كلّنا في الهمّ شرق

بقلم : د. عبدالعزيز المقالح

إذا كان الشاعر صاحب هذا الشطر من البيت الشعري المشهور قد قصد كلاً من المشرق العربي والمغرب العربي، فقد نجح في التعبير عن الواقع الذي يجمع بين شطري الوطن العربي في السراء والضراء. وعندما كانت طلائع الاحتلال الأجنبي تبدأ من ذلك المغرب كان زحفها الخبيث لا يتوقف إلاَّ في نهاية هذا المشرق.

واليوم فإن المشكلات والانقسامات عندما تبدأ هنا، فإنها سرعان ما تنتقل إلى هناك وإن تباطأ سيرها بعض الشيء.

وقد كان المراقبون الذين يتابعون الأحداث التي تجري في بعض الأقطار العربية، يعتقدون أنها لن تتمكن من العبور من قطر إلى آخر، ولكن «ثورة الشباب» عبرت من المغرب إلى المشرق. وفي الأيام الأخيرة تنقل وكالات الأنباء العربية والأجنبية أخباراً محزنة عن صراعات وانفلات، مما يحدث في بعض أقطارنا المشرقية، وكل ذلك يدل على مصداقية ذلك القول الشعري الذي يؤكد أننا في الهم شرق، وهو يناقض ويتحدى الأطروحات الانفصالية التي قد لا ترى جامعاً يوحّد هذه الأقطار أو بالأصح هذه الأمة التي مزّقتها الغزوات والاحتلالات الأجنبية، وحكمتها بعض الأنظمة التي لم تكن يوماً تؤمن بوحدة الهدف ولا بوحدة الصف ولا بوحدة المصير، وهي أنظمة افتقدت الإحساس بالجذور وما يسكن في وجدان الغالبية العظمى من إيمان بوحدة تبني وتحمي أحلام المستقبل.

والأيام والأعوام والتجارب التي شهدها هذا الوطن ولا يزال يشهدها، تبرهن موضوعياً أن المحاولات المتسرّعة التي تهدف إلى إيجاد حلول جزئية مبتورة لهذا القطر أو ذاك لن يكتب لها النجاح، لا بل ليس لها أي حظ في النجاح، وأن الحل الشامل والمتكامل القائم على أسس سليمة ومتينة وواضحة هو الذي في مقدوره أن يضع حداً لهذه الحال من التردي والصراعات التي أدّت إلى ما أدّت إليه من مآسٍ لم توفر أحداً. فالجسد العربي واحد، هكذا تقول الجغرافيا وهكذا يقول التاريخ، وما يعتري عضواً من أعضائه أو بعضها لا حل له إلاَّ من خلال الرؤية العامة، كما لن يتم إبعاد القوى الخارجية ورفض حشرها في قضايانا إلاَّ عن طريق هذه الرؤية الموحدة التي من شأنها أن تسد الثغرات التي ينفذ إليها هؤلاء القادمون من مناطق شتى ولأهداف شتى أيضاً، وستظل جراح الأمة مفتوحة تنزف دماً وهموماً وأحزاناً في مشرقها ومغربها.

ولا ننسى هنا دور القنوات التلفزيونية في إعطاء صورة للمتابع عن التشابه والتماثل في مشكلاتنا، وأتمنّى أن يعطي كل عربي مثقف جزءاً صغيراً من وقته لمتابعة ما تبثّه القنوات المغربية، والقنوات المشرقية، ليعرف من خلال ما تعرضه من هموم ومشكلات، أنها هي همومه ومشكلاته.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى