دريد لحام يعتبر فيلم “دمشق- حلب” تلخيصاً لمحنة سوريا ومعاناة شعبها

 

لعبت مصر دورا مهماً في مساندة الفن السوري، وكان مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط من أهم هذه البوابات، حيث قدم عددا من الأفلام السينمائية السورية في دورته 34 التي عقدت مؤخرا. وعلى هامش هذا المهرجان تحدث الفنان السوري دريد لحام ليتحدث عن فيلم “دمشق- حلب” الذي كان من بطولته وعن الفن والحرب.

لقد كان فيلم “دمشق- حلب”، واحدا من أفلام سورية عدة قُدمت خلال مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط لنشر الثقافة السورية في زمن الحرب، وكان صمت دريد لحام في بعض مشاهد الفيلم أبلغ من الكلام، لأنه عبّر عن أسى حقيقي وهو يتفقد مشاهد الدمار في بلده ويفتقد عائلته، بينما رحل أغلب الأصدقاء، ويتحسس الخطى خوفا من الاصطدام بلغم مزروع في أرض حلب.

حرص المخرج باسل الخطيب الذي قدّم عبر أفلامه مرآة سينمائية لواقع سوريا الأليم، على أن يقدم في هذا الفيلم الذي كتبه بمشاركة شقيقه قصة رجل يعيش عزلة في دمشق فرضتها الأوضاع الأمنية، ومع تحرير مدينة حلب قرر زيارة ابنته للاطمئنان عليها والتي تُقيم هناك ولم يرها منذ سنوات، فيستقل حافلة ركّاب، يمثل أفرادها أطيافا عدة في المجتمع السوري.

وتدور بينهم نقاشات وتقع تطورات تعكس واقع الحال الذي يعيشونه الآن، تماماً كالمرآة الصادقة بحيث تقدّم الوجه الحقيقي لهذا البلد خصوصاً جهة التلاحم والتعاون السائدين بين أبنائه حتى في أصعب الظروف التي عبرت بها.

يقول دريد لحام إن “أهم ما أعجب به في هذا الفيلم تناوله بصدق لحقيقة المجتمع السوري.. واقعه وأحلامه، وبتنفيذ هذا العمل حققت آخر أحلامي الكبيرة، ولم يبق أمامي سوى أحلام صغيرة قد تصبح كبيرة في ما بعد، مثل أن أجد عملا يتلاءم مع أفكاري، في ظل اختيارات صعبة للغاية”.

ويشير إلى أن مستقبله وراءه وليس أمامه، قاصدا بالمستقبل هنا سجل أعماله السابقة التي قدمها، بالتالي عليه أن يكون حريصا على تقديم أعمال لا تسيء لتاريخه الفني.

لقد استطاع دريد لحام أن يحقق المعادلة الصعبة، وتتوافق شخصيته في الواقع مع تلك التي يجسدها في الفيلم الأب (عيسى عبدالله) بالأداء الهادئ غير الانفعالي، من خلال عمله كمذيع مخضرم يتمتع بخلفية ثقافية ولغة رصينة، ويصطدم بالمتغيرات الجديدة للغة إعلامية متلونة وسطحية تسيطر على برامح التوك شو، يجسدها مذيع (الفنان عبدالمنعم عمايري)، حيث يقدم برامج اجتماعية رومانسية.

وأدى عمايري دوره بخفة ظل، وكان يمثل الخط المتنافر مع الخط الدرامي لدريد لحام، ووصلت الحالة الإنسانية إلى أوجها بين الاثنين عندما استوعب عمايري قيمة المذيع المتقاعد وقامته الإعلامية، وبنفس الوقت استيعاب دريد لحام (عيسى) المتغيرات التي تمر بها البلاد، وأثرت سلبا على الإعلام بشكل عام، ليحتضنا بعضهما كما لو أن الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد وحدتهما وجعلت كلا منهما يتقبل الآخر.

يعد الحدث الأساسي لفيلم (دمشق ـ حلب) هو تفجير القصر العدلي الذي وقع في منتصف مارس/ اذار 2017، هو نقطة تحول للشخصية وللشخصيات الأخرى، مما يشير إلى مضمون الفيلم الإنساني لدراما تحكي جانبا من الواقع الذي يعيشه الشعب السوري، حيث يقرر عيسى زيارة ابنته دينا (كندة حنا) التي تقيم في حلب وفقدت زوجها في حادثة خطف مجهولة، وحين يستعد للسفر يستقل حافلة ركاب ليبدأ المشوار.

تنطلق حكاية البطل عيسى مع عديد من الأشخاص الذين يصادفهم في هذه الرحلة.. الركّاب يمثلون أطياف المجتمع السوري وتدور بينهم نقاشات وتحصل تطورات تعكس واقع الحال الذي يعيشه السوريون حاليا، تماماً كالمرآة الصادقة بحيث تقدّم الوجه الحقيقي لهذا البلد، خصوصاً لجهة التلاحم والتعاون السائدين بين أبنائه حتى في أصعب الظروف التي عبرت بها، ولم تستطع النيل من إرادة العيش، والوحدة والتواصل بين أطياف الشعب الذي أدرك معنى الالتفاف والتعاضد في تخطّي أعتى المصاعب والأزمات.

يشير لحام في حواره مع “العرب”، إلى أن العمل كُتب ليعبر عن السينما والهوية السورية، وكيف يتصرف المجتمع بود ومحبة بعيدا عن حالات الكراهية والغربة التي عاشها وسط الحرب، ولم نأخذ من الربيع إلا الخراب في الفيلم.

ويضيف “أخطأ بعض المثقفين في الحكم على ما يجري في سوريا.. وأطلقوا على ما حدث في البداية ثورة، ونحن أهل سوريا نعلم تماما أنها ليست ثورة بل إنها حرب، فقد رأينا حوالي 80 ألف مقاتل من مختلف دول العالم جاؤوا إلى سوريا، كي يقتلوا الشعب السوري”.

وقلت “لأحد الأصدقاء المصريين إننا تابعناكم في 2011 بساحة التحرير وتابعنا كل تفاصيل تلك الأيام، وشاهدنا وقتها عشرات الآلاف من المصريين يطالبون بإسقاط النظام، ونطقوا بجملة الشعب يريد إسقاط النظام.. أريد أن أسألكم عن شعوركم كمصريين وأنتم تصرخون بنفس الشعار.. وشخص آخر من باكستان يصرخ معكم بنفس الشعار.. هل تقبلون ذلك؟ لا.. فإذا لم تكن المسألة مصرية فقط بمعنى أن بها 70 جنسية تقاتل.. فهنا لم تعد ثورة بل مؤامرة”.

وتابع دريد لحام “من الخطأ قول إسقاط النظام والمفترض قول إسقاط السلطة وليس النظام، لأن سقوط الأخير معناه الفوضى، وإذا تناولنا هذه العبارة بالمفهوم الأيديولوجي فكلمة إسقاط النظام تعني نظاما جمهوريا نريد أن نجعله ملكيا، أو نريد أن يكون سلطانا ديكتاتوريا.. هذا تغيير النظام أما إسقاط السلطة أو إسقاط الفاسدين فأنا معه”.

يوضح لحام لـ”العرب” أن فيلمه ليس سياسيا بقدر ما هو تحقيق للمواطنة التي يبحث عن عناصرها والتأكيد عليها، ففي الرحلة يجد تلك النماذج المتنوعة من الشخصيات، من معاون سائق الحافلة وهو نقطة الوصل بين كل الركاب والذين يتحولون من خلال الزمن إلى أسرة واحدة بما في ذلك المذيع (عبدالمنعم عمايري) ونماذج أخرى مثل المرأة المريضة بالسرطان وتجسد دورها الفنانة صباح الجزائري، والمطربة التي لديها فرح في حلب، وعروسين، ومدرسة أطفال التوحد”.

ويلفت لحام إلى أن الفيلم تجسيد للحالة التي تعيشها سوريا أثناء الحرب، أو بمعنى أدق إنها تعيش على سطح من الألغام، لكن الإصرار والعزيمة للمواطن والجندي السوري قادران على اجتياز تلك المخاطر، ففي الفيلم يذهب المذيع الأب (لحام) إلى ابنته في منطقة حلب، لكن المكان الذي تعيش فيه تحيط به الألغام، وهو ما حذره منه أحد عناصر الجيش السوري، غير أنه قرر المخاطرة والمجازفة بحياته من أجل حضن وقبلة لابنته، قبل أن يجتاز طريق الألغام ليصل إلى ابنته ويحتضنها ويقرر أن تعود معه إلى دمشق، وتكون بالتالي نهاية الفيلم تحمل الأمل والتفاؤل.

وأراد لحام أن ينقل ذلك بشكل واضح للجمهور، فالأزمات لها شكل إيجابي آخر، وأنها نجحت (على حد قوله) في أن تقربهم من بعضهم حتى أصبح الغرباء في أول الرحلة عائلة في آخرها، هكذا يبدو المجتمع السوري بعد السنوات السبع العجاف، والتي جعلت منهم “عائلة واحدة صامدة على هذا الأساس، فنحن في سوريا صمدنا وصبرنا تعلقا بوطننا وبلدنا”.

يرفض عيسى عبدالله في أحداث الفيلم مغادرة بلاده التي عاش عمره كله على أرضها، ورغم كل ما يحيط به من أزمات إلا أنها زادته إصرارا على العيش في وطنه متنقلا بين محافظاتها رغم خطورة ما يفعل، وهو ما يتشابه بقدر كبير مع حالة الفنان دريد لحام الذي لم يكن ضمن قوافل الفنانين الذين انتقلوا للعيش خارج حدود سوريا، وأصر على البقاء في مواجهة عدو غير معلوم من دول مختلفة ليحاربهم تارة بالفن وأخرى بالتنديد عبر القنوات الفضائية والصحف مستخدما دوره كفنان في الدفاع عن أرضه.

ويصف دريد لحام حالة عيسى عبدالله بأنها قريبة منه بالفعل، لذلك عندما يسافر إلى بعض البلدان ولا يعرفون شخصه ويسألونه من أين أنت؟ يقول لهم “أنا وطني الثاني سوريا والأول رحم أمي وهما بالنسبة إلي نفس الشيء، فإذا أصيبت أمك بوعكة صحية هل تتركها وتبحث عن أم أخرى ولا تقف بجانبها حتى تشفى؟ نحن في سوريا مغروسون في الأرض، إذا تخلينا عن جذورنا نموت، فكما قالت غادة السمان الأديبة الرائعة لا تحاول أن تأخذ شجرتك معك إلى الغربة لكي تحظى بظلها لأن الأشجار لا تهاجر”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى