الباقورة والغمر اراضٍ اردنية مع وقف التنفيذ

 

عام 1994 وقَّعت الحكومة الأردنية اتفاقية “وداي عربة” مع الجانب الإسرائيلي؛ لتخرج بذلك رسميًا من منطقة الصراع العربي الإسرائيلي، لكن الاتفاقية التي لم تخل من النقاط الشائكة، خاصة فيما يتعلق بمنطقة “الباقورة” شمالي الأردن، التي تدَّعى “إسرائيل” ملكية مواطنيها لهذه الأراضي، ومنطقة “الغمر” جنوبي البحر الميت، التي منح المفوض الأردني الإسرائيليين حق الانتفاع والاستخدام لها لمدة 25 عامًا تُجدد تلقائيًا ما لم يبلغ أحد الطرفين الآخر نيته في عدم التجديد قبل عام من انتهاء العقد.

وبعد مضي قرابة ربع قرن على توقيع الاتفاقية عادت الكثير من الأسئلة لتطرق باب المسؤولين عن تلك الاتفاقية مجددًا، وبما أن ذكرى الاتفاقية السنوية تعود هذا العام بشكل أكثر أهمية، فشهر أكتوبر/تشرين الأول هو الموعد النهائي لإبلاغ الإسرائيليين بعدم رغبة الجانب الأردني التجديد لأراضي “الغمر”، فهل ستبطل الحكومة الأردنية عقد الانتفاع؟

كيف وصلت ملكية “الباقورة” للإسرائيليين؟

تعود ترتيبات منطقة الباقورة إلى عشرينيات القرن الماضي، إبان الانتداب البريطاني على ضفتي نهر الأردن، حيث أُعطي ميحاس روتنبرج، وهو مهندس روسي بارز ورجل أعمال، إضافة إلى إنه زعيم صهيوني، امتياز إنشاء محطة توليد كهربائية على ضفة نهر الأردن في المنطقة.

أقنع روتنبرج وقتها قيادات اليهود بالذهاب إلى البريطانيين للحصول على الموافقة لبناء محطة كهرباء، فطلب المعتمد البريطاني من رئيس النظار بشرق الأردن حسن باشا أبو الهدى أن يصادق على امتياز لشركة الكهرباء الفلسطينية المحدودة لمؤسسها بنحاس روتبرج، مبينًا له الفوائد التي سيجنيها شرقي الأردن من ذلك الامتياز.

أقرت الحكومة الامتياز في الثامن من يناير/كانون الثاني لعام 1928 بالقانون المنشور في الجريدة الرسمية ومدته 70 عامًا، وأُنشئت محطة توليد الكهرباء الصهونية وحضر الأمير عبد الله الأول بن الحسين، أمير شرق الأردن، مراسم الافتتاح، وفي 6 من يونيو/حزيران قرر المجلس التنفيذي الموافقة على طلب شركة الكهرباء إنشاء قرية في أراضيها الواقعة بالقرب من جسر المجامع.

وتحتوي هذه الأرض على 6 آلاف دونم، وهي واقعة على ملتقى نهري الأردن واليرموك، وتعرف القرية باسم “جسر المجامع”، ودفعت شركة روتنبرج مبلغ 3696 جنيهًا مصريًا للحكومة مقابل امتلاك الأرض وحماية الشركة من طلبات التعويض وغير ذلك.

إلا أن الأمور لم تجر كما كان مخطط لها، فبعد ذلك باع روتنبرج مساحات كبيرة من هذه الأرض لليهود، وجاء في كتاب “تاريخ الأردن” للمؤرخ الأردني سليمان الموسى أن الرأي العام اعتقد أن هذا المشروع الصهيوني مقدمة للهجرة، وقد ألحق هذا الامتياز غبنًا كبيرًا لمصلحة البلاد، إذ لم تعط الشركة الحكومة الأردنية أي مقابل لاستغلالها مياه الأردن واليرموك والأرباح الطائلة التي حصلت طوال سنوات الامتياز.

فعام 1948، وبعد إعلان “إسرائيل” كدولة، اندلعت الحرب وهاجمت القوات العراقية الأردنية المشاركة منطقة “الباقورة”، فانسحب الإسرائيليون إلى ما وراء النهر، وألغت الحكومة الأردنية بصفتها السيادية قانون الامتياز، وبالتالي أُلغي أي حق لروتنبرج أو اليهود.

لاحقًا، وفي عام 1950، عادت “إسرائيل” للتوغل في الأراضي الأردنية، فاحتلت أراضي الباقورة، واستولت على 1390 دونمًا من الأرض، واستمر هذا الواقع قائمًا حتى جاءت اتفاقية “وادي عربة” (مفاوضات السلام) عام 1994، بين الطرفين الأردني والإسرائيلي، واستعاد الأردن بموجبها 560 دونمًا من أصل 1390 كانت قد احتلتها “إسرائيل”، وبذلك أقر المفاوض الأردني بحق الملكية الإسرائيلية فيما تبقى من الأرض البالغ مساحتها 830 دونمًا.

وفيما يتعلق بأراضي “الباقورة”، ورد في البند الخامس من اتفاقية وادي عربة “اتفاق الطرفان على تطبيق نظام خاص على المنطقة، والاعتراف بأن هذه المنطقة تقع تحت السيادة الأردنية، وفيها حقوق ملكية أراضي خاصة ومصالح مملوكة إسرائيلية في الأرض التي تتكون منها المنطقة”.

ومن نصوص الملحق الخاص بهاتين المنطقتين يؤكد أن أعمال السيادة (الشرطة والقضاء والاعتقال) فيها لـ”إسرائيل”، حيث تمنح “إسرائيل” حق الدخول والخروج دون إذن السلطات الأردنية، أي إذا اُرتكبت جريمة على أي من المنطقتين تتولى أجهزة التحقيق الإسرائيلية التحقيق فيها، ويُحاكم المتهمين في هذه الجرائم أمام القضاء الإسرائيلي وليس القضاء الأردني.

لمن السيادة على أراضي “الغمر”؟

خلافًا لمنطقة الباقورة، لم تكن هناك ادعاءات إسرائيلية بملكية أراضي منطقة الغمر، ورغم ذلك طُبق ذات النظام الخاص المطبق على أراضي الباقورة، ومنحت بموجب ذلك الحكومة الأردنية لـ”إسرائيل” – من خلال اتفاقية وادي عربة – حق استخدام 4 آلاف دونم من أراضي الغمر، ولمدة 25 عامًا قابلة للتجديد تلقائيًا.

فكيف حصلت “إسرائيل” على تلك الأراضي؟ بالعودة إلى خرائط المركز الجغرافي الملكي الصادرة عن الجيش الأردني، تبين أن “إسرائيل” كانت قد توغلت داخل الأراضي الأردنية بين عامي 1967و1968 جنوبي منطقة البحر الميت، وجاء التنصيص المكتوب داخل الخريطة أن “إسرائيل قامت بتغيير خط الهدنة بعد عام 1967 في وادي عربة، وزحزته شرقًا لمسافات مختلفة، أما مساحات الأراضي التي استولت عليها فقد بلغت 387 كيلومترًا تقريبًا”.

بعد عام 1994، وتنفيذًا لاتفاقية “وادي عربة”، انسحبت “إسرائيل” من الأراضي التي احتلتها عدا منطقة الغمر التي حصل عليها الإسرائيليون مقابل الاستخدام العلمي، بحسب رئيس الوزراء الأردني الأسبق عبد السلام المجالي – الموقع على المعاهدة عن الجانب الأردني – الذي قال إن الإسرائيليين ترجوا الملك باستخدامها لإجراء تجارب على الزراعة على المياه المالحة، وهذه التجارب تستمر 25 عامًا.

وبموجب معطيات “معاهدة السلام”، فإن بعض الآبار التي حفترها واستعملتها “إسرائيل”، وكذلك أنظمتها المرفقة ستقع على الجانب الأردني من الحدود، ويمتنع على أي بلد اتخاذ أي قرار من شأنه التأثير على هذه الآبار”، ولهذا السبب دمر وزير المياه الأردني الأسبق مئات الآبار للمزارعين الأردنيين؛ لأنها تؤثر على كمية ونوعية المياة التي تسحبها “إسرائيل” من الغمر.

وقد جاء في ملاحق اتفاقية “وداي عربة”، وفيما يتعلق بمنطقة “الغمر” أنه “يُسمح بدخول رجال الشرطة الإسرائيلية بلباسهم الرسمي، بالحد الأدنى من الشكليات، لغرض التحقيق في الجرائم أو معالجة الحوادث الأخرى”، وهو ما يتناقض مع حديث المجالي الذي كان قد أكد السيادة الأردنية على هذه الأراضي، وعدم جواز دخول الشرطة الإسرائيلية لأراضي الغمر.

ويثير ذلك التساؤلات عن الدوافع التي جعلت المفاوض الإسرائيلي يتمسك بأراضي “الغمر” إلى هذا الحد، وكتب المستشار الدولي في شؤون التخطيط والبيئة والمعارض الأردني الدكتور سفيان التل، ومؤلف كتاب “الهيمنة الصهيونية على الأردن”، عن محاولات طمس الحقائق وسحب وثائق توضح أن نهر الأردن هو الحدود المعتمدة بين الأردن وإسرائيل ونهر اليرموك يشكل حدود الأردن مع سوريا.

هل يستعيد الأردن السيادة المنقوصة على أراضيه؟

اليوم، وبعد مضي ربع قرن من اتفاقية “وادي عربة” ما زال الطرف الإسرائيلي يدعي ملكيته لأراضٍ في “الباقورة”، إضافة إلى الاستفادة التي حصل عليها من أراضي “الغمر” طوال 25 عامًا مضت، وهو ما يثير التساؤلات عن المقابل الذي حصل عليه الطرف الأردني؟

فيما يتعلق بالأهمية الإستراتيجية والاقتصادية للمنطقتين لكل من الجانب الأردني والإسرائيلي، يقول خبير العلاقات الأردنية الإسرائيلية آشر سوسر في لقاء مع “التليفزيون العربي” ضمن برنامج “شيفرة”: “كان هناك منفعة متبادلة، فمبوجب الاتفاقية يتم تزويد الأردنيين كل عام بـ50 مليون متر مكعب من المياه من الأراضي الإسرائيلية مقابل تقديم الجانب الأدرني تنازلات محددة فيما يتعلق بحق استخدام الأراضي في المنطقتين”.

في المقابل، يكشف سفيان التل ادعاءات الجانب الإسرائيلي بقوله: “الأردن أعطى الكيان الصهيوني 25 مليون متر مكعب من سد الوحدة المقام على نهر اليرموك”، وبالتالي تمكنت “إسرائيل” في المعاهدة وملحقها من تقنين شروطها المتعلقة بكميات المياه التي تحصل عليها ونوعيتها.

وإن لقيت معاهدة “وادي عربة” ترحيبًا حكوميًا إلا أنها كانت ولا تزال تلقى رفضًا شعبيًا قاطعًا منذ توقيعها وحتى اليوم، وظلت ذكراها السنوية موعدًا لانطلاق الاحتجاجات الشعبية والتحركات الشبابية ضدها؛ رفضًا لكل أشكال التطبيع لاتفاقية “وداي عربة” التي نجت من تصويت مجلس النواب بالتوصية للحكومة بإلغاء المعاهدة كون الملك هو صاحب الولاية الدستورية على إلغائها.

ومع تراجع الموقف الرسمي، سعى بعض الشباب لتدشين حملة وطنية تحت اسم “أراضينا”، وفي حال اتخذت الحكومة الأردنية قرارًا سياديًا، وقررت عدم التجديد للإسرائيليين في أراضي الغمر والباقرة، فإن ذلك قد يحمل تبعات غير محمودة، خاصةً أن السنة الحاليّة مختلفة عن سابقاتها، ففي أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام، يحق للجانب الأردني إبلاغ الطرف الإسرائيلي عدم رغبته في تجديد حق الانتفاع للإسرائيليين في أراضي الغمر والباقورة.

ملكية إسرائيلية غير مثبَّتة لأراضي “الباقورة” الأردنية، عقد استخدام وانتفاع غير مفهوم الملامح لأراضي “الغمر”، وبين هذا وذاك، ما زال الأردنيون ممنوعين من دخول أراضٍ أردنية مستعادة وفقًا لاتفاقية وادي عربة، بينما يتجول الإسرائيليون بحرية مطلقة في تلك الأراضي، فإما تجديد عقد الانتفاع لأراضي الغمر للإسرائيليين أو استعادة السيادة المنقوصة على تلك الأراضي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى