حراك الشارع السياسي الى اين ؟

شهد الاردن على مدار العام الماضي ومنتصف العام الحالي سلسلة من الحراكات الاحتجاجيه غلبت عليها المطالب السياسيه ومحاربة الفساد والفاسدين، والمطالب الحياتيه والخدميه الضرورية لحياة المواطن، وشكل الحراك منبرا عاما للخطابات ارتفع على صهوتها بعض الساسه المنضوين تحت احزاب سياسية عقائدية وشخصيات مستقلة .

و ظاهرة الحراكات والاحتجاجات في الاردن ليست سلوكا جديدا وان اختلفت غاياتها واهدافها، فالتاريخ الاردني يحدثنا ان السلوك الاحتجاجي ظاهرة اردنية بامتياز لازمت الانسان الاردني منذ فجر التاريخ، ومنذ ان شكل اول مجتمع قبلي محلي مستقر – الاستقرار شبه الدائم حول- الكلأ والمراعي والمياه، فيما شكل  رئيس القبيله السلطه السياسيه التنفيذية والتشريعية والقضائية ، واصبح مصدرا للسلطات والجاه، وتشابكت العلاقات والمصالح الاجتماعية فظهرالسلوك الاحتجاجي كرد فعل طبيعي على سوء التصرف لشيخ القبيله في ادارة شؤون العشيرة، وتطور هذا السلوك الايجابي في الاحتجاج من خلال النضال ضد ممارسات الاستعمار التركي والعثماني وسياسات التتريك التي مورست ضد ابناء الامة العربيه، وبرزت ظاهرة للعيان من خلال الحركات الاحتجاجية في البلقاء والكرك وعجلون.

وقد استمر هذا السلوك الاحتجاجي ضد الاستعمار البريطاني وممارساته الضالمه تجاه احرار الاردن وزجهم في غياهب السجون والمعتقلات الصحراوية،  جريمتهم في ذلك مناهضتهم للوجود الاستعماري في الوطن والدفاع عن حريتهم وحرية قرارهم وابنائهم في الحرية والاستقلال والحياة الكريمة .

واستمر السلوك الاحتجاجي حتى اليوم واتخذ اشكالا متعددة منها ماهو احتجاج مطلبي ضد سياسات الفقروالتجويع وزيادة الاسعار وتدني الاجور، ومنها ماهو سياسي ضد الممارسات السياسيه الخاطئة تجاه القضايا العربية الراهنة او ضد السياسات الصهيونيه تجاه الشعب العربي الفلسطيني في فلسطين، وقد واجهت الحكومات المتعاقبة هذا السلوك الحراكي والاحتجاحي عبر قنوات تارة قمعية او تفاوضية او حملات اعلامية او نوايا عن مشاريع تنمويه وغلب عليها ما يسمى “بالامن الناعم غير الخشن ” الا في بعض الاماكن كما حدث في دوار الداخلية وساحة النخيل وسلحوب والمفرق حيث كان التعامل خلافا لذلك.

ومع هذا بقي الحراك مستمرا في المطالبة بالاصلاح السياسي والاقتصادي ومحاربة الفساد وضرورة محاكمة الفاسدين وتقديمهم الى المحاكمة العادلة واعادة الاموال العامة لخزينة الدوله، ومع كل هذا الزخم الحراكي شبه الاسبوعي الا انه يسجل للحراك باعتزاز سلمية النهج وعدم العنف، كما يسجل عليه مثلب انه حراك اخفق في كسر العفويه والانتقال به كحركه اجتماعية منظمة ذات بعد استراتيجي واضحة القيادة والاهداف والبرامج والاساليب والمراحل الزمنيه المأمول استكمالها، والخروج من واقع القول الى العمل الملموس في صيغة  برامج تنموية وحقوقية تنعكس على واقع المواطن الحياتي والمعيشي، كما يؤخذ  على هذا الحراك ازمته البنيوية وصراعه السياسي الخفي وازمته الاجتماعية.

لقد شكلت سلمية الحراك في الاردن  بعدا حضاريا و منجزا  ايجابيا للتراكمات النضالية الوطنية للشعب الاردني وعاملا ايجابيا يبنى عليه سلمية الانتقال من نهج سياسي الى نهج سياسي اخر اكثر تقدما وتحضرا وتكريسا للانتقال الى الديمقراطيه السلمية في التغيير نحو معارج التقدم التي فيها تجذير مفاهيم دولة القانون وسيادته وحقوق المواطنة وواجباتها.

ويبقى السؤال المشروع المطروح من قبل المواطن : ما الذي يعيق تجذر الحراك الاجتماعي وتنظيمه ليصبح اكثر تاثيرا وانضباطا وانجازا وليس كفعل سوسيوسياسي متعدد الابعاد قليل التاثير و الضبابية في الغاية والجدوى والمحتوى ؟

سؤال بحاجة الى اجابة شافية تقنع الجميع بأهمية الحراك السلمي و مخرجاته على المدى المنظور، وصدق الشاعر حين قال :

لا تبتغوا بالمنى فوزا لانفسكم     لا يصدق الفوز مالم يصدق الطلب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى