انتصار خيار المقاومة في فلسطين

بقلم : توفيق المديني

ردّت المقاومة الفلسطينية في غزةعلى العملية الاستخباراتية الصهيونية الفاشلة التي استهدفت مقاومين في غزة،إما بالخطف أو بالقتل ، يوم الأحدالماضي، وماتبعها من عدوان عسكري صهيوني على مدى يومين، بمعادلة الدم بالدم،و القصف بالقصف، وحققت نجاحًا استراتيجيًا مهمًا من خلال إحباط العمليةالاستخباراتية الصهيونية.

وعلى المستوى العسكري استهدفت صواريخ المقاومة الفلسطينية (انطلاقة نحو 50صاروخًا فلسطينيًا)المستوطنين وجنودالاحتلال الصهيوني، وعجزت ما تسميه “إسرائيل القبة الحديدية” عن حماية  المتسوطنات والمعسكرات الصهيونية سوى بحدود ما بين 20 و30 بالمئة، إذ لم تستطع أجهزة الباتريوت ورادارات المراقبة من التغطية على ردّ المقاومةالفلسطينية إلا بحدود 10 صواريخ فقط، وهو ما يعني أيضاً عجزاً صهيونيًاواضحاً وجلياً في ترحيل ما بين مليون ونصف المليون من المستوطنين ونقلهم إلى الملاجئ.

إنه نجاح استراتيجي جديد للمقاومة الفلسطينية  بالغ الدلالة والأهمية بإفشال الكمين الصهيوني الغادر الذي كان يستهدف خطف مقاومين فلسطينيين،لتقلب المقاومة الفلسطينية كل الحسابات الصهيونية التي كانت تعتقد أنها قادرة على فرض برامجها الحربية  وشروطها على قطاع غزة. فانتصرت بذلك المقاومة وهزم الكيان الصهيوني في هذه
العملية الفاشلة .

وقف النار واستقالة ليبرمان

من تداعيات فشل العملية الاستخباراتية الصهيونية،وكذلك إخفاق العدوان الصهيوني على غزة ،الزلزال السياسي الذي أحدثه في قلب مؤسسة الحكم الصهيوني،لا سيما بعد الجولة الأخيرة من تبادل القصف بين الجيش الصهيوني والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ،وقبول  الدولة الصهيونية بوقف إطلاق النار مع فصائل المقاومة الفلسطينية، ما أدّى إلى استقالة وزير الحرب المتطرف،أفيغدورليبرمان،الذي لم يتردد في خطاب الاستقالة من الاعتراف بأنّ”ما حدث (الثلاثاء(من إعلان اتفاق لوقف إطلاق النار والتهدئة هو بمثابة خضوع واستسلام للإرهاب”. فتحوّل ليبرمان إلى رمز للسخرية من قبل ناشطين فلسطينيين على شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام محلية، وصفوا استقالته بأنها “انتصار لغزة والشعب الفلسطيني”. وكتب مغرّدون: “طار ليبرمان”، و”غزة تُطيح ليبرمان”،و”غزة تُسقط ليبرمان”، و”عقبال ما تسقط كل الحكومة الصهيونية”.

واعتبرت “حماس” استقالة وزير الدفاع الصهيوني “اعترافاً بالهزيمة والعجز في مواجهة المقاومة الفلسطينية” و”انتصاراً سياسياً لغزة التي نجحت بصمودها في إحداث هزة سياسية في ساحة الاحتلال”.وقال عضو المكتب السياسي لـ”الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين” طلال أبو ظريفة إن استقالة ليبرمان “تعبير عن حال فشل ذريع منذ توليه منصبه في تحقيق كل وعوده التي أطلقها للناخب الإسرائيلي لإعادة الهيبة لقوة الردع الإسرائيلية، التي مُنيت بالانكسار على يد المقاومة الفلسطينية”.ورأى أن استقالته “هروب من تحمل مسؤولية الفشل في العملية الأخيرة (في خان يونس)، التي يقف وراءها،وتعبر أيضاً عن أزمة حقيقية في حكومة الاحتلال”.واعتبرت حركة “الجهاد الإسلامي” أن استقال ليبرمان “انتصار لإرادة المقاومة وثبات لشعبنا في مواجهة الاحتلال”.وقال الناطق باسم “سرايا القدس” الذراع العسكرية للحركة “أبو حمزة” إن “المقاومة لم تكتف بردع العدو عسكرياً، بل أربكت حساباته السياسية”.وأكدت “كتائب شهداء الأقصى- مجموعات الشهيد أيمن جودة” التابعة لحركة “فتح” أن استقالة وزير الدفاع الصهيوني “انتصار لصمود شعبنا الفلسطيني وإرادته وتأكيد لصوابية خيار المقاومة في مواجهة العدو”.وقال الناطق الاعلامي للجان المقاومة الشعبية “أبو مجاهد” إن استقالة وزير الحرب “انتصار نوعي للمقاومة، بعد الفشل الأمني والعسكري في غزة”.

رغم إنّ ليبرمان لم يعلن أنه سيسحب حزبه “إسرائيل بيتنا” من الائتلاف الحكومي الفاشي الذي يتزعمه بنياميننتنياهو،وينتقل الى صفوف المعارضة، فإنّه في حال فعل ذلك،  سيكون الائتلاف الحكومي الصهيوني ضيقاً جداً (مع 61 نائباً في مقابل 59 نائباً في المعارضة).وأعلن الناطق باسم نتانياهو أن الأخير سيتولى منصب وزير الدفاع، وقد يبقى له حتى موعد الانتخابات، مضيفاً أن “لا حاجة للذهاب إلى انتخابات في مثل هذه الفترة الأمنية الحساسة”.وليبرمان الذي انحسر نفوذ حزبه إلى أدنى مستوى في الانتخابات الأخيرة، سيحاول استخدام معارضته وقف النار مع “حماس” وفتح المعابر الحدودية وتحويل الأموال من قطر إلى غزة، رافعةً لاستعادة شعبية حزبه، وسط تشكيك في نجاحه بهذه المهمة بعد فشله في منصبه وزيراً للدفاع.ولم يتأخر الحزب المعارض “المعسكر الصهيوني” عن الانضمام إلى منتقدي الحكومة لـ”عجزها في مواجهة حماس وافتقاد إسرائيل قوتها الرادعة”. ودعوا إلى استقالة نتانياهو “المسؤول الأول عن الفشل في ضمان الأمن لسكان جنوب إسرائيل”.

استمرار خيار المقاومة

شكلت غزة ملحمة جديدة للمقاومةالفلسطينية,إضافة إلى ملحمة المقاومة في جنوب لبنان التي استطاعت أن تلحق بالعدوالصهيوني أول هزيمة نكراء, وأن تبدّد الصورة التي لازمت الكيان الصهيوني في الذهنية العربية, كياناً منيعاًيعصى على الاختراق أوالهزيمة. فقد شكلت المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله والمقاومة الفلسطينية الباسلة الرحم الاجتماعي والسياسي لإعادة إنتاج مفهوم المقاومة,إذ أكّدت  ملحمة الصمود والمقاومة في غزة على حقيقة بديهية أن خيارالشعب الفلسطيني من أجل نيل حقوقه الوطنية والقومية المشروعة ,بمافيها حقه في تقريرالمصير,وبناء دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس,وحق العودة للاجئين الفلسطينيين,يظل التمسك بخيار المقاومة كخيار استراتيجي ,لأن خيارالمراهنة على الحل السلمي ,أوالمفاوضات الماراتونية مع العدوالصهيوني ,أوالتسوية الاستسلامية, يقود إلى السحق والإبادة للشعب الفلسطيني ,وتصفية قضية فلسطين.

ويأتي هذا العدوان الصهيوني الأخير كرّدٍ مباشرٍاستفزازي على مبادرة الرئيس ترامب بإبرام “صفقة القرن”،وعلى سياسات التطبيع الجارية على قدم وساق بين  الكيان الصهيوني والأنظمة الخليجية،وعلى رأسها النظام السعودي . فالقاسم المشترك بين الكيان السعودي الوهابي الذي تأسس 1926وبين الكيان الصهيوني الذي تأسس في العام1948 ،هوخدمة مصالح الاستعمار الأميركي الجديد في الوطن العربي.

إن هذين الكيانين السعودي و الصهيونيسيعززان وجودهما لاحقًا في إطارى الحرب الباردةبينالشرق و الغرب، وفي إطار صراع الدول الإمبريالية الغربية وعللى رأسها الإمبرياليةالأميركية ضدالتحرر الوطني العربية،حيث أنتنمية قوى الكيانالصهيونيعسكريًا، وتكنولوجيًا، ارتبطارتباطًا وثيقًا بااستراتيجية الإمبريالية الأميركية ،التي تخوض معركة التغلغل و التفكيكلكل الدول الوطنيةالعربية،منذ أنخرجت الامبراطوريتان الاستعماريتان الفرنسية والبريطانية منهوكتي القوى أثناء الحرب العالميةالثانية.

وحيث أنالإسلام السياسي الوهابي التي تستخدمه المملكة السعودية في إطار حربها على الحرةالقومية العربية،والقوى الديقراطية التقدمية العربية، خدممصالح القوى الاستعماريةالأوروبية،ولاحقا الامبريالية الميركية، واستهدف أيضا الإطاحة بهيمنة المراكز الحضارية المتقدمة في الوطن العربي، التي حملت راية القوميةالعربية،وعملت على تحقيق دولةعربية واحدة تمتدمن الخليج على المحيط الأطلسي ،كما ناضل في سبيل ذلك صراحة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، والذي جوبه امبريالية غربية وصهيونية ورجعية سعودية ضارية،لجهة ترسيخ النظام الاستسلامي العربي القائم على التجزئة و التبعية للغرب.

في الحالتين أن العدو واحد والهدف عينه، فالكيانان الصهيوني والسعودي نشآ على القتل والتدمير والإرهاب وينفذان أجندة واحدة في كامل المنطقة والوقائع تؤكّد ذلك، فمنذ وعد بلفور المشؤوم نفذ الكيان الصهيوني عبر عصاباته ومرتزقته إرهاباً ممنهجاً ضد الفلسطينيين والعرب لطردهم من مدنهم وبلداتهم، مستفيداً من دعم غربي لا محدود وتواطئ عربي، وكان قانون القومية الجديد مثالاً صارخ لانتهاك حقوق الإنسان وحرمانه من أبسط حقوقه.
وهذا أيضاً حال الكيان السعودي الذي أُسس على أشلاء ودماء عرب نجد والحجاز، ولم يتوانَ لحظة واحدة عن تصدير الإرهاب والتكفير من بوابة الوهابية التي يدين بها، فدعم الإرهابيين تحت ذريعة حماية الإسلام والمسلمين، وكانت النتيجة أن اتُهم الإسلام بالإرهاب، كما لم يتأخر لحظة في التآمر على أشقائه وتدمير بلدانهم،لا سيما فيما يتعلق بمشاركته الفعالة في الحرب الإرهابية الكونيةلإسقاط الدولة الوطنية السورية، وبالتالي إسقاط خيار المقاومة..

وإذا كانت المقاومة الفلسطينية الباسلة،تعبرعن حقيقة ساطعة وهي أن الشعب الفلسطيني سئم من الاحتلال الصهيوني ويريد الخلاص منه، كما يريد إنهاء الاحتلال وتحقيق الحرية والاستقلال، وإقامة دولته خارج ” الحرم الأمني “، لدولة الكيان الصهيوني، وخارج هيمنتها المطلقة على أسباب معاشه، فضلاً عن أمنه وحرياته السياسية، فإنها بالمقابل دقت جرس الإنذارلكل من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية، و الرجعية العربية ،لمواجهة لحظة الحقيقة: ذلك أن هذه اللحظة كانت مطلب هذه  القوى  لحسم الصراع، أوللتظاهر بحسمه، إن لم يكن على المدى البعيد، فعلى الأقل في المستقبل المنظور،وإن لم يكن استراتيجياً،فعلى الأقل، من الناحية التكتيكية.

فالمقاومة الفلسطينية في غزة خلقت أزمة وجودية للكيان الصهيوني لأول مرّة في تاريخه منذ أن نشأ،وهي في الوقت عينه أحدثت نوعاً من توازن الرعب مع الصهاينة، وأفشلت قوة الردع الصهيونية. . ويكشف على ذلك فشل العدوان الصهيوني الأخير ، الأمرالذي جعل العديد من الصهاينة يتحدثون عن انهيارالأجهزة الأمنية الصهيونية أمام جذرية الردّالفلسطيني، وعن إخفاق سياسة نتنياهو-ليبرمان التي قوامها القيام بسلسلة من الاغتيالات وعمليات الاختطاف، وممارسة طقوس القتل الصهيوني باعتبارها أصبحت تقليداً متوارثاً في ممارسات وسياسات قادة الكيان الصهيوني.

تحرير فلسطين يحتاج إلى إعادة بناء المشروع القومي العربي

مع تصاعد المقاومة الفلسطينية المؤمنة بتحرير كل فلسطين ،ومعها القمع الصهيوني، هناك اتجاهان على الساحة الفلسطينية، الأول: يعكس إرادة المصممين على استمرارالمواجهة إلى حدّ إرغام الكيان الصهيوني على العودة إلى المفاوضات السياسية.والثاني، يعكس موقف أولئك المتخوفين من إمكانية انهيارالسلطة الفلسطينية، والقضاء على المكتسبات التي تحققت بعد اتفاق أوسلو، حسب وجهة نظر ذاك الاتجاه.

الإصرارعلى الخيار الاستراتيجي للمقاومة الفلسطينية و العربية، والإبقاء على الأمة حية تقاوم، وتطالب بحقها الطبيعي و القانوني و التاريخي و الديني  في أرض فلسطين،هوالمحور الذي أبقى القضية الفلسطينية حية.أما خيار التسوية بشروط الكيان الصهيوني و الولايات المتحدة الأميركية، فهي الهزيمة بعينها للأمة.

في الواقع العربي، هناك خياران يتصارعان ، خيار المقاومة و بناء ذات الأمة الديمقراطية بالمعني  العصري لهذه الكلمة، و خيارالتسوية الذي يرجع عند البعض من العرب والفلسطينيين ،أن ينتج حلاً تقبل به الشرعية الدولية.خيار التسوية هذا ، لم يعط للشعب الفلسطيني سوى أوسلو، حتى أن كل المشاريع الأخرى للسلام ، بما فيها المبادرة العربية تدور حول هذا المحور.

الكيان الصهيوني لن يقبل السلام، لأن السلام هو النقيض التاريخي لوجوده كبنيية مجتمعية إيديولوجية و سياسية و عسكرية تقوم بدور وظيفي في منطقة الشرق الأوسط.فالقضية الفلسطينية هي قضية الصراع العربي مع الإمبريالية الأميركية, وللحركة الصهيونية في فلسطين دورًا وظيفياً تؤديه في هذا المجال. ولذلك يجب أن يبقى الصراع دائرًا,وألا يجزأ,لأن تجزئته في فلسطين, ومحاولة الفصل بين الإمبريالية الأميركية والكيان الصهيوني قاد الحركة الفلسطينية إلى الضلال,وأضاع فلسطين, وأية محاولة لاعتبارحكومة الولايات المتحدة الأميركية حكماً,سيقود إلى الضلال والضياع. ثم إن أية محاولة لاعتبارالمشكلة فلسطينية – صهيونية, سيقزم المسألة, وسيجعلها مثل مئات قضايا اللاجئين في العالم, وستطرح الحلول الإنسانية لمشكلة اللاجئين.

إن “إسرائيل” كانت مصلحة إستراتيجية أميركية بامتيازولاتزال، وستظل كذلك في منطقة الشرق الوسط. ويكمن مصدرقوة هذه الإستراتيجية، في قدرة “إسرائيل” على كسب حروبها مع العرب في السابق. بيد أن نجاح استراتيجية حزب الله الذي تفوّق على “زبائن الولايات المتحدة العرب الذين وقّعوا اتفاقات سلام للحفاظ على أراضيهم”، وأحرج موقعها، أكد أن الولايات المتحدة الأميركية لن تغير من موقفها المنحاز للكيان الصهيوني إلا إذا أصبح العرب قادرين على تحريرأرضهم من طريق المقاومة وبناء ذات الأمة على أسس حديثة.

هل يمكن للتحررمن الهيمنة الإمبريالية الأميركية ومن شروط التبعية، وهل يمكن تحرير الأراضي العربية المحتلة، وفي مقدمتها فلسطين، من دون أن تحرزالأمة العربية تقدماً ملموساً، وتقدم الأمة العربية مشروط بوحدتها و نهضتها؟ و بالمقابل هل يمكن إحرازالتقدم من دون أن تحرز الأمة استقلالها وسيطرتها على مقدراتها؟

إن هذا يطرح علينا علاقة التحررببناء مقاومة عربية تحمل في سيرورتها التاريخية مشروعا نهضويا فكريا و سياسيا، يضع تحرير فلسطين كمهمة قومية وإسلامية ،وعليه أن يضع التحريرفي موقعه من مهمات المشروع العربي الديمقراطي ، باعتباره هدفاً رئيساً،لا يعلو عليه أي من الهدفين الآخرين، تحقيق الوحدة بين أكثر من دولة عربية ، و بناء الديمقراطية والمجتمع المدني الحديث بالتلازم مع بناء دولة الحق و القانون، من حيث الأهمية. إذ إن هذه الأهداف الثلاثة مترابطة عضوياً، بصرف النظر عن الأولويات التراتبية التي يحتلها أي منها في ظل تضاريس الجغرافيا الطبيعية والبشرية، والتاريخية والاستراتيجية للمنطقة العربية.

و قد أثبتت هذه التجربة،من جملة ما أثبتته من حقائق واقعية ،حقيقتين أساسيتين أولاهما أن الوحدة العربية هي المسألة المركزية في المشروع العربي  الديمقراطي،وهي شرط ضروري لتحريرالأرض وإن لم يكن كافيا.وثانيهما تلازم النضال من أجل الديمقراطية والنضال ضدالإمبريالية والكيان الصهيوني . فلا تقدم يرجى في ظل التبعية والاحتلال . ولا يمكن أن نحرز تحريرًا في ظل وجود مقاومات عربية تستند في أساسها إلى النزعة “العسكريتارية”المحضة خارج عالم الفكروالثقافة والسياسة،وغير ديمقراطية في بنيانها الداخلي …أ وتستند أيضا إلى الطوائف أو المذاهب.

وحتى  لوكان صعود حركة “حماس” بالمعنى التاريخي  متواصلاً كجزء من صعود التيارات  الإسلامية الأصولية في العالمين العربي والإسلامي،فإنه من الصعب جداً في ظل تمزق المقاومة الفلسطينية بين سلطتين عاجزتين عن مواجهة الكيان الصهيوني ومسؤولية ذلك تقع أساسًا على فريق أوسلو الذي كاد يودي بالقضية الفلسطينية ،استبداداً و فساداًوتنازلات( أمام الكيان الصهيوني وأميركالاأمام الشعب الفلسطيني)،لكنها تقع أيضاً على اليسارالفلسطيني المفكك والمهمش و”المخردق” بوعود محود عباس، وعلى نهج “حماس” الانقلابي المعكوس الذي يستعدي – تدريجيا- فئات متزايدة من الفصائل والشخصيات الوطنية الفلسطينية، فإنه من الصعب جدًا على حركة “حماس” بعد ماتماهت تماماً مع مرحلة التحرير الوطني،وضاقت طعم السلطة،أن تكون قادرةً على استمرارالإحتفاظ بديناميكيتها كحركة مقاومة وطنية.

فالحركة الوطنية الفلسطينية على اختلاف مرجعياتها الفكرية والسياسية، التي ولدت من رحم الهزيمة لعام 1967،تعاني من أزمة بنيوية عميقة،بل تعاني ما يبدو أنه وهن تاريخي بعد سنوات الصعود التي استمرت حتى انسحاب الجيش الصهيوني من غزة في أيلول /سبتمبر 2005. فليس فقط حركة “فتح”- حسب المشهد السياسي الفلسطيني- هي التي تعاني إنهاكاً تاريخيا، بل أيضاًالحركة الإسلامية الفلسطينية التي تنتمي إلى مدرسة صعود الحركات الإسلامية بعد نجاح الثورة الإيرانية  في عام 1979..

إن تحرير فلسطين ليس مشروعاً بونابرتياً لحاكم عربي، ولا هو مشروع لأي حزب، أوحركة أصولية،أو طبقة اجتماعية، إنه في جوهره جزء من المشروع القومي الديمقراطي العربي الذي يشمل تيارات الأمة كلها، وجزء من تقدم الأمة  العربية ووحدتها.والنضال من أجل تحرير فلسطين هو الاندماج في المشروع القومي الديمقراطي المعادي جِديًا وفِعلياً وراديكاليًا للإمبريالية الأميركية،والكيان الصهيوني،والدول العربية التسلطية،والمستند إلى قوى الشعوب العربية،وإلى جماع الأمة،ولا إلى فئة،أو طبقة،أو حزب،أو حركة أصولية، مهما ادعت تلك الحركة أنها ممثلة للأمة،ونائبة عن أكثريتها،وإن كان ذلك لا ينفي حقيقة أن الدولة الوطنية العربية المتقدمة، ستكون مسؤوليتها أكبروتأثيرها أعمق، ولكن لن تكون أبداً بديلاً عن الكل،أو نائبة عن الأمة العربية وشعوبها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى