اقتراح بزيادة صلاحيات السلطة كبديل عن حل الدولتين

تُجمع القيادات الإسرائيلية سواء الأمنية أو السياسية، من الائتلاف الحاكم أو حتى من المعارضة، بأنّ الحلّ السياسي مع الفلسطينيين كما جاء وفق الاتفاقات الموقعة ما بين الطرفين في تسعينات القرن الماضي، من الصعب تطبيقها، لا بل ويجب عدم تطبيقها حتى وإن توفرت إمكانية لذلك، وفي ظل انسداد هذا الأفق، باتت تبحث “إسرائيل” بمكوناتها المختلفة، عن حلول ممكنة في ظل انتهاج سياسة إدارة الصراع وليس حسمه، بمعنى لتطويل عمر الوضع الحالي، لكن بإيجاد صيغة تجميلية أمام المجتمع المحلي والدولي.

حيال ذلك، كتب يارون شنايدر، مقترحاً أن يكون هناك حلاّ للدولتين، لكن دون العودة لمفاوضات سياسية بناء على ما كان من اتفاقات في تسعينات القرن الماضي، وأشار يارون أنّ ذلك يبدأ من نقطة أن تقوم “إسرائيل” بمنح السلطة وبشكل تدريجي صلاحيات في المناطق “ج”، والتي تُشكل 60% من الضفة الغربية وتخضع للسيطرة الإسرائيلية، إلى جانب منح السلطة وعن طريق مؤسسات المجتمع الدولي، القدرة على تطوير مؤسساتها بما يضمن استمرار احتمالية قيام دولتين جارتين، رغم أنّ ذلك قد يبدو صعباً.

ويُشير الكاتب أنّه في ظل حكم اليمين فإنّه من الصعب العودة لمسيرة المفاوضات، حيث من الصعب على اليمين الحاكم تقبل فكرة إيقاف البناء في المستوطنات كشرط مسبق لها، فيما السلطة الفلسطينية ترفض الاعتراف بشرط نتنياهو، الاعتراف بيهودية الدولة العبرية.

وأضاف يارون أنّ السلطة الفلسطينية والتي قد تبدو تُعارض خطوات أحادية الجانب من قبل “إسرائيل”، هي في حقيقة الأمر لن ترفض ذلك، وستعتبر أنّ ذلك إنجازات ستصب في صالها، فهي لن تعارض قبولها بعض السيادة على مناطق “ج”، وبالتأكيد لن ترفض تطوير مؤسساتها من أجل تحسين أدائها.

ويعتمد يارون على تفاؤله، فيما أشار اليه مخرجات الربيع العربي، ووجود التحدي الإيراني للدول العربية السنية، والتي ستكون أكثر تقبلّا لواقع سياسي جديد بين الفلسطينيين و”إسرائيل”، وربما ما لم يقله الكاتب، أنّه في سبيل تحقيق الأنظمة العربية لمصلحتها، ستكون أكثر ضغطاً على الفلسطينيين، ولن تكون منحازة أو حتى متوازنة في سياساتها تجاه القضية الفلسطينية، في ظل تحديات باتت تراها أهم، ولعلّ الواقع على الأرض، ومسيرة التطبيع المتسارعة تُشير إلى ذلك.

وتطرق الكاتب أيضاً للحلول التي ظهرت إلى الآن كبديل لحل الدولتين، ومن بينها دولة ثنائية القومية، هذا الحل الذي يروج في أوساط فكرية متنوعة، يلقى آذاناً صاغية لدى اليمين الإسرائيلي، لكن بشرط أن يكون ضم السكان الفلسطينيين ضمن ما يُعرف سيادة إسرائيلية، وحكم ذاتي للفلسطينيين، الأمر الذي يعني عدم حصولهم على مواطنة كاملة، وعزلهم في مناطق، تجعل تأثيرهم الديموغرافي غير مهم.

من بين الحلول الأخرى التي طُرحت، هي فكرة الكونفدرالية، حكومة مركزية واحدة، فيما يكون للإسرائيليين والفلسطينيين حكم مستقل لكل منهما يتبع لهذه الحكومة، ولكن هذا الاقتراح وفق الكاتب غير عملي، وغير قابل للتحقيق، وهو عملياً شبيه بحلّ الدولتين، لكنّه يحمل بين طيّاته مخاطر أكبر، وهناك من رأى أنّ الحل هو فرض القوانين الإسرائيلية، أو الأردنية على مناطق فلسطينية تكون أشبه بكانتونات، وهذا عملياً قريب من فكرة الضم الإسرائيلي للضفة الغربية.

من هنا يقترح الكاتب ما أسماه الحلّ العملي للتوصل إلى حلول للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ضمن خطة تبدأ بالخطوات التالية:

  • تقليص البناء الإسرائيلي في مناطق “ب” و”ج”، بحيث يكون البناء فقط ضمن مناطق ضمن التواصل الجغرافي الإسرائيلي.
  • خطوات أحادية لتوسيع صلاحيات السلطة الفلسطينية، من خلال نقل صلاحيات كانت الأصل أن تكون بيد السلطة وفق اتفاقات تسعينات القرن الماضي، وأيضاً من خلال بدء توسيع سيطرة السلطة على مناطق “ج”، بما يضمن الحفاظ على كل سكانها، بمعنى الفلسطينيين واليهود، وهنا يؤكد الكاتب أنّ غالبية الاستيطان في الضفة الغربية يجب أن يبقى على حاله، بمعنى أنّ هذه الخطة إن نجحت ستفرض على الفلسطينيين القبول بواقع جديد ضمن اتفاقات جديدة.
  • السماح للسلطة الفلسطينية بتوسيع بناء الفلسطينيين في المناطق المذكورة في البند الثاني، بما يلبي حاجات الفلسطينيين، لكنّ يُشير يارون أنّ تطبيق ذلك مستحيل في ظل رفض اليمين، حيث فشلت خطة السماح ببناء 14 ألف وحدة سكنية للفلسطينيين في قلقيلية.

يلخص الكاتب ما ذهب إليه، عندما أشار أنّ مثل هذه الخطة من الممكن أن تفتح المجال أمام فرص تسوية أخرى غير الحلّ النهائي، بمعنى أنّ الكاتب هو الآخر يسير في اتجاه اليمين الذي يريد أن يُدير الصراع لا أن يحسمه، إضافة إلى ذلك، من سيضمن تطبيق هذه المقترحات رغم ما تحتويه من قتل للقضية الفلسطينية.

ذهاب المراكز البحثية الفكرية في “إسرائيل”، والتي تُحسب في الغالب على تيارات الوسط، باتجاه طرح حلول كما أوردها يارون، يُشير إلى أنّ التيارات السياسية وكذلك الفكرية في “إسرائيل” باتت تتقارب في قضية استحالة تطبيق خطة السلام كما تم التوقيع عليها في العام 1993، الأمر الذي يفتح تساؤلات كبيرة أمامنا كفلسطينيين، هل بإمكاننا أخذ زمام المبادرة بضغط “إسرائيل” وإيقاف توجهها الذي سيهضم ما تبقى من حقوق فلسطينية؟.

* مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى