياسة التهويد المنظم، وتضييق الخناق على المقدسيين لإرغامهم على الهجرة خارجها، وإفراغها من سكانها الفلسطينيين في إطار فرض وقائع جديدة على الأرض يصعب تداركها في أي مفاوضات تسوية مستقبلية.
وفي هذا السياق، جاء التجهيل الذي يمكن ملاحظته من أرقام التسرب المدرسي، ومن تشديد القيود على المدارس والمناهج في ظل الخطة الخماسية التي أقرتها الحكومة الإسرائيلية مؤخرًا، “وبقيمة 2 مليار شيقل حتى العام 2023، لتعزيز سيادتها في شرقي القدس، على أن ينصبّ الجزء الأكبر منها لصالح أسرلة جهاز التعليم والمناهج المقدسية، من خلال حثّ المدارس الفلسطينية على الانتقال من منهاج التعليم الفلسطيني إلى منهاج التعليم الإسرائيلي”.[1] فوسط التهجير وخلاله تظهر الخطّة الإسرائيليّة “التي تهدف إلى تشجيع الأسرلة في صفوف مواطني شرقيّ القدس، وفي ذات الوقت، يستطيع المقدسيّ الحصول على الجنسية الإسرائيليّة مباشرة، في حال خروجه من القدس إلى مدن الداخل كحيفا ويافا وغيرها في أراضيّ 48″[2]، لما تمثله المدينة من قيمة حضارية، وشاهدًا تاريخيًا على التنوع والتسامح.
تعاظمت المحاولات الإسرائيلية بحق المدينة المحتلة، بعد القرار الأميركي الذي اتخذته إدارة الرئيس دونالد ترامب القاضي بالاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال في كانون الأول 2017، ونقله السفارة الأميركية إليها في أيار 2018، في خطوة غير قانونية خالفت فيها إدارة ترامب المستقر في كل القوانين الدولية والقرارات الأممية ذات الصلة بالمدينة المحتلة، بل تعدى الأمر ذلك، لدرجة يمكن معها القول بأن الولايات المتحدة بقراراتها تلك تكون قد ارتكبت جريمة الاشتراك في ضم الأقاليم المحتلة بالقوة.
فتح القرار الأميركي شهية رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أكثر للمضي قدمًا في سياساته العنصرية تجاه المدينة، من خلال مصادقة حكومته في تموز 2018 على قانون أساس القومية “إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي”، الذي يرى فيه خبراء ومحللون بأنه قانون غير مسبوق، كونه يقر بأن دولة الاحتلال وطن قومي للشعب اليهودي، وأن حق تقرير المصير يقتصر على اليهود دون سواهم.
والأخطر أنه يرسخ بالقانون مكانة القدس المحتلة والموحدة كعاصمةً لدولة الاحتلال هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أنه يتزامن مع اعتماد الخطّة الخماسيّة الخاصة بالتعليم في القدس المحتلة، ما سينعكس سلبًا على المدينة وطبيعة المناهج الدراسية فيها في ظل السياسات الإسرائيلية المستمرة، ومُغريات الانتقال إلى المنهاج التعليمي الإسرائيلي ماديًا وتنظيميًا التي تنهش قدرة التعليم الوطني على الصمود.
في سياق ذلك، فإن “بلدية الاحتلال” في العام 2015، فرضت المنهاج الإسرائيلي على العديد من المدارس الفلسطينية، إذ أشار عبد الكريم لافي، رئيس لجنة أولياء الأمور في المدارس التابعة للمعارف والبلدية، إلى أن “بلدية الاحتلال” حوّلت مدرسة “شعفاط السهل الابتدائية” إلى مدرسة إعدادية لتعليم المنهاج الإسرائيلي، وأجبرت الأهالي على تسجيل أبنائهم فيها بعد إغلاق إحدى المدارس المقدسية، كما فتحت قسمًا كاملًا لتدريس المنهاج الإسرائيلي في مدرسة “ابن خلدون” في حيّ بيت حنينا، وكذلك واصلت تدريس ذلك المنهاج في مدارس “صور باهر وابن رشد للذكور”.[3]
وبحسب ديمة السمان، مدير عام وحدة شؤون القدس في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، فإن دائرة المعارف الإسرائيلية “تسرق المنهاج الفلسطيني، وتمارس بحقه الحذف والإسقاط”، فتجدها على سبيل المثال تحذف كل إشارة لوضعية القدس كمدينة محتلة، كما حذفت قصيدة “الانتفاضة” من كتاب اللغة العربية للصف السادس، ودرس “معركة حطين” من كتاب التربية الإسلامية للصف السادس، وقصيدة “عائدون” من كتاب لغتنا الجميلة للصف السابع، إلى جانب حذفها النشيد الوطني الفلسطيني، كما تستبدل شعار السلطة الفلسطينية على الكتب بلاصق يحمل شعار بلدية الاحتلال الإسرائيلية”[4]، إضافة إلى إدخالها نظام “البجروت” المطبق في مدارسها للمرحلة الثانوية، إلى بعض مدارس المدينة كبديل عن امتحان التوجيهي الفلسطيني، لا سيما إلى بعض المدارس والمراكز والكليات التي أنشأتها على مدى الأعوام القليلة الماضية”.[5]
ومع بدايات العام الدراسي الحالي 2018-2019، فتحت “بلدية الاحتلال” باب التسجيل من خلال تعبئة نموذج إلكتروني خاص على موقعها، في خطوة خطيرة وغير مسبوقة، ما دفع وحدة شؤون القدس في وزارة التعليم الفلسطينية إلى الاستغراب، لما تحمله هذه الخطوة من “دلالات خبيثة تكشف عن وجه المحتل البشع، وضربة لمقومات الهوية الوطنية الفلسطينية”.[6]
المشكلة السياساتية
تكمن الإشكالية في غياب السياسات الوطنية الفلسطينية الفعالة لمواجهة إجراءات الاحتلال الإسرائيلي المتسارعة والساعية إلى بسط سيطرته على التعليم في مدينة القدس المحتلة، لجهة أسرلة السكان الفلسطينيين من خلال تشجيع فرص التعليم الإسرائيلي، فعلى الرغم من تأسيس وزارة شؤون القدس في العام 1996، إلا أن دورها ما زال يتسم بالشكلانية، التي لم يتعداها لجهة اعتماد آليات فعالة لمواجهة عمليات التهويد والأسرلة، وتعزيز صمود المقدسيين، في ظل تعدد المرجعيات السياسية الوطنية بالمدينة.
الهدف العام
تناقش هذه الورقة سياسات دولة الاحتلال الهادفة إلى أسرلة المقدسيين من بوابة التعليم بالمدينة المحتلة، انطلاقًا من فرضية أن هذه الإجراءات ستقوض، حال عدم مواجهتها، منظومة المناهج التعليمية الوطنية في القدس، في إطار سعي الاحتلال الحثيث لضرب مقومات الهوية الوطنية الفلسطينية، وتغييب رواية أصحاب المكان، في ظل تخصيص حكومة الاحتلال الموازنات لتحقيق الهدف.كما ستسعى إلى طرح بدائل سياساتية وطنية واقعية يمكن من خلالها التصدي لمخططات الاحتلال.
الواقع التعليمي في مدينة القدس
نتيجة لنكبة 1948، انقسمت مدينة القدس إلى شطرين: خضع الجزء الغربي منها للسيطرة الإسرائيلية، في حين خضعت الضفة الغربية والجزء الشرقي من المدينة للمملكة الأردنية الهاشمية. ومنذ احتلال الضفة، بما فيها القدس، في العام 1967، قامت سلطات الاحتلال بفرض ”عقيدة أرض الميعاد التوراتية”، لتحقيق أهدافها الإحلالية – تغيير الواقع بالمدينة وإحكام السيطرة الكاملة عليها – بما فيها تعديل ميزانها الديمغرافي، “لخلق هوية سياسية جديدة تخدم تعزيز تواجده، وإبعاد القدس عن الهوية العربية في إطار سياسة الأسرلة، بما فيها الجهاز التعليمي، والإنجاز المرحلي المتوازن مع الخطط السياسية التي تعتمد تكتيكات تنسجم مع الأهداف الإستراتيجية في دولة الاحتلال”.[7]
عبر المقدسيون عن عدم رضاهم عن قصور اتفاق أوسلو 1993، كحل فلسطيني – إسرائيلي مرحلي، وعدم معالجته لوضعية القدس والمواطن المقدسي، كون هذه الاتفاقيات لم تعطهم الاهتمام والمكانة المطلوبة في إطار المرحلة الجديدة وتحدياتها هذا من جهة، ومن جهة أخرى أدى ذلك إلى تعميق سياسات الأسرلة للمجتمع المقدسي على كل الأصعدة، التي ظهرت بوضوح في الحياة اليومية للمواطنين الذين بات كثيرون منهم مرغمين على السير في قوالب الأسرلة، لتسيير شؤون حياتهم في ظل تركهم وحيدين يصارعون احتلالًا متغطرسًا، وبدا ذلك واضحًا في زيادة إقبالهم على تعلم اللغة العبرية، وزيادة عدد الطلاب الملتحقين بالجامعات الإسرائيلية.[8]
وبالرغم من ذلك، استمر اعتماد السياسة الفلسطينية ذاتها، وظلت القدس غائبة عن قائمة “أولويات السلطة على كل المستويات، وهذا يظهر في أن الموازنة المخصصة للقدس في موازنة السلطة لا تكاد تذكر، وهي موجودة، على الأغلب، بشكل خفي حتى لا تعاقب “إسرائيل” السلطة على تخصيص موازنات محترمة للقدس”.[9]
رصدت حكومة الاحتلال في العام 2018، في إطار خطتها الخماسية، ما يقارب 68.7 مليون شيقل لدعم مؤسسات تربوية تدرّس المنهاج الإسرائيلي، و57.4 مليون شيقل لتطوير وصيانة المدارس التي اختارت المنهاج الإسرائيلي، و67 مليون شيقل لاستئجار بنايات جديدة لهذه المدارس، إضافة إلى 15 مليون شيقل للتعليم التكنولوجي المتطوّر[10]، في خطوة تشكل عنصرًا تحفيزيًا للمدارس الفلسطينية التي تعاني وضعًا صعبًا، لحثها وتشجيعها على الانتقال من المنهاج الفلسطيني إلى الإسرائيلي، وكل ذلك بما يخدم السيطرة على مضامين المناهج الفلسطينية، كأحد مكونات الوعي الوطني في مواجهة الاحتلال، ولتحويل المقدسيين إلى مجرد “أناس يحملون هوية قومية مشوهة، من خلال إعادة صياغة وعيهم بما يتلاءم مع مصالح الدولة اليهودية”.[11]
واجه الجهاز التعليمي بمدينة القدس المحتلة عددًا من التحديات، أبرزها:
تحديات بنيوية، تتجسد في النقص الحاد في عدد المدارس والغرف الصفية، في ظل عدم صيانة أو توسيع القائم منها، وافتقارها إلى الحد الأدنى من الظروف الصحية والتعليمية النشطة، فضلًا عن استمرار تعرض المنهاج الوطني للتعديل والتحريف، بما ينسجم مع أسرلة منهاج التعليم بالمدينة.
ممارسات الاحتلال، وفي مقدمتها بناء جدار الفصل العنصري، وسياسة الحواجز، وفصل القرى والبلدات العربية المحيطة بالقدس، واعتقال وإبعاد الطلبة والمدرسين، أو وضعهم تحت الإقامة الجبرية.
افتقار المدينة إلى مرجعية موحدة لإدارة العملية التربوية.
ضعف مصادر التمويل المنصبة على تعزيز وتطوير الجهاز التعليمي الوطني بالمدينة في مواجهة مخططات الأسرلة.
تنامي نسب التسرب المدرسي، التي تجاوزت أكثر من 50% بين طلبة المدينة، جراء جذب سوق العمل الإسرائيلي لهم بسبب ارتفاع الأجور[12]، في ظل تردي الحالة الاقتصادية لمعظم الأسر المقدسية.
تفشي ظاهرة المخدرات، التي يُروج لها بتشجيع من سلطات الاحتلال، إذ يقدر عدد المتعاطين بأكثر من 29 ألفًا، وهم من الشباب والمراهقين الذين تركوا التعليم والتحقوا بسوق العمل”.[13]
استمرار جهود استهداف اللغة العربية، وإعادة تشكيل الوعي الفلسطيني، إذ احتفلت “وزارة المعارف الإسرائيلية” بالإعلان عن خطة تربوية جديدة لتعميق القيم الصهيونية داخل المدارس الابتدائية والإعدادية، بما فيها المدارس العربية بمدينة القدس، عرفت بخطة “مائة مصطلح”.
وبحسب يعقوب كاتس، أحد زعماء المستوطنين، فإن الخطة ترمي إلى بلورة الوسائل لتعميق القيم الصهيونية لدى الأجيال، “من خلال إدراج قيم صهيونية في مناهج الطلبة اليهود والعرب مثل (النشيد الوطني هتكفاه، قانون العودة، إعلان قيام الدولة، إليعيزر بن يهودا، أنواع الاستيطان، إيلي كوهين، هيرتزل، جيش الدفاع، حاييم وايزمن، دافيد بن غوريون، زئيف جابوتنسكي، مناحيم بيغن، وعد بلفور، إسحاق رابين، ومصطلحات أخرى”.[14]
تعدد جهات الإشراف الإداري على المدارس بمدينة القدس المحتلة
في ظل الواقع الحالي في المدينة المقدسة، ونتيجة لكل ما تقدم أعلاه، يتوزع الإشراف على مدارسها على الجهات الآتية:
مدارس الأوقاف: تتبع إداريًا لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية، لكنها تعمل تحت مظلة وزارة الأوقاف الأردنية.
مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”: تتبع لوكالة الغوث التابعة للأمم المتحدة، وهي مهدّدة بشكل خاص بعد قرارات الإدارة الأميركية الأخيرة بشأن الأونروا ومدينة القدس، وتعتبر تصريحات نير بركات، رئيس بلدية الاحتلال السابق، التي أكد فيها نيته وضع خطة لطرد وكالة الغوث من القدس[15]، دليلًا عمليًا على حجم التهديدات.
المدارس الخاصة: تتبع إداريًا للكنائس والجمعيات الخيرية والأفراد.
مدارس المعارف الإسرائيلية وبلدية الاحتلال: تتبع إداريًا لحكومة الاحتلال.
مدارس المقاولات: هي مدارس يديرها أفراد بالنيابة عن إدارة المعارف الإسرائيلية وبدعمها.
وبذلك، بات التعليم في القدس المحتلة يعاني أكثر من أي وقت مضى، مع بدء الترويج للمنهاج الإسرائيليّ والمُغريات الماديّة والمعنوية المنوطة به، التي نجحت إلى حد ما بكسر حالة الإجماع حول مقاطعة هذا المنهاج، ليكون الطالب والوعي الوطني الفلسطيني بمنزلة الضحية، ما يتطلب موقفًا فلسطينيًا موحدًا قبل فوات الأوان.
يبين الجدول أدناه أعداد المدارس والطلبة والشعب في مدارس القدس المحتلة خلال العام الدراسي 2016-2017 بحسب التبعية الإدارية.[16]
الجهة المشرفة | عدد المدارس | عدد الشعب | عدد الطلبة |
مدارس الأوقاف | 49 | 555 | 12160 |
المدارس الخاصة | 76 | 1117 | 27776 |
مدارس الوكالة | 6 | 58 | 1279 |
مدارس البلدية والمعارف | 70 | 1474 | 39141 |
مدارس المقاولات | 19 | 272 | 5025 |
المجموع | 220 | 3476 | 90406 |
حاول الباحث إجراء نوع من المقارنة مع سنوات سابقة لفهم الارتفاع أو الانخفاض في التوجه إلى المدارس التي تتبنّى المنهاج الإسرائيليّ، لكنه لم يوفق في الحصول على مزيد من الإحصاءات من مصادرها المختلفة، لا سيما فيما يتعلق بمدارس البلدية والمعارف والمقاولات.
تداعيات قانون القومية الإسرائيلي
يجمع الفلسطينيون على اختلاف تلاوينهم، على أن قانون القومية “قانون أساس: إسرائيل –الدولة القومية للشعب اليهودي”، أخطر ما أقره الكنيست الإسرائيلي، وفي سابقة خطيرة رأى هذا القانون غير المشروع النور، على طريق الاسترشاد بقوانين الفصل العنصري البائدة، في مشهد يعيدنا إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 للعام 1975، الذي اعتبر في حينه “الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، مطالبًا جميع دول العالم بمقاومة الأيديولوجية الصهيونية لما تشكله من خطر على الأمن والسلم الدوليين”.[17]
أبرز المخاطر والتداعيات
إن القانون يتحدث عن أرض “إسرائيل التوراتية”، وليس “إسرائيل” التي اعترفت بها الأمم المتحدة بعد نكبة 1948، وبالتالي ينطوي على تزوير ونفي للرواية والهوية الفلسطينيين، كما يشكل انتهاكًا متواصلًا للشرعية الدولية وأحكام القانون الدولي الإنساني.
إن إقرار دولة الاحتلال لهذا القانون يكشف زيف “ما كانت تروجه عن نفسها كدولة ديمقراطية، في نهجها وتعاملها مع الفلسطينيين سكان البلاد الأصليين، سواء الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، أو سكان المناطق المحتلة العام 1967”.[18]
يعد بمنزلة تجربة استعمارية فريدة، وخاصة في القرن الحادي والعشرين، مسترشدة في ذلك بتجارب الاستعمار البائدة، وبالإعلان السياسي الاستعماري “وعد بلفور” الذي خلّدته دولة الاحتلال بسن قوانين عنصرية لتثبيت استعمارها غير الشرعي لفلسطين، متوجةً مسعاها بقانون “القومية” العنصري الابن الشرعي لوعد بلفور وأداة تنفيذه”[19]، الذي يقونن السلوك العنصري الاستعماري الإسرائيلي بجعله مرجعية ملزمة وهادية لحكومات الاحتلال.
يشكل انقلابًا عنيفًا على أي تسوية سياسية مستقبلية مع الفلسطينيين، كونه حسم مبكرًا أحد قضايا الحل النهائي ومن جانب واحد.
تداعيات قانون القومية على أسرلة التعليم بالقدس المحتلة
يؤكد القانون أن مدينة القدس المحتلة والموحدة “عاصمة أبدية” لدولة الاحتلال، وأن اللغة العبرية فيها لغة الدولة، ما يعني أن اللغة العربية ستفقد مكانتها كلغة رسمية في ظل الخطة الحكومية الخماسية التي تستهدف نشر تعاليم اللغة العبرية بين المقدسيين، وأن العطلات الرسمية هي الأعياد اليهودية، ما سينعكس سلبًا، وبشكل تمييزي، على سكان القدس المحتلة، في إطار ارتباط القانون بالأمر الواقع، وما يعنيه ذلك من تهويد الوجود الفلسطيني بالمدينة المقدسة على طريق “الأسرلة” الشاملة، تعليميًا واقتصاديًا وثقافيًا وسياسيًا، التي تغذيها مخططات القمع والسيطرة وفرض الهوية الزائفة، والتي ستحمل المقدسيين على دعم وتمويل مشاريع القومية جبرًا من خلال الضرائب والولاء، مع أنها تنفي حقهم وهويتهم ومكانتهم.[20]
ويرى كيم هاولز، وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية أن خطة “مائة مصطلح” من تراث اليهود والصهيونية التي فرضتها ليمور ليفنات، وزيرة المعارف الإسرائيلية في حينه، تزامنت مع الدعوة التي أطلقها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش (2001-2009)، بعد “أحداث سبتمبر” في العام 2001، لعدد من الدول العربية بضرورة إعادة النظر في مناهجها الدراسية، وحذف النصوص التي تدعو إلى “التحريض والإرهاب” بحد وصفه، حيث تمت إعادة صياغة المناهج التعليمية في العراق وعدد من الدول العربية الأخرى، في إطار “شرق أوسط جديد” يتم تجهيزه بالكامل بواسطة الحاسوب وتحت إشراف “إسرائيل”، الأمر الذي يعني أن الحكومة الإسرائيلية تسعى بكل الاتجاهات لأسرلة التعليم العربي، وفرض سيطرتها عليه بحيث يتم تلقين أبنائنا تعاليم “إسرائيل”، وبالطريقة التي تريدها هي”.[21]
في كل الأحوال، لا تعترف الجامعات الإسرائيلية بشهادة الثانوية العامة لدارسي المنهاج الفلسطيني في القدس المحتلة، إذ لا تسمح لهم بالالتحاق بها مباشرة، إلا بعد اجتياز الطالب امتحان القياس للقبول في الجامعات الإسرائيلية، الذي يلقى على الطالب مهمة التحضير والاستعداد لامتحان “البسيخومتري”، وبسبب اختلاف نمط أسئلة الامتحان عن الأسئلة المدرسية من ناحية طرق الحل والفحوى، حيث تعتمد هذه الأسئلة أكثر على التحليل والاستقصاء، وليس التلقين والحفظ كما هو الوضع في امتحانات الثانوية العامة، فإن الطلبة خريجي المنهاج الفلسطيني يواجهون صعوبات في اجتيازه.
يضاف إلى ذلك الكلفة المادية للامتحان في ظل تردي الوضع الاقتصادي للمقدسيين، وما قد يترتب عليه من ترك الطلبة لمدارس الأوقاف والالتحاق بمدارس المعارف أو بلدية الاحتلال باكرًا لاختصار هذه الدائرة”[22]، مما يسهم بشكل أو بآخر في تعزيز أسرلة التعليم بالمدينة، في ظل تسارع الخطط الإسرائيلية وفقًا للخطة الخماسية التي تسعى إلى رفع عدد الخريجين المقدسيين الذين يحملون شهادة التوجيهي الإسرائيلية إلى “نسبة 26%، مقارنة بالنسبة الحالية 12%، ونسبة من يحملون شهادة توجيهي تكنولوجية إسرائيلية من 11% إلى 33%”.[23]
أكدت حنان عشراوي، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أن “خطة ليفنات” تأتي في سياق توسيع مخططات التهويد والأسرلة، التي تريد تحويل القدس المحتلة إلى يافا وعكا، بعد أن أدخل الاحتلال جهاز التعليم الفلسطيني في أزمة كبيرة، والآن تقوم إسرائيل بابتزاز المدارس الفلسطينية في القدس”[24]، ضمن خطوات فرض المنهاج الإسرائيلي “بشكل مبطن وغير مباشر وبالتدريج، لتخدير الشارع الفلسطيني، وتجنب أيه ردة فعل قوية على هذا القرار، وصولًا إلى تمرير مشروع الأسرلة بالكامل كجزء من مخطط 2020 للسيطرة الكاملة على المدينة بكل جوانبها”.[25]
المعايير
يتطلب طرح البدائل، التي يمكن من خلالها تحقيق الأهداف المنشودة من الورقة، تحديد معايير محددة بدقة، يمكن من خلالها قياس جدوى البدائل المطروحة، وصولًا إلى الهدف العام منها، فعملية قياس مدى تحقيق أي بديل، تتم من خلال حجم وقيم المؤشرات التي تنتج عنه وفقًا للمعايير الآتية:
المشروعية: تحظى مدينة القدس بتعدد مصادر المشروعية، فمنها مشروعية التاريخ والتراث، التي تؤكد على عروبة هذه المدينة الفلسطينية منذ قديم الزمان، ومشروعيتها أيضًا بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني بصفتها مدينة محتلة، وجب على الاحتلال تحمل مسؤوليته تجاه المحافظة على هويتها، وتجاه أهلها وطلبتها على وجه الخصوص بعدم جواز طمس ذاكرتهم أو حتى نكرانها، وبموجب قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة التي أكدت عمقنا الوطني فيها كعاصمة للفلسطينيين، كما أن اتفاق أوسلو 1993 أكد على مبدأ عدم جواز أي تغييرات فيها من طرف واحد، كل ذلك يمكن أن يكون أساسًا لتطبيق البدائل.
المقبولية: تمتاز القدس بمكانة خاصة فلسطينيًا وعربيًا وإسلاميًا ودوليًا، لما تتميز به من أهمية تاريخية وسياسية ودينية وحضارية على مستوى العالم أجمع، فهي ليست مجرد عاصمة دينية أو سياسية للفلسطينيين، بل أعظم من ذلك.
ويمكن قياس مدى مقبولية تقديم بدائل سياساتية لمواجهة تهويد القدس، من خلال عدد من المؤشرات، في مقدمتها حالة السخط الشعبي على ممارسات الاحتلال التي تأخذ صورًا متعددة، وحالة الرفض الرسمي وغير الرسمي لسياسة فرض الوقائع الاحتلالية على المدينة، وبحالة الإدانة والاستنكار الدولية التي تؤكد بطلان كل تلك الإجراءات، لا سيما بعد القرار الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة موحدة للاحتلال ونقل السفارة إليها، وينسحب كل ما تقدم على مخططات أسرلة التعليم بالمدينة المرفوضة شعبيًا وعربيًا ودوليًا.
المعقولية: يمكن قياس مدى إمكانية تفعيل البدائل من خلال المقارنة ما بين الفرص والتحديات التي تواجه طرحها أدناه، ومدى استعداد مكونات الفعل الوطنية والشعبية والدولية في الانخراط في خطة إستراتيجية لتعزيز التعليم الوطني، وتحصين قدرته على الصمود في مواجهة المغريات للانتقال إلى المنهاج الإسرائيلي، بما يدعم فرص مناهضة أسرلة التعليم بالقدس، على أن تأخذ بالاعتبار تجميع كل الطاقات والإمكانيات والفضاءات المتاحة داخليًا وخارجيًا، ديبلوماسيًا وشعبيًا وقانونيًا، والقدرة على تذليل العقبات “الإسرائيلية” التي قد تعترض ذلك، في إطار الواقعية والمرونة.
الإمكانية: البدائل التي ستقترحها الورقة قابلة للتطبيق، لكنها مرهونة بمدى اقتناع الموجهة إليهم بجدوى هذه البدائل وفاعليتها، وبقدرتهم على توفير الدعم المالي والظهير العربي والدولي اللازم لتطبيقها، في إطار تكامل الأدوار.
الخسائر: تحتاج البدائل الواردة في الورقة إلى قرار وطني من أعلى المستويات في إطار خطة قائمة على توزيع الأدوار بين الفاعلين على كل الأصعدة في القدس. كما أن ترجمتها على الأرض تتطلب كلفة مالية قد تبدو كبيرة، وعليه فقد تواجه السلطة والحكومة الفلسطينية معيقات حقيقية تتعلق بعدم قدرتها على تجنيد الأموال، لا سيما من المانحين الأجانب، إضافة إلى عرقلة سلطات الاحتلال لكل ما تقدم من جهود، في ظل استمرار تعاملها مع نفسها على أنها فوق القانون.
الوعي العام: تقاس حالة الوعي العام بتعلق الفلسطينيين الوطني والوجودي والروحاني بالمدينة المقدسة، فعلى الرغم من كل الإغراءات التي يقدمها الاحتلال للمقدسيين بهدف ترسيخ دعائم التهويد والأسرلة، بما فيها التعليم، إلا أن مكانتها لم تتزحزح في مخيلتهم وبمختلف أطيافهم، بالرغم من النجاح النسبي لمخططات ضرب وحدانية المشروع الوطني في إطار تجزئة المجزأ، وإشغال كل منطقة بهمومها وتحدياتها وسط حالة الانقسام واحتدام تناحر البرامج والرؤى.
البدائل المقترحة للخروج من الأزمة
البديل الأول: تسريع العمل بالخطة الإستراتيجية للتنمية القطاعية بالقدس الشرقية للأعوام 2018-2022، من خلال حشد الموارد والطاقات لتعزيز منظومة التعليم الوطني بالقدس، واختراق مخططات أسرلته.
ينطلق هذا البديل من قناعة مفادها ضرورة تسريع العمل وطنيًا بالخطة الإستراتيجية للتنمية التي أعدها فريق يضم ممثلين عن جامعة القدس، ووحدة القدس في ديوان الرئاسة، بالتعاون مع العديد من الأطراف ذات العلاقة، والشركاء الإستراتيجيين في القدس. وقد أقرت الحكومة الفلسطينية في نيسان 2018 هذه الخطة، كما اعتمدها الرئيس محمود عباس، “الذي أشاد بجهود القائمين على إعدادها، داعيًا الدول العربية إلى تبنيها ودعمها حفاظًا على المدينة ومقدساتها وتراثها وتاريخها المجيد لتبقى العاصمة الأبدية لدولة فلسطين”.[26]
تقوم الخطة على تمويل القطاعات الحيوية في مدينة القدس المحتلة، بواقع “15 قطاعًا، في مقدمتها: الصحة، والتعليم، والشباب، والسياحة، وتقدّر تكلفة تنفيذها حوالي 425 مليون دولار”[27]، لإنقاذ القدس وحمايتها وتعزيز صمود أهلها، في مواجهة سياسات التهويد والأسرلة.
وفي الوقت الذي أكد فيه معتصم تيم، مدير عام وحدة القدس في ديوان الرئاسة الفلسطينية، “أن الخطة الإستراتيجية قابلة للتمويل والتنفيذ كونها تراعي تمكين المواطن المقدسي، وتعمل على دعم صموده في مدينته، آخذةً بالاعتبار مؤشرات التنمية، وقدرة الأطراف على الدعم، بما يضمن تنفيذها على الوجه الأكمل”[28]، يتساءل النائب المقدسي أحمد عطون: “أمام هذه الميزانيات الضخمة، وهذا المخطط الاستيطاني التهويدي، ماذا رصدت الحكومات الفلسطينية المتعاقبة للقدس ومواجهة الأسرلة؟، 0.2% من الموازنة العامة للسلطة، وينسحب المشهد على الصعيدين العربي والإسلامي”.[29]
حظيت هذه الخطة بترحيب عربي في ختام الاجتماع الأول، للجنة مفتوحة العضوية بقرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي، الذي انعقد في تشرين الثاني 2018 في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، ضم كل من: الأمانة العامة، ودولة فلسطين، والمنظمات العربية والإسلامية، والصناديق العربية، وذلك لبحث قضايا عدة، من بينها الخطة الإستراتيجية[30]، انطلاقًا من المسؤولية العربية والإسلامية الجماعية تجاه المدينة المحتلة. وطالب الاجتماع جميع الدول والمنظمات والصناديق العربية والإسلامية، بتوفير التمويل اللازم لتنفيذ المشروعات الواردة في الخطة بهدف إنقاذ مدينة القدس”.[31]
إن ترجمة هذا البديل، يتطلب قناعة فلسطينية رسمية وغير رسمية بجدواه، وحشد الموارد والطاقات ارتباطًا بالخطة. فعلى صعيد قطاع التعليم، فإنه مرهون على سبيل المثال، بقدرة النظام السياسي على تبني سياسة تربوية موحدة إلى حد ما، لها من الإمكانيات ما يؤهلها لأن تكون أحد المرجعيات الناظمة للتعليم الوطني بالمدينة، تناط بها عملية صهر وتذويب مدخلات العملية التعليمية ومخرجاتها في إطار بوتقة واحدة، من باب تعزيز الهوية القومية والوطنية للمقدسيين، وتفويت الفرصة على مخططات الأسرلة من خلال التعليم، على أن يراعي البديل الأخذ بالاعتبارات الآتية:
تقيد الحكومة بالخطة التي اعتمدتها، لا سيما فيما يتعلق بالتعليم، من خلال تضمينها جدول أعمالها بآليات واضحة ومحددة وتشاركية، على قاعدة تبادل الأدوار، بالإضافة إلى تخصيصها الموارد المادية وحشد الطاقات لتعزيز الهدف منها، حتى لا يكون مصيرها كسابقاتها من الخطط.
تنفيذ قرارات اللجنة التنفيذية التي اعتمدها أيضًا المجلس المركزي الفلسطيني في دورته الثلاثين في تشرين الأول 2018، بشأن إيجاد مرجعية موحدة، تراعي التحديات التي يعاني منها قطاع التعليم في القدس، وتتولى مهمة صياغة رؤية ورسالة التعليم الوطني من النواحي الفلسفية والتربوية والتوجيهية والإشرافية، التي يجب تبنيها من المدارس العاملة في المدينة، كمحاولة لتحسين بيئتها التعليمية ونوعيته، بما سيعزز فرضيات التصدّي لمخاطر الأسرلة.
تطوير جودة التعليم التنافسي في المدينة، بالشكل الذي يعزز هويتها الفلسطينية، وتعميق وعي المقدسيين بأهمية التعليم الوطني، ومخاطر مخططات الاحتلال وسبل مواجهتها.
دعم مؤسسات التعليم، بما فيها المدارس الخاصة، لتشجيها عن الاستغناء عن الدعم والإغراءات الإسرائيلية، إضافة إلى اعتماد خطط عملية لمواجهة التحديات الخاصة بقطاع التعليم في القدس، تأخذ بالاعتبار توفير منح دراسية للطلبة بما يفوت فرص التوجه الاضطراري المبكر لسوق العمل الإسرائيلية، إلى جانب تأهيل الكوادر التعليمية العاملة في المدارس الفلسطينية، وتحسين رواتبهم وامتيازاتهم قياسًا بالعاملين في االمدراس الإسرائيلية، ومعالجة واقع المدارس واكتظاظها.
تفعيل قنوات التواصل والضغط على الدول العربية لجهة إلزامها بتنفيذ ما قطعته على نفسها في دعم مدينة القدس والتعليم فيها، خلال اجتماعات الجامعة العربية المختلفة، لا سيما “تلك التي أقرت إنشاء صندوق باسم دعم القدس بموارد مالية قدرها مليار دولار أميركي، لتمويل مشاريع وبرامج تحافظ على الهوية العربية والإسلامية للقدس”.[32]
البديل الثاني: استنفار الديبلوماسية الفلسطينية، وتفعيل أدوات الملاحقة القانونية الدولية.
تشهد مدينة القدس تحديات غير مسبوقة، وفي مقدمتها سعي سلطات الاحتلال لأسرلة المقدسيين من خلال التعليم، لا سيما بعد جرعة التحفيز التي حصلت عليها من قبل إدارة ترامب، في إطار فرض الوقائع بالقوة على الأرض.
يفرض الحفاظ على مكانة التعليم الوطني بالمدينة كإحدى ركائز مواجهة الاحتلال، بما فيها إحباط مخططات أسرلته، على القيادة الفلسطينية بأجهزتها المختلفة، تبني ما يأتي:
إعادة هندسة الديبلوماسية الفلسطينية، الرسمية والشعبية والرقمية، لرفع تكلفة الاحتلال خارجيًا، جراء خرقها القوانين الدولية والاتفاقات الثنائية، فيما بتعلق بمكانة وهوية القدس الشرقية كمدينة تحت الاحتلال، وبما يقود إلى فضح جرائمه بحقها وحق التعليم الوطني ومؤسساته داخلها، الأمر الذي قد يدفع سلطات الاحتلال إلى إعادة النظر في سياساتها الحالية تجاه المدينة، تحت تأثير وضغط وفاعلية الرأي العام الدولي.
إن النجاح في تحقيق البند أعلاه سيقود إلى تفعيل آليات المناصرة الدولية، وتعميق حركة التضامن الدولي مع حقوق الشعب الفلسطيني، بما فيها حقه في التعليم الوطني والحفاظ على الهوية، من خلال ابتكار الوسائل والأساليب والآليات والفعاليات المتنوعة والجديدة، التي ستصب في خانة تحقيق البديل.
استثمار معسكر الأصدقاء في الأمم المتحدة، لجهة طرح مسألة تعليق عضوية دولة الاحتلال في المنظمة الدولية، على اعتبار أن سياساتها الساعية إلى أسرلة مدينة القدس والتعليم فيها، تشكل خروجًا كبيرًا عن فلسفة الأمم المتحدة ومقاصدها، ولشروط العضوية فيها، إلى جانب عدم التزامها المعلن بتنفيذ عشرات قرارات الأمم المتحدة لصالح الفلسطينيين، وعلى رأسها احترام الوضع القائم في المدينة المحتلة.
تفعيل أدوات الملاحقة القانونية الدولية، من خلال استنفادكل آلياتها المتاحة، سواء بإحالة جرائم الاحتلال إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو رفع تقارير دورية إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مجلس حقوق الإنسان وأعضائه، ومبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط، والبرلمان الأوروبي والدولي، واليونسكو، والمقررين الخاصين بالأمم المتحدة، وفي مقدمتهم المقرر الخاص المعني بالحق في التعليم، وكذلك تقديم شكوى رسمية إلى لجنة القضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة، لمطالبتهم منفردين و/أو مجتمعين بالتدخل الفوري لإلزام دولة الاحتلال بتحمل مسؤولياتها تجاه سكان الإقليم المحتل، ووقف مخططاتها الرامية إلى ضم مدينة القدس، وتغيير هويتها بالقوة، وبالقلب منها أسرلة التعليم، كونها تنطوي على جريمة دولية تستوجب تسريع العمل فلسطينيًا لمعاقبتها عليه.
البديل الثالث: تعليق التزامات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية مع الاحتلال، ودعم حركة المقاطعة (BDS).
لغايات تحقيق أهداف الورقة، يفترض هذا البديل:
أولًا: إقدام المنظمة والسلطة على تبني تصورات عملية لكيفية تسريع تنفيذ قرارات المجلس المركزي، بشأن تعليق الالتزامات التبادلية مع الاحتلال”[33]، والناشئة بموجب الاتفاقات الثنائية الموقعة بين الجانبين خلال اتفاقية أوسلو وما بعدها، نظرًا لاستمرار حالة التنكر وعدم تنفيذ سلطات الاحتلال الشق الخاص بها تاريخيًا، ومن ضمنها عدم الالتزام بالتوقف عن تغيير واقع المدينة المحتلة، بما فيها أسرلة التعليم، وإلى حين اعترافها بدولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وهو ما سيقود إلى رفع تكلفة وجود الاحتلال داخليًا إن أحسنا التصرف فلسطينيًا.
ثانيًا: دعم وإسناد حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات عليها (BDS)، بصفتها أحد أدوات النضال الوطني الناعم، الذي أثبت جدواه على صعيد المقاطعة السياسية والاقتصادية والثقافية والأكاديمية لدولة الاحتلال، من خلال حملات التوعية الشعبية، وردف الحملة بالكوادر والإمكانيات لتطوير تأثيرها، إضافة إلى اعتماد خطة وطنية تأخذ بالاعتبار تفعيل المقاطعة الشاملة مع الاحتلال داخليًا وخارجيًا، لا سيما في ظل النجاحات التي تحققها الحملة مؤخرًا، والتي من بينها تبني ائتلاف طلابي واسع يضم أكثر من 50 مجموعة طلابية في جامعة نيويورك (NYU) للحملة دعمًا للحقوق الفلسطينية، وتعهده بدعم المقاطعة الأكاديمية للمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، ومطالبته الجامعة بإنهاء تعاقداتها مع الشركات المتورطة في الاحتلال الإسرائيلي[34]، الأمر الذي يتوقع معه زيادة حالة العزلة للاحتلال، ما قد يدفعه لمراجعة مخططات التهويد والأسرلة لمدينة القدس.
المفاضلة بين البدائل
قدمت الورقة مجموعة من البدائل المتكاملة، التي من شأنها تحقيق الهدف العام، وهو مواجهة أسرلة المقدسيين من خلال التعليم الناجمة عن تسارع مخططات الاحتلال الساعية لتهويد القدس تمهيدًا للأسرلة الشاملة، بالاعتماد على سياسة فرض الأمر الواقع والرهان على الزمن.
وعلى الرغم من تكامل البدائل الثلاثة المطروحة، وأهمية تنفيذها رزمة واحدة وبشكل متوازٍ بما يُسرع عملية التصدي لمخططات الاحتلال، وتعزيز خطوات إنقاذ منظومة التعليم الوطني في القدس، كشاهد حي على عروبتها ومكانتها.
في سياق المفاضلة بين البدائل على أساس تحقيق البديل الأقرب للتطبيق وفقًا للمعطيات الحالية، يعد البديل الثالث الأكثر واقعية في الوقت الراهن، لما يمثله من خطوة أولية تلقى إجماعًا وطنيًا، فهو لا يتطلب أكثر من خطة فعلية لتنفيذه، كون القرار بذلك قد اتخذ أصلًا خلال اجتماعات ودوائر صنع القرار الرسمية، التي كان آخرها اجتماع المجلس المركزي في تشرين الأول 2018، نظرًا لما سيحدثه من رفع تكلفة وجود الاحتلال داخليًا وخارجيًا، ما قد يدفعه آجلًا أم عاجلًا إلى مراجعة مخططاته، لجهة الالتزام بما أفضى إليه اتفاق أوسلو وما بعده، وفي مقدمتها التوقف عن تغيير واقع ومعالم المدينة المقدسة، بما فيها الإعلان عن وقف التهويد والأسرلة للمدينة والتعليم فيها.
ولغايات زيادة فاعلية تطبيق البديل الثالث، تقترح الورقة البدء بتنفيذ البديل الثاني، نظرًا لما تواجهه الحكومة الإسرائيلية الحالية مؤخرًا، من تشرذمات واستقالات وتهديدات، ما سيجعل بالإمكان استجابتها للضغوط الدولية الناشئة عن نشاط وفاعلية الديبلوماسية الفلسطينية لتحقيق الهدف، لا سيما إن كانت من أكثر من طرف واتجاه دولي، ومن ثم العمل على البديل الأول الذي سيكون ثمرة تنفيذ البديلين الثالث والثاني، ما من شأنه إيجاد مرجعية موحدة لقطاع التعليم في القدس، والعمل على تطوير جودته، ودعم مؤسساته، وتوفير منح دراسية للطلبة المقدسيين، وتأهيل الكوادر التعليمية العاملة في المدارس الفلسطينية، إلى جانب تحسين رواتبهم وامتيازاتهم بشكل تنافسي قياسًا بالعاملين في مدراس المعارف والبلدية، وإيجاد معالجات لواقع المدارس واكتظاظ الفصول الدراسية، بما سيعزز مواجهة أسرلة مدينة القدس من خلال التعليم.
الهوامش
*منتدى الشباب الفلسطيني للسياسات والتفكير الإستراتيجي: منبر شبابي فلسطيني مستدام، حر ومستقل، يجمع عددًا من الباحثين/ات الشباب، خريجي برنامج السياسات العامة والتفكير الإستراتيجي الذي ينفذه مركز مسارات، المهتمين بواقع ومستقبل القضية الفلسطينية. ويهدف إلى تعزيز مشاركة الشباب الفلسطيني في السياق الوطني ضمن الشرط الاستعماري. كما يمثل المنتدى حاضنة سياساتية متخصصة تعمل تحت إشراف ومتابعة مركز مسارات.
[1] خطة الاحتلال المالية الجديدة لأسرلة القدس، موقع العساس، 14/5/2018. cutt.us/2fGa3
[2] رازي نابلسي، القدس بين تحديات “اليومي” و”الوطني”، المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات)، تشرين الثاني 2018. cutt.us/dBsHJ
[3] مدارس القدس: الاحتلال يواصل أسرلة المناهج، العربي الجديد، كانون الثاني 2016. cutt.us/9jVwo
[4] “أسرلة” التعليم في القدس .. آلاف الطلاب الفلسطينيين مُجبرون عـلـى دراسة المناهج الإسرائيلية، صحيفة الإمارات اليوم، أيلول 2018. cutt.us/Is4Ze
[5] مدارس القدس، مصدر سابق.
[6] التربية تحذر من نموذج بلدية الاحتلال لتسجيل طلبة القدس، وكالة معًا الإخبارية، 21/1/2018. cutt.us/wGMtr
[7] سامر أبو سير، السياسات الإسرائيلية وأثرها على إشكالية الهوية في القدس، (رسالة ماجستير)، جامعة الأزهر، غزة، 2018، ص 50.
[8] سامر أبو سير، مصدر سابق.
[9] هاني المصري، الأداء الفلسطيني تجاه القدس، ورقة مقدمة إلى ورشة “تهويد القدس وآليات المواجهة السياسية والإعلامية” التي نظمتها مؤسسة القدس الدولية في بيروت، مركز مسارات، تشرين الأول 2016. cutt.us/rJRB6
[10] خطة الاحتلال المالية، مصدر سابق.
[11] مهدي السيد، فلسطينيّو 48 من مواجهة الأسرلة إلى تحدّي يهوديّة الدولة، الأخبار، 21/10/2010. cutt.us/KqV2C
[12] إنقاذ التعليم في القدس، الجزيرة نت، 30/3/2018. cutt.us/5meZc
[13] سمير جبريل، معركة التعليم في القدس، الجزيرة نت، أيار 2016. cutt.us/MJSHc
[14] مائة مصطلح جديد لتعميق “تعليم اليهودية والصهيونية” للطلبة اليهود والعرب، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية “مدار”، 8/9/2014. cutt.us/B1EiB
[15] أبو هولي يحذر من خطورة طرد الاحتلال “الأونروا” من القدس، وكالة صدى الإعلام، أيلول 2018. cutt.us/6M5Oj
[16] أعدّ الباحث هذا الجدول استنادًا إلى معلومات وزارة التربية والتعليم العالي للعام 2017.
[17] قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379، الذي اعتمد بتاريخ 10/11/1975.
[18] إبراهيم أبراش، قانون القومية الإسرائيلي: مخاطره وكيفية مواجهته، وكالة سما الإخبارية، تموز 2018. cutt.us/ABR5c
[19] صائب عريقات: قانون القومية هو الابن الشرعي لوعد بلفور وأداة تنفيذه، وكالة معًا الإخبارية، تشرين الثاني 2018. cutt.us/NPgHb
[20] مذكرة داخلية، إحاطة للأمين العام للأمم المتحدة حول: “قانون أساس القومية الإسرائيلي”، الذي صادقت عليه السلطات الإسرائيلية، كونه قانونًا غير شرعي ويكرس الفصل العنصري، وينتهك كل المحظورات المطلقة بموجب أحكام القانون الدولي، الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد)، آب 2018.
[21] كيم هاولز، أسرلة التعليم، ترجمة غسان خروب، الاتحاد الإماراتية، 21/9/2003. cutt.us/NFGx9
[22] مقابلة مع سامر أبو سير، باحث وأسير مقدسي محرر، 3/11/2018.
[23] أسرلة التعليم في القدس، الوطن القطرية، 30/5/2017. cutt.us/GHDV9
[24] المصدر السابق.
[25] التعليم في القدس نحو التهويد بلا خطط فلسطينية للمواجهة، فلسطين اليوم، 2/7/2017. cutt.us/kXxbp
[26] الرئيس يتسلم الخطة الإستراتيجية للتنمية القطاعية في القدس، شبكة راية الإخبارية، نيسان 2018. cutt.us/5zLZn
[27] القاهرة .. مناقشة خطة إستراتيجية للتنمية القطاعية بالقدس، النجاح الإخباري، تشرين الثاني 2018. cutt.us/kaTd5
[28] الرئيس يتسلم الخطة الإستراتيجية، مصدر سابق.
[29] إسرائيل تقر خطة خماسية وموازنة إضافية لـتوحيد القدس” وكالة سما الإخبارية، 22/5/2018. cutt.us/kj1tG
[30] اجتماع عربي لبحث دعم الخطة الإستراتيجية للتنمية القطاعية في القدس، موقع معاد، تشرين الثاني 2018. cutt.us/IVupu
[31] القاهرة .. مناقشة خطة إستراتيجية، مصدر سابق.
[32] البيان الختامي لاجتماع مجلس جامعة الدول العربية العادي بالدوحة، الدورة 24، آذار 2013.
[33] البيان الختامي لاجتماع المجلس المركزي الفلسطيني في دورته الثلاثين في مدينة رام الله، بتاريخ 28 و29 تشرين الأول 2018.
[34] نجاحات مستمرة لحركة المقاطعة في الجامعات الأميركية، موقع حركة المقاطعة، 25/4/2018. cutt.us/MI1mH