حزب جعجع يتقرب من حزب الله لتوسيع الشرخ بينه وبين الرئيس عون

بيروت - كتب حسين عاصي

 

أن يقول نائب من “القوات اللبنانية” هو ​أنيس نصار​، أنّ “أي شهيد يسقط ل​حزب الله​ دفاعاً عن أرض لبنان هو شهيد للقوات اللبنانية”، لا يمكن أن يكون تصريحاً عابراً، أو من دون خلفيّات، ولو حرص قائله على القول إنّه يعبّر عن “رأي شخصي”، وبالتالي فهو “غير ملزم” للقيادة “القواتية”.

وإذا كان نصّار ذهب بعيداً في “مغازلة” الحزب، ما تطلّب منه إصدار بيان توضيحي كرّر فيه موقفه ولو بصيغة “تلطيفية”، فإنّ تصريحه هذا لا ينفصل عن سلسلة تصريحات ومواقف صدرت سابقاً لقياديين من “القوات”، بينهم رئيس الحزب ​سمير جعجع​ نفسه، أظهرت مقاربة جديدة في التعاطي مع “حزب الله” تقوم على “الانفتاح” عليه على رغم الاختلاف.

مع ذلك، يطرح توقيت التصريح العديد من علامات الاستفهام، في عزّ الأزمة الحكوميّة التي يحمّل “القواتيون” وحلفاؤهم مسؤوليتها المباشرة لـ”حزب الله”، فهل ما حصل هو مجرّد “سوء تعبير”، أم أنّه يشكّل “رسالة انفتاح” جديدة على الحزب؟ وهل صحيح أنّ “القوات” تحاول اليوم التقرب من الحزب، مستفيدة من “التباين” الذي ظهر أخيراً، بينه وبين “التيار الوطني الحر”؟!.

انفتاح مستمرّ

لا شكّ أنّ النائب نصار “بالغ” في “الانفتاح” على “حزب الله”، إلى حدّ تصنيف شهداء الأخير، شهداء لـ”القوات اللبنانية”، على رغم أنّ الاختلاف بين الفريقين في مقاربة الملفات الوطنية والاستراتيجية شاسعٌ حدّ التناقض، ما يجعل مثل هذا الطرح “نافراً” من حيث المبدأ، شكلاً ومضموناً، سواء بالنسبة إلى القاعدة “القواتية”، أو حتى قاعدة “حزب الله”.

وحتى لو قلّل نصار من “الإحراج” الذي تسبّب به موقفه، عبر اعتبار كلّ من يسقط في سبيل لبنان “شهيداً”، فإنّ هذه المسألة بحدّ ذاتها لا تبدو “مطلقة” أيضاً، خصوصاً أنّ الاختلاف بين الحزبين يشمل النظرة إلى “مصلحة لبنان”، تماماً كما يشمل “الاستراتيجية الدفاعية” حتى في مواجهة إسرائيل، علماً أنّ جعجع سبق أن قدّم أطروحات في مقابل استراتيجية الحزب على هذا الصعيد، هذا إذا فُهِم من كلام النائب “القواتي” أنه يستثني من يسقط من الحزب في إطار الحرب السورية، سواء على الأرض السورية أو خارجها.

لكن، بعيداً عن “المبالغة” وارتداداتها التي قد تكون “عكسيّة”، فإنّ ما لا شكّ فيه أنّ كلام نصار لم يأتِ من العدم، بل يندرج في سياق سياسة “انفتاحية” تعتمدها “القوات” إزاء “حزب الله” منذ فترة ليست بقصيرة، ظهرت بوضوح من خلال تخفيف “الاشتباك” بين الجانبين إلى حدّه الأدنى، بعدما كان جعجع يعقد في مرحلةٍ ما، مؤتمراً صحافياً بعد كلّ خطابٍ للأمين العام لـ”حزب الله” ​السيد حسن نصر الله​ بغية “تفنيده” والردّ عليه، بالفاصلة والنقطة.

ولعلّ من مؤشرات “الانفتاح” أيضاً، على الأقلّ من الجانب “القواتي”، المواقف الإيجابية التي صدرت بعد إعلان “حزب الله” انخراطه في معركة “مكافحة الفساد”، ما جعل قياديين في “القوات” يعلنون جاهزيّتهم لوضع يدهم بيد الحزب في هذه المعركة، بل ذهاب بعضهم للقول إنّ الحزبين يلتقيان في الداخل أكثر ممّا يفترقان، وإنّ رؤيتهما لأزمة النظام اللبناني وما يترتب عليها، خصوصاً اقتصادياً ومعيشياً، تكاد تكون متطابقة على غير صعيد.

لا ترجمة متوقّعة

في حين تتعدّد التفسيرات لأسباب “الانفتاح القواتي” على الحزب، يرى كثيرون أنّ طموح جعجع الرئاسيّ قد يكون “السرّ” الأساسيّ الكامن خلفها، بعدما أدرك من الاستحقاق الرئاسي الأخير، أنّ وصوله إلى الرئاسة “شبه مستحيل” إذا بقي الحزب على موقفه “السلبي” منه، وهو ما تطلب منه رسم “قواعد اشتباك” جديدة، ترجمت سريعاً من خلال سياسة “الانفتاح” التي لم تعد خافية على أحد، في الداخل والخارج.

وفي وقتٍ يرى البعض أنّ جعجع يحاول الاستثمار في “التباين” الذي ظهر أخيراً، على خط العلاقة بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، ليصوّر نفسه “بديلاً ممكناً”، يذهب آخرون للقول إنّ أحد أهداف “المصالحة” التي أبرمتها “القوات” مع رئيس “​تيار المردة​” ​سليمان فرنجية​، إضافة إلى ختم أحد أهمّ جروح الحرب اللبنانية، هو فتح قنوات اتصال مع “حزب الله”، ربطاً أيضاً بالطموح الرئاسي لجعجع، الذي يصبو ليصبح “مقبولاً” على الأقلّ من الحزب، حتى لا يضع “فيتو” على ترشيحه إذا ما حصد “إجماعاً”، تماماً كما يفعل مثلاً مع رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​، فهو لا يسمّيه، ولكنّه لا يمنع تكليفه في الوقت نفسه.

لكن، رغم كلّ هذه المؤشرات والأسباب، لا شيء يدعو إلى الاعتقاد بأنّ ثمّة “ترجمة” ممكنة قريباً لـ”الانفتاح” القواتي، عبر حصول أي لقاء “قيادي” بين الجانبين من شأنه التأسيس لـ”تفاهم” ما، أو حتى عبر أيّ تقاربٍ، ولو من الدرجة الثانية، بعيداً عن اللقاءات الطبيعية، التي تحصل بين نواب ووزراء الجانبين، سواء في ​مجلس النواب​، أو في الحكومة، إن تشكّلت في المدى المنظور.

ولعلّ ما يعزّز هذا الاعتقاد هو تمسّك “حزب الله” بسياسة “تجاهل” المحاولات “القواتية”، على رغم أنّ أمينه العام بادر في مرحلةٍ من المراحل إلى توجيه رسائل إيجابية، كما حصل حين أقرّ بحيثية “القوات” الداخلية قبيل الانتخابات النيابية الأخيرة، إلا أنّها رسائل بقيت في إطارها “الضيّق”. ولم يشذ الحزب عن هذه القاعدة بعد تصريح النائب نصار الأخير، إذ لم يصدر عنه أي موقف منه، خصوصاً بعد البيان التوضيحي لنصار، الذي قرأه مقربون من الحزب بأنه بمثابة “تراجع تحت الضغط”، إن جاز التعبير.

وإذا كان التقارب يبقى ممكناً في أيّ وقتٍ بين الجانبين، تماماً كما حصل في وقت سابق بين الكثير من الفرقاء بعدما كان “من سابع المستحيلات”، فإنّ الثابت والأكيد في قاموس الحزب، أنه، حتى ولو حصل، لا يمكن أن يشكّل “بديلاً” للعلاقة بينه وبين “التيار الوطني الحر”، وأنّ الحزب لا يبحث عن “بدائل” عن “التيار” بأيّ شكلٍ من الأشكال. ويقول العارفون بأدبيات الحزب، إن التباينات التي تحصل بين الجانبين بين الفينة والأخرى، والتي تمثّل آخرها في الموقف من توزير “سُنّة ​8 آذار​” في الحكومة، هي آنية وموضعيّة، ولو انعكست في مكانٍ ما على “القواعد”، لكنّها لن تؤثّر على جوهر “التفاهم” بين الجانبين، الذي سيبقى قائماً في كلّ الظروف.

لا تغييرات نوعية

ليست المرّة الأولى التي تبدي فيها “القوات اللبنانية” انفتاحاً إزاء “حزب الله”، وإن ذهبت هذه المرة بعيداً في “إيجابيتها”، بما يتخطى، كما رأى كثيرون، الضوابط والسقوف التي رسمتها هي لنفسها، ما استدعى منها بعض “الفرملة”، حفظاً لماء وجهها بالحدّ الأدنى.

وسواء كان طموح جعجع الرئاسي هو الذي يقف وراء هذا الانفتاح، أو رغبة “القوات” بتصوير نفسها “بديلاً” لـ”التيار الوطني الحر”، أو بفتح قنوات اتصال مع الحزب شأنه شأن غيره من القوى السياسية فقط لا غير، فإنّ الأكيد أنّ أيّ تغييرٍ “نوعي” على خط العلاقة بين الجانبين يبقى مستبعداً، أقلّه في المرحلة الحالية، إلا إذا حصلت “معجزة ما” جعلت المستحيل ممكناً…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى