عبد الناصر حذرنا ..فلماذا تقاعسنا ؟؟

أعتاد جمال عبد الناصر فى السنوات التى تلت نكسة يونيو ,أن يكون الأحتفال بأعياد ثوره 23 يوليو من خلال أنعقاد المؤتمر القومى العام للأتحاد الأشتراكى العربى – وهو التنظيم السياسى الذى يجمع تحالف قوى الشعب العامل من (عمال وفلاحين ومثقفين ثوريين ,جنود ,ورأسماليه وطنيه غير مستغله )- فى المده من 23 :26 يوليو (تموز) ومابين التاريخ الأول فجر الثوره ..والثانى أستمرارها بطرد الملك وتأميم قناه السويس – حيث يبدأ المؤتمر أعماله بخطاب شامل للرئيس (ناصر), وينتهى بتقرير عن الوضعين العسكرى والسياسى لوزيرى الدفاع والخارجيه , وينهى المؤتمر أعماله بخطاب لجمال عبد الناصر , – ويُجمع كل الذين حضروا أعمال المؤتمر العام للأتحاد الأشتراكى العربى فى الأحتفال بالذكرى ال 18 لثوره يوليو عام 1970 على أن خطاب جمال عبد الناصر فى ختام أعمال المؤتمر كان بمثابه خطبه الوداع
كان المفترض أن ينهى المؤتمر أعماله بتقريرين عن الأوضاع العسكرية والسياسيه لوزيرى الدفاع والخارجية , لكن الرئيس طلب تعديل المنصة ,وأمر عمال القاعة بأنزال المكاتب التى كانت معده لألقاء الوزيرين تقريريهما , وطلب من المحيطين أن يكون اللقاء مع أعضاء المؤتمر من القلب الى القلب بعيدا عن الأذاعة والتليفزيون , وعلى السجية أسترسل الرئيس وأفاض وأستفاض , وأثنى على دور الشهيد عبد المنعم رياض فى بناء القوات المسلحه ,وطمأن القواعد الشعبية من خلال ممثليهم على جهوزيه قواتنا المسلحه لخوض حرب تحرير الأرض , وكذلك على الموقف السياسى الصاعد والمتقدم لخدمه معركه التحرير , وطالب الجميع بأن يكونوا على مستوى المسئولية وأن يلبوا طلبات شعبنا الذى تحمل وكان الدافع دوما لما وصلت اليه القوات المسلحة من قوه ردع تفاقمت الى قدرة عالية على الهجوم -وواصل عبد الناصر اللقاء وقلبه يعتصر ألما من كل المؤامرات التى تحيكها الرجعية العربية لأسقاطه , وبدى متأثرا الى أبعد حد وهو يقول ” أن جسدى لايوجد به مكان اِلا وبه طعنة من معظم الحكام العرب” , وحكى فى جو أُسَرِى ما يتعرض له من هجوم غادر وحاقد ومؤامرات دنيئة , مقررا أنه لو كانت المشكلة شخصه لغادر الرئاسة ونعم بالراحة والهدوء , لكنهم يريدون تدمير الأمة العربية وتسليمها لقوى الأستعمار العالمى والصهيونية فريسة لينهبوها ولينهوا حلم شعبنا فى وحدته العربية واستقلال ارادته- وأهاب بالجميع أن تكون مصر وشعبها أمانة فى أعناقهم ,وحثهم على التواصل والنضال من اجل التلاحم والأنصهار فى شعوب الأمة العربية حتى تحقق أملها فى الوحدة الشاملة .
خرج الحضور من المؤتمر وقد انعقدت السنتهم عن التعليق من وقع انبهارهم بعمق الشفافية والصراحة التى بدت فى حديث القلب الذى ينبض عشقا بالوطن والشعب وبالأمة العربية من خليجها الى محيطها والذى تجلى على لسان جمال عبد الناصر.
مؤخراً وقبل وفاته حكى الدكتور عزيز صدقى وزير الصناعة فى عهد عبد الناصر ,ان الأحتفال بعيد العمال كان يتضمن افتتاح قلاع صناعية جديدة – وفى مايو 1970 كان أفتتاح قلعة صناعية فى شبرا الخيمة ,وفوجىء الجميع بحضور الرئيس ناصر بعد أن كان مقررا اعتذاره لمرضه وكانت هذه أخر مره يحضر فيها الرئيس الأحتفال بعيد العمال , يواصل عزيز صدقى أن الرئيس بعد أن تفقد المصنع الجديد وأعجب به نظر اليه وقال: ياعزيز حافظوا على مصانع الشعب وأحموها من مافيا الرأسمالية العالمية , لأنهم لن يتركوا تلك القلاع الصناعية وسيبيعوها بأبخس الأثمان , وبكى عزيز صدقى على الهواء فى اخر لقاء تليفزيونى له قبل أن ينتقل لجوار ربه من سنوات قليله , مرددا وهاهى قد بيعت كل المصانع التى بناها الشعب بقيادة عبد الناصر .
خاضت الرجعية العربية كل مؤامراتها ضد جمال عبد الناصر من اجل أنهاك قلبه ، وتجلى ذلك في المحاولات المضنيه لأبادة المقاومة الفلسطينية فى أيلول الأسود , وقد وصل عبد الناصر الليل بالنهار من اجل المحافظة على ما تبقى من قواها , فكان مؤتمر القمة العربية فى القاهره, حيث وقع الكل على أتفاق القاهرة الذى حمى المقاومه الفلسطينيه مما كان يدبر لها .
خلد جمال عبد الناصر الى النوم فى غرفة بمقر الأجتماع ,بعد أن ودع كل الحكام العرب , ولم يبق اِلا أمير الكويت ,ونصحه الحاضرون , بأن يودعه نائب الرئيس , الا أنه رفض وصحى من غفوته ,الى المطار مودعا أمير الكويت , وبعدها طلب أن تأتيه سيارته داخل المطار – على غير العاده – وقد لاحظ الحضور أن الرئيس تبدى عليه علامات الاِعياء , كان القلب المفعم بكل الصفاء والحب والعشق للوطن والشعب ,قد أعياه التعب والهم من أفعال الصغار والعُربان من حكام الرجعية العربية المتآمرين مع الأستعمار والصهيونيه , حاول الأطباء ضد العلم وضد ناموس الحياة , لكنهم تركوه لرفيقة عمره ودربه (السيده الجليله تحيه كاظم ), بعد أن توسلت اليهم ,ليتركوه لها بعد أن اخذوه منها طيلة الحياة , وأحتضنته وحدثته مناجيه اياه , غير مدركه أنه فى رحاب الله , اِلا عندما آتت لنقله سياره سوداء الى مقر الرئاسة بكوبرى القبه ,ليسجى جثمانه هناك حتى ميعاد الوداع , فكانت صرخة (أم خالد )” أخذتوه منى حيا , وميتا كمان “.

أنضمت موجات الأذاعة المصرية وقنوات التليفزيون , تذيع آيات بينات من آى الذكر الحكيم ,وبدا للشعب أن حادثا جلل على الأبواب , وصار الكل يضع يده على قلبه مما يخبئه القدر , ونزل وقع الخبر كالصاعقة على شعبنا العربى.
كانت مياه النيل هادئه وبدت للعيان أن صفحتها راكده ,وأن الخريف قد حول ماء النيل الى لوح من جليد , وبعثت نسمات الخريف الحزينة والمحملة بذرات الغبار ريحها تعبث بأوراق الأشجار والزهور على أستحياء لتقتلعها من أغصانها بعد أن ذبلت حين سمعت خبر الوفاه .
هامت جماهير الشعب على وجهها فى كل مكان وهى تتلاقى فى موجات وموجات غير مباليه الى أين المنتهى ؟ لكنها وقد علمت أن الجثمان الطاهر مسجى فى قصر القبه , فكان الهتاف حول القصر “أفتحوا لنا القبه خلينا نشوفه حبه “.
وحين سرى النبأ كالبرق فى كل أنحاء المعموره , كان الرئيس الأمريكى نيكسون يعتلى سفينة القياده حيث يجرى الأسطول السادس الأمريكى مناوراته فى البحر المتوسط والهدف جمال عبد الناصر , وحين وصله النبأ أمر بأن تطأطأ مدافع الأسطول فوهاتها وتلغى المناورات البحرية , أحتراما لعدو , أشرف من الصديق (حسب تعبير نيكسون).
كان يوم الخميس الفاتح من أكتوبر 1970 موعدا للوداع , صار اللحن حزينا وبدا الكل فى أنهيار , وعلى وقع النفير خرج الجثمان المسجى ملفوفا بعلم دولة الوحدة من مجلس قياده الثورة بالجزيره على نيل القاهره , معلنا عن الوداع الرسمى وسط ملوك ورؤساء الدنيا كلها , وماهى الا لحظات وغدت الجنازه شعبيه بأمتياز , وصار طوفان البشر الممتد من نيل القاهره فى الجزيره حتى مسجد جمال عبد الناصر فى منشيه البكرى عبر أمتداد عشرات الكيلو مترات ,يحيط بالجثمان المسجى على عربه مدفع تطير به أكثر من عشره خيول وسط طوفان البشر وبحر من الدموع تذرفه الملايين وهى تنشد نشيد الوداع فى ترنيمه عشق الهى تجلت فى تلك الكلمات .
الوداع ياجمال .. ياحبيب الملايين .. الوداع
ثورتك .. ثوره كفاح عشتها طول السنين .. الوداع .
وأستردت الرجعية العربية ومافيا الرأسمالية الصهيونية والأمبريالية العالمية أنفاسها بوفاة عبد الناصر ,وباتت تتآمر مع الحكام العرب فى كامب ديفيد وأسلو ووادى عربة , ومع حكام الخليج صارت العمالة هى الطريق الى قلب الصهيونية العالمية وتل ابيب ,فغرست انيابها فى جسد الأمة العربية تُخرج أمعائها وتنهشهها , وبيعت كل مصانع الشعب والقطاع العام الذى بناه عبد الناصر ,وأصبحت مصر الآن رهينة للبنك الدولى الصهيونى ,وأحتفلت أسرائيل فى قلب قاهرة عبد الناصر بما اسمته عيدها القومى ( يوم النكبة) , وكان ذلك لأننا كشعب عربى لم نأخذ تحذيرات جمال عبد الناصر على محمل الجد وفرطنا ، بتفرقنا وبلهاثنا وراء فضائيات العُهر الصهيونية الممولة بالبترودولار ، في منجزات عبد الناصر العظيمة التى أفنى فيها حياته من أجل رفاهية شعبنا العربى حين أنتصر لفقرائه .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى