الأردن : مجتمع الصدق والأمانة أم مجتمع الكذب والنفاق

من المتعارف عليه أن كافة المجتمعات تفرز طبقة من داخلها تشكل في مجموعها القيادة الإجتماعية لذلك المجتمع تحت مسميات مختلفة مثل ” الطبقة الراقية ” أو ” المجتمع المخملي ” في المجتمعات الحديثة ، أو ” مجلس العشيرة ” في المجتمعات التقليدية .. إلخ .

مجتمع عمان المخملي كان قديماً مجتمعاً مبنياً على الانجاز الحقيقي والأمانة والاستقامة والنجاح في العمل وفي خدمة المجتمع وبناء الدولة . والأهم أن المجتمع كان يعترف بذلك ، وكان الأردنيون ينظرون إلى أولئك باعتبارهم القدوة وباعتبارهم قادة المجتمع . كان الإنجاز والنجاح والأمانة في العمل وقدسية المال العام هي المؤشر المعتمد من قِبَلْ الجميع سواء أكانوا ساسة ، أم رجال أعمال أم موظفي دولة . وكان الاختلاف مثلاً في الموقف السياسي مع بعض السياسيين أمراً طبيعياً ، ولكن جميع السياسيين والمسؤولين على إختلافهم كانوا يشتركون في نظافة اليد وفي احترامهم للمال العام بغض النظر عن مواقفهم ومواقعهم السياسية . هكذا كان الأردن والمجتمع الأردني . ولكن ماذا حصل وأدى إلى تغيير المجتمع وقيادته ؟

يترنح المجتمع الأردني حالياً تحت وطئة الفاسدين من أبنائه . إذ أن ما يسمى الآن في الأردن ” بالطبقة الراقية ” أو ” بالمجتمع المخملي ” لا علاقة له حقيقة بالرقي بل هو في معظمه عبارة عن مجموعة من الأغنياء في مجتمع اصبح عبداً للثروة بغض النظر عن مصدرها ، والأثرياء بغض النظر عن أصولهم، ومظاهر الثروة بغض النظر عن الحاجة   إليها .

المجتمع المخملي الأردني هو كأي مجتمع آخر مرآة تعكس نفسها بغض النظر عن ضبابية ذلك الانعكاس . الجميع في النهاية هم مرآة تعكس صورة من ينظر إليها دون أي إمكانية لتجميلها أو تغييرها ، وهنا تكمن المشكلة .

البئر ينضح بما فيه ، وكذلك المجتمع . وإذا ما كان معظم الاثرياء يملكون أموالاً ذات أصول غامضة أو مشكوك بها ، فإنهم يميلون في الغالب إلى الاعتراف بمن هم على شاكلتهم والقبول بل والترحيب بهم باعتبار جميع ثرواتهم تعود في أصولها إلى نفس النهج ونفس الطريقة . وهم بالتالي أكثر سعادة عندما يزداد عدد من هم على شاكلتهم لأن ذلك يُشعرهم بأمان أكثر وبأن الأصول الفاسدة للثروة هي الأمر الطبيعي السائد والعكس هو الاستثناء .

وهكذا انتقل المجتمع المخملي الأردني تدريجياً من كونه مرآةً تعكس منظومة القيم والمُثُلْ السائدة  للمجتمع المدني الأردني ، إلى كونه مرآة تعكس فساد القَيمْ ، والغنى المفاجئ المشكوك بأصوله ، وغياب ما يسمى تقليدياً بِقَيْم العائلات المحترمة ، وتَحَوُّلِها إلى قيم جوفاء لأولئك الأغنياء الفاسدين . وأصبح الغنى المرتبط بالفساد مقبولاً كوسيلة لصعود السُلَّم الاجتماعي وربما السياسي دون أن يعكس ذلك الصعود بالضرورة منظومة القيم الأصيلة للمجتمع المدني الأردني . وأصبح لزاماً على الأردنيين ابتلاع مرارة رؤية بعض أولئك اللصوص يتصدَّرون الحياة الإجتماعية والسياسية في الأردن بحكم امتلاكهم للثروة المنهوبة ولا شيء آخر .

وهكذا عندما يطفو إسم جديد إلى السطح باعتباره غنياً حتى لو جاءت ثروته بطريقة غامضة ، فإن هذا الشخص يصبح نجماً إجتماعياً في العاصمة الأردنية يتسابق البعض على دعوته أو قبول دعوته وعلى إعطائه الصدارة في أي مجلس بإعتباره يملك أهم مقوم مطلوب بالنسبة لذلك المجتمع وهو الثروة بغض النظر عن أصولها وبروزها المفاجئ  والسريع على سطح الأحداث  .

ان هذا لا يعني أن الجميع هم كذلك وبنفس المستوى . فقيادة المجتمع الأردني ما زالت تحتوي على قِلَّة من الشرفاء الذين بنوا ثروتهم ونجاحاتهم بالجهد والعرق ، أو الذين ورثوا ثروات آبائهم وأجدادهم الذين بنوها بالجهد والعرق . نحن لسنا بصدد تحديد أصول ثروات الأردنيين بقدر ما نهدف إلى التنبيه من خطر تحَوّل القيادة الإجتماعية ومن ثم السياسية للمجتمع الأردني تدريجياً نحو محاباة الفاسدين والغنى المنبثق عن ذلك الفساد وبما يؤدي إلى تشجيع ذلك المسار وتدمير القِيَمْ السامية للشعب الأردني .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى