شجرة فلسطين لن تجف ستبقى خضراء تُثمر، ثمرة من خيرات ثمار أشجار فلسطين، الأديبة الدكتورة سائدة سلامة خليل عبدو، وُلدت في الطيبة/ قرب طولكرم، أنهت الثانوية العامة في الكلية الوطنية برام الله ، ثم درَست الأدب العربي فحصلت على شهادة البكالوريوس من جامعة القاهرة، وشهادة الماجستير من جامعة الجزائر، وشهادة الدكتوراه من معهد الآداب الشرقية/ جامعة القديس يوسف في بيروت.عملت مدرّسةً في الجامعة الأردنية، وواظبت على كتابة زاوية أسبوعية في صحيفة “الرأي” اليومية وصحيفة “الأيام” اليومية الفلسطينية،وهي عضوة في رابطة الكتّاب الأردنيين، واتحاد المرأة الأردنية ولها الكثير من المقالات والأعمال الأدبية منها،” الذاتية في شعر فدوى طوقان” ، ” والتوجهات الإجتماعية والسياسية في الرواية الفلسطينية “، وهو عنوان أطروحتها للدكتوراة والتي تقع في 630 صفحة، (مقدّمة عامة – تمهيد تناول فن الرواية الفلسطينية وتطوره، – وخاتمة وتقويماً لأهم النتائج،- وثلاث ملاحق تُعرّف بالرّوائيّين الثلاثة). تناولت الأطروحة في الباب الأول ” الموضوعات الإجتماعية” في فصلين،( الفصل الأول المراة، والثاني المعتقدات)، ويسلط الباب الثاني على” الموضوعات السياسية” (الفصل الأول الوطن، والثاني التراث). الناقد لا يستطيع قراءة الرواية الفلسطينية والتحليق في أجواءها دون استحضار الخلفية التاريخية التي دارت أمامها وقائع هذه الرواية وأحداثها ، واقعة النكبة عام 48 من اعمدة الرواية الفلسطينية وأكثرها حضوراً والواقعة الأخرى التي لا تقلّ ؟أهمية عن سابقتها حرب حزيران عام 67 والتي شكّلت بنتائجها الكارثية رافعة قوية لزمان فلسطيني جديد الوقائع الكبرى الممتدة من النكبة إلى هزيمة حزيران غذَت الرواية الفلسطينية بفيض لا حصر له من الذكريات والمشاهدات والحكايات والشخصيات الروائية. الروايات الثلاثة هي موضوع الدراسة” البحث عن وليد مسعود” لجبرا ابراهيم جبرا، “والوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشاءل” لإميل حبيبي، وأم سعد” للكاتب غسان كنفاني . من دوافع الكتابة في موضوع التوجهات الإجتماعية والسياسية في الروايات الثلاث القناعة بأن الوعي الإنساني لا يقف عند حدود رصد الواقع وتفسيره وإنما يسهم اسهاماً جاداً في تغييره وتطويره ، الرواية إلى جانب سائر الآداب والفنون هي مرآة واسعة انعكست على صفحتها اللامعة صورة شعب في مرحلة تاريخية زمانية معيّنة والروايات الثلاث هي تعبير عن واقع الشعب الفلسطيني في الفترة من عام 48 – 78.
اجتهدت الكاتبة في الكشف عن التوجّهات الإجتماعية والسياسية في الروايات الثّلاث وتساءلت “هل خلصت هذه الدراسة بمعالجتها ونتائجها إلى رؤى وُظّفت في الحثّ على تغيير الواقع وتطويره واستنهاض قوى التغيير فيه؟؟ هل استطاعت هذه الدراسة أن تكون محطة ينطلق فيها الباحثون لاستكمال الطريق، والإجابة عن الأسئلة التي طُرحت ولم تُستكمل أم وصلت إلى طريق مسدود فبدأت كما انتهت؟؟.
والد الكاتبة الأستاذ المرحوم سلامة خليل خليل، عملاق التربية والتعليم والذي كان يُشكّل مدرسة ونهج تربوي متقدم والذي تخرج من دار المعلمين ( الكلية العربية) بالقدس سنة 1929 وعين مدرساً في مدرسة الصلاحية بنابلس وبعد ذلك إلى طولكرم الثانوية والتي أطلق عليها لاحقاً اسم الفاضلية ومن ثمّ إلى مدرسة قلقيلية ، وشغل مركز “رئيس قسم التعليم في الضفة كافة وقطاع غزة” ومركزه في القدس، هذه المدرسة التربوية ،والتي ما زالت ليومنا هذا مثار نقاش وحوار ودراسة ومادة تعليمية وركيزة أساسية من ركائز التربية والتعليم، ، حيث كان المرحوم والدها وطنياً قومياً ناصرياً بامتياز عايش الإنتداب البريطاني وجرائمه وتآمره ومكائده ضد شعبنا الفلسطيني منذ إعلان الإنتداب البريطاني على فلسطين عام 1922 حيث كان مدرساً يتنقل من مدينة إلى مدينة، “يقول الأخ الأصغر للأستاذ سلامة خليل الدكتور محمد خليل خليل: في سيرته الذاتية :”خلال فترة(إضراب الشهور الستة) عام 1936 كان التكتل العسكري بقيادة عارف عبد الرازق يقيم اجتماعاته القيادية في بيتنا بعد وفاة الوالد وبحضور ومشاركة الأخ الأكبر سلامة خليل خليل، والذي كان دوره صياغة البيانات والبلاغات والمنشورات الصادرة وترجمتها للغة الإنجليزية بسبب أنه كان يُجيدها ويُدرسها” ويضيف الدكتور محمد :” كان الأخ سلامة مكلفٌ بنشر وتوزيع البيانات من قبل القيادة العامة ، وكان يكلفني شخصياً (بإخفائها وحملها تحت سترة أو قميص أرتديه حين كنا نسافر يومياً في حافلة إلى مكان عمله )، بسبب صغر سني واستبعاد الشك ” .
الدكتورة سائدة خليل هي أبنة”الخالة أم خليل” سميحة خليل سنديانة فلسطين والتي جمعت بشكل خلّاق بين النضال الأسري والإجتماعي والوطني والإنساني ،وكانت مثالاً للمراة الفلسطينية العربية الإنسانه قاومت الإحتلال وكانت من أعمدة وركائز الجبهة الوطنية، سُجنت ولوحقت وفُرض عليها الإقامة الجبرية ومُنعت من السفر ولآخر أيامها كانت تحمل وتقبض على جمر قضيتنا الوطنية وثوابتها ، لقد كانت تمتاز بالحنكة السياسية والإجتماعية وقررت المشاركة في الإنتخابات الرئاسية لمنافسة عمود الحركة الوطنية الفلسطينية الشهيد أبو عمار ليس طمعاً بالمنصب بل لتؤكد على دور المراة ومكانتها وقدرتها لتبوء أعلى المناصب أسوة بالرجل،وأسست “جمعية إنعاش الأسرة” والتي قدّمت وما تزال العديد والكثير من الخدمات للأسر الفلسطينية وتوسعت وانطلقت من رام الله لتمتد للكثير من القرى والمدن الفلسطينية.
وبعد هذا السرد لسيرتها الذاتية توقفت أمام تساؤل لا بدّ من الإشارة إلىه كملاحظة وأنا قارئ من أمة أقرأ والتي لا تُحبّ القراءة ولا أستطيع الإدعاء بقدرتي على النقد الادبي فهذا متروك لغيري من نقاد الأدب، فأنا أقرأ وأتأثر بالادب ومرتكزٌ على خلفية سياسية .ملاحظتي هي تكرار مصطلح “إسرائيل ” والصراع العربي ” الإسرائيلي ” في الأطروحة.قد يكون الطرح بشكل عام بقصد أو غير قصد أو استجابة لواقع تأثرنا به من قصف العقول وكيّها من قبل أدوات ماكنة إعلامية متقدمة تفوق قدراتنا متمترسة في خندق التآمر متلحفة بثوب الواقعية ، “فخلف الكلمات والمصطلحات تكمن المواقف”، وبعد قراءتي المتعمّدة للبيئة العائلية والحاضنة الوطنية القومية والإنسانية التي أشرت لها لكاتبة الأطروحة وإضافةً أنها أخت لمناضلين قدّموا النفيس والتضحيات في سبيل قضيتنا الوطنية ومنهم من قضى في سجون الإحتلال الصهيوني فترة وما زال يمارس مهامه الوطنية النضالية .أجزم وبكل قوّة أن الكاتبة تُوافقني ملاحظتي ،ولكن وكما أشرت لربما جاء استخدامها للمصطلحات تحت تأثير المشرفين على أطروحة الدكتوراة فاضطرت للمسايرة ورفعت درجة مستوى المضمون، والتركيز عليه والإبتعاد عن الشكل، وعدم الأخذ بالعلاقة الجدلية بين الشكل والمضمون،وعندي اليقين أن الكاتبة تُردد معي أننا نحن نرسم خرائطنا ونحدد الأسماء وفلسطين ستبقى فلسطين كانت وما زالت . تردّ الكاتبة الدكتورة سائدة عليّ بفعلها المتواصل حتّى اليوم وبالشكل النضالي الذي اختارته تقف مع توأم شعبنا الفلسطيني الشعب الأردني الشقيق لتنطلق كلماتها رصاصاً وتُطلق عصافير قلبها دفاعاً عن مصالح الشعب وفئاته الكادحة،وتدقّ مع الوطنيين جدران الخزران، ومع كاتبنا المارد الحيفاوي إميل حبيبي في تعريته لمحاولات الصهاينة ومنذ البدايات وسعيهم إلى تغيير اسماء قرانا ومدننا وأحياءنا وشوارعنا . وتّشارك البحث مع جبرا عن وليد مسعود المختفي. حلّقت كاتبة الأطروحة في ساحات تواجد شعبنا الفلسطيني في فلسطين المحتلة عام 48 وفي مناطق الضفة الغربية وساحات الشتات الأخرى وفوق مخيمات البؤس والحرمان شواهد الجريمة الإنسانية والتآمر الغربي وتواطئ النظام الرسمي العربي ،حلقت على بساط البحث والتحليل الأدبي بعيون أدبية علمية تحليلية ثاقبة وبرؤية رأسية ترى الصورة بأكثر من ثلاثة أبعاد ، وخاصة أن الكاتبة نهلت من مدارس ثورية شكّلت ركائز للعمل التحرري الوطني الفلسطيني فهي ليست مؤرخة ولا كاتبة أدبية فحسب بل حملت بيديها السياسة والادب وتماست معهما، وكانت من نشطاء الهيئة الإدارية للإتحاد العام لطلبة فلسطين ولعدة سنوات في القاهرة أثناء دراستها الجامعية وعضواً في اتحاد المرأة الفلسطينية.
الدكتورة سائدة أغنت المكتبة الثقافية العربية بأطروحتها المتقدمة لعمالقة الرواية الفلسطينية مارد حيفا الساخر والذي لازمه الضحك الأسود إميل حبيبي ،الأديب الأبرز من بين الآباء المؤسِّسين للرواية الفلسطينية المعاصرة ، قد نختلف معه في آرائه السياسية ،ولكن الإختلافات لا تنتقص إطلاقاً في قيمة الرجل ومكانته الإبداعية التي ستظلّ مضيئة ومؤثرة، والذي كان عنصراً فعالاً منذ الأربيعنات وحتّى بداية التسعينات في الأوساط الشيوعية الفلسطينية وقلماً شهيراً في صحفها الغد، والمجد، والجديد، والإتحاد. لقد كان يُمثل صورة مزدوجة ،فعام 1989 نسب إليه قول يُبرئ به الصهيونية وبعد انهيار الإتحاد السوفييتي انطلق باحثاً عن دروب جديدية خارج الأقفاص التي كان فيها أو عن “كهف الظلمة ” كما كان يقول ، وقبل “جائزة الإبداع الإسرائيلي”, بداية 92 ، وكان قلمه الأكثر حزماً ودفاعاً عن عملية السلام”فواجه المثقفين الفلسطينيين وغيرهم من العرب . والروائي الثاني غسان كنفاني وُلد غسان كنفاني ابن الحقوقي في عكا، شمال فلسطين في 9 نيسان/ أبريل عام 1936، وعاش هو وعائلته في يافا حتى فاتجهت العائلة أولاً إلى لبنان ثم إلى سوريا. وهناك، نال شهادة الثانوية من مدارس دمشق عام 1952 ودخل قسم اللغة العربية في جامعتها، لكنه استمر لعامين فقط انضم كنفاني إلى حركة القوميين العرب عام 1953،وكان منحازاً للفقراء والكادحين ، وسافر للتدريس في الكويت عام 1955 ،انتقل كنفاني إلى بيروت عام 1960، فقد وجد فيها مجالاً أدبيًا رحبًا وهو الذي دق جدران الخزان طويلاً ليعلن للعالم باسره أن الكلمات قادرة على الإنتصار وجعل القلم أشرس من البارود . والروائي الثالث جبرا ابراهيم جبرامواليد بيت لحم . جاء إلى بغداد حاملاً على كتفه صليب القدس شاعراً ومترجماً وناقداً ورساماً وروائياً ولاقى اهتماماً نقدياً كبيراً فالمرحلة التي كتب بها رواياته كانت مُثقلة بأعباء الأيديولوجيا وتمّ توصيفه بالإبتعاد عن قضايا الشعب الكادح وهموم الأمة حتّى أن البعض ذهب للنيل من انتماء جبرا لقضية وطنه فلسطين ، وعبّر فن فلسفته في روايته البحث عن وليد مسعود الفسطيني الذي يلقى مصيراً مجهولاً في ضياعه على خارطة الجيوبولوتيكا العربية في المشرق ويصرّ الكاتب على ضرورة البحث عن وليد وأهمية العثور عليه .
ومع أن الروائيين الثلاثة عاشوا في أماكن متعددة ومتباعدة ويختلفون في انتماءاتهم الطبقية والإيديولوجية، وكان لكل واحد منهم تجربة شخصية مختلفة ورؤية مستقلة عن الآخر إلّا أنهم عاشوا المعاناة نفسها واستلهموا مفرداتها وتوقفت الكاتبة عند أوضاع الجزء الكبر من المجموع السكاني الفلسطيني ” اللاجئيين في المنافي”، وهم الذين تقع عليهم أشدّ ألوان القهر والعذاب وعانوا أكثر من غيرهم من سياسات العزل والنبذ والقهر والعذاب والحرمان والذي وقع عليهم عبء أساسي في عملية التمرد والثورة والكفاح المسلح
وفي الختام لا بدّ من كلمة شكر للدكتورة سائدة لمساهمتها وفتحها الباب على مصراعية لإستكمال وإنعاش الذاكرة وإعادة القراءة والإستفادة من الدروس واستكمال الطريق النضالي الوطني من المحطة التي وصلت إليها ، وقد نجحت الكاتبة في تغطية ساحات التواجد الفلسطيني المختلفة ومكوناتها وإيصال الكلمة للقارئ فدقّت الجدران مع غسان ونقلت صورة الصراع اليومي مع العدو الصهيوني الغاصب مع حبيبي وتبحث مع جبرا عن وليد مسعود. وأوصلت رسالة أن شعبنا الفلسطيني في كل أماكن تواجده أجمع على أن السلاح الأنجع لمواجهة المشروع الصهيوني إلى جانب الأشكال النضالية الأخرى هو الكفاح المسلح، ولا بدّ من نافل القول أن الدكتورة نجحت وبامتياز وانسجم عنوان أطروحتها “التوجهات السياسية والإجتماعية في الرواية الفلسطينية ” مع مضمون ما جاء فيها من ربط للنضال الطبقي والإجتماعي والسياسي وبشكل خلّاق، وألقت الضوء على دور المرأة الفلسطينية وموقعها في دائرة الفعل النضالي جنباً إلى جنب مع الرجل رداً على معاناتها وحالة القهر والحرمان التي تعيشه اجتماعياً من جراء الإحتلال وأعباء اللجوء والنزوح ، فكانت المرأة بطلة وحاضرة في الروايات الثلاثة بكل قوة ، ونوّهت بأن الجيل الجديد باختلاف انتماءه الطبقي هو الرهان على المضي بحمل راية التحررالوطني،.هذا الجيل الذي راهنت الصهيونية على لسان قادتها بأنه سينسى القضية والوطن هو الذي يحمل السيف مدافعاً قابضاً على جمر القضية وحقوقنا الوطنية، وصلت الرسالة وبامتياز للقارئ أننا نعيش في مرحلة تحرر وطني وعلى التيارات والطبقات الإجتماعية جميعها يقع العبئ في التصدّي لعدونا التاريخي الصهيوني فصراعنا معه صراع وجود تناحري.