انهيار مؤسّسة الزواج التقليديّة في العالم الغربي

فقدت مؤسّسة الزواج التي اعتبرتها الشرائع الدينيّة والقوانين الوضعيّة أساس تكوين الأسرة والمجتمع، وكانت يوما ما رباطا دينيّا وقانونيّا واجتماعيّا وأخلاقيّا مهما جدا، الكثير من أهميتها في معظم دول الغرب وأصبح غير المتزوجين يشكّلون الأكثريّة في فرنسا وبريطانيا وأمريكا وإسبانيا وكندا وأستراليا وهولندا والسويد والعديد من الدول الغربية المتطوّرة الأخرى، وازداد عدد العائلات غير الرسمية ” أي الرجال والنساء المتعايشين معا من دون زواج ” بثلاثة أمثال بين أعوام 1995 – 2005، بينما تقلّص عدد المتزوجين بشكل مثير للاهتمام.

لكن المشكلة ليست فقط في عزوف الرجال والنساء عن الزواج وتفضيلهم العيش معا بدون عقود زواج دينيّة، أو مدنيّة، أو التزامات تفرضها عليهم قوانين الزواج، ولكنّها أيضا في إنجاب أطفال وتكوين عائلات خارج نطاق الزواج على الرغم من تعارض ذلك مع القوانين الدينيّة والعادات والتقاليد التي كانت سائدة في النصف الغربي من الكرة الأرضية حتى منتصف القرن العشرين.

فقد كشفت آخر الإحصائيات التي تتولّى تزويد الاتحاد الأوروبي بمعلومات موثّقة على مستوى دوله أن 60%، أي ستة من كل عشرة أطفال مولودين في فرنسا هم من أبوين غير متزوجين، وهي أعلى نسبة بين دول الاتّحاد. وأوضحت الإحصائيّة التي قادتها مؤسّسة ” يوروستات ” أن 43 % من الأطفال في جميع دول الاتّحاد الأوروبي يولدون لوالدين غير متزوّجين، فيما تعدّ ايسلندا ” ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي” البلد الأوروبي الأعلى نسبة حيث تصل فيه نسبة الأطفال من أبوين غير متزوجين إلى 69.6%؛ ووصلت النسبة في سلوفينيا إلى 58.8 %، بلغاريا 58.6 %، السويد 54.9 %، الدانمارك 54%، البرتغال 52.8%، هولندا 50.4 %، وبلجيكا 50 %.

وفي الولايات المتحدة كان الأمريكيون يطلقون على الإنجاب بلا زواج ” غير شرعي “، لكنه الآن أصبح ” الوضع الطبيعي الجديد ” كما يصفه الناس، وتظهر الأرقام أن 63 % من الأطفال الأمريكيين السود، 47 % من المنحدرين من أصول لاتينية، و29% من البيض يولدون خارج نطاق الزواج.

يقول علماء الاجتماع ان عوامل كثيرة ساهمت في عزوف الرجال والنساء عن الزواج وانجاب الأطفال خارج نطاقه من أهمها: توفّر وسائل منع الحمل، الانفتاح الجنسي في المجتمعات الغربيّة، سن قوانين جديدة تحمي الأطفال الذين يولدون خارج الزواج، قبول المجتمع لهذا التركيب العائلي الجديد، دخول المزيد من النساء إلى سوق العمل، زيادة النزعة الفردية بين الرجال والنساء والرغبة في الاستقلال وعدم الارتباط والالتزام بمتطلبات الزواج، ابتعاد الجيل الجديد عن الدين، ونظام الضمان الاجتماعي الذي يقدّم الكثير من المساعدات للأمّهات العازبات وأطفالهن.

النظام العائلي في المجتمعات الغربية تغيّر كثيرا منذ منتصف القرن العشرين وحتى الآن؛ والعائلة التقليديّة الملائمة للفطرة البشرية التي أباحت تكوينها وحمتها الشرائع الدينيّة وباركها الله سبحانه وتعالى، والمكوّنة من الأب والأم المتزوجين وأبنائهما وبناتهما أوشكت على الانهيار، وأصبحت الأغلبية الساحقة من الشباب والشابات الذين بلغوا الثامنة عشر من العمر يرحلون من بيوت أسرهم، ويسكنون بمفردهم، ويستقلّون في حياتهم، وينجبون أطفالا ويكوّنون عائلات بدون زواج.

أن أعداد الرجال والنساء الذين يعيشون معا بدون عقود زواج وينجبون أطفالا ويكوّنون عائلات خارج إطار الزواج التقليدي في ارتفاع مستمر في الدول الأوروبية والصناعية بصورة عامة، وان العدوى بدأت في الانتشار في عدد كبير من دول العالم في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وبعض الدول الإسلامية ومن المتوقع ان تتفاقم هذه المشكلة خلال هذا القرن.

العائلة التقليدية العربيّة المتماسكة جزء من ثقافتنا وقيمنا الدينيّة والتقليديّة ويجب علينا حمايتها والمحافظة عليها؛ لكن البطالة بين الشباب والشابات، والفقر، والارتفاع غير المعقول في المهور ومتطلبات الزواج وأسعار العقار، أدّت إلى عدم قدرة المزيد من الشباب على تحمل نفقات الزواج الباهظة ممّا أدى إلى زيادة كبيرة في أعداد العوانس في الدول العربيّة، وزيادة معدلات الطلاق، وبالتالي وضع العائلة التقليديّة العربيّة التي نعتز بتماسكها وحرصها على سلامة وسعادة افرادها في خطر.

* كاتب فلسطيني

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى