في الاعـادة افـادة و.. شـهادة
بقلم : فهد الريماوي
بنقرة اصبع، يستطيع اي قارئ في مشارق الارض ومغاربها، ان يستعيد من ارشيف زاوية “على ضفاف المجد” مقالنا المنشور بتاريخ 11 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي تحت عنوان “السعودية تقف على كف عفريت وتنتظر مصيراً حالك السواد”.
هذا الاوان، وبعدما تورط “امير المناشير” محمد بن سلمان في اقتراف جريمة داعشية بشعة قوامها القتل والتقطيع والتفظيع، يحق لنا الادعاء باننا قد رأينا قبل الآخرين، وتوقعنا منذ نحو سنة ما بات الآن واقعاً، وقرعنا اجراس الانذار والتحذير من مغامرات هذا الغلام الطائش.
اليوم، وقد اعترفت السلطات السعودية رسمياً بقتل الزميل المغدور جمال خاشقجي، ولم تأت على ذكر “الرأس المدبر” الذي لا يشك احد في العالم انه “ولي اللحد” الامير محمد بن سلمان .. نعيد نشر هذا المقال حرفياً، لان في الاعادة افادة للقارئ، وشهادة لنا بقراءة صفحات الغد السعودي بعيني “زرقاء اليمامة”.
السعودية تقف على كف عفريت وتنتظر مصيراً حالك السواد
في: نوفمبر 11/ 2017
رغم ان عالم اليوم متخم بعلامات التعجب والاستغراب، ومفعم بمحركات الذهول والاندهاش، الا ان الجاري حالياً في المملكة السعودية على يد المراهق السياسي الامير محمد بن سلمان يتخطى كل لوائح الشذوذ والضلال، ويتجاوز افدح فوضويات العبث والهوس واللامعقول.
وحتى لو ان ما يفعله هذا الامير المتسرع يحظى برعاية العراب ترامب، ويتضمن قدراً من الصحة والصوابية والضرورات الموضوعية، ويتغطى بزفة اعلامية صاخبة ومتعددة الابواق والاناشيد والزغاريد، فهو محض مغامرة – بل مقامرة – مجنونة وطاعنة في الطيش والتهور، من شأنها وضع المملكة المرتبكة في عين العاصفة وبؤرة المخاطر الجسيمة.
وما دام ترامب غشيماً في ميدان السياسة الخارجية، ومأزوماً في عقر البيت الابيض، ومشكوكاً في صحة فوزه بالانتخابات الرئاسية، ومرشحاً للعزل والسقوط في اية لحظة.. كيف يجوز لامير آخر الزمان، محمد بن سلمان ان يعتمد على دعمه، ويطمئن الى حكمته، ويضع كل البيض السعودي في سلته ؟؟ وكيف يحق لهذا الصبي الغبي ان يتجاهل ويتغافل عن درس مسعود – او متعوس – البرزاني الذي حرضه نتنياهو وشجعه ترامب على التمرد والانفصال عن العراق، ثم تخليا عنه قبل صياح الديك، وتركا له ان يتجرع وحده سم الهزيمة وعلقم الاستقالة ؟؟
باقل القليل من الملاحظة، وبغير حاجة للكثير من المتابعة والتمعن والتدقيق، يستطيع اي مراقب سياسي التأكد ان هذا الغلام المستهتر يحرث في البحر، ويكتب خلف السطر، ويرسم فوق الغيم، ويزرع خارج الحقل.. بل يريد ان يحصد قبل ان يزرع، ويقرر قبل ان يفكر، ويصلي قبل ان يتوضأ، ويبلغ الخاتمة دون ان يبدأ، ويمعن في “حرق المراحل” وسلق الاحكام وخرق نواميس الطبيعة، بغير روية وتبصر وتحسب للعواقب.
لا يمكن لفاسد ان يحارب الفساد، ولكن يمكنه محاربة الفاسدين ليحل محلهم، او يستولي على ما لديهم.. ولا يمكن لوزير دفاع فاشل في “عاصفة حزمه” على اليمن لما يقارب ثلاثة اعوام، ان يحرز النجاح ويجترح المعجزات حين يستغل سلطات والده الملكية، لاغتصاب ولاية العهد وتسلم زمام الحكم.. ولا يمكن لاعرابي يتلفع بالعباءة الامريكية، ويطمئن لصداقة العم سام، ان يسلك دروب الصلاح والاصلاح، او ينتهي على خير وسلام.. وشاهدنا ما حصل للملك فيصل بن عبد العزيز، ومن بعده لشاه ايران وحسني مبارك وغيرهم.. ولا يمكن لأمي في العلم الاستراتيجي يخوض حرباً على جبهتين : داخلية تطال شيوخ الوهابية وامراء الفساد معاً، وخارجية تطال ايران واليمن وسوريا وحزب الله، ان يخرج من هذه الحرب المزدوجة سالماً غانماً، او تظفر بلاده برايات العز والفخار والانتصار.
هذا الصبي المدلل يلعب بالنار، ويدفع بلاده الى التهلكة، ويحمّلها فوق طاقتها، ويزلزل اركانها ويخلخل مكوناتها الاهلية وسلامها الوطني والاجتماعي، ويرفع افضل العناوين وارقى الشعارات لتحقيق ارذل الاهداف والغايات، وفي مقدمتها الاستئثار بالسلطة والوصول الى كرسي العرش دون وجه حق، او مستند كفاءة وعبقرية.
آجلاً او عاجلاً، سوف تثبت الايام ان اعدى اعداء السعودية لم يستطع التجني عليها، والحاق الهزيمة بها، وجر الويلات والنكبات عليها، مثلما فعل محمد بن سلمان الذي عاث في بلاده، من خلال الارتجال والاستعجال، خراباً وتفكيكاً ودماراً، كما لو انه بعير هائج في معرض للاواني والتحف الخزفية.. وقديماً قال الشاعر..
لا يبلغُ الاعداءُ من جاهلٍ ما يبلغ الجاهلُ من نفسهِ
كم من حاكم عربي واجنبي خسر حياته، وضيّع بلاده، ومزق شعبه، دون ان يقصد ويتعمد، وانما لانه اعتد بنفسه، واغتر بقوته، واستبد برأيه، واستأثر بصنع القرار، واصم اذنيه عن النصح والمشورة، واندفع بتأثير الصلف والغرور والحماس – وليس الحكمة والروية – لتحقيق احلامه وبلوغ مقاصده.
يخطئ من يتوهم ان الحكم صنعة سهلة ورحلة ممتعة، فالحكم الرشيد الذي يستحق اسمه هو جماع مشقة ومسؤولية وقوة ذكية لا بد ان تستند الى جملة شروط وقواعد وحيثيات معروفة في ابسط كتب السياسة، ومبادئ القانون، ودروس التاريخ.. الحكم علم وفن وخبرة وممارسة حصيفة لادارة شؤون الدول، وتنظيم علائق المجتمعات، ورعاية الصالح الوطني العام، وتوفير مستلزمات الامن والعدل والنماء والتقدم والعيش الكريم للناس.
وعليه.. فالحكم – في اصله وغايته – عقد وثيق وعميق بين الحاكم والمحكوم، ورباط توافقي بين اهل السرايا واهل القرايا، وهمزة وصل ديموقراطية بين القمة الرسمية والقاعدة الشعبية.. وكل ما عدا ذلك محض تسلط وتحكم وتجبر مهيمن ولكنه غير قابل للدوام.
كل من يسكت عن تخبيصات ابن سلمان المركبة والثلاثية الابعاد هو شيطان اخرس، وكل من يسايره او يشاركه في هذا الشطط هو خادع ومخادع يريد توريطه فيما لا تحمد عقباه، وكل من يهلل ويصفق له، ويتغزل بعبقريته هو كاذب ومنافق يتلهف على كسب وده ونيل شرهاته وعطاياه.
واقع الحال ان هذا الامير الغرير والمغرور والمغامر قد رج مملكة التكاسل والتثاقل رجاً عنيفاً، ووضعها على كف عفريت، وقذف بها في دوامات “الربيع العربي” وحرائقه وفتنوياته التي حسب اهل الخليج عامة ان رياحها واعاصيرها لن تبلغهم او تصل لبلادهم، فاذا بها تجتاحهم وتعصف – بادئ الامر – بما كان يسمى “مجلس التعاون الخليجي” وتمزقه شر ممزق، ثم لا تلبث ان تحصل من ابن سلمان على تأشيرة دخول للديار السعودية عامة، ولمخادع الاسرة الحاكمة بشكل خاص.
رحم الله المملكة العربية السعودية، فهي سائرة الى الموت والهلاك، ولا يجوز على الميت الا الرحمة مهما كانت ذنوبه وعيوبه وسيئات حياته !!