أستانة 11 تأكيد على خيار الدولة الوطنية السورية

كتب توفيق المديني

اختتمت أعمال الجولة الحادية عشرة من اجتماع أستانة في العاصمة الكازاخية أستانة صباح الخميس 29تشرين الثاني/نوفمبر 2018، والتي تمحورت حول بحث تسوية الأزمة في سورية، حيث شارك فيها وفد الجمهورية العربية السورية برئاسة الدكتور بشار الجعفري ووفود أخر، منها وفد الأمم المتحدة برئاسة المبعوث الأممي الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا بصفة مراقب.‏

البيان الختامي

بعد انتهاء أعمال الجولة الحادية عشرة لاجتماع أستانة  تلا وزير خارجية كازاخستان خيرات عبد الرحمانوف، البيان الختامي، والذي جاء فيه: “إن الدول الضامنة “روسيا وإيران وتركيا” تؤكّد مجدداً التزامها بسيادة واستقلال ووحدة الأراضي السورية، وضرورة مواصلة الجهود للقضاء على تنظيمي “داعش وجبهة النصرة “الإرهابيين والجماعات المرتبطة بهما”، وأكد البيان رفض جميع المحاولات لإنشاء حقائق جديدة على الأرض في سورية بذريعة محاربة الإرهاب فيها، ورفض الأجندات الانفصالية التي تهدف إلى تقويض سيادة ووحدة الأراضي السورية، مشدداً على أنه من غير الممكن التوصل إلى حل للأزمة في سورية إلا عبر عملية تسوية سياسية يقودها السوريون بالتماشي مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.

وشدّد البيان على ضرورة التطبيق الكامل للتفاهم بخصوص إدلب والمنطقة منزوعة السلاح، مع التأكيد على أنه لا يمكن أن تكون منطقة “خفض التصعيد” في إدلب تحت أي ظرف تقويضاً لسيادة واستقلال ووحدة الأراضي السورية، معرباً في هذا السياق عن القلق حيال الانتهاكات المستمرة لنظام وقف الأعمال القتالية هناك، كما أدان أي استخدام للسلاح الكيميائي في سورية، وطالب بالتحقيق في أي تقارير بهذا الشأن بشكل شفاف ومهني، وبالانسجام مع اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.

وجدّد البيان التزام الدول الضامنة بتكثيف الجهود لتشكيل لجنة مناقشة الدستور في أقرب وقت ممكن، وأن تتمتع بدعم الأطراف السوريين، بالتوافق مع قرارات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، وأشار إلى أهمية مواصلة الجهود الهادفة إلى مساعدة السوريين على استعادة حياتهم الطبيعية، وإنهاء المعاناة، ودعوة المجتمع الدولي، وخاصة الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، إلى زيادة المساعدات إلى سورية، وتأمين عودة المهجرين، وتكثيف الجهود حول حل مسألة المخطوفين والمفقودين. وقرّرت الدول الضامنة وفق البيان عقد الاجتماع المقبل في بداية شهر شباط من العام القادم في أستانة.

مواقف الأطراف المختلفة

أولاً: سورية

أكد رئيس وفد الجمهورية العربية السورية إلى اجتماعات أستانة، الدكتور بشار الجعفري، خلال مؤتمر صحفي في ختام الجولة الحادية عشرة، أن صيغة البيان الختامي الذي صدر في ختام الاجتماع متوازنة، وتعكس تعقيدات المشهد السياسي، موضحاً أنه جرت خلال اليومين الماضيين مناقشة الكثير من النقاط المهمة، وكان التركيز منصبّاً بشكل رئيسي بالنسبة لنا ولوفود أخرى، وخاصة الضامنين الروسي والإيراني والجانب الكازاخي أيضاً، على مسألة تدهور الأوضاع في إدلب، وعدم احترام الجانب التركي لالتزاماته بموجب اتفاق سوتشي الموقّع في السابع عشر من أيلول/سبتمبر2018.

وأضاف: إنّ عدم احترام النظام التركي لالتزاماته انعكس بشكل سلبي على المدنيين السوريين الأبرياء، حيث خرقت المجموعات الإرهابية الموجودة في إدلب اتفاق منطقة تخفيف التوتر خلال الشهرين الماضيين 333 مرة عبر استهدافها المدنيين في محافظات حلب واللاذقية وحماة، لافتاً إلى أنه بعد اجتماع أستانا الرابع قبل عام، تمّ الاتفاق على إنشاء منطقة تخفيف التصعيد في إدلب، وكان الاتفاق ينصّ على أن الجانب التركي هو الضامن للمجموعات الإرهابية في إدلب، لكن ذلك لم يحدث.

وبيّن الجعفري أنه يضاف إلى ذلك واقع آخر يعكس حالة فقدان الثقة والاطمئنان بعدم التزام النظام التركي حيال تطبيق تفاهمات أستانة المتعلقة بمنطقة خفض التوتر في إدلب، حيث إن اتفاق سوتشي ينصّ على أن تضمن السلطات التركية انسحاب المجموعات الإرهابية من حزام يمتد بعمق 15 إلى 20 كم باتجاه الغرب، وهذا الأمر لم يحصل على الرغم من أنه مضى على اتفاق سوتشي شهران ونصف الشهر، وهذا هو السبب الذي مكّن المجموعات الإرهابية من قصف مدينة حلب أكثر من مرة، ما أدى إلى استشهاد وإصابة عدد كبير من المدنيين، وآخر جرائم هذه التنظيمات الإرهابية استهدافها عدداً من الأحياء السكنية في حلب بقذائف تحوي مواد كيميائية، الأمر الذي يشير إلى أن هناك قراراً بالتصعيد الإرهابي من قبل رعاة التنظيمات الإرهابية المنتشرة في إدلب، ولا سيما “جبهة النصرة” و”داعش” وكل المجموعات الأخرى المرتبطة بهما والمدرجة على قائمة مجلس الأمن للكيانات الإرهابية.

وأضاف الجعفري: إنّ القوات التركية التي دخلت الأراضي السورية بشكل غير شرعي، والمنتشرة حالياً في عدة مدن وبلدات في شمال غرب سورية، تقوم بتغيير معالم المناطق التي تنتشر فيها من خلال محاولة إضفاء الهوية التركية على المناطق التي تحتلها، حيث قامت بتغيير اسم بلدة سورية من “قسطل مقداد” إلى “سلجوق أوباصي”، علاوة على ذلك تمّ فرض التعامل بالليرة التركية في المناطق التي تحتلها القوات التركية بدلاً من الليرة السورية، وتمّ رفع العلم التركي بدلاً من علم سورية، كما تمّ تغيير مناهج التعليم الدراسية في المدارس أيضاً، حيث لم تعد هناك مناهج دراسية سورية من إعداد الحكومة السورية، إنما مناهج دراسية تعدّها السلطات التركية، وهذا عدوان واحتلال واضح، وتساءل: هل يمكن وصف التنظيمات الإرهابية التي يرعاها ويدعمها ويحميها النظام التركي في إدلب، والمقصود بذلك الإرهابيون المرتزقة الأجانب، بـ”المعارضة” السورية، وهل “الحزب الإسلامي التركستاني” معارضة سورية معتدلة أو غير معتدلة، وماذا عن تنظيم “حراس الدين”، الذي أعلن ولاءه للظواهري في أفغانستان، أي لتنظيم القاعدة الإرهابي؟!. فهؤلاء كلهم إرهابيون أجانب موجودون في إدلب بحماية السلطات التركية.

وشدّد الجعفري على وجوب انسحاب كل القوات الأجنبية الموجودة في سورية بشكل غير شرعي، وهي القوات الأمريكية المنتشرة في منطقة التنف ومخيم الركبان وفي مناطق أخرى شمال شرق سورية، والقوات التركية التي تنتشر في مناطق عدة، والقوات البريطانية والفرنسية الموجودة بشكل أقل، وهذا الكلام يجب أن يكون جزءاً من الخطاب السياسي الدولي، بدءاً من الأمم المتحدة، وانتهاء بالدول الأخرى التي تهتم فعلاً بتطبيق قرارات مجلس الأمن الخاصة بإنهاء الأزمة في سورية، والتي تنصّ على الحفاظ على سيادة سورية ووحدتها واستقلالها، وهو ما أكده المجلس في ثلاثين قراراً، وافقت عليها الولايات المتحدة، ورغم ذلك تحتل أجزاء من سورية، وكذلك وافقت بريطانيا وفرنسا على هذه القرارات، لكنها تنشر قوات لها في سورية، الأمر الذي يؤكد أن هناك خللاً فاضحاً في تصرفات هذه الدول وفي توجّهاتها السياسية تجاه سورية.

ثانياً: ممثل روسيا

وفي السياق نفسه، أكد مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية، ورئيس الوفد الروسي إلى اجتماعات أستانة، الكسندر لافرنتييف، أنه “يوجد في محافظة إدلب نحو 15 ألف إرهابي من تنظيم جبهة النصرة، وهذا أمر غير مقبول”، حيث حذّرنا المجتمع الدولي مراراً من هذا العدد الكبير من الإرهابيين، الذين يمتلكون مواد كيميائية يمكن أن يستخدموها ضد المدنيين، وهذا ما حصل في مدينة حلب مؤخّراً، ونستغرب تجاهل الدول الغربية هذا الاعتداء، ولفت إلى استعداد روسيا لتقديم كل مساعدة ممكنة لإعادة الاستقرار إلى محافظة إدلب، بما في ذلك تقديم الدعم اللازم للجيش السوري، مؤكداً أن مكافحة الإرهاب في سورية ستستمر حتى القضاء على التنظيمات الإرهابية بشكل كامل.

وأعرب لافرنتييف عن قلق موسكو من وجود القوات الأمريكية غير الشرعي في سورية، وجدّد مطالبة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بإرسال خبرائها إلى مدينة حلب التي استهدفتها التنظيمات الإرهابية بقذائف تحوي مواد كيميائية من أجل الكشف عن التفاصيل المتعلقة بهذه الحادثة، وأشار إلى أن الحكومة السورية هيّأت الظروف المناسبة لعودة المهجرين إلى بلدهم، وعاد الآلاف منهم مؤخراً، وهناك ازدياد في عدد المهجرين الراغبين بالعودة، الأمر الذي يتطلّب من المجتمع الدولي المساعدة في هذه العملية، مطالباً في الوقت ذاته الدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة، بعدم تسييس قضايا عودة المهجرين، وإعادة الإعمار في سورية، وإدخال المساعدات الإنسانية إليها.

وحول نتائج الجولة الحالية لاجتماعات أستانا قال لافرنتييف: “إنّ موسكو تعتبر نتائجها إيجابية بشكل عام، حيث ناقشت مجموعة كبيرة من المسائل، ابتداءً من الوضع على الأرض، وحول إدلب وفي المناطق السورية الأخرى، والوضع العام فيما يخص الاستقرار، إضافة إلى تشكيل لجنة مناقشة الدستور، وهي مسألة ذات أهمية كبيرة، حيث لا يزال العمل على ذلك مستمراً، ونقترب من تحقيق الهدف ليكون من الممكن الحديث حول تشكيل اللجنة التي تضم 150 شخصا”.

ثالثاً: المعارضة السورية

تعمل المعارضة السورية دائمًا على التقليل من نتائج هذه الجولة الحادية عشر ة من اجتماع أستانة، إذ قال عضو في وفد المعارضة إلى أستانة رئيس تيار بناء الدولة السورية لؤي حسين لصحيفة الحياة بتاريخ 29 نوفمبر 2018: أنّ “الأولوية بالنسبة للروس هي التمهل في البت في عدد من القضايا المتعلقة بتسوية الأزمة السورية إلى حين صدور موقف أميركي واضح، فالولايات المتحدة عادت بقوة إلى الملف السوري عبر مبعوثين خاصين اثنين، ولكن من دون أن يعرضا برنامجهما ومقترحاتهما”. وقلل حسين من امكانية تشكيل اللجنة الدستورية حتى نهاية العام الحالي، وزاد: “من المنطقي ألا يتم تشكيلها في عهد المبعوث الحالي ستيفان دي مستورا احتراماً لخلفه لأنّه إنْ تم التشكيل الآن من دون فعل أي شيء فسيأتي المبعوث غير بيدرسون، ومن الأجدى أن تكون في عهد المبعوث الجديد”، وخلص إلى أن عقد الجولة الحالية “يعد حراكاً بهدف ملء فراغ زمني تشهد فيه كل الملفات حال ركود.. فقضايا إدلب، واللجنة الدستورية، وعودة اللاجئين، وإعادة الاعمار كلها قضايا لم يحسم أمرها وتمر بفترة ركود”.

وكشفت مصادر روسية أن الخلاف حول اللجنة الدستورية بات محصوراً في تسمية ثمانية أعضاء بعد الاتفاق على إدراج 142 شخصاً في قائمة اللجنة الدستورية السورية من أصل 150. لكن مصادر معارضة أكدت لصحيفة “الحياة” أن “لا نتائج جديدة والخلاف حول الشخصيات الثمانية قديم ومنذ أشهر”. وقال دي ميستورا في بيان إن روسيا وتركيا وإيران أخفقت في تحقيق أي تقدم ملموس في تشكيل لجنة دستورية سورية أثناء اجتماع في أستانة عاصمة كازاخستان، وذكر البيان أن “دي ميستورا يتأسف بشدة لعدم تحقيق تقدم ملموس للتغلب على الجمود المستمر منذ 10 أشهر في تشكيل اللجنة الدستورية”. ومع إشارته إلى أنه آخر اجتماع في العام الحالي ضمن جولات أستانة ما يعني أنه الأخير لدي مستورا، أعرب البيان عن أسفه من أن الجولة المنتهية “كانت فرصة ضائعة للإسراع في تشكيل لجنة دستورية ذات صدقية ومتوازنة وشاملة يشكلها سوريون ويقودها سوريون وترعاها الأمم المتحدة”.

الخاتمة

لقد جاءت مخرجات أستانة بنسختها الحادية عشرة على وقع الانتصارات التي يحققها الجيش العربي السوري على كامل الجغرافية السورية لتدعو الى إتمام تلك الانجازات عبر بذل جميع الجهود لعودة المهجرين السوريين إلى وطنهم والحل السياسي لتسوية الأزمة المفتعلة، وإقرار دستور جديد من قبل الأطراف الوطنية السورية (سلطة ومعارضة)، وداخل سورية، باعتباره مسألة وطنية سيادية، لا يجوز للأجنبي أن يكون طرفًا فيه.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى