الاعلامي المصري حمدي قنديل.. عاش مرتين
بصوت رخيم، ونبرة مطمئنة، كان يصوب كلماته كقذائف لهب على المسؤولين والحكام العرب، مستعيرا ألسنة شعوبهم، منتقدا ومتهكما، مما جعل برامجه المرمى الأول للغلق والمصادرة.
إنه الإعلامي المصري والعربي الشهير حمدي قنديل، الذي وافته المنية، مساء أمس الاول الاربعاء عن عمر يناهز الـ82 عاما.
لقد شكل قنديل طوال مسيرة استمرت زيادة عن 60 عاما، نقطة مضيئة في مجال الصحافة، وخاصة التليفزيونية منها، أزعج حكاما، وأغضب أنظمة، وحاور رؤساء وملوك ، وهاجم مواقف وقرارات من دون موائمات أو حسابات، كان دائما يؤكد “أنقل ما أعتقد أنه الحقيقة” لهذا كانت برامجه “رئيس التحرير” و”قلم رصاص” مقصدا للغالبية للشعوب في مصر والوطن العربي حتى بعد توقفها بـ10 سنوات، وافتتاحيته الشهيرة “أهلا بكم” من أكثر الافتتاحيات قبولا، فيذكر له العرب مقدماته النارية الخاصة بالقضية الفلسطينية، والاحتلال الإسرائيلي.
فقد قال منتقدا بعض المفارقات العربية تجاه القضية الفلسطينية،” اه يا أمة جاحدة، أمة ناكرة، أمة ذليلة ، أمة واهنة، أمة تلفانة، أمة عدامنة، أونطة، أمة كانت أمة محمد وأصبحت أمة مهند”، وعلق على إعدام صدام حسين بقول “اختفت الرؤوس وتضاءلت القمم”.
لغته اللاذعة، ولهجته الواثقة، جعلت برامجه في مواجهة مباشرة مع مدى قدرة الأنظمة العربية على تقبل النقد، وهي المواجهة التي لم تصمد فيها مصر والإمارات وليبيا أمام قنديل، وانتهت بإيقاف برامجه.
بدأت مسيرة حمدي قنديل مع الصحافة، عام 1957، حيث أصدر مجلة وهو في الثانوية العامة أطلق عليها اسم “الإخلاص”، غير أنه التحق بكلية الطب ودرس بها لمدة 3 سنوات، ولكن نداهة الصحافة لم تدعه يكمل دراسة الطب، حتى استجاب لها وتركه ودرس الصحافة، و عمل كمحرر في مجلة آخر ساعة بطلب من مصطفى أمين، وبعدها التحق بالعمل بالتلفزيون المصري وقدم برنامجه الأول “أقوال الصحف” في بداية الستينات، وتبعها الكثير من البرامج أشهرها مع حمدي قنديل في قناة art، ورئيس التحرير على القناة الفضائية المصرية، ثم على قناة دريم الخاصة، قبل أن يوقف بقرار من الحكومة المصرية بسبب انتقاده لتعامل الأنظمة العربية مع الانتفاضة الفلسطينية، ليذهب بعدها قنديل إلى الإمارات ليقدم برنامجه قلم رصاص على قناة دبي ثم على قناة الليبية.
كتب قنديل سيرته الذاتية ومذكراته، تحت عنوان “عشت مرتين”، تناول خلالها تجربته الفريدة في الإعلام والصحافة، ومسيرته المهنية الممتدة من الستينات، قائلا “سوف أتحدث عن تجربتي دون أن أنزلق إلى إعطاء الدروس لن أروى من الوقائع إلا ما رأيته بعيني أو سمعته بأذني، ولن أعمد إلى تبييض صفحتي أو تلويث خصومي لي بالطبع أصدقاء طوقتهم دوامة الزمن، كما أن هناك من اختاروا أن يعادوني لأنني أخالفهم الرأي، لكنني أرجو أن أكون منصفا لأصدقائي عادلا مع غرمائي، إذ ليس في نيتي الانتقام، وليست لدي رغبة عارمة في تسجيل هدف في مرمى أحد يعرف رفاقي أنني قابض على قناعاتي حتى لو اشتعلت جمرا، لكنهم يعرفون جيدا أنني لا أميل للعراك، كما أنني دون أدعاء لا أود أو أعمد للإساءة إلى أحد، إلا إذا كان في قول الحقيقة ما يسيء”.
تزوج الفنانة المصرية الشهيرة، نجلاء فتحي، واستمرت صداقتهم وزواجهم منذ عام 1992 وحتى وافته المنية.
طالما كان يؤكد أنه حقق كل ما تمناه، وكأنه عاش مرتين، وأن شعور السعادة والأمل يلازمه دوما حتى أنه يرى في نومه أحلاما سعيدة.