صعود اليمين المتطرّف واليسار الجديد في أوروبا يقلق إسرائيل

 

اضطر جيرمي كوربن، زعيم حزب العمال البريطاني المعارض المعروف بانتقاده لسياسات إسرائيل، والذي قد يتولّى رئاسة الحكومة البريطانية القادمة للاعتذار عن اجتماع عقد في عام 2010 ألقى أحد المشاركين فيه الذين دعاهم كلمة قارن فيها بين الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو والنازيين الألمان.

وتصاعدت هجمة اللوبي الصهيوني البريطاني ضدّ كوربن حديثا في محاولة لتشويه سمعته، وإضعاف فرص حزب العمال الذي يرأسه في الفوز في الانتخابات القادمة، ومنعه من الوصول إلى رئاسة الوزراء؛ فقد ذكرت صحيفة ” ديلي ميل ” اليمينية أن كوربن زار تونس في العام 2014 ووضع إكليلا من الزهور على ضريح في مقبرة تضمّ رفات شهداء فلسطينيين من بينها رفات منفّذي عمليّة ميونخ، ودخل بنيامين نتنياهو على خط المواجهة بقوله إن كوربن” يستحق إدانة صريحة من اليمين واليسار وما بينهما.” وردّ عليه الأخير بالقول ان ” ما يستحق الإدانة هو قتل القوات الإسرائيلية 160 محتجّا فلسطينيا” في غزّة.

ما يزيد من قلق إسرائيل ليس عداء كوربن لها فقط، بل التغيير الكبير الذي حدث مؤخرا في أصوات الناخبين الأوروبيين وأدّى إلى تراجع أحزاب يمين الوسط واليسار الاشتراكي – الديموقراطي، وإلى ازدياد نفوذ أحزاب اليمين المتطرف واليسار الذي كان جليا في النجاح الذي حققته في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في فرنسا وألمانيا وبريطانيا والسويد والنمسا وهولندا وسويسرا واسبانيا واليونان والبرتغال والدانمارك.

فما الذي غيّر المعادلة السياسية في عدد من الدول الأوروبية؟ ولماذا تراجع التأييد الشعبي الأوروبي لإسرائيل؟ هنالك عدة أسباب منها زيادة أعداد المهاجرين بشكل كبير، والمخاوف الأمنية التي نتجت عن الهجمات الإرهابية في عدة مدن أوروبية، ونجاح الخطاب العنصري في الولايات المتحد ووصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

لكن السبب الأهم كان الانهيار الاقتصادي الذي حدث في عام 2008 وأدّى إلى زيادة البطالة والتضخم وزيادة الأسعار، وفسره الكثير من الناخبين الأوروبيين بنظرية المؤامرة، واعتبروا أحزاب اليمين الوسط واليسار الوسط التقليدية والمؤسسات الاقتصادية التي يتمتع اليهود والمؤيدون لإسرائيل بنفوذ كبير فيها مسؤولة عنه.

اليمين المتطرف واليسار الأوروبي المعارض لنفوذ ” اللوبي ” الصهيوني الأوروبي وإسرائيل الآخذ في الصعود يقلق الصهاينة الأوروبيين وإسرائيل؛ إسرائيل تدرك أن دعم الناخب الأوروبي لليمين المتطرف واليسار سيساهم في كشف حقيقتها كدولة عنصرية تحتل أراضي الغير، ويعرّض نفوذها في أوروبا إلى المزيد من التراجع، ولهذا فإنها تسعى لإعادة تعريف معاداة السامية بطريقة تحوّل جوهر هذا المفهوم …. من كراهية اليهود إلى انتقاد إسرائيل …. ، أي إلى اتّهام كل شخصيّة  أوروبيّة تنتقدها وتتعاطف مع الفلسطينيين بمعاداة السامية والعمل على تدمير مستقبلها السياسي.

كوربن ليس الوحيد بين قادة الأحزاب الأوروبية الذي يعارض سياسات إسرائيل العنصرية ضدّ الفلسطينيين، وينتقد رفضها لحل الدولتين السلمي وتتّهمه بجلب ما تسمّيه .. بموجة معاداة السامية .. إلى الجماهير الأوروبية؛ لكن المفارقة التي تخيف إسرائيل أن كوربن فعل ذلك بينما يقود حزبا أوروبيا عريقا له سمعته ونفوذه الواسع ومن الممكن أن يكون رئيس وزراء بريطانيا المقبل. ولهذا فإنها تبذل جهدها لحرق أوراقه من خلال اتهامها له بمعادات السامية في محاولة لمنعه من الوصول إلى الحكم.

مفهوم معاداة الساميّة لا يعني الدفاع عن ممارسات إسرائيل؛ ولكنها تعمل جاهدة للالتفاف عليه وتغييره، ومن ثمّ تسخيره في التصدي لكل من ينتقد سياساتها العنصريّة واحتلالها للأراضي الفلسطينية.

* كاتب فلسطيني

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى