التطبيع بين العرب والكيان الصهيوني تصفية القضية الفلسطينية

بقلم : توفيق المديني

ليس هناك ولا يمكن أن تقوم علاقات طبيعية بين العرب والكيان الصهيوني ،ذلك أن طبيعة التناقض التناحري، والعلاقة الصراعية بينهما محكومة بنسبة موازين القوى. فما يطلق عليه اسم التطبيع مفروضٌ بشروطِ المنتصرِ أي شروط العدو، وهذا ما حصل في اتفاق أوسلو.

والتطبيع كما يستدل من السياق الذي نشأ منه اللفظ – المصطلح، أوالرمز، هوتطبيعٌ سياسيٌ وعسكريٌ واقتصاديٌ وثقافيٌ وحقوقيٌ ، بين الأنظمة العربية والعدوالصهيوني، وعلاقة حسن جوار، وتعايش مع العدوالقومي الذي هوفي طريقه إلى أن يصبح شريكاً وحليفاً وصديقاً،إن لم يكن قد أصبح كذلك في نظر بعض الحكام العرب،من دون أن يتخلى عن تهويد القدس وكل فلسطين، واستمرارتفوقه العسكري الإستراتيجي والنوعي على جميع الدول العربية منفردة،وعلى أي تحالف عربي محتمل،دون أن يتخلى عن امتيازاته أويغير في وظيفته وبنيته.

صفقة القرن كبوابة للتطبيع

منذ أن طرح الرئيس دونالد ترامب “صفقة القرن “في سنة2017،كتسوية جديدة لتصفية الصراع العربي-الصهيوني،وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية، لم يعد الحديث عن وجود علاقات صهيونية سعودية مجرد اتهام سياسي أو شكوك وظنون من دون أدلة واثباتات، فما يكشفه إعلام العدو وما يسرب من وثائق عن هذا الموضوع يثبت بالأدلة الدامغة ليس وجودية العلاقة بين تل أبيب والرياض فحسب بل المستوى الذي بلغته من تطور وتعاون يصل حد التحالف.

ومن مظاهرالتطبيع بين المملكة السعودية والكيان الصهيوني،ما قاله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان،الذي زارالولايات المتحدة الأميركية نهاية شهرمارس/آذار2018، أثناء المقابلة الصحفية التي أجراها معه جيفري غولدبرغ،رئيس تحريرمجلة”أتلانتيك “الأميركية ،ونشرتها يوم الإثنين 2أبريل/نيسان 2018،إنّ للصهاينة” الحق في العيش بسلام على أرضهم”،مضيفًا”أؤمن بأن لكل شعب، في أي مكان، الحق في العيش في سلام في بلاده”. وتابع “أؤمن أيضا بأن الفلسطينيين والإسرائيليين من حقهم أن تكون لهم أراضيهم الخاصة بهم”.وجاءت التصريحات غير المسبوقة لمسؤول سعودي أثناء جولة أمريكية يقوم بها بن سلمان تستمر لثلاثة أسابيع.

لكن بن سلمان  شدّد على أهمية الوصول إلى “اتفاق سلام لضمان استقرار الجميع والبدء في بناء علاقات طبيعية”، وفقا لما نشر في مجلة “أتلانتيك” الأميركية.ورغم عدم اعتراف السعودية بالكيان الصهيوني رسميًا، ترى الدولتان في الولايات المتحدة الحليف الأكبر في حين تنظران إلى إيران على أنها التهديد الخارجي الأكبر في المنطقة، علاوة على اتفاقهما على الخطر الكبير للجماعات المسلحة في المنطقة. ويُعد الصراع العربي الصهيوني العقبة الأكبر التي تواجه التقارب بين البلدين، إذ لا تزال الرياض تدعم سيادة الفلسطينيين على أراضيهم، وتطالب بالعودة إلى حدود ما قبل حرب 1967 بين العرب والكيان الصهيوني.

وضمن هذا السياق من التطبيع ، لم تكن زيارة رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو لسلطنة عمان الجمعة الماضية مفاجأة في شيء،فقد سبقتها زيارة رئيس السلطة الفلسطينية  محمود عباس إلى مسقط. قبل ذلك بيومين .وأوضح الوزير العماني المكلف الشؤون الخارجية يوسف بن علوي بن عبدالله، أن سلطنة عُمان تطرح أفكارًا لمساعدة الجانبين الفلسطيني والصهيوني  على التقارب، لكنها لا تلعب دور الوسيط. وأضاف: “إسرائيل دولة موجودة في المنطقة، ونحن جميعاً ندرك هذا. العالم أيضاً يدرك هذه الحقيقة، وربما حان الوقت لمعاملة إسرائيل بالمعاملة ذاتها (كالدول الأخرى)، وأن تتحمل أيضاً الالتزامات ذاتها”. لكنه استدرك: “لا نقول إن الطريق سهل الآن ومفروش بالورود، لكن أولويتنا وضع نهاية للصراع والمضي نحو عالم جديد”. وأضاف أن بلاده تعتمد على الولايات المتحدة ومساعي رئيسها دونالد ترامب في العمل باتجاه “صفقة القرن”. وشدد على أن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة مطلب استراتيجي، ومن دونها لا يمكن تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط إطلاقاً، مضيفاً أنه ما لم يتم التوصل إلى حل جذري في فلسطين، فلن ينعم الفلسطينيون بالأمن أبداًـ ولن تستقر المنطقة العربية كلهاـ ولن ينتهي الإرهاب.

ووصف نتنياهو زيارته لسلطنة عُمان عبر صفحته على تويتر بـأنها “زيارة دبلوماسية تاريخية”، ووصف السلطان قابوس بـأنه “زعيم صاحب خبرة طويلة ومبهر جدا”، مضيفا: “هذه هي الزيارة الأولى لإسرائيل في عُمان منذ 22 عاما، وهي تأتي على خلفية جهود دبلوماسية بذلتها خلال السنوات الأخيرة إزاء الدول العربية”.وكان لافتا ظهور وزيرة الثقافة الصهيونية،ميري ريغيف، الأحد الماضي، وهي تتجول برفقة مسؤولين إماراتيين مرتدية الحجاب في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، وقد بدت الوزيرة متأثرة جدا وهي تستمع إلى النشيد الوطني الصهيوني الذي عُزف للمرة الأولى في أبو ظبي بعد فوز لاعب الجودو الصهيوني ساغي موكي بالميدالية الذهبية في بطولة عالمية للجودو انعقدت مؤخرا في أبو ظبي. وقبلها بأيام “وصل وفقد رياضي إسرائيلي إلى قطر للمشاركة في بطولة العالم للجمباز، التي بدأت الخميس الماضي، ورفع علم إسرائيل في حفل افتتاح البطولة، كما عُزف النشيد الإسرائيلي لأول مرة في مناسبة رياضية تنظمها دولة عربية”.

مغزى إنشاء”تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي”

قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في مؤتمر صحافي مع نظيره البحريني خالد بن أحمد آل خليفة على هامش مؤتمر “حوار المنامة” الـ14 للأمن الإقليمي: أن عملية السلام لا بد أن تكون مفتاحاً لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني،وأضاف: “لا علاقة للسعودية مع إسرائيل، ونعتقد أنه لا تطبيع من دون عملية سلام وإعادة الحق الفلسطيني”. ورأى أن مفتاح التطبيع مع الكيان الصهيوني  هو المضي قدماً في عملية السلام التي تستند الى المبادرة العربية التي أقرت في بيروت العام 2002، وتطالب إسرائيل بالاعتراف بدولة فلسطينية على حدود عام 1967 عاصمتها القدس.ومن جانبه، قال وزير الخارجية البحريني: “لم نشك أبداً في حكمة السلطان قابوس في المساهمة بالقضية الفلسطينية، ونتمنى أن تكلل جهوده بالنجاح”.

وفي غضون ذلك، رحب وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بإنشاء “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي” بين الولايات المتحدة وحلفاء خليجيين ومصر والأردن، لحماية أمن المنطقة. وأشار إلى عقد اجتماعات في السعودية لوضع إطار عمل للتحالف، بمشاركة مسؤولين قطريين. في الوقت ذاته، نقلت “قناة العربية” عن وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة أن التحالف سيكون “مفتوحاً لعضويته أمام من يقبلون مبادئه”، و “سيكون نشطاً في مثل هذا الوقت من العام المقبل”.

وعلى صعيد تشكيل “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي”، أكد الجبير في كلمة أمام المؤتمر، “دعم السعودية التحالف”، مشيراً إلى “استمرار النقاشات بين الأردن ومصر لبلورة الأفكار، والتوصل إلى الهدف الأساسي، وهو ضمان الأمن للمنطقة”.. وشدد الجبير على أن إيران “أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم”، داعياً إلى “التصدي لنشاطاتها في المنطقة”. وقال: “يتم التعامل مع رؤيتين في الشرق الأوسط، رؤية سعودية مستنيرة وأخرى إيرانية ظلامية… النور ينتصر على الظلام “.ورحب مبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط جيسون غرينبلات في تغريدة على “تويتر” مساء الجمعة، بـ “علاقات التقارب والتعاون المتنامي بين أصدقائنا الإقليميين”. وأضاف: “هذه خطوة مفيدة لجهودنا نحو السلام، وضرورية لتوفير مناخ من الاستقرار والأمن والازدهار بين الإسرائيليين والفلسطينيين وجيرانهم. أتطلع إلى اجتماعات أخرى مثل هذا!”

الشرق أوسطية مجال حيوي للكيان الصهيوني كإمبريالية فرعية

الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت إدارة بوش الإبن السابقة به كان ولا يزال مجرد فكرة جوهرها استئصال النظم العربية والقوى والأفكار المعادية للسياسات الأميركية والصهيونية والتمكين للنظم والقوى والأفكار المؤيدة لهذه السياسات.ولا شك أن الشرق الأوسط الجديد ينفذ ويقوم على السيطرة والتسلط العسكري والسياسي والاقتصادي للكيان الصهيوني، وإن ضمان هذا الهدف الاستراتيجي يستوجب توفير التمهيدات التالية:

1-تحويل الكيان الصهيوني إلى أكبر قوة عسكرية متفوقة على الدول العربية كلها في المنطقة مع تمتعها حصرياً بالأسلحة النووية.

2- إضعاف وتحطيم قوة الدول والقوى المنافسة كافة القادرة على إيجاد التوازن أمام هذا الكيان،ولا سيما سوريا وإيران كدولتين إقليميتين معارضتين لهذا الكيان.

3- فرض تسوية استسلامية أُحَادِية ومجحفة على سورية لكي تتنازل عن مرتفعات الجولان الاستراتيجية.

4- تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني وكل الدول العربية والاعتراف الرسمي به من دون منح الشعب الفلسطيني المظلوم حقوقه،ولاسيما إقامة دولته الوطنية المستقلة.

5- السيطرة الاقتصادية الكاملة على منطقة الشرق الأوسط في إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد لشمعون بيريز.

و إذا كان مشروع شمعون بيرس الذي طرحه في كتابه حمل اسم ” الشرق الأوسط الجديد” عقب توقيع اتفاق أوسلوعام 1993،واتخذ من الاقتصاد مدخلاً للترويج ” لنظام إقليمي أمني وسياسي واقتصادي يشكل الامتداد الإقليمي ” للنظام الدولي الجديد بزعامة الولايات المتحدة،ويكون فيه الكيان الصهيوني  قطب الرحى فيه بما يتوفر لها من غطاء سياسي،ومن دعم مالي واقتصادي وتكنولوجي،فإن إقامة ” تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي  ” تأتي ضمن ثوابت الإستراتيجية الأميركية التي تخوض معركة التغلغل والسيطرة على العالم العربي بأساليب مختلفة،أولها ضمان أمن وتفوق الكيان الصهيوني نوعياً بفضل المساعدات السياسية والاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية التي قدمتها وتقدمها الحكومات الأميركية المتعاقبة، وثانيها ضمان التدفق الحر لنفط الشرق الأوسط بأسعار معقولة، تأتي أيضاً ضمن الميثاق الوطني التاريخي لمطامع وتطلعات الحركة الصهيونية العالمية في العالم العربي.

إن بناء السوق الشرق الأوسطية، برضى ودعم أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، يمثل شحنات إضافية جديدة للكيان الصهيوني في زيادة تنمية قوته وقدراته، وقوام هذه السوق الشرق أوسطية هي توزيع النفوذ والهيمنة بين التكتلات الاقتصادية العملاقة (أميركا – اليابان -، والاتحاد الأوروبي) ومع الاحتفاظ بالمركزالأول للولايات المتحدة الأميركية بحكم ما تستأثره من تفوق مطلق في القوة العسكرية والهيمنة السياسية والاقتصادية على المنطقة العربية وبين الكيان الصهيوني الذي أصبح يحتل المركزالأول المتفوق على الصعيد الإقليمي، باعتباره كياناً قائماً على ازدواجية ما بين كونه أداة وقوة ضرب وتدخل سريع تعمل لحساب الإمبريالية الأميركية ذات المصلحة بالتحالف الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني وبين كونه كياناً استيطانياً عنصرياًقائماً بذاته على أساس التوسع والعدوان،وتفتيت كيان الأمة العربية، وإثارة كل أشكال التناقضات الكامنة فيها، وخلق كيانات للطوائف والمجموعات الإثنية، وإعادة تشكيل خريطة العالم العربي،  له أطماعه ونواياه الخاصة التي تتوخى في النهاية بناء قوة ذاتية قادرة،هوذاته النموذج الذي يقوم عليه التخطيط الصهيوني الاقتصادي للعاجل والآجل.

قبل الحديث عن مفهوم “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي”في مراحله الأولى،علينا أن نحدد المفهوم الإقليمي للشرق أوسط باعتباره لازمة النظام السياسي الإقليمي لهذه التحالف ، إذ إن فكرة “تحالف الشرق الأوسطالاستراتيجي” كظاهرة سياسية تتطلب تحليلها في بعديها المكاني والزمني، وفي بعدها الدولي، ونبدأ بالتسميات – أولاً – يطلق الغرب الرأسمالي الاستعماري والإمبريالي على العالم العربي اسم ” العالم العربي ” وذلك في نظرته التفكيكية، والابدالية، والاستملاكية، والاقتلاعية للعرب، على الرغم من معرفته أن العرب يشكلون أمة واحدة، وشعباً واحداًيعيش على امتداد مساحة جغرافية واحدة، ويتكلم لغة عربية، وله دينٌ  إسلامي توحيدي ، وهويته هي الهوية العربية الإسلامية، أما المشرق العربي فيسميه عنده ” الشرق الأوسط “، والتسمية أتت من دائرة المعارف الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية، ويتألف من ثلاثة أجسام: جسم جغرافي يمتد على مساحة تقارب 14 مليون كيلومتر مربع،وجسم بشري يشمل 300 مليون نسمة وجسم عرقي أولغوي بالأحرى يتألف من ثلاث أرومات كبرى: سامية – وأرية – وإفريقية إضافة إلى أقليات إثنية وقومية مثل الأكراد والأرمن، والمقصود بالشرق الأوسط هي المنطقة التي تضم (مصر – السودان – قبرص – لبنان – سورية – الأردن – العراق – البحرين – الامارات العربية المتحدة – اليمن – الكويت – السعودية – الكيان الصهيوني – عُمان – قطر – ايران – تركيا).

رغم أن الأمة العربية واحدة من الأمم القديمة، وهي أقدم من مفهوم الشرق الأوسط، وتناضل في سبيل تحقيق تحررها، ووحدتها واستقلالها، وتقدمها، وتحترم حق غيرها من الشعوب في الوحدة، وتحترم حق غيرها من الأمم في الاحتفاظ بحريتها، فإننا نجد في عصور الظلام والهزائم السياسية والعسكرية، وبعد توقيع اتفاق أوسلو،والاتفاق الصهيوني – الأردني، تياراً عربياً قوياً قد نما في معظم الدول العربية يتبنى التطبيع مع الكيان الصهيوني ، وقد جعلته تبعيته للإمبريالية الأميركية،يعارض مفهوم الأمة العربية بمفهوم الشرق الأوسط ويسقط من حسابه القضية القومية العربية، ويعتبرها مجرد أوهام من الماضي، أومجرد صراع يعود إلى مرحلة الحرب الباردة ،ويحارب بشدة فكرة الأمة العربية، وقضية الوحدة العربية، بحجة أنها لم تتحقق إلا في حالات ومراحل محددة كانت شواذ في التاريخ العربي الإسلامي، وهذا التيار يبلور أطروحته الايديولوجية والاقتصادية على أساس أن مفهوم الشرق الأوسط كنقيض لوجود الأمة يتضمن كل مستلزمات التقدم، والازدهار الاقتصادي، والرفاهية لشعوب المنطقة، بل هوكل المستقبل.

هذا التيار التبشيري على اختلاف دوافعه وغايته، يعتبر نصيراً قوياً للتطبيع مع العدوالصهيوني،والاندماج في النظام الشرق أوسطي،لأنه يرى في هذاالنظام،العودة إلى الوضع الطبيعي حسب منطلقه، ولذلك يقول مبشروهذا التيار،إنه يجب التخلي عن كل الممارسات والأفكار المشوهة التي لم تكن تعبر تعبيراً صادقاًعن حقائق ورغبات الأغلبية العظمى من شعوب المنطقة، هذه الأغلبية العظمى لم تنتم يوماً لما كنا نسميه عروبة أوعرب، وكانت ضحية لكلمات فضفاضة من لغة عقيمة ومتخلفة، وفي مثل هذا التوجه الشرق أوسطي لا تختلف «إسرائيل» عن أي دولة عربية، ولا تختلف أي دولة ناطقة بالعربية عن تركيا أوباكستان الكل يجمعهم توجه واحد وإقليم واحد ومصلحة مشتركة.

وتنبع الفكرة الإيديولوجية الأعمق لهذا التيار التبشيري من محاولة طمس الهوية

العربية – الإسلامية للمنطقة العربية، معتبراًإياها أنها مساحة جغرافية تعاني من محنة الهوية، وبلا هوية حضارية، ولذلك يندفع بقوة انطلاقاً من استغلاله أزمة الهوية أوعقدة الهوية في الوطن العربي التي يعانيها العرب الآن لتسويغ وجود الكيان الصهيوني على أرض العرب، وقبول التطبيع معه،باعتباره دولة موجودة في الإقليم الشرق أوسطي نفسه،على هذا القدرالرفيع من التقدم الصناعي والاجتماعي والسياسي، يتطلب والحال هذه من العرب أن يكونوا مستعدين للدخول في مرحلة من التحدي الحضاري معها،وهي مرحلة قد تكون أصعب من مرحلة التحدي العسكري للكيان الصهيوني التي انتهت،أوقاربت على الانتهاء، وبالتالي القبول بالهوية الجديدة  “الشرق أوسطية ” التي تتموقع فوق هويات شعوب المنطقة – باعتبارها حاملة لواء الحضارة والتقدم والأمل في تغيير المجتمعات، وحل مشكلات النموالاقتصادي والحريات الفردية والجماعية، والليبرالية السياسية، وبشائر الديمقراطية، والتطور الاقتصادي والاجتماعي المتناسق، والتبعية الثقافية.

ثم إن الكيان الصهيوني يعتبر نفسه جزءاً لا يتجزأ من الشرق الأوسط، لهذا يريد أن يترجم مسار السلام الحالي إلى لغة الاقتصاد. ذلك أن السلام الحقيقي من وجهة نظره يتمثل في إقامة علاقات طبيعية مع دول المنطقة في جميع المجالات، وإقامة علاقات اقتصادية كاملة.

كما أن هذا السلام لن يكون مستقراً إلا متى انخرط الكيان الصهيوني في اقتصاديات دول المنطقة العربية عبر إقامة السوق الشرق أوسطية المشتركة، وتعاون اقتصادي إقليمي يعتمد على الخبرة والتكنولوجيا الصهيونية والأموال العربية والغربية، والثروات الطبيعية العربية.

لقد أصبح جلياً وواضحاًأن الدعوة الصهيونية لإقامة الشرق أوسطية،والنظام الإقليمي الشرق أوسطي والتي تجد من يؤيدها على الصعيد العربي، تنطلق من الأفكارالصهيونية ومن مصلحة الكيان الصهيوني وأطماعه الاقتصادية أولاً وأخيراً، وبمشاركة دولية تكون غطاءاً مناسباً للهيمنة الصهيونية على المنطقة العربية كلها.

العلاقات الاقتصادية بين الكيان الصهيوني وبعض البلدان العربية و الإسلامية

من المؤكد أن أحلام الكيان الصهيوني الاقتصادية في الأسواق العربية قد بلغت عنان السماء، وأن الصهاينة كما قاموا بتجهيز قنابل نووية تكتيكية لكل عاصمة عربية، فقد قاموا بإعداد خطة اقتصادية لتحقيق أحلامهم بالنفاذ إلى كل سوق من الأسواق العربية على حدة وبما يتناسب مع ظروف كل دولة عربية،وبما يتوافق مع موقف هذه الدولة من المقاطعة الاقتصادية لـلكيان الصهيوني .

فقد كشف المعهد الصهيوني للصادرات عن زيادة الصادرات الصهيونية إلى دول عربية و إسلامية :

1-الأردن:احتل المركز الأول بقيمة إجمالية لحجم التبادل التجاري مع الكيان الصهيوني 340 مليون دولار،(الصادرات الصهيونية إلى الأردن بلغت 58مليون دولار،أما الواردات الصهيونية فبلغت 248مليون دولار).

2- مصر: بإجمالي 150 مليون دولار ،(الصادرات الصهيونية إلى مصربلغت 85مليون دولار،أما الواردات الصهيونية فبلغت 65مليون دولار)

3- المغرب: بلغ إجمالي قيمة التبادل التجاري 48 مليون دولار،(الصادرات الصهيونية إلى المغرب بلغت 21مليون دولار،أما الواردات الصهيونية فبلغت 27مليون دولار) .

4-تركيا:بلغ إجمالي  قيمة التبادل التجاري 4.310مليار دولار،(الصادرات الصهيونية إلى تركيابلغت 1.415 ملياردولار،أما الواردات الصهيونية فبلغت 2.895ملياردولار) .

ويؤكد العديد من الاقتصاديين أن الأسواق العربية هي المفتاح لانتعاش الاقتصاد الصهيوني وذلك لعاملين أساسيين هما:

1 – العامل الجغرافي حيث يقع الكيان الصهيوني في قلب المنطقة العربية،مما يحتم عليها أن يتعامل مع جيرانه وعدم الانعزال عنهم،ولوكان موقع الكيان الصهيوني في أميركا أوأوروبا؛ لما كانت له حاجة ماسة للتعامل مع الأقطار العربية في الشئوون الاقتصادية.

2- القدرات المالية الكبيرة للدول العربية وأسواقها الواسعة وقدراتها على امتصاص كميات ضخمة من السلع الصهيونية ولاسيما في أسواق دول الخليج العربي وأسواق الدول العربية كثيفة السكان مثل مصر وسورية والعراق .

خاتمة:

أخيراً،إن “تحالف الشرق الأوسطالاستراتيجي” الذي دعت إليه الدول الخليجية لمواجهة إيرانوسورية وقوى المقاومة في الإقليم ،يستهدف شرعنة التطبيع بين الكيانالصهيوني و الدول العربية، و ربط الاقتصاد العربي بعجلة التطور الصهيوني،إذ إن الاندماج الصهيوني في النسيج الاقتصادي والاجتماعي للأمة العربية لتمزيقها من الداخل وتفتيتها، بعد أن عجزعن تحقيق ذلك بوساطة الحروب رغم تفوقه العسكري،ورغم الوظيفة الرئيسية التي كانت مناطة به في خدمة النظام الإمبريالي العالمي ألا وهي دوررأس جسرعسكري، وقاعدة استراتيجية متقدمة للغرب بزعامة الولايات المتحدة الأميركية.

إن مواجهة  التطبيع مع الكيان الصهيوني يتطلب من الشعوب العربية والإسلامية أفراداً وأحزاباً وجماعات ومنظمات، التمسك بخيار مقاومة المشروع الإمبريالي الأميركي –الصهيوني ، وإقامة السوق العربية المشتركة، وتحقيق التكامل الاقتصادي العربي واستمرارالمقاطعة العربية للكيان الصهيوني،ومقاومة سياسة التطبيع،وخلق وضع عربي مقاوم مناهض للهيمنة الإمبريالية الأميركية الصهيونية .

إن القضية الفلسطينية هي قضية الصراع العربي مع الإمبريالية الأميركية, وللحركة الصهيونية في فلسطين دور وظيفي تؤديه في هذا المجال. ولذلك يجب أن يبقى الصراع دائراً, وألا يجزأ,لأن تجزئته في فلسطين, ومحاولة الفصل بين الإمبريالية الأميركية والكيان الصهيوني قاد الحركة الفلسطينية إلى الضلال,وأضاع فلسطين, وأية محاولة لاعتبارحكومة الولايات المتحدة الاميركية حكماً,سيقود إلى الضلال والضياع. ثم إن أية محاولة لاعتبارالمشكلة فلسطينية – صهيونية, سيقزم المسألة, وسيجعلها مثل مئات قضايا اللاجئين في العالم, وستطرح الحلول الإنسانية لمشكلة اللاجئين.

إن الكيان الصهيوني كان مصلحة استراتيجية أميركية بامتيازولايزال، وسيظل كذلك في منطقة الشرق الوسط. بيد أن نجاح استراتيجية حزب الله الذي تفوّق على “زبائن الولايات المتحدة العرب الذين وقّعوا اتفاقات سلام للحفاظ على أراضيهم”، وأحرج موقع الكيان الصهيوني بعد حرب تموز2006، أكد أن الولايات المتحدة الأميركية لن تغير من موقفها المنحاز للكيانالصهيوني ،إلاّ إذا أصبح العرب قادرين على تحريرأرضهم من طريق المقاومة وبناء ذات الأمة على أسس حديثة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى