هل بات جدار الفصل العنصري عبئاً على إسرائيل ؟
كتب عماد أبو عوّاد *
جرشون هكوهين اللواء السابق في جيش الاحتلال، والذي خدم ما يزيد عن 42 عاماً، قدّم كتاباً مهمّاً تحت عنوان، جدار الفصل حدود سياسية بملامح أمني.
استهل الكاتب سطوره بالتأكيد على أنّ جدار الفصل هو من المشاريع الأكثر فائدة التي أنشأتها الدولة العبرية، رغم أنّه أثر على صورة “إسرائيل” عالمياً، حيث حدّ الجدار من سهولة الاحتكاك بين الفلسطيني والمستوطن الصهيوني، ويطرح الكاتب بعدها تساؤلاً، لماذا تريد “إسرائيل” استكمال بناء الجدار في منطقة جوش عتسيون وجبل الخليل، وإلى أي حد يُمكن اعتبار الجدار الحدود المستقبلية للدولة العبرية.
استكمال بناء الجدار، وفق جرشون هكوهين، يُدار حوله نقاش كبير الآن، بين المستوى الأمني الذي يرى فيه ضرورة كبيرة من أجل ضمان أمن أكبر للإسرائيلي، وبين مستويات سياسية ترى به خطورة من ناحية إمكانية اعتباره حدوداً مستقبلية للدولة العبرية.
ويُمكن هنا ملاحظة، وضع الكاتب يده على وجود تيار يميني قوي، يُحاول منع اعتبار الجدار الفاصل حدوداً نهائية ل”إسرائيل”، رغم أنّ الجدار يبتلع مساحات شاسعة من الضفة الغربية، ويمنح “إسرائيل” القدرة على الاحتفاظ بجزء من المستوطنات في الضفة الغربية، لكنّه بالتأكيد يتعارض مع رؤية اليمين، التي ترى أنّ كل متر فارغ من الضفة الغربية، يجب أن يكون مكاناً محتملاً للاستيطان الإسرائيلي.
يعود الكاتب ليتساءل، لكل بيت يوجد حائط، ولكل مبنى يوجد سور، ولكن أين حدود “إسرائيل”؟، ويقترح الكاتب أن يتم الاكتفاء بما تم بناؤه من الجدار والتوقف عند هذه النقطة، ويقترح على متخذي القرار التفكير باحتمالية أن تتحول مناطق الجدار، إلى نقاط احتكاك مركزي كتلك الموجودة الآن في قطاع غزة.
ويعتبر الكاتب أنّ مُساهمة الجدار في تقليل عدد العمليات الفلسطينية، وتحديداً الفدائية منها، أمرٌ لا يُمكن التقليل منه، لكن في نفس الوقت ساهمت عوامل أخرى في ذلك، على رأسها استمرار قوّات الأمن الإسرائيلية في السيطرة عملياً على الأرض في الضفة الغربية، وسهولة اقتحامها وقت ما شاءت.
لذلك يرى الكاتب أنّ بناء الجدار الفاصل سيحد في المستقبل من قدرة الجيش على العمل في الضفة الغربية، حيث على “إسرائيل” تقديم الإجابة على سؤال ستواجهه عالمياً، لماذا اقتحام الأراضي ما خلف الجدار، وقد يُسهم ذلك في تشويش دبلوماسي ستلقاه تل أبيب وربما أبعد من ذلك، كما يؤكد الكاتب أنّ بناء الجدار هو عامل معيق في عمل الأمن الإسرائيلي، حيث بقاء “إسرائيل” في جانب واحد من الجدار سيُفقده قيمته، فقيمة الجدار بالسيطرة على كلتا جانبيه، الأمر الذي قد يجعل “إسرائيل” مضطرة في المستقبل لظهورها بمظهر التي تُسيطر بشكل غير شرعي على المناطق الفلسطينية، وربما تضطر للانسحاب منها، وبالتالي تعود لمربع الخطر الأمني.
ويردف هكوهين قائلاً، أنّ عدد القوّات التي تسيّرها “إسرائيل” على الجدار العازل مع غزة، وعلى حدودها مع مصر، هو أكبر بكثير من القوّات التي كانت منتشرة في ظل احتلال المنطقتين، بمعنى أنّ هكوهين، يحرض الحكومة الإسرائيلية على محاولة الاستغناء عن الجدار، الذي لربما سيستنزف القوّة الإسرائيلية في المستقبل من حيث العدد، ومن حيث الوقت.
زاوية سلبية أخرى رآها جرشون، أنّ الجدار في المستقبل سيؤكد ادعاءات الفلسطينيين بأنّ “إسرائيل” تمارس سياسة الفصل العنصري، عملياً على الأرض من خلال الجدار العازل، واستطاع الفلسطينيون في ظل وسائل التواصل الاجتماعي، توطيد روايتهم بأنّ الجدار رمزاً للاضطهاد الإسرائيلي، وهذا سيكون له ارتدادات في المستقبل، في ظل حقيقة أنّ “إسرائيل” ستكاد تكون الوحيدة التي ستظهر بهذا المظهر عالمياً.
هذا بالإضافة إلى زاوية أخرى خطيرة رآها الكاتب، حيث باتت مناطق الاحتكاك على الجدار الصورة الأمثل للدعاية الفلسطينية، وجاءت كما يريدها الفلسطينيون، عزّل يلقون الحجارة باتجاه جنود مدججين بالسلاح خلف جدر اسمنتية.
بعدها انتقل الكاتب إلى الحديث للإجابة عن تساؤل، هل هناك حاجة للاستمرار في بناء الجدار العازل خاصة أنّ هذا الجدار إلى الآن لم يُستكمل ويدور حوله خلافات كبيرة. من الناحية الاقتصادية يرى الكاتب أنّ ما تم انفاقه على بناء الجدار إلى الآن حوالي 15 مليار شيقل (4 مليارات دولار)، وحسب لجنة برودت التي فحصت موضوع بناء الجدار، فقد اعتبرته ضمن دائرة الإدارة غير السليمة وتبذير الموارد، وكان بالإمكان استغلال هذا المبلغ في مشاريع تنموية أخرى.
من الناحية العملية على الأرض، يُشير هكوهين أنّ الجيش الإسرائيلي ومنذ تأسيسه يعاني من نقص في الموارد، وبناء الجدار يتعارض مع مبادئه التي تأسس عليها والتي تنص على استغلال أقل قدر من الموارد في المواجهة، وبناء الجدار ساهم بعكس ذلك، ويتطلب قوّة إضافية وموارد إضافية ستكون على حساب الجيش في المستقبل.
هنا يقصد الكتاب في نقص الموارد، من ناحيتين، الحاجة إلى جيش نظامي أكبر، وكذلك الحاجة إلى ميزانية أكبر، ميزانية باتت ومع كل إقرار للميزانية العامة لدولة تلقى صراعاً، في ظل مطالب الرفع الدائم لميزانية الأمن، مع واقع التحديات الأمنية المستمر.
في نهاية كتابه، طالب جرشون الحكومة الإسرائيلية بوقف بناء الجدار العازل، وأشار أنّ المطالبات باستكماله مرتبطة بموقف سياسي يريد اكمال الفصل بين “إسرائيل” والضفة الغربية، ولكن هذا سينعكس بشكل سلبي على سيطرة “إسرائيل” على المناطق الفارغة في الضفة، حيث أنّ المنطقة الفارغة بين القدس والبحر الميت، يجب أن تبقى بيد “إسرائيل” لاستكمال مشروع القدس الكُبرى.
ويرى الكاتب أن يكون ذلك من خلال تركها مناطق مفتوحة دون جُدُر، حيث أنّ الجدار سيجعل من حدود “إسرائيل” واضحة وسيُعطي فرصة للفلسطينيين، للبناء في تلك المناطق، وزيادة دعم الاتحاد الأوروبي للفلسطينيين وضرورة استكمال سيطرتهم على المناطق “ج” وفق اتفاق أوسلو.
ذلك فإنّ استمرار بناء الجدار سيكون له ارتدادات سلبية على حدود “إسرائيل” وعلى جغرافية القدس في المستقبل، وبالتالي على استمرار الاستيطان في المستقبل والتوسع في الضفة الغربية، إلى جانب الثقل الأمني الذي تم التطرق إليه أعلاه.
جرشون هكوهين هو أحد أبرز الكتاب اليمينيين في “إسرائيل”، وقد طرح قبل فترة من الآن، بأنّ الضفة الغربية يجب أن تكون الحل لأزمة السكن في الداخل الإسرائيلي، وقد أثنى على رابين حينما استثنى في اتفاقية أوسلو 60% من الضفة الغربية واعتبرها مناطق تخضع للسيادة الإسرائيلية، الأمر الذي سهّل من استمرار الاستيطان فيها.
لكنّ الرأي الذي يتبناه كوهين، ويُشاطره فيه غالبية اليمين، بأنّ السيطرة على الضفة الغربية يجب أن تكون برنامج عمل أي حكومة، لم يعد حكراً على اليمين، بل باتت رؤية تتبناها أحزاب الوسط في الدولة العبرية، والتي ترى أنّ الدواعي الأمنية، السياسية، الأيدولوجية وكذلك الجغرافية تتطلب استمرار التوسع في الضفة، واستمرار السيطرة عليها.
ختاماً، ما يتبقى من خلاف إسرائيلي حيال الضفة الغربية ليس بالكبير، فمن وقع اتفاقية السلام، والمقصود هنا هو حزب العمل، فقد استمر في الاستيطان بعد التوقيع، وهو بالأصل من أسس جذور الاستيطان في الضفة وغيرها. يتفق الإسرائيليون على ضم الضفة الغربية وضم مستوطناتها، ليبقى الخلاف بينهم حول الآلية التي يُمكن من خلالها ذلك، هل برؤية اليمين الذي لا يكترث بردود الفعل الدولية، أم برؤية المركز الذي يرى ضرورة أن يتم ذلك بوسائل ناعمة.
* مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني