اختفاء جمال خاشقجي وأحلام محمد بن سلمان

لقد تلاشت صورة المصلح السياسي والاجتماعي التي حاول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلصاقها بنفسه، وحلّت مكانها صورة الديكتاتور المتهوّر المنفرد بصناعة القرار، المبذّر، و ” بائع الأوهام .. والليبرالي المزّيف ” كما وصفته مجلة ” كوربيه انترناسيونال” الفرنسيّة، الذي لا يهمّه سوى الهيمنة على مفاصل الدولة والوصول إلى كرسي العرش.

لقد حاول الأمير الشاب بعد استلامه ولاية العهد أن يسوّق نفسه محليّا وعربيّا ودوليّا كإصلاحي بإعطائه المرأة بعض حقوقها كالسماح لها بقيادة السيارة والسفر بدون محرم، والموافقة على افتتاح دور للسينما وإقامة الحفلات الموسيقية والغنائية، وتجريد ” هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” المتزمتة من معظم صلاحياتها وامتيازاتها، والإعلان عن نيته على إجراء إصلاحات اقتصادية تنوّع مصادر الدخل وتنهي اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط.

الرهان على نوايا الأمير الإصلاحيّة كان متسرّعا ومبنيا على إجراءات تجميليّة ” مكياج ” لا علاقة لها بالإصلاح السياسي الحقيقي الذي يفصل السلطات ويحارب الفساد ويسمح للشعب بالمشاركة في الحكم، وأثبت الأيام أنه، أي الأمير،  فشل في توحيد العائلة الحاكمة، وأبعد وسجن عددا من كبار الأمراء ورجال المال والأعمال بدعوى محاربة الفساد واستعادة أموال حكومية اتهموا بالحصول عليها بطرق غير مشروعة، وسجن أيضا رجال الدين الوسطيين، والمثقفين المطالبين بإصلاحات سياسية، والناشطين والناشطات في مجال حقوق الإنسان، وتورط في الحرب اليمنية، ووقع ضحية لابتزاز وإهانات وخداع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والآن متهم باختطاف أو تصفية الكاتب الصحفي جمال خاشقجي الذي اختفت آثاره بعد دخوله القنصلية السعودية في اسطنبول بعد ظهر يوم الثلاثاء 2- 10- 2018.

أثار اختفاء خاشقجي موجة عارمة من الاستنكار والسخط وضعت النظام السعودي في موقف حرج جدا؛ فقد صدرت تصريحات رسميّة عن عدد كبير من زعماء العالم يعتبرون فيها ما حدث جريمة يجب ألا تمرّ دون عقاب، ويطالبون بكشف الحقائق ومحاسبة المسؤولين عن الاختفاء وتبعاته.

الوضع ما زال يتفاعل وتعتبره القيادة السعودية على جانب كبير من الخطورة لأن الأتراك يقولون بأنهم حصلوا على دليل قاطع يثبت تورّطها بما حدث؛ لكنها، أي القيادة السعودية، نفت علاقتها بالاختفاء، وارسلت الأمير خالد الفيصل مستشار الملك سلمان الذي يعتبر من أهم شخصيّات النظام إلى أنقرة على وجه السرعة في محاولة للتوصّل إلى تفاهم مع الأتراك، قد يساعد في تطويق الآثار السيّئة التي ستنتج عنه.

وعلى الصعيد الاقتصادي وبعد أقل من اسبوعين من حادثة الاختفاء، أعلنت العديد من الشركات الكبرى ومن ضمنها ” فيرجين “، وشخصيات بارزة في عالم المال والأعمال عن انسحابها أو تجميد مشاركتها في مشروعات وأنشطة اقتصاديّة سعوديّة هامّة من ضمنها الانسحاب من مشروع ” نيوم ” الذي سيشمل بناء مدينة ذكيّة على البحر الأحمر باستثمارات قدرت ب 500 مليار دولار؛ وانسحب ارنست مونيز، وزير الطاقة الأمريكي السابق وأحد كبار المستشارين التنفيذيين للمشروع.

وقررت مجموعة من وسائل الاعلام العالميّة من بينها ” سي إن إن” ” بلومبيرغ ” ” نيويورك تايمز” ” فايننشيال تايمز ” نيكاي” ” إن بي سي” و” أوبر” عدم المشاركة في مؤتمر ” دافوس الصحراء ” المقرّر أن يعقد في الرياض ما بين 23 – 25 من هذا الشهر بالتعاون مع صندوق الاستثمارات السعودية العامة، ويهدف إلى تمويل المشاريع الرئيسية ذات الأهمية الاستراتيجية للاقتصاد السعودي، وأعلن مدير البنك الدولي أنه سيقاطع المؤتمر، وقالت مديرة صندوق النقد الدولي إنها ما زالت تنوي الحضور، لكن قرارها النهائي مرتبط بما ” ستكشف عنه التحقيقات خلال الأيام القادمة.”

إذا ثبت أن الأمير محمد بن سلمان، رجل السعودية القوي، متورّط في عمليّة اختطاف أو قتل الصحفي خاشقجي، فإن ذلك سيعمّق الانقسامات بن أعضاء أسرة آل سعود الحاكمة، وقد يكون بداية النهاية لحياته السياسية وأحلامه وطموحاته، ويؤدي إلى إقالته من منصبه كولي للعهد ووزير للدفاع، وربما يقود إلى تغيير رأس الدولة كما حدث عندما أجبرت العائلة المالكة الملك سعود عام 1964 على التنازل عن العرش لأخيه الملك فيصل، أو إلى انقسامات شعبيّة وقبليّة قد تعرّض النظام للانهيار والبلاد للتقسيم.

الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت؛ الدلائل الأولية تشير إلى تورّط سعودي رسمي في هذه القضية؛ العالم ينتظر؛ وستظهر الحقيقة عاجلا أم آجلا، وتكون لها استحقاقات مدوّية تؤثر على مجرى الأحداث في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط برمّ تها!

  كاتب فلسطيني    

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى