تركيا توظف قضية خاشقجي لخدمة مصالحها الذاتية والهروب من ازماتها الداخلية

رغم أن تركيا حاولت منذ تصاعد وتيرة الجدل حول قضية اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي، التعاطي مع الملف بهدوء وبتمش غير صدامي تفاديا لأي أزمات دبلوماسية مع الرياض، إلّا أن هذه الخطوات التي تبدو في ظاهرها متزنة لا تحجب مساعي أنقرة إلى المزيد من الاستثمار في القضية، أولا للهروب من أزماتها الداخلية المتلاحقة، وثانيا لإعادة تشكيل علاقاتها الجيوسياسية بالرهان على الاستفادة من تعزيز علاقاتها كقائد للعالم الإسلامي، خاصة بعد إطلاق القس أندرو برانسون، مع حليفها الرئيسي الولايات المتحدة الأميركية.

فقد أمعنت السلطات التركية في تحريك أوراق قضية اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي وفق الزاوية التي ترى أنها أنسب لربح نقاط جيوسياسية وحصد مغانم إقليمية ودولية، قد تخلصها من أزماتها المالية المتعاقبة، تارة عبر التصعيد ضد السعودية وتارة أخرى عبر تهدئة الخطاب، وهي ترمي من ذلك أساسا إلى مغازلة الولايات والتودد إليها، إلا أن النتائج جاءت بعكس انتظارات أنقرة حيث أعلنت الولايات المتحدة عن دعوتها إلى التهدئة والعمل بموضوعية في ملف اختفاء الصحافي السعودي.

حاولت السلطات التركية في أكثر من مرة التوغل في المزيد من استفزاز السلطات السعودية عبر دعوة قنصلها في أكثر من مرة وتفتيش مقر إقامته في إسطنبول في إطار التحقيق.

لكن، مساعي أنقرة، أجهضت بعد أن استقبل الملك سلمان عبدالعزيز امس الثلاثاء وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في الرياض لبحث قضية خاشقجي.

واعتبر العديد من المراقبين أن تركيا التي تواجه أزمات أمنية واقتصادية متفاقمة سعت للاستثمار والمتاجرة في قضية خاشقجي عبر إشغال الرأي العام وذلك لتعميق البلبلة والتكهنات من دون حسم يذكر.

ويستدل الكثير من المراقبين على ذلك بتأكيدهم أنه في العودة أصلا إلى شخصية جمال خاشقجي نفسها، فإنه توجد دلائل عدة تجمعت لدى الذين يعرفونه عن كثب تؤكد أنّه قد يكون مستهدفا من جهات عدة، بينها جهات تسعى إلى استغلال المقاطعة الخليجية والعربية لقطر.

تحويل مسارات الأزمة

يؤكد جيمس دورسي، الباحث المتخصص في السياسات الدولية، أنه بتأكيد المحققين الأتراك على أنهم وجدوا المزيد من الأدلة على أن الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، قد قُتل عندما زار قنصلية السعودية في إسطنبول قبل أسبوعين، يبدو أن تركيا الآن تستفيد من القضية لتعزيز موقعها كقائد للعالم الإسلامي وإعادة وضع نفسها كحليف رئيسي للولايات المتحدة بعد التوتر الكبير الذي شاب العلاقات بينهما، واضر بمصالح تركيا بشكل كبير.

وسرّبت تركيا منذ بداية الحادثة بعض الأدلة التي تؤكد على مقتل خاشقجي دون الإعلان عن ذلك رسميا في محاولة لتعزيز موقعها الجيوسياسي في مواجهة السعودية وروسيا وإيران وأيضا من أجل تحقيق ميزة اقتصادية في الوقت الذي تكافح فيه لعكس مسار الانكماش المالي.

واصطدمت ضغوط تركيا، بمواقف متجددة للرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي صرح أن العاهل السعودي نفى في اتصال هاتفي معه “بشكل حازم أن يكون على علم بأي شيء حول خاشقجي. وأضاف تعليقا على التقارير عن مقتل الصحافي داخل القنصلية، “بدا لي أنّ الأمر قد يكون حصل على أيدي قتلة غير منضبطين”، علاوة على إرساله وزير الخارجية مايك بومبيو إلى الرياض ومن ثمة أنقرة.

وتحاول تركيا فرض نفوذها في القضية بالتقرب من إدارة ترامب للظهور في موضع الضامن لإخراج السعودية من المأزق سالمة قدر الإمكان.

وتعتقد تركيا بتوظيفها القضية أنها ستتمكن من تحويل مسارات الأزمة إلى وجهة أخرى تخدم مصالحها. ويبدو واضحا أن أنقرة رمت بكامل ثقلها في تنافسها مع السعودية محاولة الاستنجاد بحقيقة أنه مهما كان الحل فإنها ستساهم بطريقة أو بأخرى في إحراج الرياض.

وفي قلب الأزمة التي زادت في إشعالها تركيا، كانت وسائل إعلام سعودية قد نقلت عن عائلة خاشقجي أنها تدعم نفي السعودية لمسؤولية مقتله، بل ولمحت بأن مصيره كان نتاج مؤامرة من قطر وتركيا والإخوان المسلمين، وألقت العائلة بظلال الشك على خطيبته التركية، وأمرت بـ”إنشاء لجنة دولية مستقلة ومحايدة للتحقيق في ظروف وفاته”.

السعودية قادرة على الرد

تختلف تركيا والسعودية في قضايا متعددة، خاصة بعد دخول تكريا على خط الفوضى التي شهدتها بلدان عربية في أعقاب الربيع العربي. كما تعهدت تركيا، في مسعى للرد على سحب السعودية البساط من تحت قدميها، لريادة العالم الإسلامي، بمساعدة إيران على التغلب على العقوبات الأميركية والتي فرضت بعد انسحاب ترامب في مايو/ ايار من الاتفاقية الدولية لعام 2015 التي حدّت من النشاط النووي للجمهورية الإسلامية.

واعتبر دورسي أنه بغض النظر عن الطريقة التي تقرر بها تركيا إطلاق سراح أي دليل تتحفظ عليه رسميا، فإن السعودية قادرة على الرد ووقف أي محاولة لابتزازها أو استغلال القضية على حسابها.

وتعتقد تركيا أنها ستحظى، بعد موقفها من قضية خاشقجي، بامتنان إدارة ترامب والسعودية وحلفائها الآخرين وبالتالي استعادة الشعبية في العالم العربي والتي فقدتها نتيجة تأرجحها نحو الحكم الاستبدادي والتحالف مع إيران وقطر، ودعم الحركات الإسلامية.

كما تراهن تركيا على تحقيق نصر من خلال توجهها نحو محاولة إقناع السعودية بالقبول بمطالبة أردوغان بأن تتخلى الرياض عن دعمها للأكراد في سوريا، وهي خطوة من شأنها أن تعزز موقف تركيا في المناورة التركية الروسية الإيرانية لمد نفوذها في سوريا ما بعد الحرب. كما تتطلع تركيا إلى دعم السعودية لها اقتصاديا.

أثبتت قضية خاشقجي أن تركيا تريد “إضعاف سمعة السعودية، واستهداف الصورة الإصلاحية للمملكة وذلك في محاولة لجعل الولايات المتحدة تختار أنقرة حليفا أساسيا لها في الشرق الأوسط، وفق عالِم العلاقات الدولية سرهات غوفينس، الذي يضيف قائلا إن “تركيا تأمل في أن إقناع ترامب بأنها ستكون بديلا للسعودية في الشرق الأوسط”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى