لانه مدعوم قبائلياً.. رهان روسي على سيف الاسلام القذافي

موسكو - العرب

عندما تحدثت التقارير في وقت سابق عن تنسيق بين المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي، وسيف الإسلام القذافي، رد حفتر واصفا القذافي الابن بأنه “الآن ورقة محروقة”، ولا يمكنه العودة إلى المشهد السياسي، لكن الخبراء في الشأن الليبي يؤكدون أن “القبائل لا تحرق أبناءها”، والقوى الدولية “لا تحرق أوراقها” أيضا، وسيف الإسلام إحدى أبرز تلك الأوراق، وقد سارعت إليه روسيا مؤخرا للرهان عليه وضمته إلى صفها في ظل غياب أميركي وتخبط أوروبي بشأن ليبيا.

وفي ظل الغياب شبه الكامل للولايات المتحدة، ترى موسكو أن أمامها فرصة لكي تصبح الوسيط المحوري بشأن السلطة في ليبيا التي تسير على غير هدى، بعدما مزقتها الصراعات منذ الإطاحة بالرئيس معمر القذافي، ثم قتله في العام 2011. وربما تتلقى تحركات روسيا في ليبيا دفعة قوية بعد إعلان الولايات المتحدة اعتزامها سحب كامل قواتها من سوريا.

ومازالت موسكو تُلقي بثقلها وراء المشير خليفة حفتر، الذي يسيطر على أغلب مناطق إنتاج النفط في شرق البلاد، وزار موسكو وأجرى محادثات مع كبار مسؤوليها. وبالتوازي مع ذلك، تتحرك روسيا في هدوء لإقامة علاقات مع جميع الفصائل المتصارعة في البلاد بحسب ما أوردته وكالة أنباء “بلومبرغ” الأميركية عن دبلوماسيين أوروبيين اثنين مطلعين على الاستراتيجية الروسية.

ويجعل هذا الوضع روسيا في موقف يتيح لها الاستفادة من التطورات التي تحدث في ليبيا على نحو أكبر من غيرها من القوى الخارجية التي تدعم طرفا واحدا أو آخر في الصراع الليبي.

ويُجري المندوبون الروس اتصالات مع القذافي الابن عبر تقنية الفيديو ومن موقع غير معروف يقيم فيه سيف الإسلام. ويقول الباحث السياسي الليبي محمد الجارح، إنه في حين تواجه صعوبات كبيرة مساعي سيف الإسلام القذافي للعودة إلى السلطة، فإن أفضل سيناريو بالنسبة للروس هو “عودة شخص من نظام الحكم القديم لأن الطرفين يعرفان بعضهما البعض جيدا، وكانت بينهما عقود من التعاملات خلال حكم القذافي”.

ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، قوله إنه ينبغي أن يلعب سيف الإسلام القذافي دورا في المشهد السياسي الليبي.

وذكرت الوكالة أن مندوبا عن سيف الإسلام سلّم رسالة منه إلى موسكو هذا الشهر حدد فيها أفكارا لمستقبل سياسي لليبيا وقالت إن سيف الإسلام على تواصل مستمر مع روسيا.

ونقلت وكالة بلومبرغ عن أحد المصادر أن أحد ممثلي سيف الإسلام التقى بوغانوف أوائل ديسمبر / كانون الاول الجاري، حيث سلمه رسالة من سيف الإسلام تحمل رؤيته السياسية لليبيا، ويطلب فيها دعما سياسيا من موسكو. وقال المصدر، الذي لم يتم الكشف عن هويته، إن القذافي الابن طلب أيضا دعما ماليا من روسيا، والوساطة مع الفصائل الأخرى في ليبيا لحشد الدعم له حال خوضه انتخابات الرئاسة التي تسعى الأمم المتحدة إلى إجرائها العام المقبل.

وكان البعض ينظر إلى سيف الإسلام، الذي احتجز بعد ذلك قبل الإفراج عنه في وقت لاحق، على أنه خلف إصلاحي محتمل لوالده في السنوات التي سبقت 2011 كما أنه لا يزال شخصية مهمة بين أنصار القذافي. ويرى مراقبون أن سيف الإسلام مازال لديه دور ليلعبه، خاصة على مستوى الدعم القبلي.

وقال بوغدانوف ” نعتقد أنه لا ينبغي عزل أحد أو إقصائه عن أداء دور سياسي بناء”. وأضاف “لهذا السبب نتواصل مع كل الجماعات المتمركزة في غرب وشرق وجنوب البلاد.. يتمتع سيف الإسلام بدعم قبائل محددة في مناطق محددة من ليبيا وكل هذا ينبغي أن يكون جزءا من العملية السياسية الشاملة بمشاركة القوى السياسية الأخرى”.

دعم إيطالي للإطاحة بحفتر

الدعم الخارجي لنجل القذافي لم يأت من روسيا فقط، فإيطاليا أيضا لم تخف دعمها له، حيث أعلنت روما أمس أنها لا تعارض مبدئيًا عودة محتملة لسيف الإسلام، للعمل السياسي وقيادة ليبيا في إطار المصالحة والعملية السياسية التي تدعمها إيطاليا بقوة، وذلك بعد يوم واحد على إنهاء رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي، زيارة مفاجئة إلى ليبيا.

ونقلت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) عن وكيل رئاسة الوزراء الإيطالية جان جورجيتي، قوله إن بلاده ليس بوسعها القول بعدم أحقية سيف الإسلام القذافي فيما وصفه بسعيه المحتمل لقيادة بلاده، أو أن تعترض عليه إذا كان يحظى بتأييد شعبي، مشددًا على أن “تلك هي الديمقراطية”.

ترى روما في نجل القذافي منافسًا حقيقيًا للعقيد المتقاعد خليفة حفتر الذي تكن له العداء، لذلك فهي تدعم سيف الإسلام حتى لا تخسر مكانتها في البلاد، فهي تسعى لضمان مصالح اقتصادية وإستراتيجية في ليبيا الغنية بالمواد الطبيعية ومكانها الجغرافي الإستراتيجي المطل على البحر المتوسط.

وتأمل إيطاليا في تثبيت مكانتها في هذا البلد العربي، حيث ما فتئ المسؤولون الإيطاليون يؤكدون أحقيتهم بمستعمرتهم السابقة، وضرورة عدم مزاحمتهم عليها، فليبيا بالنسبة إليهم مجال حيوي خاص وأرض خصبة لا يجب أن يكثر حولها الطامعون.

وتسعى إيطاليا لاستغلال الأزمة الليبية لإعادة تموضعها الجيوسياسي وتعزيز علاقاتها مع الجوار المتوسطي، فهي ترى أن الحل الرئيسي للأزمة الأمنية والاقتصادية الإيطالية يكمن في التوجه نحو الضفة الجنوبية للمتوسط.

خيار فرنسي كذلك

فرنسا من جهتها تدعم عودة سيف الإسلام القذافي، ولكن بدرجة أقل من روسيا وإيطاليا، وتأمل باريس في الحصول على النصيب الأكبر من السوق الليبية وتأمين أسواق مستقبلية لإصلاح اقتصادها المتردي، في ظل المنافسة مع العديد من القوى الإقليمية في ليبيا خاصة بمجال النفط، فليبيا تحتوي على ثروات هائلة من النفط وتقدر احتياطاتها بنحو 46.6 مليار برميل، وهي الأكبر في إفريقيا.

وتمتلك فرنسا حضورًا مهمًا في الجنوب الليبي، حيث تتركز القبائل الليبية التي لا تزال تحتفظ بالولاء والتأييد للنظام السابق، وهي محتاجة لنفوذ سيف الإسلام هناك حتى تتمكن من إحكام السيطرة على الوضع هناك.

ويحتوي الجنوب الليبي، بحسب دراسات المسح الجيولوجي الحديثة التي قامت بها شركات نفط أوروبية وأمريكية، على احتياطي هائل من النفط والغاز، ويوجد به حقل الشرارة للغاز والنفط فضلاً عن خزانات المياه الجوفية العميقة التي توفر المياه للنهر الصناعي العظيم، أحد إنجازات نظام القذافي القليلة.

وتستند فرنسا في محاولة بسط نفوذها على المنطقة إلى إرث تاريخي استعماري، حيث كان إقليم فزان لفترة طويلة قابعًا تحت السيطرة الفرنسية، وتستعمل فرنسا فزاعة الجماعات المتشددة كذريعة للسيطرة على جنوبي ليبيا، وتراهن السلطات الفرنسية التي تمتلك قواعد عسكرية شمال النيجر قرب الحدود الجنوبية الليبية على هذه المنطقة كأحد مصادر الثروات الباطنية من نفط وغاز ومعادن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى