مصطلح “هيبة الدولة”.. هل يتحقق بواسطة القمع ام الاقناع ؟؟

“استعادة هيبة الدولة” باتت حديث النخب السياسية والثقافية في بلدان ما يعرف بـ”الربيع العربي” على وجه الخصوص، مما أثار الكثير من الجدل بين مؤيد متحمس لتفعيل القوانين التي من شأنها أن تحد من التسيّب وتوفر الأمن والاستقرار الاجتماعي، وبين من يرى في ذلك تضييقا على الحريات وتمكينا للسلطة من الاستقواء على المواطن.

المبالغة والتطرف سمتان تميزان الفريقين، ففي تونس، وفي إطار ادعاء الحرص على هيبة الدولة، وصل الأمر، منذ أيام قليلة، بنائب في البرلمان التونسي، وهو صالح شعيب، رئيس حزب الخيار الثالث، أن دعا إلى انقلاب عسكري وتلاوة البيان رقم واحد، معتبرا أن الجيش هو سور الوطن والذي يحميها من المخاطر الخارجية والداخلية، من أجل استعادة هيبة الدولة.

وقال شعيب في حديث إذاعي، إنه طالب سابقا بالدعوة إلى انتخابات مبكرة عندما كان ذلك ممكنا ومجديا وكان بالإمكان إنقاذ تونس، مضيفا أن الأمر أصبح بلا فائدة حتى وإن حدث اليوم.

وأضاف أن البيان رقم واحد ضروري في تونس، مشيرا إلى أنّ الأحزاب السياسية لم يعد بإمكانها أن تحكم اليوم وأن تقوم بإيصال صوتها، محمّلا الإعلام مسؤولية التعتيم الإعلامي على الأحزاب التي لا تملك المال.

واعتبر أن الحكم في تونس اليوم قامت اليوم بافتكاكه مجموعات من “المرتزقة والمأجورين” الذين تموّلهم أطراف أجنبية.

ومازالت تسود منذ سنوات فكرة “هيبة الدولة” التي تقوم على ضرورة أن تبسط الدولة هيمنتها على فضائها، وتمنع كل عربدة سياسية أو خروج عن السلطة أو افتكاك للعنف الشرعي، لكن في المقابل ألا يمكن أن تكون “هيبة الدولة” اعتداء على الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية؟

ويجري عادة استدعاء مفهوم “هيبـة الدولـة” كلما “تجرأ” المجتمع، أفرادا وجماعات، على مواجهة الدولة بالرفض لقراراتها، وكلما ارتفع منسوب عدم الرضا على سياساتها، وربما كلمـا حصل “تطاولٌ” على حرمة مؤسساتها. ومفهوم “هيبة الدولة” في العالم العربي، كما يرى متخصصون في علم الاجتماع السياسي، لا يشبه مفهوم “منطق الدولة” كما هو متداول في الغرب الأوروبي والأميركي.

و”الهيبة” في الاصطلاح مرتبطة، في المجتمعات التقليدية، بالشخص أكثر من ارتباطها بالمؤسسة كما هو الحال في المجتمعات الحديثة. لذلك، فتعبير “هيبة الدولة” لا ينتمي إلى حقل العلوم السياسية، أما استعارته في الخطاب السياسي إنما تستبطن فكرة واجب الولاء للدولة.

على فرض أن القول بـ”هيبة الدولة” لا يثير إشكالا كبيرا في المجال التداولي العام، ولكن لا بأس من استحضاره، إجرائيا، في هذا المقام لما يكتسيه استعماله من أهمية بالغة خاصة في لحظات الأزمة طالما أن الأمر يتعلق بالدولة في علاقتها بالمجتمع. وكلاهما، أي الدولة والمجتمع، لهما تأويلان مختلفان لمفهوم هيبة الدولة، حيث يتم اللجوء إلى استعماله حسب الحاجة إلى خدماتها، في الزمان والمكان.

“هيبة الدولة” في نظر علم الاجتماع السياسي هي القادرة وحدها على صونِ المرتكزات الأخلاقية لأيّ ميثاق اجتماعي، بين مختلف مكوّنات الدولة، أيّ دولة. وهيبة الدولة، أيّ دولة، تصنعها أوّلاً العدالة بالقانون الممتلك لمقوّمات زجريّة تحمي الحرّيات والكرامات على حدِّ سواء. وتصنعها ثانياً ممارسة المؤسّسات الدستورية سيادتها حصراً بمنأى عن أيّ استتباعاتٍ وارتهانات أو مسايرات.

يمكن القول إن الدولة تتحصل على هيبتها بعد أن تنجح في التطبيق الصارم للقانون وفرض احترامه عن طريق الإقناع والإدماج والردع المشروع، وليس بواسطة الإكراه التعسفي والشطط في استعمال السلطات. وهي تنجح في ذلك حين تبدأ بمعاقبة المسؤولين الكبار قبل الصغار.

هيبة الدولة تتعاظم في اللحظة التي يحس فيها المواطن مع الدولة بالأمن والأمان وبالحماية والعناية والرعاية. ويدخل في حكم ذلك الحضور الدائم للدولة وتدخلاتها في أوقات الأزمات والشدائد، وقدرتها على الحفاظ على التضامن الداخلي وانسجام مكونات الاجتماع الوطني. والهيبة العظمى للدولة هي عدم ترددها في الدفاع بكل حزم عن حرمة الوطن ونهج سياسة ممانعة ضد أي اختراق خارجي كيفما كان نوعه، والحفاظ على سيادة الدولة من خطر تقويضها، كما هو الحال حين يتم اللجوء المفرط للاستدانة الخارجية الحاملة لشروط تركيعية، تضرب استقلالية القرار الوطني المستقل.

ليس من هيبةٍ للدولة حين تتغول الأخيرة على المجتمع، وتبتلع نُخبه، وتسلب حرية مواطنيه باسم الحفاظ على سلمٍ مهزوز، وحين تستعرض عضلاتها بنهجها لمقاربات أمنية في معالجة المشكلات الاجتماعية. كما تتلاشى هيبة الدولة حين لا يثق المجتمع في مؤسساتها، ويشكّ المواطنون في قراراتها، ويضيع العدل في محاكمها، وتُحتقر مقررات قضائها، وتُنتهك الحرمات في حضرتها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى