وقفة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي
بقلم : عبد الهادي الراجح

أتابع بقلق ما يحدث على الساحة المصرية، وبشكل خاص تلك الأعمال الإرهابية التي تحاربها الدولة المصرية ونحن معها، وذلك لأسباب كثيرة أبرزها أن مصر القوية القادرة هي أكبر دعم وسند لأمتها العربية وللمنطقة برمتها، فمصر حتى عندما كان قادة التحرر أمثال صلاح الدين الذين غيروا مجرى التاريخ ليسوا من مصر كانت هي الانطلاق والقاعدة والبوصلة التي توجه أمتها والمنطقة عموما .
ولكن مصر بعد انقلاب 15 مايو/ أيار عام 1971م ، غير مصر التي نريد ونعرف، فقد أصبحت حائرة حتى في هويتها ان كانت فرعونية او عربية او إسلامية او متوسطية، بعد أن كانت قد حسمت هويتها بأنها عربية وأصبحت رائدة التحرر العربي طوال الحقبة الناصرية .
ولكن بعد ذلك توالت على مصر أحداث كثيرة، وجرى على ضفاف النيل المتجدد الكثير من المتغيرات منذ الانقلاب الأسود في 15 أيار مايو الذي قاده المرتد أنور السادات، وتحول التاريخ ومجرى الأحداث خاصة بعد حرب أكتوبر المجيدة في بدايتها الرائعة، والمأساوية في نهايتها .
وبدلا من النهوض والتقدم والاستفادة من نصف النصر الذي تحقق بقوة وإرادة الجندي المصري وشقيقه السوري ومن خلفهم أمتهم العربية، وليس القيادة السياسية في مصر المتمثلة بيهودا الاسخريوطي (أنور السادات) حيث خانت السياسة بتلك الحرب قوة السلاح، وذلك موضوع آخر يحتاج لأبحاث ودراسات لم يأت موعدها بعد .
لكن ما يهمني هو مصر ما بعد 25 يناير المجيدة، حيث أثبت الشعب المصري حيويته وقدرته على التغير ولو في الثانية الأخيرة من الدقيقة الأخيرة، بعدما كان نظام كامب ديفيد الوظيفي العميل قد عمل على تصحر الحياة السياسية في مصر وتجفيف كل الطاقات الحيوية، بدعم من الإعراب الخونة ومن خلفهم أسيادهم الصهاينة الأمريكان حيث اصبح نهر الحياة جافا يكسر رقبة من يغريه النزول لذلك النهر، كما قال الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل رحمه الله .
وعندما جاءت الفرصة للشعب المصري وقد طفح الكيل به وفاض،فقد هب في 25 يناير ثائرا في الوقت الذي تصور النظام المخلوع بأنه تمكن من تطبيع هذا الشعب، وأصبح مهيئا لما هو حتى بعد التوريث أي إعادة الملكية ولكن بنظام جديد .
وتم خلع الطاغية مبارك ولكن الصورة أمام الثوار كانت قاتمة بعد 40 عاما من التصحر والإعلام الموجه لغسل الأدمغة حيث وجدوا الثوار أنفسهم أمام واقع يحتاج لنضال طويل للتغير .
وفي أول اختبار، وطلباً للتغير بأي بثمن نظراً لتلك الصورة، فقد تم انتخاب الدكتور محمد مرسي رئيساً للجمهورية، باعتباره البديل الوحيد أمام الشعب حتى لا يتكرر نظام السادات – مبارك من خلال الفريق أحمد شفيق ، وكان الاختيار إجباريا فشيء طبيعي أن الشعب الذي انتخب مرسي يخرج عليه في 30 حزيران يونيو لأنه لم يوف بما وعد به وكادت مصر أن تدخل في نفق لولا تدخل الجيش بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي وإزاحة الإخوان من المشهد السياسي .
ولكن الرئيس عبد الفتاح السيسي خذل كل من راهن عليه ومنهم كاتب هذه السطور، وأذكر عندما تدخل الجيش وعزل مرسي انني كنت احد الذين وزعوا أفخر أنواع الشكولاته بسقوط مرسي الذي أدار السلطة بثوب المعارضة وتلك غلطته الكبرى .
ولكن عبد الفتاح السيسي خذل من راهن عليه، وأذكر هنا موقفين لفتا انتباه كل محب لمصر كونه لا يليق بها ولا بتاريخها هذا الشطط السياسي .
الموقف الأول تصريحه الغريب العجيب بأن مصر لن تشارك في إعادة اعمار سوريا ، عفوا يا سيادة الرئيس هل تتنظر أوامر ابن سلمان أو سيده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، وهل ان سوريا التي انتصرت على الإرهاب والقتلة في حرب عالمية عليها رغم الدمار الذي لحق بها جالسة على قارعة الطريق تنتظر إعادة الاعمار منكم؟ اعتقد ان وهذا التصريح لا يليق بمصر شعبا و تاريخا وجغرافيا .
فالعلاقة بين القطرين الشقيقين بدأت منذ الأزل ، وسبحان الله عمرو بن العاص ذلك الإعرابي القادم من الجزيرة العربية وبعد مشاركته بفتح سوريا الكبرى ، أرسل للخليفة الراشد عمر بن الخطاب يقول له بما معناه لا فائدة من فتحنا لسوريا الكبرى إذا لم تأذن لنا بفتح مصر ، حيث ربط عمرو بن العاص الأمن القومي العربي بين مصر وسوريا الكبرى وليأتي في القرن العشرين المقبور أنور السادات وخلفاؤه ليقولوا لنا ما لنا دعوة ، ويتحدث السيسي أن مصر لن تشارك في اعمار سوريا، ولكن ماذا لو شارك أو دعم نظام آل سعود الذي نصفه مكروه والنصف الآخر محتقر من كل العالم المتمدن في إعادة اعمار سوريا .
ولنذكر هنا أن قائد هذا النظام الداعشي الوهابي قد صرح حين اشتد عليه الخناق في جريمته تصفية الإعلامي جمال خاشجقي بأنه على استعداد ليفتح صفحة جديدة مع روسيا العظمى وإيران وسوريا وحزب الله وحماس، رغم علمه أن هذا المحور المقاوم لن يقبل التعامل مع أنظمة من خارج التاريخ .
أما الموقف الثاني فهو ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسي في مؤتمر الشباب العالمي في شرم الشيخ وإشادته بالسادات والسلام المنفرد الذي أبرمه، وقال في إشارة للزعيم جمال عبد الناصر بأن هناك رؤساء خاضوا الحروب من أجل مجدهم الشخصي، وإذا صح هذا التصريح المنسوب للسيسي فان هذا جهل بالتاريخ والجغرافيا والحقائق البسيطة التي يعلمها الجميع وأكدها العدو الصهيوني قبل غيره .
ألم يقرأ الرئيس عبد الفتاح السيسي ما قالته جولدا مائيير عندما مرت في مصر بطريقها إلى فلسطين مهاجرة، بأنها تتمنى أن تبقى مصر على تلك الصورة التي رأتها بها من صنوف المجاعة والفقر والجهل .
ألم يقرأ السيسي ما قال بن غوريون عندما اخبره أحد الصحفيين بان اهداف الثورة المصرية يقصد ثورة يوليو أهدافها الستة لا تخص إلا مصر وتقدمها، وقال الداهية الصهيوني بن غوريون تلك هي مصيبة إسرائيل ، ثم العدوان على غزه تحت الإدارة المصرية واستشهاد 28 مصرياً .
والمشاركة بالعدوان الثلاثي عام 1956م فهل كانت مصر هي البادية بالعدوان وحتى حرب حزيران ألم يجرى الاتفاق أن يتم الحل سياسيا لتلك الأزمة كما طلبت أمريكا والاتحاد السوفيتي.
ويوم العدوان كان مقررا أن يسافر السيد زكريا محي الدين نائب الرئيس عبد الناصر رحمه الله لأمريكا لأجل التفاوض والحل لتلك الأزمة وكان هناك ترتيب بين أمريكا وكيانها المدلل بالبدء بالعدوان الذي أعترف به حتى أطرافه واسم الخطة اصطياد الديك الرومي لتلك الحرب كما اعترف بها اطرفها أنفسهم.
أما إذا كان الرئيس السيسي يقصد حرب اليمن ولعله يعرف وهو رجل الاستخبارات العسكري وقائد الجيش والرئيس اليوم ، أنه لولا تدخل مصر باليمن ما كانت الأسلحة تأتي لمصر عبر باب المندب ولكن أصدقاء السيسي من الإعراب اليوم هم من تحالف مع العدو الصهيوني وجلبوا كل مرتزقة العالم لتوريط الجيش المصري الذي ذهب لليمن كواجب قومي لنصرة شقيقه اليمني .
ومن المفارقات أن من كان نظام آل سعود أبو المناشير يدعمهم في ستينات القرن الماضي هم أنفسهم من يحاربهم اليوم .
لذلك نحن قلقون على مصر ونتمنى لها الخير ونعلم أن التركة التي استلمها الرئيس عبد الفتاح السيسي ثقيلة ، ولكن تصريحاته الأخيرة حول اعمار سوريا ومنتدى الشباب لم تكن موفقة .
وبذلك لا بد من وقفة ومراجعة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي من أجل مصر الشعب والتاريخ والجغرافيا وليس من اجل الرئيس عبد الفتاح السيسي .
مع الاحترام لمقام الرئاسة الذي أراه شاغرا منذ الرحيل المفجع للزعيم جمال عبد الناصر ، ولكن مصر وأمتها قادرة على الإنجاب والتغير ,
وصديقك من صدقك الحديث ، لا من طبل وزمر لك .
ولا عزاء للصامتين