تحية لعبد الناصر في ذكرى رحيله
بقلم : صلاح المختار

اليوم تمر ذكرى وفاة قائد عظيم شرف الامة العربية عموما ومصر خصوصا ورفع رأسها بمواقفه الوطنية والقومية البطولية وجعل العربي يفخر بعروبته وكان صاحب شعار ( ارفع رأسك يا اخي فانت عربي ) ، انه القائد الفذ جمال عبدالناصر حلمنا الاول في عهد البعث الثاني ومحقق اعز امانينا وهي الوحدة المصرية السورية وباعث النهضة القومية العربية ، انه جمال عبدالناصر بطل ليس كأي بطل قبله لقد كان داينمو حرك ملايين العرب من موريتانيا حتى اليمن وكان وراء تجسيد شعار ( امة عربية واحدة ) ، ومازالت هتافاتنا لعبدالناصر ورغم مرور اكثر من ستين عاما ترن بأذني وتنعش ضميري وتمده بالمزيد من العزم والاصرار على مواصلة النضال من اجل تحرر الامة العربية ووحدتها : ( من المحيط الهادر الى الخليج الثائر لبيك عبد الناصر ) . كان قادة الغرب والشرق يحنون الهامة احتراما لعبدالناصر حتى من كان يعاديه وليس ذلك غريبا فهو عملاق من اخر عمالقة العرب والعالم كله رأيناه وعشنا في عهده ووقفنا خلفه وناضلنا تحت رايته الخالدة.
ربما لايعرف بعض من سيقرأ المقال من انا ويظن انني ناصري ولكنني يجب او اوضح لكي يفهم الحكمة من وراء كتابة مقالي هذا : فانا كنت ومازلت مناضلا في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي وقضيت 60 عاما بالتمام والكمال تحت راية البعث ولم اكن ناصريا بالمعنى الحزبي وانما انا الان ناصري بالمعنى التكريمي لناصر العروبة فكل قائد قومي عربي يقدم للامة خدمات ويرفع اسمها ورايتها هو قائدي حتى لو ظلمني ، وهنا اشير مضطرا الى انني اعتقلت في زمن المرحوم عبدالسلام عارف وكان محسوبا على نظام عبدالناصر وعذبت في السجن وكان من يعذبني من عشاق عبدالناصر وكان يعذبني ويشتمني وهو يهتف لعبدالناصر ، وازيد فاقول وصل الصراع بيننا وبين عبدالناصر حد اننا ثلة من البعثيين عندما سمعنا بان عبدالناصر سيزور العراق قررنا اغتياله ودرسنا من اي بناية سيلقي خطبته لانه كان يلقي خطبه على الهواء من شرفات بنايات عالية كعلوه ، وهذا الشخص الذي اعتقل وعذب في عهد حسب على عبدالناصر وفكر في اغتياله هو نفسه كاتب هذا المقال عن عظمة ناصرنا وحبينيا جمال .
لماذا ؟ نحن في عصر انهيار القيم الاخلاقية وتمزيق كل قيمة عليا ومنها عدم احترام قادتنا رغم كل ما قدموه من تضحيات من اجل الامة فلا يرى البعض الا سلبياتهم ويتناسى – ولا ينسى – ايجابياتهم حتى لو كانت طاغية على كل سلبياتهم ، وهنا مكمن ضعفنا وتداعي صورتنا وتعمق صراعاتنا ، بينما الاوربي نراه يقيم التماثيل او يطلق اسماء قادة اوربيين على شوارع حتى لو كانوا في يوم ما اعداء ،فهناك في المانيا والنمسا شوارع وساحات باسماء كارل ماركس وفرديريك انجلز وروزا لوكسمبرغ وتلك اسماء قادة شيوعيين والنظم رأسمالية مناقضة ، والحكمة الصحيحة من وراء الاعتراف بعبقرية او انجازات الشخصيات الوطنية هو احترام للذات اولا وتمسك بمصالح الامة ثانيا فالعبقري والمفكر والعالم والرياضي والمهندس هو نتاج عبقرية امته وليس مجرد فرد نبغ ، وهذا ما تفعله اسرائيل الغربية واسرائيل الشرقية عندما تمجدان شعرائهما وعلمائهما وكل من برز في مجال ما ،لذلك تقدمت اوربا وازدهرت معتمدة على عبقرية وانجازات كل ابناءها بما في ذلك من كانوا مناقضين للمواقف الرسمية ، وتخلفنا لاننا نذبح عباقرتنا ومبدعينا لمجرد انهم من تيار اخر مختلف معنا !!!
الان اكتب عن ناصر لانه ابن بار لامتي وامتي تستحق منا تسجيل تاريخ امجادها وانجازاتها بروح الامة المتعالية على الاحقاد والثأرات والمهتمة فقط بما قدم لها من اعمال جليلة مزيحين سلبيات ظهرت واراد البعض جعلها طاغية مهملين ام الحقائق وهي ان الانسان ،اي انسان، خطاء ولا يوجد انسان كامل ، بدافع الحقد وهو مرض ينقض انسانية الانسان ويحوله الى مخلوق مدمر لسمعته اولا ولمستقبله تاليا ، اكتب اليوم عن ناصرنا وحبيب اجيال مناضلة من القوميين العرب والوطنيين كافة ليس من منطلق عاطفي بل من منطلق علمي وعقلي مدروس قام على وقائع مادية :فهو بطل تأميم قناة السويس ، وهو بطل معركة امتنا الاولى الظافرة ضد الاستعمار في عام 1956 عندما شنت بريطانيا وفرنسا واسرائيل الغربية حربا على مصر ردا على تأميم القناة فقاتل ناصر وقاتل كل مصري وطني ووقف كل قومي عربي من موريتانيا الى اليمن خلفه يهتف له وجسده يرتعش حماسا ( لبيك عبدالناصر ) .
هزم الاستعمار في معركة السويس وانتصر العرب لاول مرة منذ قرون ونهضت الامة كلها تهتف للوحدة العربية التي حرمّها علينا الغرب الاستعماري والصهيونية واسرائيل الشرقية ، وسقط حلف بغداد الاستعماري وانتعشت الثورة الجزائرية بفضل دعم ناصر وبقية احرار العرب وانتصرت بفضل تضحيات شعبنا العربي الحزائري البطل الذي قدم مليون ونصف المليون شهيد من اجل الحرية والاستقلال ، وقامت وحدة مصر وسوريا في عام 1958 على يد عبدالناصر والبعثيين .
وزاد نهوض الامة وحماسها وانهارت قلاع الاستعمار وطغت روح النهضة والتوحيد العربية ، ومد المعسكر الشرقي يده لعبدالناصر وتعاظمت حركات التحررالعالمية ،وانشأ ناصر ونهرو وسوكارنو وتيتو حركة عدم الانحياز ، وبنى السد العالي لتوفير الطاقة والارض الزراعية لفقراء مصر ، واقام الصناعات الثقيلة وهي اساس اي نهضة شاملة واعطى الفلاحين خمسة فدادين كي تنهض الزراعة ونشر التعليم والكهرباء في القرى والارياف مؤمنا بانه لانهضة ولاتقدم من شعب متعلم وبدون كهرباء ،،،الخ.
هذه بعض انجازات عبدالناصر وليست كلها ولكن واحدة منها تكفي لاعتباره بطلا وطنيا مصريا ورائدا لقوميتنا العربية وقائدا لمسيرتها في ذلك الوقت ويستحق منا تخليده ،فهل ما فعله كارل ماركس وانجلز وروزا لوكسمبرغ لالمانيا يمكن مقارنته بما قدمه عبدالناصر لمصر وللعرب كي تسمي المانيا شوارعا وساحات باسماء هؤلاء القادة الذين قدموا الفكر ومارسوا النضال ولكنهم لم يبنوا دولة في المانيا تطبق عقيدتهم بينما ناصرنا حقق كل ما سبق ذكره وهناك من ينكره او يحاول شيطنته ؟ عبدالناصر بالنسبة لكل عربي ضميره حي ويقدر الاعمال الجليلة قائد فذ دخل تاريخنا العظيم من اوسع ابوابه واكمل سيرته العطرة بدخوله باب الخلود ويده نظيفة وضميره نقي وحي . اما من يتحدثون عن سلبيات ناصر الان ويشتمونه او يقللون من شأنه فهم لايرون الا صورة الشيطان الكامن في ضمائرهم والمحرك لاسوأ نوازعهم ، وهؤلاء يشتمون انفسهم في الواقع ولا يشتمون ناصر لان الشتيمة بهذه الطريقة هي سقوط اخلاقي اولا وقبل كل شيء .
ولكي اكمل ما في نفسي لابد من ان اشير ايضا الى ناصريين نسوا ناصر الذي هتفوا له وبحت حناجرهم من مديحه انهم الان صامتون ولايردون على من يريد شيطنة ناصر ! بل الاكثر اثارة للقلق على سمعة ناصر هو موقف من يدعي انه ناصري لكنه يقف مع الهيمنة الايرانية على العراق رغم الاعلان الرسمي الايراني بان هدف نظام الملالي هو السيطرة على الاقطار العربية وضمها لامبراطورية فارسية تتخذ من الاسلام اسما فقط ! اذ كيف يمكن لناصري حقيقي يومن يحقوق العرب في ارضهم ومياههم وسماءهم ان يدعم غزوات اسرائيل الشرقية ويستخدم اسم ناصر ؟ انه السقوط الاخلاقي المركب فهؤلاء ليسوا ناصريين ابدا وانما هم مرتزقة بكل ما تعنيه هذه المفردة من معنى .
ونحن نخوض اقسى واخطر نضال لامتنا العربية مواجهين غزاة غربيين تقودهم امريكا ،وشرقيين في طليعتهم اسرائيل الشرقية ،اضافة لاستكلاب اسرائيل الغربية ، ونحن نقدم يوميا عشرات الشهداء في العراق وسوريا واليمن وليبيا وتتعرض بقية اقطارنا التي اراد ناصر توحيدها لعمليات تفكيك وشرذمة مرسومة لمحو هويتنا العربية واحلال هويات ما قبل الامة وما قبل الوطنية مثل القطرية والعشائرية والطائفية والعرقية محلها ، اقول ونحن نخوض نضالنا المقدس ضد كل اعداء الامة العربية نرفع التحايا لعبدالناصر في ذكرى رحيله ونحني الهامات اجلالا واحتراما وتقديرا لدوره التاريخ العظيم .