من “الدولة الأموية ” إلى ” سورية الأسد “
بقلم : د . بهجت سليمان

- فاضَتْ روحُ ” حافظ الأسد ” ولم يُلَوّثْ يَدَيْهِ ولا قَدَمَيْهِ .. لم يُلَوِّثْ يَدَيْهِ بِمُصافحة الإسرائيلي ، ولم يُلَوِّثْ قَدَّمَيْه بزيارة البيت الأبيض . ●
1▪ ” 48 “ ثمانِيَةٌ وأربعون عاماً ، مضت على قيام الحركة التصحيحية التي قام بها القائد التاريخي ” حافظ الأسد ” بعد مُضِيّ أكثر من ” 1300 ” ألف وثلاثمئة عام ، منذ سقوط الدولة الأموية ، تحوّلت سوريّة بَعْدَها من لاعبٍ إلى لُعْبة ، وبقيت كذلك مئات السنين ، وهي في حالةٍ تَشَتُّتٍ وضياعٍ وفُرْقةٍ وهامشيّةٍ ، يتحكّمُ بها الآخرون ويتلاعبون بها على هواهُمْ ، ويتحكّمون بِأبنائها وبِمُقدّراتها .
2▪ ودخلت سورية أربعمئة عامٍ من التبعية المقيتة والعبودية السوداء ، تحت حُكـم وتَحَكُّم الاستعمار العثماني الأسود البغيض ، تهشّمت فيها جميعُ مقوّمات الحياة الأساسية ، وتوقّف فيها النمو والتطوّر ، وبقيت ترسف في غياهب العصور الوسطى ، وخرجت من دورة الحضارة .. ثم جاء الاستعمار الفرنسي الذي تحكّم بالبلادِ لمدّة ربع قرنٍ من الزّمن ..
3▪ وحتى عندما تحقّقٓ الجلاءُ الفرنسي ، عن الأرض السورية ، بقيت سورية لُعْبةً بين البريطاني والأمريكي والفرنسي ، وكان يتحكّم بِقرارِها ، نَفرٌ من وُكَلاءِ الاستعمار الذين ينفّذون الأجندات الاستعمارية ، بالشكل المطلوب والمنشود ..
ثمّ يقومون بإخراج تنفيذ تلك الأجندات ، عَبْرَ مجالس نيابية تمثّل مصالحَ الخارج الدولي والإقليمي ، وتتسابَقُ لتقديم الخدمات وأوراق الاعتماد ، للخارج ، ثمّ تُسَمٌي تلك الهرولات والتنافسات والصراعات والاشتباكات والسباقات والتّهافتات لتنفيذ المخططات الاستعمارية الأورو – أمريكية ” ديمقراطية !!! ” ويطلقون عليها ” مرحلة الديمقراطية !!! ” .
4▪ كما مرّت فترةٌ زمنية بعد الاستقلال ، كانت تنام فيها سورية على ” انقلاب ” لِ تستيقظ على انقلابٍ آخر .
وحتىّ الوحدة السورية – المصرية المجيدة ، كانت قصيرة العمر ، ولم تتجاوز الثلاث سنوات ونصف ، لِتعود سورية ، لعبةً في يد الخارج الإقليمي والدولي – وطبعا كانت تُسَمّى ” ديمقراطية !!! ” – أي عندما يتلاعب بك الخارج ، فأنت ” ديمقراطي !!! ” ..
وأمّا عندما يكون قرارُك مستقلاً وغير تابع ، فأنت ” استبدادي ” و ” ديكتاتوري ” و ” شمولي ” و ” توتاليتاري ” وَ وَ وَ وَ الخ الخ .
5▪ وعندما جاء الثامن من آذار عام ” 1963 ” وكان حزبُ البعث العربي الاشتراكي ، هو الإيديولوجيا التي تسيرُ بموجبها البلاد ، احتاج الأمرُ إلى سبع سنواتٍ ، حتى جرى تنظيفُ قيادة الحزب والدولة ..
سواءٌ ممّن حاولوا أخـذَ سورية إلى محورٍ تابعٍ للاستعمار الحديد ، أو ممّن اشتطّوا في أخذ البلاد ، إلى نفق اليسار الطفولي المغامر والضّيّق الأفق ..
الأمرُ الذي دفعَ بِ القائد التاريخي ” حافظ الأسد ” لكي يُصحّح تلك الانحرافات صوب اليمين أو تلك الانجرافات صوب اليسار الطفولي ، إلى أن كان ” 16 ” تشرين الثاني عام ” 1970 ” ، حين جرى تقويم الاتّجاه وتصويب البوصلة السورية ، بالاتّجاه الوطني والقومي المستقلّ .
6▪ وكانت المرّة الأولى التي تتحوّل فيها سورية ، منذ سقوط الدولة الأمويّة ، من لُعْبة إلى لاعب – باعتراف رموز الغرب والشرق – منذ ألف وثلاثمئة عامٍ من الزّمن ..
وطيلة ثلاثين عاماً ، لم يُلوّثْ ” حافظ الأسد ” يَدَيْهِ ، بمصافحة الإسرائيليي ، ولا قَدَمَيْه بزيارة بلاد ” العمّ سام ” الأمريكي ، بل جاء رئيسان أمريكيّان ، إلى دمشق لِ يلتقيا الرئيس ” حافظ الأسد ” ، ولاقاهُ رئيسان آخران إلى منتصف الطريق في ” جنيف ” . .
هذا في الوقت الذي كان فيه رؤساءُ وملوكٌ وأمراءُ بتلقّون تعليماتهم وتوجيهاتهم من دبلوماسيّي السفارات الأمريكية والأوربية .
7▪ وكان الزعيم الخالد ” جمال عبد الناصر ” قد فارقَ الحياة ، قبل الحركة التصحيحية في سورية ، بِ شهرٍ واحِدٍ ونصف من الزّمن ، وظنّ المحورُ الصهيو – أطلسي ، أنّ الوطن العربي بِكامِلِه ، صار لقمةً سائغةً في فمه ..
ولكنّ ” القائد التاريخي ” حافظ الأسد ” أجهض كُلَّ حساباتهم ، وغَيّـرَ البنية الاستراتيجية للشرق الأوسط ، وجعل من سورية مركز العالم العربي ، ومحور الحركة الإقليمية والدولية في المنطقة .
8▪ ولم يترك الاستعماريون الجُدُدْ وأذنابُهُمْ الأعراب ، وسيلةً لِإعادة سورية إلى ” الحظيرة ” الاستعمارية ، إلاّ وقاموا بها ، وكانت أداتُهُم الأهمّ في ذلك هي حركة ” خُوّان المسلمين ” التي قامت منذ عام ” 1976 ” حتى عام ” 1982 ” بِآلاف عمليات الاغتيال والتفجير والتخريب والتدمير ، إلى إنْ جرى وضْعُ حَدٍ لها في عام ” 1982 ” . .
ثمّ اعتقد المحورُ الصهيو – أمريكي ، بِأنّ سورية المستقلّة القرار ، وصاحبة الدور الكبير ، سوف ينتهي استقلالُ قرارِها واتّساعُ دورها ، بمجرّد التحاق الرئيس ” حافظ الأسد ” بالرفيق الأعلى .
9▪ ولكنّهم أُصيبوا ، بخيبة أمل كبرى ، فحاولوا أخْذَ سورية الأسد من الداخل ، بعدما اختار الشعبُ السوري ” الدكتور بشار الأسد ” رئيساً للجمهورية ، وبعدما قام الرئيس ” بشّار ” بما لم يخطر لهم على بال ، عندما عمّقَ استقلالية القرار السوري ، ووَسّعَ الدور الإقليمي السوري ، وصَلّبَ وحَصَّنَ الموقفَ السوري في مواجهة الاستعمار الصهيو – أمريكي ، وقام بتحديث سورية على مختلف الصُّعُد . .
وهنا كان القرارُ الصهيو – أمريكي – الأطلسي – العثماني – الأعرابي ، بِ شَنِّ حربٍ غير مسبوقة في التاريخ على سورية الأسد ، لتفكيكها وتفتيتها وإخراجها من التاريخ والجغرافيا .. تمهيداً لتمزيق الشرق العربي بكامله ، وتحويله إلى أجرامٍ تدور في فلك ” إسرائيل ” .
10▪ وها قد مضى ثمانِيَةُ أعوامٍ على تلك الحرب الشعواء ، وسورية الأسد وعلى رأسها أسدُ بلاد الشام ، صامدون كَ صمودِ قاسيون عَبْرَ التاريخ . .
ولن يعود الزمن إلى الوراء ، مهما كانت التحدّيات ومهما بلغت التّضحيات ، وسوف تخرج سورية الأسد من هذه الحرب كَ طائر الفينيق ، وسوف يكونُ الرئيس بشار الأسد ، أسطورة الأجيال القادمة التي ستروي كيف استطاع هذا القائد التاريخي ، أنْ يُواجِهَ أكثر من نصف دول الكرة الأرضية ويهزم مخططاتهم ويحافظ على سورية ، واحِدَةً مُوَحّدةً حُرَّةً أبِيّة عِصِيَّةً ، على أيِّ غازٍ أو مُعْتَدٍ في هذا العالم .