الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ذكراه الـ 69

في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول من كل عام يحتفل العالم أو يتذكر بشكل أدق  الإعلان العالمي لحقوق الإنسان  ، تلك الوثيقة التاريخية المكونة من 31 بندا والتي أجمعت عليها البشرية  لتكون إعلاناً عالمياً لحق الإنسان في الحياة  بعد حربين عالميتين ذهب ضحيتهما ملايين البشر من القتلى والمشردين .

والحقيقة انهما ليستا حربين ولكن حرب واحدة، حيث كانت الحرب العالمية الثانية هي إفراز طبيعي لنتائج الحرب العالمية الأولى والنهاية المأساوية التي انتهت بها ، والشروط المذلة التي فرضت على دولتي المحور ألمانيا وايطاليا بشكل خاص، وهما من أعرق الدول الأوروبية تاريخاً وحضارة، حيث جرى إذلالهما من خلال مؤتمر فرساي ، الأمر الذي كان سببا لإفراز النزعات القومية الشوفونية المتشددة لدى الشعبين الألماني والايطالي، ودفعت البشرية ثمن ذلك فادحا  ، يكفي أن نذكر أن دولة عظمى وهي الاتحاد السوفيتي خسرت أكثر من عشرون مليون إنسان ناهيك عن ثلث ثروة البلاد جرى تدميرها ، وكان ذلك من الأسباب التي أدت لانهيار الاتحاد السوفيتي  .

ويجري القفز عن كل الضحايا سواء من دول المحور أو الحلفاء  ويتم التركيز على مزاعم ما قيل عن إبادة ستة ملايين يهودي ، وهذا الأذى ليس عليه أي دليل إلا  مزاعم الإعلام الصهيوني المتنفذ  ، والأكثر مأساة أننا كعرب دفعنا ثمن جرائم ليس لنا علاقة بها، سواء كانت صحيحة كما يزعم الصهاينة وذيولهم أو غير صحيحة وهذا هو الراجح وما أكدته الكثير من الدراسات والأبحاث التي دفع أصحابها الثمن غاليا وهم بالعشرات على امتداد ساحات الكون لمجرد تشكيكهم برقم الستة ملايين الضحايا المزعومين من اليهود ، وكأن ذلك الرقم منزل، والمأساة أن التهمة جاهزة لدى الصهيونية العالمية لكل من يخالفها حول معاداة  السامية .

إعلان حقوق الإنسان  نتذكره اليوم ليس لأجل الوقوف على إطلال الأمس، فهو من البداية إلى النهاية مشكوك به رغم أن بنوده الــ31 لا يختلف عليها أحد، ولكن قوى الشر وإمبراطوريته أمريكا أرادت من ذلك الإعلان تثبيت الكيان الصهيوني المصطنع من خلال حق الشعوب والتركيز على مزاعم الإبادة التي تعرض لها اليهود ولكسب عطف العالم بعد اعتراف الأمم المتحدة للأسف نتيجة ضعفنا بحق الصهاينة في فلسطين من خلال قرار التقسيم الظالم،  ورغم ظلمه وإجحافه نفذ الجزء المطلوب منه وهو وقيام كيان صهيوني تحت مزاعم حقوق الإنسان  وسيف الهولوكوست ، ولكن لم ينفذ الجزء الآخر من القرار ألأممي أي قيام  دولة عربية فلسطينية .

تسعة وستون عاما مرت  على ذلك الإعلان  لحقوق الإنسان ، ولو نظرنا لواقعنا اليوم وسألنا  ، أين هي حقوق الإنسان ؟ ، لقد ثبت بالدليل المادي أن الإنسان وحقوقه في أعراف الامبريالية العالمية  تقتصر على الإنسان الصهيوني فقط وما دون ذلك ليس له حقوق، بل أن دمه وأرضه مهدورة  .

ملايين الضحايا سقطت في المعارك والحروب التي خاضتها أمريكا تحديدا بعد ذلك الإعلان وكان لوطننا العربي النصيب الأكبر منها ،  والمأساة ان الكثير منها تم باسم حقوق الإنسان  .

واليوم يكفي أن نشير إلى حلفاء أمريكا من الأنظمة الاستبدادية في وطننا العربي  لنعرف أين حقوق الإنسان في القاموس الأمريكي، ولعل قتل الإعلامي جمال خاشقجي الذي كان بوقا لنظام آل سعود وإرهابيا يقاتل في أفغانستان  وبعد ذلك مستشارا لأحد أمراء أل سعود  .

ولكن لمجرد أن كتب رأيه الذي خرج به عن القطيع جرى قتله بتلك الوحشية التي هزت الضمير الإنساني، ولكنها لم تهز البيت الأسود وقاطنه ترامب الذي خرج ليقول بكل وقاحة سياسية أن 450 مليار أهم من مليون خاشقجي ولن ادعها تذهب لروسيا أو للصين وهو يعلم أنه كاذب حيث أن نظام آل سعود أساس وجوده بريطانيا ثم أمريكا،  ولا  يستطيع البقاء أسبوعين من غير القواعد الأمريكية، كما قال  التاجر  الكذاب  نفسه  ولتذهب حقوق الإنسان للجحيم .

وهذا العالم المنافق الذي هزه قتل خاشقجي  وهي جريمة بشعة ومدانة وبكل الأعراف، ولكن ماذا عن الضحايا مئات الآلاف من الأطفال والشيوخ والنساء في اليمن وتدمير حضارته العريقة ؟

وماذا عن الآلاف الشهداء والمعتقلين في الجزيرة العربية ذاتها وعلى رأسهم الشهيد البطل  القطب الناصري ناصر بن سعيد ؟.

لقد كان جمال خاشقجي  محظوظا كونه احد كتاب جريدة واشنطن بوست، وهذا سبب اهتمام العالم به أما الباقيون خاصة  الشهداء والمعتقلين في الجزيرة العربية فلهم رب في السماء ، ورب ضارة تكون نافعة .

حادثة خاشقجي عرت أمريكا أمام ألأغبياء الذين لا يزالوا يراهنوا على أمريكا والحلم الأمريكي ، ولن يستطيع أحد في أمريكا بعد اليوم أن يحدثنا عن القيم والثقافة وحتى الدستور الأمريكي وكله يباع ويشترى بالدولار .

لذلك إعلان حقوق الإنسان هذا العام له مذاق ولون خاص ، فقد أصبحت الحقائق أوضح من شمس آب، وان ذلك الإعلان على أهميته التاريخية بات مجرد كلمة حق يراد بها باطل، كما قال الإمام علي بن أبي طالب .

العالم اليوم يقف أمام مسؤولياته.. إما أن يختار طريق الحرية والكرامة الإنسانية  وثمنها باهظ وليس معبداً بالورد، أو أن يختار حياة الذل والهوان والضحك على الذقون كما نحن اليوم، ذلك لان السامية لا تقبل أنصاف الحلول  .

ولا عزاء للصامتين .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى