مستقبل ظاهرة الإسلام السياسي

بقلم: سامي شرف/ القاهرة

أفرز الحراك السياسى الذى مرت به المنطقة العربية فى السنوات الثمانى الأخيرة العديد من النتائج والتطورات على الساحة السياسية فى كافة البلاد العربية، وبرز على السطح ذلك الجدل حول دور حركات الإسلام السياسى، باعتبارها الرابح الرئيسى فيه، ثم انتقل ذلك الجدل إلى مربع آخر عقب الموجة الثانية للثورة المصرية فى 30 يونيو 2013، والتى أطاحت بحكم جماعة الإخوان المسلمين، والضربات التى وجهها النظام المصرى إلى الجماعة عقب تبنيها منهج العنف؛ مما جعل وجود «جماعة الإخوان» تنظيميا مقتصرا على عدد من الدول فى الخارج، بعد أن أصبحت بحكم القانون المصرى جماعة إرهابية، وقبل ذلك بحكم الشعب، وهى الخسارة غير المسبوقة للجماعة.

ومن ثم برز الجدل حول مستقبل ظاهرة الإسلام السياسى فى مصر كفكرة وحركة، لا سيما وأن مصر كانت هى المهد والحاضنة الشعبية الأساسية للتيار، ومن هنا يمكن فهم مدى الفداحة التى تمثلها الانتكاسة فى مصر، كما يمكن فهم الخسائر التى توالت فى ليبيا وتونس وسوريا وغزة واليمن، وهو ما يعرف بـ«تأثير الدومينو».

وتتعدد الآراء والسيناريوهات التى تنظر لمستقبل ظاهرة الإسلام السياسى، وتتراوح بين منتقدين يعتبرون أن الظاهرة فى طريقها للتراجع بل الاختفاء بانتهاء الجماعة ومشروعها، وهناك الخطاب الرسمى للتنظيم الدولى للإخوان، وأتباعه ممن يؤكدون أن ما تتعرض له الجماعة هو محنة وابتلاء، ومؤامرة على الإسلام، وأنه سرعان ما ستعود الجماعة أقوى مما سبق.

الواقع أن من يخوضون فى ذلك الجدل يخلطون بين تيار الإسلام السياسى وأحزابه وتنظيماته، وبين الظاهرة ذاتها وما لها من جذور اقتصادية وسياسية واجتماعية؛ فهزيمة جماعة الإخوان وتنظيمات الإسلام السياسى سياسيا- لا تعنى بالضرورة انتهاء ظاهرة الإسلام السياسى، فالظاهرة تظل ما ظلت العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. إلخ المنتجة لها.

هنا، لابد من الإشارة إلى أن نشأة القوى الحركية المعبرة عن ظاهرة الإسلام السياسى، كانت سابقة على نشوء الظاهرة نفسها، وأن هناك عوامل مجتمعية- خاصة بالمجتمعات التى انتشرت فيها- مكنت لهذه الظاهرة، وبلورت أدبياتها ورؤاها، وساعدت على انتشارها، دون أن تؤدى بالضرورة لانتشار القوى المعبرة عنها بنفس القدر والأسلوب.

بمعنى آخر، هناك فارق نسبى بين الفكرة التى تعبر عنها الظاهرة، وبين الحركة التى تعبر عنها تلك القوى؛ فوجود الفكرة مرتبط بوجود العوامل المنتجة لها، وبقاؤها من عدمه مرتبط ببقاء تلك العوامل، أكثر من ارتباطها بتلك القوى.

ومن هذا المنطلق، لا يجب أن يفهم أن ما أصاب قوى الإسلام السياسى من خسارة فادحة فى مصر سوف ينتج بالضرورة نفس الأثر على ظاهرة الإسلام السياسى بها؛ فما حدث فى مصر سيظل أثره على الظاهرة ككل مرتبطاً بمدى قدرة المجتمع والدولة المصرية على التأثير فى العوامل التى تنتج وتساعد على انتشار تلك الظاهرة، ودون ذلك سوف يبقى الأثر على حركات/تنظيمات الإسلام السياسى محصوراً فى نطاقه الأكبر فى الجانب السياسى، وموازين القوى التى تتغير من فترة لأخرى، وبالعكس فمن الممكن أن تؤدى القدرة التنظيمية العالية للإخوان، وإدارتهم الجيدة للعبة الانتخابات، وقوة الدعم المادى الهائل الذى تتلقاه الأحزاب السلفية إلى تواجد مؤثر فى الساحة السياسية لتلك التنظيمات بغض النظر عن قوتها الحقيقية وسط الجماهير، حتى مع الانحسار الجزئى للظاهرة، ففى كلتا الحالتين الوجود المادى السياسى لتلك الأحزاب لا يتناسب بالضرورة مع قوة أو ضعف تلك الظاهرة.

ومن ثم، يصبح كل ما يتردد عن انتهاء ظاهرة الإسلام السياسى فى مصر، أو انحسارها مرهونا ليس بمصير جماعة الإخوان المسلمين بقدر ما هو مرهون بالعوامل المنتجة والمرسخة لها فى التربة المصرية، وإحداث تغيير حقيقى فى البنية الفكرية والمعرفية والاجتماعية للمجتمع المصرى، بهدف تصفية المنابع الفكرية والثقافية والاقتصادية والمجتمعية، والسياسية.. إلخ التى تغذى ظاهرة الإسلام السياسى، وهو ما يقتضى استراتيجية كاملة تتضمن حل الإشكالية التاريخية العقيمة والعميقة بين الدين والدولة، وتبنى نظام تعليم قائم على العقلية النقدية لا النقلية، وإرساء منظومة العدالة الاجتماعية، وإحداث التطور الاقتصادى، والاجتماعى، والثقافى، وضبط مجال الدعوة فى المجتمع بالمرجعية الأزهرية الوسطية.. إلخ من بناء قواعد الدولة المدنية الحديثة، التى تأخذ بكل أشكال القوة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى