محطات في العام الأخير من حياة جمال عبد الناصر 

بقلم : عمرو صابح

ما زالت الوفاة المفاجئة للرئيس “جمال عبد الناصر” عن عمر يناهز 52 عامًا و 8 أشهر و13 يوما ، تثير التساؤلات عما أمات عبد الناصر فى هذه السن المبكرة ؟!
هل كان المرض وراء وفاة عبد الناصر؟
أم أن هناك جهات كان لها مصلحة فى اختفاء عبد الناصر فى هذا التوقيت بالذات ، وفى عام 1970 تحديدًا ؟!
فى هذا المقال لن أتطرق للبحث عن أدلة أو شبهات جنائية فى أسباب وفاة الزعيم ، ولكنى سوف أستعرض بعض التواريخ خلال العام الأخير من حياة الرئيس عبد الناصر ، والتى ربما قد تؤدى إلى الوصول للإجابة عن سر وفاته فى يوم 28 سبتمبر 1970.

– 1 سبتمبر 1969 الثورة تندلع فى ليبيا وتنحاز للخط السياسى المصرى وتطرد القواعد الأجنبية من ليبيا.
– 9 سبتمبر 1969 ، الرئيس عبد الناصر يصاب بأول أزمة قلبية بعد علمه بالغارة الإسرائيلية على الزعفرانة بخليج السويس.

– 6 ديسمبر 1969 الرئيس عبد الناصر يستمع لتسجيل من تسجيلات عملية عصفور يحتوى على حديث دار بين الوزير المفوض الأمريكى فى سفارة الولايات المتحدة فى إسرائيل ومديرة مكتبه مع السفير الأمريكى فى القاهرة وممثل المخابرات المركزية الأمريكية فى السفارة الأمريكية فى القاهرة .

مما جاء فيه:
أن عبد الناصر هو العقبة الرئيسية في قيام علاقات طبيعية بين المصريين والإسرائيليين.
وان وجود عبد الناصر يجعل السلام مع إسرائيل بالشروط الأمريكية الإسرائيلية مستحيلاً.
وأن قادة إسرائيل ( غولدا مائير ، موشى ديان ، أهارون ياريف ، إيجال أللون ) أجمعوا على أن بقاء إسرائيل ونجاح المشروع الأمريكى الإسرائيلى فى المنطقة مرهون باختفاء الرئيس جمال عبد الناصر من الحياة وأنهم قرروا اغتياله بالسم أو بالمرض .

وأن غولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل قالت بالنص :
: ( we will get him ) سوف نتخلص منه .
– 18 ديسمبر 1969 ، الملك فيصل يعاتب الرئيس عبد الناصر على المحاولة الانقلابية الفاشلة لداود الطويل فى يونيو 1969 ، والتى تعد أخطر محاولة انقلابية للجيش السعودى ضد نظام حكم آل سعود ، فقد تم الكشف عن تنظيم عسكرى كبير يتزعمه العقيد طيار ” داود الطويل ” ، ويضم مجموعة كبيرة من الطيارين السعوديين العاملين في مطارات جدة والرياض والظهران، ويحظون بمباركة قائد القوات البرية السعودية (الجعويني) للقيام بانقلاب عسكرى يطيح بالأسرة الحاكمة ، بعد القبض على الضباط المتأمرين ،اعترفوا بتنسيق الانقلاب مع النظام المصرى عبر السيد ” سامى شرف ” سكرتير الرئيس عبد الناصر للمعلومات ، وان الانقلاب يتم التخطيط له منذ عام 1964 ، أنكر الرئيس عبد الناصر معرفته بالانقلاب وأكد للملك فيصل ان كل العمليات ضد النظام السعودى توقفت بعد مؤتمر القمة العربية بالخرطوم عام 1967.

– 20 ديسمبر 1969 الرئيس عبد الناصر يقوم بتعيين أنور السادات نائباً له من أجل إرضاء الملك فيصل وطمأنته ، خاصة ان السادات كان يحظى بعلاقات متميزة مع كلاً من فيصل وكمال أدهم.
بل ان الرئيس السادات قال فى كتابه ” البحث عن الذات ” الذى يضم التنقيح الأخير لمذكراته ،أنه عرف ان الملك فيصل قال:
( إذا أراد الله بمصر خيرا يحكمها السادات ).

– 3 يناير 1970 صرحت جولدا مائير – رئيسة وزراء إسرائيل- أنها لا ترى أى فرصة للسلام طالما ظل جمال عبد الناصر يحكم مصر، لذا فإن إسقاط عبد الناصر والنظام والسياسات التى يمثلها يجب أن يتم أولا قبل أى حديث عن سلام مصرى إسرائيلى.

ويصرح أبا إيبان – وزير الخارجية الإسرائيلي – : أن كيسنجر ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية يعاتبان إسرائيل على موقفها السلبى وتقاعسها عن العمل الإيجابى فى مصر وطلبهما هو تكثيف الجهود الإسرائيلية خلال هذا العام 1970 للتخلص من عبد الناصر شخصيا نهائيا.
وفى حديث صحفى لأبا ايبان مع صحفى أمريكى، سأله الصحفى عن سبب تركيز إسرائيل وأمريكا على جمال عبد الناصر شخصيا؟
فقال ايبان : إننا نعمل بتركيز شديد على التخلص من عبد الناصر لأن لدينا يقين قاطع بأنه بعد التخلص منه سيهدأ الموقف مع مصر وسيتغير لصالحنا.
– يناير 1970 زيارة الرئيس عبد الناصر السرية لروسيا ، والتى ترتب عليها بدء عملية القوقاز ، وهى أكبر عملية دعم عسكرى سوفيتى لدولة صديقة للاتحاد السوفيتى منذ نهاية الحرب العالية الثانية وحتى عام 1970 ، وشملت مشاركة أطقم دفاع جوى وطيارين ومظليين وقوات خاصة سوفيتية فى القتال على الجبهة المصرية منذ مارس 1970 ، وصولاً لتزويد مصر بصواريخ سام 3 وصواريخ ستريلا وصواريخ سكود وهى أسلحة لم تخرج من الاتحاد السوفيتى لأى دولة فى العالم إلا مصر فى ذلك الزمن .
– خلال الأسبوع الأخير من شهر يونيو 1970 ، والأسبوع الأول من شهر يوليو 1970 ، بدأت الطائرات الحربية الإسرائيلية تتساقط بفضل كفاءة شبكة الصواريخ المصرية الجديدة.
– 19 يونيو 1970 أمريكا تطرح مبادرة روجرز والتى نصت على :
1 – قيام كل من مصر و إسرائيل بتعيين ممثلين لكل منهما فى المناقشات التى ستدور تحت إشراف المبعوث الامريكى “جونار يارنج” لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 بكل أجزائه .
2 – هدف هذه المناقشات هو التوصل إلى اتفاق على إقامة سلام عادل وشامل بين مصر و إسرائيل يقوم على الاعتراف المشترك بحق كل منهما فى السيادة والاستقلال السياسي،والانسحاب الإسرائيلى من أراضى تم احتلالها عام 1967 بما يتماشى مع القرار 242 .
3 – موافقة مصر و إسرائيل على وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة شهور اعتبارا من أول يوليو حتى أول أكتوبر 1970 .

– 22 يوليو 1970 سلم وزير الخارجية المصري محمود رياض رد مصر على مبادرة روجرز لدونالد بيرجس رئيس قسم المصالح الأمريكية فى القاهرة ، وقد تضمن الرد ارتباط الموافقة المصرية على مبادرة روجرز بنقطتين :
أولا : الانسحاب الإسرائيلى الشامل من جميع الأراضى العربية المحتلة .
ثانيا : التمسك بالحقوق الكاملة للشعب الفلسطينى كما حددتها قرارات الأمم المتحدة .
وفى مساء 23 يوليو 1970 قام سيسكو وكيل وزارة الخارجية الأمريكية بإخطار اسحق رابين سفير إسرائيل بالولايات المتحدة بموافقة عبد الناصر على مبادرة روجرز .
– 8 أغسطس 1970 ، قوات الدفاع الجوى المصرى تقفز بشبكة الصواريخ المصرية حتى حافة الضفة الغربية لقناة السويس قبل ساعات من تطبيق قرار وقف اطلاق النار طبقا لمبادرة روجرز ، للمرة الأولى منذ هزيمة 1967 يصبح لدى مصر نظام دفاع جوى حصين غير قابل للاختراق على الشاطئ الغربى من قناة السويس، ،مما يغير بشكل مباشر توازن القوى الجوى بين مصر وإسرائيل، وأصبح فى إمكان القوات المسلحة المصرية عبور قناة السويس وإدارة معركة هجومية فى سيناء لتحريرها من الاحتلال.
– الأسبوع الأول من سبتمبر 1970 ، الرئيس عبد الناصر يوقع على خطط العبور “جرانيت 1” و “جرانيت 2” و “القاهرة 200” والأخيرة هى التى تعنى الضوء الأخضر النهائى لبدء تنفيذ خطط تحرير الأراضى المحتلة ، وأن تبدأ الحرب خلال فترة لا تتجاوز ربيع عام 1971، حسبما ذكر سامى شرف والفريق الأول محمد فوزى فى مذكراتيهما.
– 16 سبتمبر 1970 بدء أزمة أيلول الأسود فى الأردن ، باقتتال دموى بين القوات المسلحة الأردنية بقيادة الملك حسين ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات.
– 22 سبتمبر 1970 ، الرئيس عبد الناصر يدعو لمؤتمر قمة عربى طارئ بالقاهرة لوقف الاقتتال فى الأردن ، وينتقل للإقامة بفندق النيل هيلتون حتى نهاية المؤتمر بوقف الاقتتال الفسطينى الأردنى فى 27 سبتمبر 1970.
– 28 سبتمبر 1970 ، الرئيس عبد الناصر يودع الملوك والرؤساء العرب ثم يعود لمنزله ليلقى نحبه إثر أزمة قلبية قاتلة حسب تشخيص أطباءه.
– 30 سبتمبر 1970 ، الفنان التشكيلى الدكتور مصطفى متولى الذى صنع قناع الموت للرئيس جمال عبد الناصر ، يلاحظ ان وزير البحث العلمى صلاح هدايت قام بقص خصلة من شعر الرئيس عبد الناصر ووضعها فى ظرف وسلمها لحسن التهامى وزير شئون رئاسة الجمهورية ، كما لاحظ أيضا وهو يصنع بصمة الكف اليمنى للرئيس عبد الناصر ان كل أظافر يد الرئيس مقصوصة بطريقة حادة.
– اللواء الدكتور رفاعى كامل مدير قيادة ادارة الخدمات الطبية للأفرع الثلاثة للقوات المسلحة ،ر يرفض التوقيع على التقرير الطبى لوفاة عبد الناصر بأن سبب الوفاة أزمة قلبية ، ويقول للفريق محمد فوزى ان السبب تشخيص خاطئ لغيبوبة سكر أصيب بها الرئيس ، وان التشخيص الخاطئ تسبب فى إعطاء عبد الناصر دواء مثبط لضربات القلب تسبب فى موته ، والفريق فوزى يأمره بالتوقيع على التقرير الطبى خاصة وان زملاءه تشخيصهم مخالف لتشخيصه ، ولا فائدة من الجدال ، فالرئيس مات وانتهى الأمر.
فى عام 1961 قام المؤرخ السويدى ستين فورشوود بنشر أول دراسة علمية له حول اغتيال نابليون بونابرت بسم الزرنيخ ، وقد توصل فورشوود لذلك بعد تحليل خصلات من شعر نابليون بونابرت ، كان قد أهداها لبعض أصدقائه أثناء منفاه فى جزيرة سانت هيلانة، وعبر دراسة وتحقيق بوليسى أستمر لمدة 15 عاما أستطاع فورشوود مع الصحفى الكندى بن وايدر والصحفى الأمريكى د.هابغود التوصل للكيفية التى تم بها تسميم نابليون بونابرت بالزرنيخ بل وتحديد أسم القاتل والذى كان ضابطا مقربا من نابليون بونابرت.

والمثير للشك فى حالة وفاة الرئيس عبد الناصر ، أنه تم قص خصلة من شعره بعد وفاته بأمر من حسن التهامى – وزير الدولة لرئاسة الجمهورية – وفى حضور الرئيس السادات، فقد طلب حسن التهامى خصلة من شعر الرئيس عبد الناصر من صلاح هدايت وزير الدولة للبحث العلمى وقتها، الذى تعجب من طلبه ، ولكن الرئيس السادات قال له ” أصل حسن بيحب الحاجات البوليسية دي” ، كما تم قص أظافر يد الرئيس عبد الناصر اليمنى بالكامل واستلمها حسن التهامى أيضا.
فى كتاب ” شبهة جنائية فى وفاة عبد الناصر ” للكاتب الصحفى الراحل الأستاذ جمال سليم ، كتب مؤلف الكتاب انه قابل حسن التهامى وسأله عن مصير خصلة شعر وأظافر الرئيس عبد الناصر، فأجابه حسن التهامى أنه لا يدرى ما مصيرهما!!!

استغرق حل لغز وفاة نابليون بونابرت ما يقرب من 150 سنة ، قبل أن يتم تحديد اسم القاتل ونوع السم الذى تم به اغتيال بونابرت، وبعد مرور ما يقرب من 5 عقود على وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، بدأت بعض الأمور تتكشف وبعض الألغاز تحل ، وبمرور الأعوام سنكتشف المزيد، فلا توجد جريمة كاملة فى التاريخ.

رحم الله الرئيس جمال عبد الناصر وأسكنه فسيح جناته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى