الوحدة العربية بين حقائق التاريخ والجغرافيا ودهاليز السياسة

بقلم : عبد الهادي الراجح

لم تتوفر لأية أمة من الأمم على وجه هذا الكوكب ما توفر للأمة العربية من عوامل  الوحدة، وأهمها وحدة الجغرافيا والتاريخ واللغة  والأديان السماوية التي خرجت جميعها من بلادنا بجوهرها وليس قشورها السياسية .

ومع كل ذلك أخفقت، ولا أقول فشلت، كل المشاريع الوحدوية، فيما انتكست جهود كل القادة الوحدويين في وطننا الكبير واحبطت مساعيهم، وأبرزهم الزعيم جمال عبد الناصر الذي ورغم كل انجازاته الوطنية والقومية وطرده للاستعمار  من وطننا العربي الكبير ومطاردته للاستعمار في القارات الثلاثة، إلا أنه رحل مهموما حزينا، ومسموما كما تؤكد الكثير من الروايات وهناك اعترافات صهيونية بذلك  .

لقد رحل ابو خالد قبل أن يرى ثمرة عمره وجهوده وما أعده للعدو الصهيوني ردا على عدوان حزيران يونيو الأليم عام 1967م ، في ملحمة العبور العظيمة  التي حولها خليفته لصفقة استسلام لا زلنا وسنبقى ندفع ثمنها حتى يأتي جمال عبد الناصر آخر يضع مقولة  : “ما أخد بالقوة لا يسترد بغير القوة” في موقع التنفيذ.

ثم الزعيم هواري بوميدن ورغم انقلابه على سلفه الزعيم أحمد بن بيلا ولكن كلا الزعيمين كانا عظيمين وناضلا من أجل تحرير وطنهما وأمتهما ولم يختلفا على المبادئ إطلاقا ، حتى أن هواري بوميدن قتل مسموما من خلال وجبة سريعة وهو بالطائرة ،كما أكد طبيبه الروسي الدكتور  البروفيسور يفغيني تشازوف وهو نفس الطبيب الذي عالج الزعيم جمال عبد الناصر .

والزعيم صدام حسين  رغم ما وقع به من أخطاء أبرزها حرب الثمانية أعوام التي استغلت صهيو أمريكيا  وإعرابيا لتدمير البلدين الجارين العراق وإيران ، إلا أن صدام حسين استشهد وهو يدافع عن بلاده بعد أسره، وأعدم  وهو يهتف لأمته ووطنه وفلسطين تحديدا  .

والزعيم حافظ الأسد رحل بعد أن اطمأن أنه جعل من سوريا قلعة آمنة من الانقلابات المدفوعة الأجر وقادرة على الاعتماد على نفسها ، ولكن الأعداء ورطوا سوريا بعد ذلك بحرب تبدو أهلية لكن الحقيقة غير ذلك .. إنها حرب عالمية فرضت على سوريا،  أدواتها  الإعراب  وقطعان المرتزقة من الإرهابيين الذي جاء بهم الأعداء من كل مزابل العالم ، وها هي سوريا اليوم ستحتاج لوقت طويلد لكي تعيد بناء  ما صنعه تجار الحروب وسماسرة القتل والدمار ومن ورائهم .

والزعيم معمر ألقذافي  ورغم كل ما قدمه لوطنه وأمته  وإغلاقه قواعد الاستعمار في ليبيا ودعمه المطلق لقضية الأمة الأولى فلسطين ومحاولاته الوحدوية الدؤوبة، إلا أنه استشهد بطريقة بشعة جدا أدانها كل إنسان لديه ذرة من الكرامة والإنسانية بعد نكبة ما يسمى بــ 17 فبراير  التي قام بها المرتزقة يدعمهم الناتو من الجو والأرض ، وها هي ليبيا اليوم تعاني من الفراغ السياسي ولم يبق في الساحة إلا  أسد العروبة بشار الأسد الذي واجه حرباً عالمية على بلاده وصمد وقاوم ولا يزال  واليوم يقود البناء.

ويبقى السؤال لماذا أخفقت  كل المشاريع الوحدوية ؟ ولماذا واجه رموزها كل تلك المصائر التي أشرنا إليها رغم أن الوحدة مشروع أمة يستحق التضحية ؟.

لعل من أسباب إخفاق المشروع الوحدوي غياب  الخيار الديمقراطي  وإشراك الأمة أي الشعب في مصيره في كل قطر عربي ، وقادة أمتنا من دعاة الوحدة البعض منهم أرادها على طريقة بسمارك في ألمانيا أي الوحدة بالقوة،  وهذا لا يجدي فإذا لم يقتنع كل مواطن عربي  أن الوحدة مصلحة مشتركة للجميع لن تكون هناك وحدة ناجحة مع مطامع الاستعمار وعملائه هنا وهناك .

والدولة القطرية تجذرت بحكم  الدعم الخارجي، وأصبح لها مثقفوها والمدافعيون عنها من الانتهازيين والوصوليين، ومع ذلك هناك حقيقة لا ينكرها إنسان  وهي أن كل الدول القطرية عاجزة عن حماية حتى حدودها الداخلية،  وفي سبيل ذلك أعادت الاستعمار من جديد من خلال القواعد العسكرية مع كل الدول الاستعمارية .

إن أعداء الوحدة لم يقدموا بديلا حقيقيا حيث أصبحت التبعية ومشروع الأحلاف خاصة بعد رحيل الزعيم الرمز جمال عبد الناصر هي النهج لكل الأقطار العربية، تلك المشاريع التي حاربها جمال عبد الناصر وطاردها في كل الوطن العربي .

لذلك وبتجارب التاريخ لا بديل لأمتنا عن الوحدة إذا أردنا الحياة بكرامة، ولكن قبل كل شيء  على دعاة التيار الوحدوي أن يوحدوا صفوفهم أولا  وثم الخروج للشارع العربي وإقناعه أن الوحدة لمصلحته الشخصية والوطنية معا  ، فإذا لدى البعض حجج لفشل كل المحاولات الوحدوية فهناك 23 دولة عدد الدول العربية تثبت أن الدولة القطرية فاشلة وضعيفة حتى في حماية ذاتها .

واليوم أصبح الهدف من هذه الدويلات وظيفة أكثر مما هي كيان  وأغلبها بالفعل دول وظيفية سواء لحراسة أمن الصهاينة أو حراسة أبار النفط والغاز ، والأنظمة الناطقة بالعربية تراهن على هذين الهدفين لكن من قال أن هناك نظاماً عربياً سيكون آمنا، خصوصاً وان السيدة الامريكية  متخصصة في شطب عملائها بعد انتهاء أدوارهم وضرورة تغيرهم، بدءاً  من السادات لمبارك  وصولا لزين العابدين  وقبل ذلك شاه إيران  وغيرهم الكثير .

لذلك ندعو كل مثقفي الأمة الى العودة لخيار الوحدة  بعد فشل كل الخيارات الأخرى من القطرية للتأسلم الكاذب، وقبل هذا وذاك علينا إقناع الشارع العربي بأن الوحدة مصلحة قومية لكل إنسان عربي .

نعم المشوار طويل والطرح يبدو مثاليا ولكنه غير مستحيل، وهذا ما تؤكده حقائق التاريخ والجغرافيا.. فالوحدة تعني القوة، وغير ذلك يبقى محض عبث سياسي يكرر نفسه على كل أمة لا تستفيد من تجاربها .

ولا عزاء للصامتين .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى